أتى عليه الزمن وطالته أيادي المخرّبين

تــراث الجـزائــر المادي في خـطــر

حبيبة غريب

تتعرّض عديد المواقع الأثرية المفتوحة على الهواء الطلق بالجزائر يوميا، إلى التداعي والتآكل بسبب عوامل الطبيعة والزمن، وهو أمر طبيعي بالنسبة للعلماء والباحثين في الحضارات والآثار والأنثروبولوجية، الذين يدقّون ناقوس الخطر حول ظاهرة التلف والتخريب والسطو التي تطال أكثر فأكثر هذه المواقع من مجموعات وأفراد انعدم عندهم حس المواطنة والوعي والمسؤولية اتجاه أهمية ذاكرة الشعب التاريخية والحضارية، وما يرتبط بهما.
سطو، نهب وحفريات عشوائية غير مصرّح بها بغية الاتّجار غير الشرعي بالآثار، تخريب رسومات حائطية ومقابر جنائزية تعود إلى فترة ما قبل التاريخ، تحويل مواقع أثرية وتاريخية إلى مفرغات عشوائية للنفايات، وإضرام النيران فيها، نهب الحجارة القديمة والفسيفساء وإعادة استعمالها في بناء منازل خاصة..هي سلوكيات أقل ما نصفها به هو إجرام في حق تاريخ الشعب الجزائري وحضارته الممتدة عبر آلاف السنين.
هذه الظاهرة السلبية تأخذ أبعادا خطيرة جدا في الآونة الأخيرة، والأمثلة كثيرة للأسف الشديد، نذكر منها الأضرار التي ألحقها بعض السياح العام الماضي بالنقوش الأثرية بالواحة الحمراء تاغيت، التي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ، كتبوا عليها خربشات وطُمس بعضها، ولم يبال الفاعلون المجرمون بقيمتها التاريخية والإنسانية التي لا تقدرّ بثمن.

حزن القصبة..وبكائية وهران

قصبة الجزائر التي تحتفي بالذكرى 28 لتصنيفها من قبل اليونيسكو ضمن التراث العالمي للإنسانية، في 12 ديسمبر الجاري، تعاني هي الأخرى من الانهيارات الجزئية أو الكلية لمبانيها، وتحويل الكثير من أزقتها أو مواقع الأبنية المنهارة إلى مفرغات عشوائية ونقاط سوداء للقمامة، بالرغم من وجودها في قلب مشروع وطني وعالمي لترميمها والحفاظ عليها.
وهران من بين المدن التي تضرّرت كثيرا ولا تزال تتضرر معالمها الأثرية والتاريخية، حيت سمحت السلطات المحلية في التسعينات ببناء مجمّعات سكنية ومركبات سياحية على العديد من المواقع الأثرية المصنّفة مثل المدينة الرومانية «كاسترا بويروم»، التي غزاها الاسمنت وطمست الكثير من معالمها، أو منطقة جرف العالية بالعنصر التي أتت عليها المحاجر.  لا تقتصر عمليات التخريب والإهمال والطمس المواقع الأثرية بالمناطق الشمالية، فالقصور الصحراوية هي الأخرى عرضة للتلف والهدم.
تعاني العديد من القصور العتيقة بالأغواط ورقلة، بشار وتقرت، من أعمال التخريب وسلوكيات غير الحضارية من أناس يجهلون قيمتها التراثية ومكانتها في ذاكرة وهوية المنطقة والسكان.
وإن كان حماية التراث المادي واللامادي مكفولة من قبل الدستور وتعرضها للتخريب والسطو يعاقب عليه القانون، تبقى الحفاظ عليها رهن تفعيل دراسات ومخططات الحماية والحفظ والتصنيف، ووضع استراتيجية لتوعية المواطن الجزائري حول أهميتها وإشراكه في عملية الحفاظ عليها.
إنّ الحفاظ على هذا التراث المادي ليس من باب الحفاظ على الذاكرة الحضارية وحسب، بل هو أيضا حماية مورد اقتصادي بامتياز قد يكون في قلب مشاريع سياحية تعود بالفائدة على السكان المحليين والاقتصاد الوطني ووجه الجزائر السياحية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19460

العدد 19460

السبت 04 ماي 2024
العدد 19459

العدد 19459

الأربعاء 01 ماي 2024
العدد 19458

العدد 19458

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024