الكاتبـة وردة زرقين في حــوار لـ«الشعـب»:

ولعي بالتراث جـرَّني إلى البحث في ذاكــــرة الأجــــداد

حوار: إلياس بكوش

امرأة من أرض الجزائر، أسهمت بانتاجاتها وإشراقاتها الأدبية في إثراء رصيد الوسط الثقافي العربي وحتى العالمي، نلتقي اليوم مع شخصية أدبية تجتمع فيها عدة مواهب، تعطي كل موهبة لوحدها حقها الكامل من الإبداع.. ولا تزال تخوض الفعل الأدبي بجمالية وإحساس إنساني عذب من خلال نصوصها الملفتة. هي من مواليد قالمة، إعلامية، قاصة وكاتبة وشاعرة.

-  «الشعب»: تُعنى كتاباتك بالتراث الشعبي، حدثينا عن إصداراتك في هذا المجال؟
 وردة زرقين: في رصيدي 10 إصدارات، منها 8 كتب حول التراث الشفوي الشعبي من أمثال شعبية، ألغاز شعبية، بوقالات، قصص شعبية والأغنية الثورية الشعبية، صدرت لي مؤخرا 3 كتب بعنوان «قناديل» عن دار الخلدونية عبارة عن حلقة تضاف إلى سلسلة إنجازات حول التراث الشعبي الجزائري، الكتاب الأول حول الأمثال الشعبية يضم 2061 مثل شعبي، الكتاب الثاني حول الألغاز الشعبية (محاجيات) يضم 2021 لغز مع الحل، والكتاب الثالث حول البوقالات يضم 655 بوقالة (مع تقديم شرح المفردات من الدارجة إلى الفصحى)، ويندرج هذا العمل في إطار سلسلة أبحاث حول التراث الشفوي وهو الإصدار الثالث بعد «العنقود» و»جواهر».
وقبل هذا، صدر لي كتاب بعنوان «أصداف البحر» عن دار الخلدونية، يتضمن مجموعة من قصص شعبية وهي مضارب الأمثال الشعبية، حيث كتبت القصص بالدارجة المحلية، وأهم ما يمّيز هذا الكتاب، مقتطفات من حكايات شعبية، نلتمس منها شيئا من الطرافة، الغرابة، الضحك، القدوة والذكاء وغير ذلك، على غرار: «الضرّة مرة ولو كان جرّة»، «الله يستر الرجال اللي ستروا عيوب النساء»، «العرق دسّاس» وغيرها، بحيث يجد فيها القارئ، تشويقا ولذّة تدفعه إلى المزيد من المعرفة والفهم واكتشاف حضارة أمتنا الغابرة، وكتاب آخر «إضاءات» حول الأغنية الثورية الشعبية بمنطقة قالمة.

- يمكن القول إن رحلة البحث عن التراث الجزائري تحتاج إلى جهد، أليس كذلك؟
 على مدار سنوات، خضتُ مغامرة مستمرة أتنقل فيها بين المدن والبوادي والمناطق الريفية لجمع التراث الشفهي، الذي شارف على الاندثار من ألسنة كبار السن، وأثمرت التجربة حتى الآن بإصدار 8 كتب، منها كتاب عن التراث الشفهي القبائلي بعنوان «تيزيمث»، فقد ارتبطت منذ نعومة أظفاري بكل ما هو تراث، وولعي به جرَّني إلى البحث في ذاكرة الأجداد، فكنت أجالس الكبار، خصوصاً العجائز، للاستماع للأمثال والقصص وحتى للغة الأصيلة التي كانوا يتحدثون بها، فساعدني ذلك على الانتباه لهذا الرصيد من الكنوز الذي هو في «طريقه إلى الزوال»، والحقيقة كل ما هو تراثي يعجبني، ويشد انتباهي، وأفضله على ما سواه حتى في الأطباق والحلويات، وكذا الألبسة التقليدية.
لكن مشاركتي في الأسابيع الثقافية في بعض الولايات والتنقل للتغطية الإعلامية للمهرجانات والملتقيات، مكنتني من توسيع بحثي أكثر، وقيامي أيضاً بتنشيط حصة إذاعية بعنوان «ألغاز وأمثال شعبية» في إذاعة قالمة المحلية لمدة 8 أشهر شجعني على مواصلة العمل والبحث.
- ما مدى اهتمامك بجمع التراث الشعبي؟
 إن اهتمامي بالتراث يدخل في إطار التوثيق حتى يبقى متوارثا من جيل لآخر، وهكذا أساهم في الحفاظ على الذاكرة الشعبية، لا سيما واهتمامي بهذا الكنز الثمين تحوّل إلى ممارسة منتظمة، والمجموعة من الإصدارات للتراث الشفوي الجزائري التي أضعها بين أيدي القراء، لا أدعي فيها الإبداع بقدر ما أعلن فيها التوثيق، بل إنني أشعر بالفخر في إنجازها، وهي عمل متواضع لجهد استمر لسنوات في جمع المادة من أناس حفظوا هذه الجواهر الثمينة، والعمل يدخل في إطار التوثيق حتى يبقى متوارثًا من جيل لآخر، وهكذا أساهم في الحفاظ على الذاكرة الشعبية، وذلك نابع من اهتمامي بهذا الكنز الثمين، فأنا اعتبر الكتاب أحسن وسيلة للحفاظ على تراثنا وحضارة أسلافنا.

- صدرت لك مجموعة قصصية بعنوان «ذات الفلجتين»، حدثينا عنها؟
 تضمّنت المجموعة القصصية بعنوان «ذات الفلجتين»، 12 قصة عن دار الأوطان، وهي قصص تعبّر عن موروث ثقافي حضاري عميق لروح الأمّة الجزائرية وشعبها الأبيّ بتلك البساطة والتلقائية الموحية بصفاء لا ينتهي، وشموخ كشموخ الجبال، فمن يقرأ القصص تستوحيه طيبة الإنسان الجزائري وبساطته وعظمته وأدائه الصادق السامي، وما يتمسّك به المجتمع الجزائري من قيم حضارية، وتركز المجموعة على الهم المعيشي ومعاناة الطبقات الفقيرة في تحصيل قوت يومها، كما تتطرّق معظم قصص المجموعة لروح الجزائر وتقاليد شعبها، وقد اتّسمت المجموعة القصصية بالرمزية بلغة سلسة أقرب إلى المحكي، وتعابير بسيطة تركز على القيم العليا، بكلام الروح ووهج القلب ولغة الإشارة والتضمين والتلميح بالشيء، في لغتي وإشاراتي وتعبيري بأفكار بسيطة ولكنها تنحدر من قيم عليا، هي لغة البساطة والطيبة والصدق والوفاء والتضامن بين أفراد المجتمع الجزائري، بلغتي المعبّرة وبأسلوبي الخاص، عبّرتُ بهدوء ووضوح عن أشياء عظيمة وعميقة في نفس الإنسان الجزائري ومن روح قيم ومنجز شعبنا التاريخي الشامخ بتاريخه وأصوله ورموزه وأخلاق دينه ومجتمعه.
كما زاوجتُ في مجموعتي بين الوصف والسرد، مع التركيز على الموروث الشعبي، كالأمثال السائرة وشعر الحكمة، ما أغنى النصوص بعناصر الإيقاع والتشبيهات، فضلًا عن إضفاء شاعرية خاصة من خلال توظيف الشعر في خدمة النص، إذ ختمتُ معظم القصص بأبيات شعرية، فمثلا في قصة «الشبح الأسود» نلمح تفاصيل دقيقة توثق تقاليد العرس الشعبي الجزائري، وما يتضمنه من أزياء ومأكولات وإيقاع سريع هذا مقطع: «رقصت كوكة في جناح النساء متباهية بحليّها وبلباسها التقليدي (الكراكو) الذي لا تبتغي عنه بديلا، إذ ترى فيه روحها وكيانها وكل ما أوتيت من محاسن، أما معمر فقد انساق وراء إيقاعات القصبة والبندير وأغان تراثية، وتفاعل مع الزغاريد المنبعثة من الفضاء الأنثوي، فأمتع الحضور بحركاته المنسجمة مع تلك الإيقاعات إلى ساعة متأخرة».

- ولمن يرجع الفضل في ولوجك عالم الكتابة؟
 أنا عصامية، ومنذ طفولتي أهوى الكتابة والقلم، بالنسبة لي الكتابة نبض الحياة وفسحة للروح، الكتابة متعة، وفي هذا الصدد، دعني أقول لك شيئا:

أهواه وأخشى أن يخونني
هو رفيقي ودربي
وعشقي وقلبي
القلم

-  وتكتبين الشعر أيضا؟
 نعم لي ديوان شعري بعنوان «أريج وردة»، يتضمن 28 قصيدة، جمعت فيه كل قصائدي منذ أن بدأت كتابتها لسنوات خلت، كتبت فيه عن الوطن، الحب، الغزل، الحظ، حالات اجتماعية وغيرها.

- وهل نُشرت قصائدك في جرائد ومجلات؟
 نشرت قصائدي في جرائد ومجلات عربية وأجنبية عالمية ومواقع الكترونية أيضا، منها جريدة «الجديد» الجزائرية»، جريدة «الثورة» و»الحقيقة» الفلسطينيتين، جريدة «الزمان» المصرية، «فن الفنون» و»الشرق» و»النهار» (العراقية)، جريدة الفن الأوزباكستانية «كيتوب» مجلة «المرفأ» السودانية وغيرها.. إلى جانب ذلك، نشرت قصائدي في مواقع الكترونية منها في بلجيكا، رومانيا، أمريكا وغيرها، وبحكم العلاقة الجيدة التي تربطني مع أصدقاء من مختلف بقاع العالم، فقد تُرجمت قصائدي إلى عدة لغات منها الصينية، الايطالية، الصربية، التركية، الاسبانية، الأوزبكستانية، وشاركت في العديد من انطولوجيات عالمية في صربيا، اسبانيا، المغرب، رومانيا، تونس، اندونيسيا، أمريكا، كينيا، الهند، بلجيكا، المكسيك وفي العديد من الكتب الجماعية في الجزائر.

-  وماذا عن المشاركة في مهرجانات وملتقيات أدبية؟
 طبعا، شاركت في العديد من المهرجانات الثقافية، الأدبية والشعرية في الجزائر وخارجها، كما شاركت في مهرجانات وملتقيات أدبية عربية، وقمت بتغطيات إعلامية، ونلت جوائز وتكريمات، في لبنان، تونس، الأردن، المغرب وغيرها، كما نلت الجائزة الثالثة «أفضل المؤلفين الأجانب سيدات» في ايطاليا في العام الماضي.

- يمكن القول إنك حلّقت عاليا في سماء الأدب؟
 لا ليس بعد بالرغم من أن قصائدي وصلت معظم القارات من خلال الكتب من نوع الأنطولوجيات، وكذلك من خلال مجلات عالمية مثل مجلة «أتونيس» البلجيكية ومجلة «أزاهار» الاسبانية ومجلة «الحركة الشعرية» المكسيكية ومجلة «تايفاس» الرومانية، فأنا أحاول دوما أن أمنح لبلدي القدر الوفير وأن يكون اسمها مذكورا في كل النشاطات الثقافية. لي مقالات نشرت في العديد من المجلات، منها في مجلة «الليبي» الصادرة بليبيا حول أعلام الشعر الملحون ومقال حول اللباس التقليدي النسوي الجزائري في مجلة «الشارقة للتراث» بالإمارات العربية المتحدة.

-  لم تضع الثقافة في قالمة بعد اللّبنة الأساسية للانطلاق في مشروع جاد، ما هي رؤيتك حول واقع الثقافة؟
 عندما نتحدّث عن الثقافة في بلادنا بصفة عامة وفي قالمة بصفة خاصة، أول ما يتمثل أمامنا عدد من التعبيرات منها، معاناة المثقفين بسبب التهميش، ثم مفهوم الثقافة عندنا ارتبط في أذهان أغلبية الجزائريين بالغناء والحفلات والمهرجانات، وهذا الجانب بالنسبة لي يعتبر جانبا من نشاطات ترفيهية، كما أنه لا توجد علاقة بين الثقافة والقائمين على قطاع الثقافة، أنا لا أعمّم ولكن بنسبة كبيرة، فنحن نحتاج إلى ملتقيات ومهرجانات يلتقي فيها أهل الفكر والأدب والفن والثقافة للتشاور وتبادل الأفكار وتشجيع ودعم الإبداع الثقافي والفكري.
بخصوص قالمة، أقول أنها تعيش في السنوات الأخيرة، «نكبة» حقيقية في مجال النشاطات الثقافية بسبب المرافق الثقافية المغلقة، بحيث عرف قطاع الثقافة بصفة عامة والمسرح بصفة خاصة بالولاية في السنوات الماضية، ركودا شبه تام، وتمّ تجميد المهرجانات التي تعوّد عليها الجمهور على قلتها، مع إغلاق الفضاءات المخصّصة لذلك كالمسرح الجهوي «محمود تريكي»، والقاعة الكبرى للعروض بدار الثقافة «عبد المجيد الشافعي»، وقاعة السينما والمسرح الروماني..
وعلى الرغم مما تمتلكه المنطقة من مواقع أثرية ومعالم تاريخية ومتاحف طبيعية تؤّهلها لأن تكون ولاية تحتضن تظاهرات ثقافية ليس فقط وطنية، بل دولية إلا أن الواقع يظهر العكس، مع بعض المحاولات القليلة جدا من مديرية الثقافة ودار الثقافة لإقامة ملتقيات، لكنها لم تصل بعد إلى ترك الأثر والبصمة الدائمة، وحتى عند إقامتها، يغيب عنصر تكافؤ الفرص بين كل الفاعلين في ميدان النشاط الثقافي بسبب الإقصاء والمحاباة، وأصبح المثقف القالمي يغيّر نظرته في البحث عن ذاته خارج ولايته، فالكثيرين من مثقفي قالمة لهم جوائز وطنية ودولية، لكن محليا لا يحتفي بهم ولا يتم تقديمهم والتحدث عنهم، ثم على أي أساس يتم اختيار الضيوف عند إقامة الملتقيات؟ جانب آخر، وحسب معرفتي، هناك عديد الجمعيات، لكن الحركة الثقافية منعدمة، ويرجع البعض السبب، إلى ضعف الإمكانيات وانعدام الدعم، كما أن دار الثقافة قبل أن تُغلق لم تحتضن دروسا أو ورشات للتعليم في أي مجال ثقافي.

- ما هو مشروعك المستقبلي؟
 أنتظر صدور رواية تحت الطبع، استلهمت فيها الموروث الثقافي المادي واللامادي الجزائري.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19463

العدد 19463

الإثنين 06 ماي 2024
العدد 19462

العدد 19462

الأحد 05 ماي 2024
العدد 19461

العدد 19461

الأحد 05 ماي 2024
العدد 19460

العدد 19460

السبت 04 ماي 2024