الباحـث سيــف الإسـلام بوفلاقة لـ «الشعــب ويكاند»:

كثير ممّا يُكتب على الأنترنت ليست أدباً تفاعلياً

حوار: فاطمة الوحش

 تحليل الخطاب يتطلّب قراءة المئات من الكتب

 في حواره مع «الشعب ويكاند»، يتطرّق الدكتور محمد سيف الإسلام بوفلاقة إلى عديد القضايا المتداولة في الساحة الأدبية، اليوم، مشيرا إلى دور المطالعة في إجادة قولبة شخصية الكاتب، ودورها البالغ في إثراء الملكة اللغوية لديه، كما تطرق أيضا إلى راهن تخصّص تحليل الخطاب الأدبي عندنا بحكم تمكّنه في تخصصه هذا.
الدكتور سيف الإسلام بوفلاقة، أستاذ الشعريات وتحليل الخطاب والنقد القديم واللسانيات، كاتب من الجيل الجديد، دؤوب على مستوى حركة البحث العلمي، له منجز علمي ثري، كتب دراسات كثيرة نشرت في مجلات أكاديمية محكمة، وثقافية متنوّعة، كما قرّرت بعض كتبه في عدد من الجامعات العربية والمؤسسات الدولية.

- الشعب ويكاند: الملاحظ عن شخصية الدكتور سيف الإسلام بوفلاقة غزارة عطائه في مجال التأليف، هل يعود هذا إلى سعيكم لإبقاء الأدب العربي أدبا غزير العطاء، وأدبا حيا؟ أو ثمّة أسباب أخرى يمكنكم تقديمها للقراء؟
الدكتور سيف الإسلام بوفلاقة: سرّ هذا الزخم يعود إلى علاقتي الوشيجة والوطيدة جداً مع المكتبة والكتاب، حيث إنّني قرأت مئات الكتب في مرحلتي الطفولة، والشباب في مكتبة والدي الباحث الدكتور سعد بوفلاقة - حفظه الله ورعاه - الذي وجّهني إلى العلم والتعلم، كما شجّعني على القراءة والكتابة، وحفّزني على البحث العلمي والتأليف. كما أنّني أعتقد أن الكاتب الشاب الذي يرغب في سلوك طريق التميز يجب أن لا يجعل جهده العلمي والفكري حكراً على جنس واحد فقط؛ بل يجب أن يشتغل ضمن رؤية أكاديمية موسوعية، وهذا يقتضي الاعتكاف على القراءة والكتابة، والتحصيل لتطوير التجربة، والإفادة من علوم متنوّعة، وتخصّصات متعددة.

- بحكم تخصّصكم في تحليل الخطاب، كيف ترون واقع هذا التّخصّص في الدرس اللغوي المعاصر؟ وهل يوجد أقلام تطعم هذا التّخصّص وتثريه وخاصة في الجزائر؟
يطرح تحليل الخطاب صعوبات ومعضلات، وإشكالات منهجيّة، سواء على مستوى القراءة  والفهم، وكذا على صعيد التفسير والتّأويل؛ فتحليل الخطاب مصطلح عام وجامع، ويشتمل على دلالات رحبة، ومن الصعب جداً تقييم واقعه؛ لأن هذا الأمر يتطلب قراءة المئات من الكتب، والاطلاع بدقة على جميع ما صدر، وتحليله، ومدارسته ؛ وهذا الأمر يُمكن أن ينهض به فريق من الباحثين الجهابذة، وممّا يُضاعف الإشكالات المتصلة بتحليل الخطاب أنّ الساحة العلمية تعجّ بالمراجع والكتب المتصلة به في شتى الميادين: الخطاب الإعلامي، والديني، والأدبي، والفلسفي، والاجتماعي، والسياسي...، وتقنيات السّرد، وتحليل الخطاب الروائي، وبنية الشّكل الروائي، وبنية النص الشعري، هذا من جانب، ومن جانب آخر؛ فتحليل الخطاب يتطلب توظيف العديد من المناهج، حيث إنه يشتمل على ميادين واسعة، والبحث في مفهوم الخطاب وتحليله مهم جداً، وليس من السهولة طرقه، وقد أضحى مصطلح (خطاب) - في السنوات الأخيرة - يستعمل في ميدان الدراسات الأدبية للدلالة على المصطلحين الآتيين: الكلام داخل السياق، والنص، وبالنسبة إلى النص الأدبي، الذي أشتغل عليه بحُكم تخصّصي، فإنّني أعتقد أنّ من أبرز المناهج التي تُفيد الباحث في مجال تحليل الخطاب السردي؛ المنهج السيميائي، الذي زوّد الناقد بأدوات إجرائية تسمح له باكتشاف عوالم النص، وطاقاته التواصلية؛ فالقراءة السيميائية تُبيّن الأنظمة العلامية التي يُبنى عليها النص الإبداعي، وتسعى كذلك إلى إعادة صياغة دواله، ومدلولاته عن طريق تركيز الاهتمام على مستويات الدلالة، وطرائق تولد المعاني، وقد لعبت جملة من التحولات الاجتماعيّة، والثقافيّة، والسّياسية التي عرفها عالمنا المعاصر في إحداث انقلاب يكاد يكون شاملا في طرائق مُعالجة، وتحليل الخطاب، حيث تمّ استثمار عُلوم اللِّسان، وعلم التحليل النّفسي، وعلم الإناسة (الأنثروبولوجيا)، وعلم المنطق، في تفكيك الظّاهرة الأدبية؛ فالتطورات التي عُرفت في ميدان هذه العلوم أسهمت في إقبال الدّارسين على مناهج جديدة لمقاربة النّصوص الأدبية، وتحليل الخطاب بمختلف أنواعه؛ وأضحت: «السّرديات» - على سبيل المثال - علماً قائماً بذاته، وأصبح نمط السرد الروائي يسعى إلى اختصار مختلف الأشكال التعبيريّة، والتحليق بها إلى آفاق أكثر شمولية؛ لتُعبّر عن الهواجس الإنسانية، وقد أثارت العلاقة بين عُلوم اللّسان والسيميائيات جدلاً كبيراً، فقد ألفينا مجموعة من العُلماء يُعدّونها (السيميائيات) فرعاً من اللّسانيات؛ كونها أفادت من مبادئها المعرفية، وأخذت بعض مُصطلحاتها، واستخدمت مجموعة من مفاهيمها؛ لذلك فقد وقع الإجماع لدى بعض التيارات اللِّسانية على أنها (السيميائيات) مُكملة للسانيات، وهي جزء منها، وهذا ما نبه إليه (جون ديبوا) الذي أكد في «قاموس اللّسانيات» على أن (السيميولوجيا) وُلدت انطلاقاً من مشروع (دي سوسير)، ولم تحد عن موضوعها؛ الذي هو البحث في حياة العلامات في كنف المجتمع، ودراستها. ووجدنا (رولان بارث) يُنبه إلى أن (السيميولوجيا) استمدت أسسها، ومفاهيمها الإجرائية من اللّسانيات؛ لذلك فهو يرى أنها (السيميائيات) تُعد فرعاً من فروع اللّسانيات، وقد حرص على إثبات هذا الأمر، لدى تقديمه لعمله العلمي الموسوم ب: «عناصر السيميولوجيا»، إذ أن (السيميائيات) - كما يرى - يُمكن تمثيلها على أساس أنها نسخة من المعرفة اللِّسانية؛ فهو يُقر بأنها قد تفرعت عن اللّسانيات.
بيد أن هناك من يرى العكس، حيث إن (دي سوسير) يذهب إلى أن اللّسانيات تُعدّ فرعاً من هذا العلم، وذلك بالنظر إلى الصلات والعلاقات التي يُمكن أن ينسجها هذا العلم (السيميائيات) مع علم الاجتماع، وعلم النفس، فرؤيته نهضت على افتراض أن المعرفة السيميائية، قد تغدو علماً يكتسي أهمية بالغة، ويُصبح أوسع دائرة من اللِّسانيات وأشمل، ويتبدى من خلال جُملة من الدراسات التي قام بها (بارث)، و(ديبوا)، و(كريستيفا) أن رؤية (دي سوسير) في هذا الموضوع قد نقضت، ودحضت بالأدلة والبراهين العلمية؛ فعلوم اللّسان هي الأصل، والسيمائيات هي الفرع، مع الإقرار بأن هناك بعض المدارس التي ترى عكس هذا الاتجاه العلمي.

- ما هي نظرتكم لواقع الكتابة التّفاعلية المنتشرة بكثرة في الأعوام الأخيرة، وهل ترونها تخدم الأدب العربي أم تعود عليه بالسلب؟
التطور والتّغيّر والتحول من سمة الأشياء في الوجود والعالم، وهذا ما يمنح الإبداع جُملة من الأبعاد القيمية المُستحدثة، وتبعاً لذلك تصبح الرّؤيا للمتحوّلات غير ثابتة مع تطورات وتحوّلات العصر، وقد تنسجم وتتوافق مع ما يطرأ من تحوّلات على الساحة، والأدب التفاعلي أو الرقمي له إيجابياته وسلبياته، وتختلف الرؤى النقدية بشأنه؛ ولكن قبل الحكم على هذا النوع من الأدب يجب تحديده بدقة، إذ أنّ التوافق غائب؛ فالرؤى والأفكار متعدّدة ومتنوّعة، والتعريفات كثيرة، والأهم من هذا يجب التنظير لهذا الأدب وتحديده وفقاً لمجموعة من الشروط، وتمييزه عن الأدب الافتراضي؛ الذي يُنتج في مواقع التواصل الاجتماعي مثلاً؛ ذلك أن عدداً غير قليل من الإبداعات التي تُكتب على الأنترنت ليست أدباً تفاعلياً، والذي لا يختلف عليه اثنان أن الإنتاج الأدبي سواء صدر في كتاب ورقي، أو على شكل كتاب رقمي؛ فهو يتوفر على عناصر الجمال، كما يتوفر على عناصر القبح، والتسميات تتعدّد وتختلف.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19459

العدد 19459

الأربعاء 01 ماي 2024
العدد 19458

العدد 19458

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024