الوزير عمار بلحيمر:

الإعلام الجزائري بشقيه العمومي والخاص إسهاماته إيجابية بالدفاع عن القضايا الوطنية

حوار: زهرة بوسكين

هو حوار يحيل القارئ المتخصص على فضاءات اكتشاف سياسي ومثقف من طينة الكبار باحث متمرس تعتبر مؤلفاته في القانون والإقتصاد والسياسة من ركائز الدراسات العلمية، وزير الإتصال الناطق الرسمي للحكومة الجزائرية البروفيسور عماربلحيمر والذي يسعى بخطوات ثابتة إلى إعادة تأثيث المشهد الإعلامي بالجزائر بما يواكب متغيرات الراهن والمستقبل.
- إصلاحات عديدة يشهدها قطاع الإعلام في الجزائر في مقدمتها تقنين وتنظيم الصحافة الإلكترونية فهل هذا جاء في إطار إصلاحات شاملة كعديد القطاعات أو تعتبرونه حتمية وضرورة تفرض نفسها لمواكبة الراهن الإعلامي؟
 هما الاثنان معا، فمن يقوم بإصلاحات شاملة يجب أن يأخذ بعين الإعتبار المستجدات التي تفرض نفسها كأولويات يتعين التكفل بها من مختلف الجوانب.
من هذا المنطلق عملنا مباشرة بعد استلام مهامنا قبل أقل من سنة على إعداد جرد تقييمي لواقع الوزارة وقطاع الإتصال مكننا من وضع تصور عملي وفي إطار تشاركي أفضى إلی إعتماد خطة عمل وورقة طريق سنوية.
وترتكز هذه الخطة على عشر ورش أساسية بشكل الإعلام عبر الإنترنت إحدى أولوياتها التي تم تكريسها بإصدار مرسوم تنفيذي ينظم المجال المستحدث من الإعلام والذي يعرف إقبالا فائقا.
كما شرعنا في إعداد وتعزيز الأطر القانونية والتنظيمية المتعلقة بنشاطات أخرى على غرار الإشهار والإستشارة في الإتصال.
إضافة إلى ما تقدم، فإننا ستعمل على تكييف القانونين المتعلقين بكل من الإعلام والنشاط السمعي البصري مع الإضافات والمكاسب التي عزز بها الدستور الجديد حرية الصحافة والتعبير والإعلام الإلكتروني.
- في هذا الإطار تم منح الفرص للشباب والطلبة الجامعيين لإنشاء مواقع إخبارية ولعلها خطوة جديدة وفريدة من نوعها فماذا عن هذه التجربة ذات البعد الإعلامي والإقتصادي وهل ستخضع مستقبلا هذه المواقع لنفس الضوابط والقوانين؟
 الشباب الجزائري يحظى بإهتمام خاص من طرف السيد رئيس الجمهورية للمساهمة في إدارة وتسيير البلاد بحيث منحت حقائب وزارية لكفاءات شبابية في قطاعات يمكن إعتبارها قطاعات نوعية ومستحدثة بما يوافق سياسة إرساء الجمهورية الجديدة على غرار تلك التي تعنى بالرقمنة والمؤسسات الناشئة وبإقتصاد المعرفة والموكولة حاليا لوزراء شباب.
ومن الطبيعي أن يساير قطاع الإتصال هذا التوجه ويساهم في تحقيقه بمنح فرص الإستثمار في عالم الصحافة الإلكترونية لفئة الشباب المعني والمؤهل، خاصة وأن جلّ الجزائريين أصبحوا من رواد مواقع التواصل الإجتماعي وأزيد من ٧٠٪ منهم يتصفحون الإعلام الإلكتروني عبر هواتفهم الذكية.
وبما أن سكان الجزائر معظمهم شباب يعوّل عليهم لبناء الوطن فإن الجامعيين الراغبين في إنشاء مواقع إلكترونية إخبارية سيستفيدون من التحفيزات اللازمة كالإشهار العمومي والمقرات الخاصة بمزاولة نشاطهم وذلك في إطار إحترام أخلاقيات المهنة والقوانين والتنظيمات السارية المفعول وكذلك قيم ومقومات مجتمعنا.
ومما لا شك فيه أن الإستثمار في هذا المجال الحساس والواعد سيشجع على الإبداع بما يمكن الكفاءات الشبابية من حسن توظيف الرقمنة لخدمة مهنة الصحافة وقضايا الوطن بمصداقية وإحترافية تتصدى بفاعلية لمحتويات المواقع الأجنبية العدائية التي تشن حربا سيبريانية قذرة ضد الجزائر شعبا ومؤسسات وفي طليعتها مؤسسة الجيش الوطني الشعبي العتيد.
كما يجب التذكير أن فتح مجال إنشاء مواقع إلكترونية بشكل قانوني خاصة لفائدة الشباب حاملي الشهادات، من شأنه المساهمة في عجلة إنعاش الاقتصاد الوطني من خلال المساهمة في التخفيف من حدة البطالة وخلق مناصب شغل جديدة.
- كيف تقيمون الإعلام الجزائري ومدى تأثره بالمتغيرات الخارجية والحروب الإعلامية والهجمات السيبريانية كواقع لا مفر منه؟
 إن حصول الإعلام الجزائري على المراتب الأولى في كثير من المسابقات خارج الوطن دليل على مستواه وقدراته التنافسية، وعندما تلقى مواقع إخبارية جزائرية متابعة ومنتظمة وقوية من دول أجنبية تكاد تساوي أو تتعدى    نسبة المتابعين الجزائريين لمواقع بلدهم تدرك حجم التأثير الكبير الذي تحدثه هذه المواقع في كشف خطط الأعداء والتصدي لهجماتهم الإلكترونية.
لقد أصبح التصدي للحروب السيبريانية العدائية والمضللة التي تستهدف الشعب ومؤسسات الجمهورية التزاما مهنيا وواجبا وطنيا تضطلع به مختلف وسائل الإعلام والاتصال بالإحترافية اللازمة، والتي تتطلب أساسا التحكم في الرقمنة وفي الإعلام الإلكتروني، لاسيما من حيث تأمين المواقع الإخبارية وإفشال محاولات اختراقها وتخريبها.
وعليه يجب الإشادة بدور الإعلام الجزائري بشقيه العمومي والخاص وبإسهاماته الإيجابية بشكل عام، لاسيما فيما يتعلق بالدفاع عن القضايا الوطنية التي تعد مسألة جامعة لكل الجزائريين الشرفاء على اختلاف انتماءاتهم وتوجهاتهم ومواقعهم.
- إذا تحدثنا عن إصداركم الأخير، بأي حق السيطرة على النت؟ تساؤل يقود إلى تساؤلات كثيرة مفتوحة فهل توجد استراتيجية محددة حسب منظوركم إلى الحد من رأسمالية المراقبة؟ وهل توجد إمكانية إعادة تأثيث العالم الرقمي خارج أطر وسطوة المراقبة؟
 إن الإنترنت والتطورات التكنولوجية حملت عند ظهورها آمالا واسعة في حصول تطور اجتماعي وسياسي معتبر، لكنها اليوم أصبحت عاملا محوريا يمكن الرأسمالية من تجديد نفسها باستمرار وبأكثر قوة وشراسة.
- فمجال الإنترنت الذي وكغيره من المجالات، يخضع لشروط من يمتلكه بما يضمن مصالحهم، خلق نوعا جديدا من الرأسمالية المهددة للديمقراطية نظرا للسيطرة شبه المطلقة التي يفرضها أقطاب مواقع التواصل الاجتماعي والتجارة الرقمية على حياة وخصوصية رواد الإنترنت.
فهذا الواقع المستجد يبلور رهانات جوهرية تستدعي ضبط مجال الإنترنت، بهدف التصدي لما تتعرض له منظومة القيم والحقوق من تحايل وخرق وتجاوزات ولا مساواة وهو موضوع مؤلفي: «بأي حق السيطرة على النت»؟ الصادر قبل نحو سنة من الآن.
لقد تم في هذا المؤلف الاستشهاد بدراسات وتحاليل باحثين أمريكيين منهم: «رشال ليفين، صون وادمان وسايلي سينغي» والذين يؤكدون أن مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي تثير مخاطر كبيرة بالنسبة للحقوق والحريات المدنية».
ورغم خطورة هذه التجاوزات إلا أن المسار القانوني المؤطر والمنظم لمجال الرقمنة عموما يسجل تأخرا لا يواكب سرعة التطور التكنولوجي الحاصل.
لكن ورغم النقص في الآليات القانونية الضرورية، إلا أن هناك بوادر قضائية مشجعة ضد ممارسي تلك الخروقات نذكر منها تغريم موقع «فايسبوك» بسبب جمعه معلومات شخصية وخاصة دون موافقة أصحابها.
كما يمكن الاسترشاد بتجارب ناجحة للتوفيق بين استعمال الرقمنة وحماية الحياة الخاصة، وهو ما تقوم بها على سبيل المثال فيلندا التي تعرف تطورا تكنولوجيا رائعا بفضل شركات فعالة ومنتجة مثل نوكيا NoKia  ونظام الاستغلال لينوكس Linux  ونجحت بالمقابل في إرساء قواعد لإحترام هوية وعلاقات التضامن الخاصة بها وبزبائنها.
أما الجزائر التي جعلت من الرقمنة إحدى الرهانات الواجب كسبها في ظروف آمنة فإن المشرع يحرص على ضمان حماية خصوصية وشرف كل فرد، وكذا سرية اتصالاته ومراسلاته بكافة أشكالها ومعالجة بياناته الشخصية وهو ما تنص عليها المادة ٤٧ من الدستور الجديد.
وكحوصلة لما نؤكد أن ردع سوء استعمال الإنترنت والحد من رأسمالية المراقبة على العالم الرقمي، أضحى موضوعا استعجاليا يجب التكفل به بما يضمن التوفيق بين عناصر أساسية ومترابطة تقوم على احترام الحقوق الخاصة والشخصية لرواد الإنترنت، وضرورة استخدام هذه التكنولوجية بأمان ومسؤولية.
إن هذه العملية تبدو صعبة التحقيق لكنها ليست مستحيلة إذا صهرت ضمن مقاربة دولية موحدة تستعين بمشاركة الرأسماليين الجدد والتزامهم بإحترام الحياة الخاصة لزبائنهم في الفضاء الإلكتروني.
- تراهنون على الجمع بين الحرية والمسؤولية وهي معادلة صعبة في الإعلام فهل تكفي القوانين وحدها لتجسيد ذلك في الإعلام الجماهيري (عمومي أو خاص) وفي الإعلام الإلكتروني والورقي؟
 إن القوانين مهما بلغ مستوى تطورها لا تشكل العامل الوحيد في تجديد سلوكيات وتصرفات الناس وإلا لما وجدت عبر العالم مصالح أمنية وقضائية تتولى مهام الرقابة والإصلاح والردع. من هنا يمكن القول ودون مبالغة إن الأخلاق والتربية الحسنة هي الضامن الأكيد على احترام القوانين وتطبيقها.
ويعتبر مجال الإعلام والصحافة من المجالات الأساسية التي لا يمكن فيها ترقية أي أداء دون الامتثال إلى آداب وأخلاقيات المهنة والتي يأتي القانون ليعززها وليسهر على احترامها.
فالتوفيق بين الحرية والمسؤولية يعد مسألة ضرورية من شروط العمل الاحترافي الذي ندعمه خدمة للمهنة وللمجتمع في آن واحد.
- كيف يوفق البرفيسور بين مهامه السياسية الحساسة وبين التأليف والبحث العلمي؟
 أولا أنتهز فرصة الرد على سؤالكم لأتوجه للسيد رئيس الجمهورية بخالص آيات الشكر على تجديد ثقته الثمينة في شخصي سائلا المولى لي ولزملائي التوفيق في «التحلي بفعالية أكثر، كوننا في خدمة الشعب وليس العكس» كما قال في اجتماع مجلس الوزراء المنعقد بتاريخ ٢٨ فيفري الماضي.
أما بخصوص التوفيق بين مهام السياسة والتأليف أعتقد أن هذه المهام وإلى حد ما يكمل بعضها البعض وتلتقي في نقطة  محورية مشتركة تتمثل في نقل وتقاسم المعلومة والمساهمة في خدمة الوطن ضمن الأطر والآليات الخاصة بكل مهمة.
رغم هذا يجب الاعتراف أن حجم المسؤولية السياسية لاسيما في ظل التحولات العميقة التي تشهدها بلادنا والتطورات الجيواستراتيجية الحساسة المحيطة بها، تجعلنا نقدم السياسي على الأدبي لأن الرهان يقتضي تظافر الجهود وبشكل استعجالي لتفويت الفرصة على أعداء الداخل والخارج ولتجسيد الجمهورية الجديدة التي شرعت الدولة في تأسيسها رغم الظروف الصعبة المميزة للشأن الداخلي والدولي معا.
- كل كتاب يحمل تجربة مختلفة فما هو الإصدار الأقرب إليكم من مجموعة مؤلفاتكم؟ وماهو موضوع كتابكم القادم قريبا؟
 الإصدارات هي مزيج من القناعات والأفكار والمشاعر تترجم علاقة وجدانية خاصة بين المؤلف وقرائه، إلا أنه ومهما تعددت العناوين واختلفت مواضيعها إلا أنها تظل كالأبناء يحظون بنفس المحبة والرعاية ولا تستطيع المفاضلة بينهم.
أما بخصوص موضوع الكتاب القادم فأصدقكم القول إن هناك بعض الأفكار التي تتزاحم بداخلي إلا أنني لم أستقر بعد على موضوع معين وقد يحدث مستجد يزيح كل هذه الأفكار لصالح مشروع غير وارد بتاتا في الوقت الراهن.
المهم في الأمر هو أن يتم اختيار ومعالجة أي موضوع بالجدية التي ترقى إلى مستوى اهتمامات وثقة القراء الكرام.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19471

العدد 19471

الأربعاء 15 ماي 2024
العدد 19470

العدد 19470

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19469

العدد 19469

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19468

العدد 19468

الأحد 12 ماي 2024