الأستاذ عبد السلام فيلالي لـ «الشعب»:

قراءة مسعى الدستور ضمن سياق التحولات العميقة

حاورته: فريال بوشوية

 توسيع دائرة النقاش على الاقتراحات والتطلعات

شدد أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة عنابة عبد السلام فيلالي، على ضرورة قراءة  «مسعى تعديل الدستور ضمن سياق التحولات العميقة التي تشهدها الجزائر منذ بداية حراك 22 فيفري 2019»، وأفاد في حوار خص به «الشعب» أن  «مسألة وضع دستور جديد جد حيوية ومصيرية، في تاريخ أمة تريد النهوض والتوافق مع متطلبات المجتمع الدولي»، منتقدا إدراج ما يعتبر قوانين أساسية وتفصيلات واستثناءات، في وقت تقوم روح الدستور على طرح محددات عامة.

- «الشعب»: ما هي قراءتك لمسودة تعديل الدستور؟
 عبد السلام فيلالي: ينبغي أن نقرأ مسعى تعديل الدستور ضمن سياق التحولات العميقة التي تشهدها الجزائر، منذ بداية حراك 22 فيفري 2019، الأمر بالنسبة لنا يتحدد كوضع فريد ومعقد.
 إنه وبدون أي توظيف مصطلحي أستطيع أن أستخدم تعبير «الجمهورية الثانية»، وذلك لأن مسار ومبتغى هذه التحولات يصب ضمن هدف كبير وهو ربط الدولة بالمجتمع. طرح هذا التعبير يجعلنا نقر بممارسات سياسية مستجدة في تاريخ الجزائر المستقلة، من خلال بروز أدوار كانت مغيبة في السابق فيما يتعلق بمتطلبات المواطنة.
أقصد مشاركة المواطنين في صياغة الأهداف المجتمعية ومتابعتها ثم تقييمها. الأمر هذا جاء نتيجة إدراك عام على المستوى النظري وعلى مستوى الممارسة، مفادها أنه لا يمكن للجزائر أن تحقق نتائج مُرضية ومنصفة في جميع مجالات التنمية (اقتصاديا، اجتماعيا، سياسيا، وثقافيا) دون انخراط المواطنين في الحياة السياسية من خلال الاهتمام بالقضايا العامة.
قد يبدو هذا الطرح مبالغا فيه، ولكنه في نظري ممكن المعاينة تبعا للمناقشات ووعي الجزائريين بحتمية التغيير والتخلص من المعوقات التي ظلت تُفشل المساعي التنموية وترقية الفضاء العام. أقول هذا بالنظر إلى الطموحات الكبيرة التي تأسست كمسار تحرري وتنموي قبل وبعد الاستقلال مباشرة. لقد كان هذا المسار ملهما ومصدر إعجاب كبير في الشرق والغرب، والحقيقة أني كدارس له أشعر أنه يمكننا الاستلهام منه دائما ويوجهنا بشكل دقيق نحو أهدافنا في بناء «الجمهورية الجديدة».
وكذلك يجب أن يظل بالنا مركزا على تلك المشاهد العظيمة لالتحام كل فئات ومؤسسات الشعب خلال مظاهرات ومسيرات الحراك، كان انخراطا بديعا وواثقا للمواطنين بأنه لم يعد مقبولا أو ممكنا بناء الجزائر وفق أطروحة انفصال الدولة عن المجتمع ووصاية النخب السياسية واحتكارها للقرار.
 الخلاصة أنه لا تجاوز بعد هذا الانعطاف التاريخي لدور المواطن، وفي نفس الوقت يجب أن نواجه أنفسنا بحقائقنا وبالنقائص، وهي تستدعي ممارسة النقد الذاتي بكل مسؤولية لأجل التغيير، لقد بينت تجربتنا في مواجهة جائحة كورونا كيف أن فاعلية القرار السياسي تظل رهينة الاستجابة الواعية والإيجابية للمواطنين.
من خلال هذا التمهيد، تبرز الأهمية القصوى لإعادة الاعتبار للسياسة واتخاذ جملة من القرارات التي تصب في خانة التخلص من منظومة الفساد وإبراز حسن النية من أجل النجاح في جلب الكفاءات والقدرات التي يمكنها أن تساهم في بناء «الجزائر الجديدة». إنه عبر دراسة مختلف تجارب عمليات الانتقال الديمقراطي في العالم ابتداء من تجربة دول أمريكا اللاتينية في ثمانينات القرن الماضي ثم دول أوروبا الشرقية في التسعينات، وطبعا دول آسيوية، ندرك أن لهذا التغيير عنوان أولي وهو استعادة الثقة ثم إدراك الجميع أن طريق الديمقراطية هو الطريق الأنسب لتحقيق أهدافنا المجتمعية والتنموية.
فنلاحظ بالتالي أن مسألة وضع دستور جديد، وهي مسألة جد حيوية ومصيرية في تاريخ أمة تريد النهوض والتوافق مع متطلبات المجتمع الدولي، هي تتويج لروح التغيير وانتصار قيم المواطنة والتفكير القائم على الانتصار للمصالح العامة.
لقد تم قطع خطوات جد مهمة وتحسب ضمن متطلبات الدمقرطة وبناء نموذج اقتصادي قادر على تحقيق النمو والرقي الاجتماعي. هذه الخطوات يمكن تسميتها، وهي تتعلق بـ:
أ- استعادة الأخيار للقرار الوطني تماما وفق روح ثورة أول نوفمبر 1954 المجيدة.
ب- التخلص من منظومة الفساد وإبعاد المتسببين فيه وفي هدر موارد البلاد واستباحتها بشكل غير مسبوق.
قد تبدو هذه الخطوات تتويجا للحراك، لكن يجب أن نتفطن إلى أن الانحراف والزيغ الذي أوقع الجزائر في أزمة خطيرة جدا قد جاء بعد تجربة التعددية السياسية التي أقرها دستور 23 فيفري 1989، ومن ثم لا يجب الانتقال مباشرة إلى صياغة دستور جديد، دون ضمان سلامة الطريق ووجاهة القرار المتخذ، بل ينبغي القيام بمبادرات قوية تخدم مسار بناء «الجزائر الجديدة» فيما يخص التخلص من منظومة الفساد.
 المواطن الجزائري لن يقنع بأي تغيير لو أن الأحزاب السياسية التي كرست الفساد ومؤسسته تعود للنشاط، هذا أمر سلبي جدا، وثم بروز نخبة سياسية جديدة تعمل بشكل مختلف عما خبرناه من ممارسات سياسية، أي أن يكون المنطلق هو اهتمامات وانشغالات المواطنين وبلورة مقترحات وبرامج سياسية تحظى بتزكيتهم ودعمهم. هنا يجب

أن نقول بوجود هذه النخبة، المطلوب تركها تعمل في بيئة إدارية سليمة.
أنا لا أشك في وجود نية التغيير، ولكني أركز على وجوب التقيد بالإجراءات الكفيلة بإنجاح مسعانا وتطلعاتنا التي تتجلى واضحة، دقيقة وحامية للوطنية الجزائرية في دستورنا الجديد، بحيث نقرأ في مواده معالم «الجمهورية الثانية».
- يسجل من خلال النقاش الأولي إثارة عدم الحسم في طبيعة النظام السياسي، ما رأيك؟
 لا يوجد لدينا ما نعيد صياغته حول طبيعة النظام السياسي، فهذا ميراث نضالات وتضحيات الشعب الجزائري، مثلما هي واردة في بيان أول نوفمبر 1954، إنه نظام مرتبط ببنية الدولة الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية ذات السيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية، القائمة على احترام جميع الحريات الأساسية دون تمييز عرقي أو ديني، لا نقاش حول هذه الأولية النوفمبرية، فالنظام السياسي ينشأ تبعا لهذه الأهداف العامة التي تقوم على السيادة الشعبية.
التفصيل بعد ذلك لا يختلف عن عمل جميع الأنظمة السياسية في العالم، حيث الاعتبارات الديمقراطية هي مشتركة أي تحقيق دولة القانون، العدالة الاجتماعية، والمساءلة، فمن ناحية النصوص الدستورية السابقة منذ أولها لسنة 1963 وإلى غاية آخرها لسنة 2016، هي نصوص تستجيب لهذه الاعتبارات حتى وإن تباينت الإيديولوجيات، بيد أن دراسة نقدية للتاريخ السياسي الجزائري تكشف مكمن الخلل، وهو بكل وضوح يُرصد في انفصال المجتمع عن النظام السياسي، ما أدى إلى اتساع رقعة الفساد.
- انطلاقا من تخصصكم في علم الاجتماع السياسي ماذا تقترحون لتعزيز الوثيقة؟
 يجب أن تحدد قواعد اللعبة السياسية بوضوح ودقة، بحيث تنجح في قطع الطريق أمام المغامرين وأدعياء الفضيلة وتردع الفساد والتحايل والعبث بتاريخ ومقومات الجزائر، ابتداء هذه القواعد يكون بواسطة عمل نخبة سياسية وطنية، كفؤة، أمينة مدركة للتحديات العالمية، تنجح في رصد الموارد الضخمة التي تتوفر عليها بلادنا (مادية وبشرية) وتوظيفها بشكل عقلاني وحكيم عبر تثمين العمل الجاد.
حين نربط المجتمع بدولته، وحين نقيم قواعد عمل سليمة مبدأها العمل والتنافس في كنف القانون، أنا متأكد أنه بوسع الجزائريين أن ينجزوا الكثير، لا ننسى أن بعض رجال الأعمال الحاليين بدأوا من تجارة الحقيبة في بداية التسعينات ونجحوا فيما بعد عبر استثمارات منتجة.
لا أعتقد أن تحرير مواد دستورية أمر معقد بالنسبة لذوي الاختصاص، إننا نحتاج فقط إلى بلورة منطلقات وتطلعات الحراك الشعبي مع مراعاة تراكم الخبرة والممارسة القانونية على ضوء الأشياء الإيجابية التي حُققت ثم التدرج مع متطلبات الحكم الراشد والاقتصاد الحر والنزاهة. تبعا لأبسط قواعد النظم السياسية التي تقوم على مبدأ الفصل بين السلطات ومراقبة بعضها لبعض.
- ما هي النقائص التي تسجلونها؟
 أهم ما يمكن تسجيله من نقائص هو الاستطراد المفرط وإدراج ما يعتبر كقوانين أساسية وتفصيلات واستثناءات ضمن الدستور، فكما سبق لي وأن قلت إن روح الدستور تقوم على طرح محددات عامة توافقية وضابطة ثم يأتي دور القوانين الأساسية والخاصة للتفصيل والتي تستمد شرعيتها ووظائفها من الدستور.
 فمفاهيم الحرية، المواطنة، الديمقراطية، حقوق الإنسان، والحوكمة تدخل ضمن المفاهيم الوظيفية في أدبيات الفكر السياسي المعاصر، بحيث لا تحتاج إلى إعادة تعريف وشرح وتفصيل في الدستور، لأنه ليس مكانها.
أعتقد أنه حدث بعض الوضوح في موقف المجتمع من هذا التعديل، مع ما تم معاينته من نقاش عموم المواطنين والباحثين والأكاديميين.
ليس إشكالا أن نكتب دستورا، ولكن أن نحقق النقلة والنهضة المأمولة والمنتظرة لبلادنا، وهذه ليست مرتبطة بالنصوص وإنما بالإرادة الحرة الفاعلة. هذا أهم منجز وقطيعة مع الممارسات الشائنة التي أضرت بالجزائر، نذكر على سبيل المثال هدر ونهب في مشروع تركيب السيارات الذي نُفذ بناء إلى نزعة الاستيراد التي تحقق ربحا سريعا ومضمونا وليس وفق مخطط تنمية شامل.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024