أستاذ العـلاقات الدولية د.مصطفـى بخـوش لـ «الشعب»:

الأفضلية ستكون لصالح البوليساريو في حربها ضد الاحتـلال

حوار: حمزة محصول

 إسرائيل وقوى أخرى ورطت المغرب في الكركرات

يعتقد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، د. مصطفى بخوش، أن المغرب رضخ لمغريات الكيان الصهيوني وقوى  وظيفية في المنطقة، من أجل فتح معبر الكركرات بالقوة، ويعتبر أن الخطوة المغربية جاءت بهدف الضغط على الجزائر التي ترفض التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، ويرى في المقابل بأفضلية البوليساريو في حال نشوب الحرب مع المغرب.
- «الشعب»: حدثت تطوّرات مهمة في قضية الصحراء الغربية. المغرب خرق اتفاق وقف إطلاق النار، الموقع سنة 1991 بينه وبين جبهة البوليساريو، باستخدامه القوة العسكرية بمعبر الكركرات، لترد الأخيرة، بالانسحاب من الاتفاق العودة وإعلان استئناف الكفاح المسلح ..ما هي قراءتك لكل ما حصل ؟
 دعني أولا أشير إلى جملة من المغالطات التي يروّج لها النظام المغربي بشأن القضية الصحراوية وذلك لخلط الأمور بقصد تدمير مسار تصفية آخر قضية استعمار في افريقيا، والذي أقرّته الأمم المتحدة وباتفاق طرفي النزاع المغرب وجبهة البوليساريو، سنة 1991، من خلال تنظيم استفتاء تقرير المصير وفق ما تنصّ عليه أحكام القانون الدولي. وسأتوقف هنا عند بعض قضايا الخلط من أجل توضيحها:
أولا: جبهة تحرير واد الذهب والساقية الحمراء «البوليساريو» ليست حركة انفصالية كما تروّج الدعاية المغربية. بل هي حركة تحرّر وطنية تعود نشأتها لبداية السبعينيات (1971) عندما قام مجموعة من الطلبة الصحراويين بإنشاء حركة تحرير واد الذهب والساقية الحمراء من الاستعمار الاسباني، ثم تحوّلت سنة 1973 لجبهة البوليساريو التي اعتمدت الكفاح المسلح لتحرير الصحراء الغربية من الاستعمار الاسباني وبعدها من الاستعمار المغربي الذي حلّ محلّه بعد اتفاقية مدريد سنة 1975 الثلاثية لتقسيم الصحراء الغربية بين المغرب وموريتانيا مع ضمان المصالح الاسبانية (اتفاق مدريد الثلاثي بين موريتانيا والمغرب وإسبانيا في 14 نوفمبر 1975 لتقسم الصحراء بين المغرب وموريتانيا بموجبه تحصل المغرب على منطقة واد الذهب وتحصل موريتانيا على منطقة الساقية الحمراء مع ضمان حماية المصالح الاسبانية في المنطقة).
ثانيا: الحديث عن استفزازات صحراوية متعلقة بتعطيل حرية حركة السلع والبضائع عبر معبر الكركارات غير صحيح، فالمعبر في حدّ ذاته غير شرعي ولا يتوافق مع قرارات وقف إطلاق النار الموقعة بين طرفي النزاع سنة 1991 وهو عبارة عن ثغرة أحدثتها القوات المغربية بشكل غير شرعي في الحاجز الرملي الفاصل بين طرفي النزاع.
ثالثا: الادعاءات المغربية بمغربية الصحراء قابلتها في بدايات النزاع ادعاءات موريتانية بموريتانية الصحراء، مقابل مطالب البوليساريو بالاستقلال وإقامة دولة مستقلة. غير أن موريتانيا وبسبب قلة مواردها وضعف إمكانياتها أولا وبسبب قبول المغرب بالاعتراف باستقلال موريتانيا (تأخر اعتراف المغرب بموريتانيا 9 سنوات كاملة حيث جاء هذا الاعتراف سنة 1969) والتخلي عن نزعتها التوسعية ومطالبتها بمغربية موريتانيا تخلت عن مطالبها في الصحراء لينحصر الصراع بين طرفين اثنين هما المغرب وجبهة البوليساريو.
رابعا: جاء رأي محكمة العدل الدولية لينسف الادعاءات المغربية بمغربية الصحراء إذ أكد أن كلا من المغرب وموريتانيا لا تملكان الأهلية القانونية للتصرف في إقليم الصحراء لأنهما لم تمارسا السيادة على الإقليم. فقد أعلنت المحكمة عن رأيها الاستشاري النهائي بتاريخ 16 أكتوبر 1975 بإصدار قرار تفصيلي يتضمن الإجابة على سؤالين مركزيين. بالنسبة للسؤال الأول: هل كانت الصحراء الغربية بدون سيد لحظة استعمارها؟ أجابت المحكمة بالرأي التالي: إن الصحراء الغربية -الساقية الحمراء وواد الذهب- لم تكن أرضا بدون سيد لحظة احتلالها من قبل إسبانيا. أما بالنسبة للسؤال الثاني بشأن الروابط القانونية بين الإقليم وكل من المغرب وموريتانيا، أجابت المحكمة: «إن الوثائق والمعلومات المتوفرة لدى المحكمة تبرهن عدم وجود روابط حقوقية وولاء بيعة بين ملك المغرب وبعض قبائل الصحراء لحظة الاستعمار الإسباني». غير أن المحكمة أشارت لوجود مشتركات كثيرة بين سكان المنطقة بشكل عام، وسأعود إلى هذه الجزئية لاحقا لأبني عليها تصورا للحل بعيدا عن الاصطفافات القائمة اليوم.
وبالعودة إلى سؤالك بودي التأكيد أنه لا يمكن فهم ما يحدث اليوم بشأن القضية الصحراوية بعيدا عن حالة الاضطراب والفوضى التي يعيشها النظام الدولي، حيث أزعم أننا بصدد دورة جديدة للصراع الدولي وإعادة توزيع القوة، تتجسد في المواجهة الفكرية والسياسية والاقتصادية بين قوى صاعدة وجلها في آسيا وعلى رأسها الصين ودول تحاول الحفاظ على هيمنتها وتفوّقها وهي الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.
وأشير هنا إلى فكرة صعود الصين الذي حذرت منه كاتبة الدولة الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون، وطلبت من الدول الأفريقية توخى الحذر من الإمبريالية الصينية في أفريقيا وهو تصريح يعكس نية الولايات المتحدة في مواجهة نفوذ الصين المتصاعد اقتصاديا وفكريا وثقافيا. بينما يؤكد الصينيون بشأن الموضوع أن صعود الصين سلمي China’s peaceful rise ويتحدثون أكثر على China’s peaceful development وتم تبني هذا المصطلح لدحض نظرية التهديد الصينية التي تنطلق من فكرة أن صعود الصين لن يهدد الأمن والسلم الدوليين.
 وانعكس هذا الاضطراب الدولي على المستوى الإقليمي حيث تريد قوى إقليمية عديدة الاستفادة من هذا الاضطراب وتجييره لتحقيق مصالحها. وما يهمنا نحن في هذا الحوار هو دور الكيان الصهيوني الذي يراهن في هذه اللحظة التاريخية على تحقيق اختراقات حقيقية في المنطقة تسمح له بتصفية القضية الفلسطينية. فبعدما أقنع الإدارة الأمريكية بإطلاق ما بات يعرف إعلاميا بصفقة القرن والتي استطاع تسويقها مع بعض القوى الوظيفية في المنطقة، وهنا تقاطعت المصالح المغربية بشأن قضية الصحراء الغربية مع الطموحات الاسرائيلية للاندماج في المنطقة عبر مشروع التطبيع وعبر مساندة قوى أخرى للضغط على الجزائر التي ما تزال من الدول القليلة التي ترفض أي تطبيع مع الكيان الصهيوني دون تسوية القضية الفلسطينية. حيث بادرت اسرائيل عبر هذه القوى بإطلاق عملية مقايضة تقوم على دعم المغرب في قضية الصحراء الغربية بدءا بفتح قنصلية في مدينة العيون المحتلة وهو ما يشكل خرقا للقانون الدولي والأعراف الدبلوماسية مقابل التطبيع والاعتراف باسرائيل. وأزعم أنها هي ومن ورائها اسرائيل هي من ورطت المغرب لفتح ثغرة الكركرات لخلق بؤرة عنف جديدة في المنطقة للضغط أكثر على الجزائر ومساومتها على مواقفها المبدئية.
- في الوقت الذي راهن المغرب على فرض سياسة الأمر الواقع في معبر الكركرات ثم العودة إلى الوضع السابق..قررت البوليساريو العودة إلى حمل السلاح، ماهي الأهمية الاستراتيجية لهذا الخيار بالنسبة للشعب الصحراوي ؟
 أعتقد أن لا المغرب ولا البوليساريو يريدان ويراهنان على الحرب. لأنها وفي ظل الأزمات الاقتصادية المتتابعة والمتزامنة مع جائحة كوفيد 19 مكلفة جدا، وقد تتجاوز قدرات وإمكانيات الطرفين على تحمّلها. لذلك أرى أن البوليساريو تريد من خلال قرارها إنهاء الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار وأعلنت الكفاح المسلح إلى إرسال إشارات إنذار للمجتمع الدولي بشأن مآلات مسار تنظيم الاستفتاء التي بقيت تراوح مكانها منذ 1991.
 وهي بذلك تريد بعث حركية جديدة لهذا المسار، عبر دفع الأمين العام للأمم المتحدة لتعيين مبعوثه الخاص وإحياء عملية الاستفتاء من خلال حسم مشكلة تحديد هوية الناخبين الصحراوين. أما بالنسبة للمغرب فهو ورغم الاغراءات إسرائيل والقوى المتحالفة معها أذكى من يتجاوز حقائق التاريخ ومنطق الجغرافيا ولن يستسلم في تقديري لإغواء الحرب لأنها في غير مصلحته.
- الآن نتحدث عن موازين القوى المسلحة بين الطرفين.. هناك من يعتقد أن التفوّق الجوي للمغرب قد يصنع الفارق..ولكن رأينا في ليبيا واليمن أنه لا يمكن كسب المعارك من الجو، وإنما هناك محدّدات أخرى..ما رأيك؟
 أعتقد أن الحرب لو اندلعت لن تكون كلاسيكية أبدا وحساباتها ستختلف عن حسابات الحروب التقليدية. لذلك علاقات القوة فيها لن تكون أبدا محكومة بكم وبما تملك من أسلحة وفقط، ولكن كذلك باستراتيجيات وتكتيكات إدارة المعارك أولا، ثم بكيفية استغلال وتوظيف العوامل غير العسكرية في إدارة الحرب. وهنا بالتأكيد الأفضلية ستكون لصالح البوليساريو لاعتبارين اثنين، أولهما هو طبيعة البوليساريو كحركة تحررية تملك جيشا غير تقليدي يتقن حروب العصابات ويتمتع بسهولة وسرعة الحركة والانتشار، وثانيهما هو أن البوليساريو وبعكس المغرب لا تملك مراكز حيوية يمكن استهدافها وتخريبها وتدميرها بمعنى أن للبوليساريو بنك أهداف مغربي متعدّد ومتنوّع بعكس المغرب.
- لو نضع التطوّرات في الصحراء الغربية في السياق الاقليمي، هل يمكن القول أن منطقة شمال افريقيا ككل لم تعد منطقة هدوء استراتيجي ؟
 نعم بكل تأكيد منطقة شمال افريقيا ومنذ مدة تحولت من النيل إلى المحيط إلى فضاء مضطرب يشكل تهديدا ليس لدولة فقط وإنما كذلك لكل دول حوض المتوسط وامتداداتها في الشمال (الاتحاد الأوربي) بسبب ما قد يترتب عن هذا الاضطراب من هجرات جماعية تنتج اضطرابات اجتماعية واقتصادية في كامل المنطقة. ولعل المشاكل التي أثارتها قضية الهجرة داخل وبين مؤسسات ودول الاتحاد الأوربي وصعود الاسلاموفوبيا مؤشرات واضحة على ما يمكن أن يترتب عن أيّ انزلاق جديد في المنطقة.
- من يتحمّل في رأيك مسؤولية فشل مسار التسوية الأممي منذ 1991؟
 كان المغرب وما يزال هو المعطل الأول لمسار التسوية الأممي وذلك باختلاق مشاكل إجرائية واهية لتعطيل إجراء الاستفتاء، خصوصا ما تعلق بمسألة تحديد هوية من يحق لهم المشاركة في الاستفتاء من الصحراويين. ويكفي هنا الإشارة لشهادة جيمس بيكر المبعوث الخاص السابق للأمين العام الذي أكد في حوار مع بي بي سي أن الأسباب التي أدت إلى إجهاض عملية الاستفتاء ناتجة عن عصبية بعض الأطراف وخصوصا المغاربة،حيث يقول جيمس بيكر: «كلما اقتربنا من الحل أصبح المغاربة أكثر عصبية لخشيتهم على ما أظن أن لا يكون الاستفتاء في صالحهم».
غير أن اللافت هو حجم التناقضات التي يحملها خطاب النظام المغربي الذي يتهم الجزائر بتعطيل مسار الاستفتاء وبالوقوف وراء كل مشاكل المغرب وتهديد وحدته الترابية وتعطيل مسار التكامل المغاربي.
- نتحدث عن الجزائر، ماهي أفضل الخيارات التي عليها القيام بها في ظل هذه المستجدات؟
 أولا، يجب التذكير هنا أن الجزائر لم تكن أبدا طرفا في النزاع، وعبرت في أكثر من مناسبة على ذلك وأكدت على موقفها المبدئي القائم على احترام مبادئ القانون الدولي والشرعية الدولية التي تؤكد على حق الشعوب في تقرير مصيرها، خاصة منها إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة الذي اعتمد بموجب قرار الجمعية العامة 1514 من 14 ديسمبر 1960. كما تؤكد الجزائر على مبدأ الحفاظ على الحدود الموروثة عن الاستعمار وهما من أهم المبادئ التي قامت عليها منظمة الوحدة الافريقية (الاتحاد الافريقي حاليا). بل وأكثر من ذلك عبرت الجزائر عن استعدادها لمباركة وتزكية أيّ حل توافقي يصل إليه طرفا النزاع. وهنا أعتقد أن للجزائر مسؤولية أخلاقية وتاريخية اتجاه القضية الصحراوية بحكم أولا إرث ثورة نوفمبر المجيدة التي سمحت للجزائريين من التحرر من الاستعمار الفرنسي الذي خضع لإرادة الشعب الجزائري بتنظيم استفتاء تقرير المصير الذي انتهى إلى استقلال الجزائر، ثم ثانيا بحكم علاقات القرب والجوار وأواصر الأخوة التي تجمعنا مع الشعبين الشقيقين المغربي والصحراوي. لذلك على الجزائر أن تتجاوز المقاربات التقليدية السائدة اليوم وتفكر في كيفيات وأساليب جديدة تسمح بتحويل قضية الصحراء الغربية من أزمة ترهن مستقبل كامل المنطقة إلى مدخل لبعث مسار تكاملي جديد يتجاوز منطق الأنظمة المأزوم لصالح منطق الشعوب المأمول. وذلك عبر التفكير في حلول مبتكرة ومن خارج الصندوق لبعث مسارات جديدة تضمن حقوق الجميع وتسمح بتشبيكها بشكل يخلق مركب جديد يقوم على مفهوم جديد للمصالح يتجاوز الولاءات والانتماءات الضيقة. فالجزائر وبحكم موقعها ووزنها يجب أن تقدم نفسها كطرف مسهل وميسر (Facilitator) لتطوير مقاربة جديدة تسمح ببعث نظام مغاربي جديد، يتجاوز حالة الانسداد ومراوحة المكان والخلافات العقيمة، ليفسح المجال لمسار تكاملي تستفيد فيه كل شعوب المنطقة بشكل عادل ومنصف.
في الأخير، بودي التأكيد أن الحرب ليست مجرد فسحة أو فرجة تنتهي بترديد عبارة يوليوس قيصر الشهيرة التي لخص فيها انتصاره في معركة زيلا جئت ورأيت وانتصرت  Veni, vidi, vici. لكنها للأسف وفي أغلب الحالات تتحوّل لمأساة إنسانية تدفع الشعوب تكلفتها دما وجوعا وتخلّفا. لذلك فليس من مصلحة أيّ طرف التورّط في حرب جديدة الجميع في غنى عنها.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19450

العدد 19450

السبت 20 أفريل 2024