الباحث في الزراعات الإستراتيجية، أحمد علالي:

قاعـدة بيـانات حقيقية من أجل نهضـة فلاحيـة

حوار: زهراء.ب

نظام السقي هو الحل في الأمد القريب

يرى الباحث في الزراعات الإستراتيجية أحمد علالي، في حوار لـ «الشعب» أن نموذج النمو الاقتصادي في مجال الفلاحة الذي وضعته الحكومة ضمن مخطط عملها، كفيل بترقية الاستثمار الفلاحي والصناعات التحويلية، ولكن هذه المقاربة تحتاج حسبه إلى متابعة ومرافقة دائمة للمشاريع، وإعتماد نظام معلوماتي دقيق قائم على البيانات الصحيحة وليس المغلوطة، للوصول إلى الأهداف المرجوة.
الشعب: يضع مخطط عمل الحكومة نموذج النمو الاقتصادي في مجال الفلاحة يقوم على ترقية الاستثمار الفلاحي والصناعة الغذائية، هل هذه المقاربة كفيلة بتطوير القطاع وجعله رافدا لتحقيق النمو الاقتصادي؟
المقاربة كافية ولكن بشرط المرافقة الدائمة والمتابعة للمشاريع، لأنّ سر نجاح أيّ مشروع هو المتابعة، وهذه نقطة مهمة، في ضوء نجاح المشاريع المنجزة في الوقت الراهن، ولأن سعر تكلفة المواد الفلاحية أو الصناعية أصبح عاليا، بات من الضروري مرافقة الإنتاج الفلاحي بعمليات تحويل في نفس المستمرة، أيّ القيام بمشاريع مدمجة، فلماذا يحول منتوج فلاحي في أدرار أو في واد سوف، أو غرداية، للشمال من أجل تصنيعه ثم يعاد للجنوب في شكل مواد مصنعة، هنا التكلفة ستكون مرتفعة، لذلك المشاريع المدمجة ستعمل على تخفيض التكلفة.
- من أجل بلوغ مردودية إنتاجية أفضل يقتضي الأمر زيادة العرض المحلي وتقليص استيراد المنتجات الفلاحية، هل تكثيف الإنتاج للمواد واسعة الاستهلاك هو السبيل لتحقيق هذا الهدف أم هناك إجراءات مرافقة خاصة؟
 يعدّ المسار التقني أحد العوامل الأساسية، لتحسين المردودية والإنتاجية بمرافقة من طرف المعاهد التقنية والجامعية، وبالنسبة لزيادة العرض المحلي وتقليل الاستيراد أكيد تكثيف الإنتاج للمواد الفلاحي يكون هدفا لتحقيق الاكتفاء، هنا لدينا عدة جوانب نلمسها، أول شيء قبل العملة واليد العاملة هي السيادة الوطنية حتى لو كان السعر مرتفعا، ثاني شيء تخفيض صرف العملة بالنسبة للاستيراد، وثالثا إنشاء حركية تجارية، لأنّ الإنتاج المحلي الخام الذي يقدر بـ 50 أو 60 بالمائة يدخل فيه المنتوج الفلاحي، وعندما يكون منتوج فلاحي وفير ستتوفر السيولة وهذا سينعش الحركية التجارية، ونلاحظ غالبا في أيّ بلد يعتمد على الإنتاج الفلاحي بروز مشاكل عند التجار والشركاء شهر فيفري، لأنّ في هذا الشهر يصاحبه كساد، ونقص في الإنتاج والسيولة.
بحكم الموقع الجغرافي، الجزائر بوابة كبيرة لأغلب الدول الإفريقية، وما تراهن عليه الدولة هي شبكة الطرق، ولكن هذه الشبكة في الوقت الحالي مازالت في شكل مسالك غير معبدة، والنقطة الثانية هي المصدرين ليس لدينا مصدرين مختصين في تصدير الخضر أو المواد الغذائية المصنعة، مثلا مصدر يأتي من أجل صنف معين، ولكن في التجارة معروف أن من يأخذ البطاطا يحتاج الفلفل، البصل، الطماطم، الثوم لماذا يكتفي بالبطاطا، ويحتم على الفلاح زراعة 20 ألف هكتار بطاطا ويبقى ينتج هذه المادة فقط في وقت يمكن أن ينوّع الإنتاج، هنا المصدرين إما يتكتلوا في تجمعات اقتصادية وينظمون ملتقيات ودورات تكوينية ويشكلون قاعدة بيانات بمشاركة خبراء لزيادة فرص التصدير، أو ينظمون أبواب مفتوحة توسّع لأطراف من اختصاصات أخرى.
- الحصول على العقار الفلاحي والبيروقراطية يقفان حجرة عثرة أمام المستثمرين والمنتجين، هل الشباك الموحد كفيل بإزالة هذه العقبات؟
 أكيد الشباك الموحد كفيل بإزالة هذه العقبات، ولا يخفى على أحد أنّ الكثير من المستثمرين اضطروا الانتظار سنتين وأكثر من أجل الحصول على عقار فلاحي، ولحدّ الآن لم يتمكنوا من ذلك، والشباك الموحد يقلص مدة معالجة الملفات إلى شهر أو 5 أسابيع، والرد عليها بالإيجاب أو بالسلب.
الجميل في الشباك الموحد أنه يضمّ عدة خبرات من قطاعات مختلفة، توافق على المشروع مع الأخذ بعين الاعتبار توفر مجموعة من الشروط، عكس ما كان معمول به سابقا، حيث كانت توزع مساحات بـ 100 ألف هكتار على 20 مستثمر سواء توفرت فيهم الشروط أم لا وهذا ما جعل أراضي منتجة تبقى دون استغلال لعدة سنوات، لكن الآن تغيرت هذه الذهنية وأصبحت الرخص تمنح لمن توفرت فيه الشروط، وهذا شيء جميل يحسب للديوان، لأنه ما الفائدة من منح العقار الفلاحي ولا يستغل لمدة تفوق 10 سنوات هذا فعلا يعيق الاستثمار.
- ترتبط الزراعة في الجزائر بالتساقطات المطرية، وأمام التغيرات المناخية والأخطار الطبيعية والبشرية، يفترض ايجاد بدائل للسقي وحماية المنتوج الفلاحي من كل التهديدات ما هي الحلول التي تقترحونها في هذا الشأن؟
 التغيّر المناخي الذي نشهده، في السنوات الأخيرة، أثر كثيرا على مساحات واسعة سواء الزراعية أو الفضاءات الغابية، ولا يخفى على أحد أنّ الغطاء الغابي تعرض لعدة عوامل منها الحرق أو الاعتداء أو الرعي الجائر الذي تسبب في الجفاف والتصحر، واختفاء أشجار ونباتات تساهم في ضمان التوازن البيئي، توجد حلقة بين الأشجار والنباتات والحيوانات، وإذا اختفت حلقة سيختل التوازن البيئي.
الصيد الجائر كذلك يكون سببا في التصحر لأن اصطياد حيوان مسؤول على نقل بذور يؤدي بطريقة غير مباشرة للتصحر، مع العلم أنّ هذه البذور يمكن أن يزرعها الإنسان لكن لا تنبت.
الحل في المدى القريب الاعتماد على السقي، لكن على المدى المتوسط والبعيد يجب العمل عليه منذ الآن هو التشجير، كما تفعل عدة دول منها تركيا التي زرعت ملايير الشجيرات، يجب أن نبدأ في زراعة الفضاءات بالأصناف التي تتأقلم مع كل منطقة، لتكثيف الغطاء الغابي، لأنه هو من ينشئ المناخ المصغر، وهذا إذا حافظنا عليه سيعيد التوازن البيئي، ولو نعود للتاريخ قديما نجد أن تقرت التي سميت بهذا الإسم لأنها كانت بوابة الصحراء، وفي 100 سنة أصبحت بسكرة هي بوابة الصحراء، وربما بعد 10 سنوات أو 20 سنة تصبح باتنة هي بوابة الصحراء، لأنّ الغطاء النباتي طغى عليه الحرائق والرعي الجائر، لذلك في الوقت الحالي نعتمد على الزراعات التي تعتمد على السقي، ولكن في نفس الوقت يجب علينا تدعيم الغطاء الغابي ومراقبة الرعي والصيد غير القانونيين.
- الاستجابة لأهداف سياسة تطوير القطاع، يقتضي اشراك المعاهد ومراكز البحث، بشكل موسع وإقناع الفلاحين باستخدام المسار التقني، أليس كذلك؟
 بحكم تجارب شخصية سابقة، كنا عندما نقوم بتجارب في الجامعة حول نماذج مصغرة ناجحة ولديها قيمة اقتصادية وعلمية، لا يقتنع الفلاح بها، بالرغم من المجهود المبذول والأموال المرصودة من الدولة، ولكن بعد نقل التجربة من المخابر إلى الفلاحين مباشرة في الأراضي، وتطبيقها في مساحات كبيرة، بعد رؤية النتيجة بالعين المجردة اكتسب الفلاح المسار التقني بالفطرة وبالتلقين غير المباشر، وبات يسهل علينا إقناعه بطريقة تحسين المردودية والإنتاجية، وبالتالي التحكم في سعر التكلفة، وهذا يعني أن الفلاح قادر على إتباع المسار التقني بمشاركة المعاهد، ولحظتها نستفيد نحن كباحثين بإرجاع المصداقية، لأنه قديما كنا نتهم بعدم معرفة الميدان، ويمكن إيجاد حلول للمشاكل المطروحة في الميدان، وهذه الطريقة أقنعت الفلاح وأعادت مصداقية الباحث الجزائري لدى الفلاح، والآن أصبح هو من يبحث عن التقنيين للاستفسار عن مشاكل مثل الأعلاف وتحول من البحث عن الشعير والنخالة إلى مواد جديدة الصوجا، التريتيكال، الذرة الصفراء، وأصبح يبحث عن أصناف بديلة أو مكملة. وهذا يستحيل على الفلاح القيام به بمفرده، وهذه مهمة المعاهد أو المخابر التي ترافق الفلاحين، خاصة وأن الرهان كبير بالنسبة للأعلاف.
- حتى تكون سياسات تطوير القطاع الفلاحي في الميدان ناجحة ما المطلوب؟
 المشكل المطروح غياب متابعة المشاريع، والمعطيات الميدانية، يفترض في النظام الفلاحي الإعتماد على معطيات آنية، فالوزارة أو الحكومة عليها وضع نظام أو قاعدة معطيات بياناتها حقيقية، مثلا مسؤول محلي حينما يطلب منه كمية الأعلاف المنتجة في ولاية ما يقدم معلومات بإنتاج 100 ألف طن، والكمية المحققة 10 آلاف طن لماذا هذا التغليط، ربما لأنه استفاد من الدعم سواء في شكل أجهزة أو أموال، كان يفترض متابعتها ضمن سلسلة النجاعة، التي تبدأ من التموين، الإنتاج، التحويل إلى غاية بلوغ الإنتاج النهائي وهذه كلها سلسلة قيم يجب متابعتها مرحلة بمرحلة، وعند متابعة كل المسار نصل في آخر الحلقة إلى المنتوج النهائي، المعلومة الصحيحة تجعل المسؤول يقدم نموذجا صحيحا وحتى الاستشراف يوضع على أساس معطيات حقيقية، وليس كاذبة لأنها لا توصل إلى أي نتيجة وتزيد من أرق المسؤولين المركزيين.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19448

العدد 19448

الأربعاء 17 أفريل 2024
العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024
العدد 19445

العدد 19445

الأحد 14 أفريل 2024