رئيس عمادة الأطباء، بقاط بركاني لـ «الشعب»:

هذه أسباب ندرة بعض الأدوية في الصيدليات

فتيحة كلواز

يتكلّم رئيس عمادة الأطباء، الدكتور محمد بقاط بركاني، في حوار مع «الشعب»، عن أسباب ندرة بعض الأدوية في الصيدليات، وعلى صعيد آخر، أوضح أنّ انخفاض عدد الإصابات اليومية يرجّح كفة تجاوز الجزائر للذروة، ما يعني الخروج من الوضع الوبائي المقلق وغير المستقر، مؤكّدا على ضرورة الابتعاد عن الخوف والهلع من النسخة الثانية لـ «أوميكرون» (أي بي 2)، لأنّها ليست سلالة مختلفة عن المتحور الجديد بل هي نسخة فرعية عنه، لها نفس الخصائص الجينية كعدم الخطورة والشراسة وسرعة الانتشار، كاشفا أنّ غياب التواصل أفشل حملة التلقيح، لذلك لا بدّ من حوار حقيقي وفعال لوضع استراتيجية تتفادى الأخطاء السابقة في التعامل مع الوباء.

الشعب: ما تقييمكم للوضع الوبائي، وهل يمكن الحديث عن تجاوز الذروة على ضوء انخفاض الإصابات، خلال الأيام الأخيرة؟
بقاط: عشنا، في أيام سابقة، وضعا وبائيا مقلقا لارتفاع عدد الحالات المؤكدة، حتى وإن كانت غير حقيقية لأنّ الإحصاء يشمل الأشخاص الذين تقدّموا إلى المستشفيات، تمّ الكشف عن حالتهم باختبار «بي سي أر»، لكن في موجة رابعة سيطر عليها المتحور «أوميكرون» فيروس سريع الانتشار وأقل خطورة من المتغيّرات السابقة، لاحظنا أنّ الاكتظاظ الذي تعانيه المستشفيات ليس في قاعات الإنعاش ولا في تزايد الاحتياج للأوكسجين ولا في ارتفاع الحالات المعقدة، كما كان عليه الحال في الموجة الثالثة.
يمكن القول أنّ الأطقم الطبية في مستشفياتنا استوعبت الدرس من الموجة السابقة، حيث تمّ التحضير للموجة الحالية بتوفير التجهيزات اللازمة للأوكسجين، هو ما سمح بالتحكم في الوضع الوبائي بعد انتشار المتحور أوميكرون بكل كفاءة.
في المقابل، أكثر من 95 بالمائة ممّن يرقدون في مصالح الإنعاش والعناية المركزة غير ملقحين، ما يعكس فشل السلطات في إيصال الرسالة إلى المواطن بضرورة التلقيح للحفاظ على حياته، وتتحمّل وزارة الصحة مسؤولية كبيرة، إلى جانب وزارات أخرى في هذا الإخفاق، فمن المفروض استغلال فترة انخفاض عدد الإصابات إلى أقل من 70 في اليوم الواحد، للضغط على المواطنين بغية تحفيزهم على التلقيح، من خلال تواصل حقيقي لوزارة الصحة معهم.
إلى جانب انخراط المجتمع المدني في استراتيجية التلقيح الغائب تماما، فالمنظمات الوطنية والجهوية والمحلية لم تؤد الدور المنوط بها في تحفيز المواطنين على التلقيح، بل حتى رموز المجتمع أو الشخصيات العامة لم تؤد كذلك أيّ دور لإقناع المواطن بالتلقيح، فكان بالإمكان أن يجذب كل واحد منهم فئة من المجتمع، ما كان سيساهم في رفع نسبة التلقيح التي لم تتجاوز 30 بالمائة فقط، وهو رقم ضئيل بالنسبة للمناعة الجماعية، ففي مقارنة بسيطة مع دول الجوار نجدها استطاعت بلوغ نسبة 68 بالمائة، رغم أنّ الجزائر تملك الإمكانيات واقتنت كل أنواع اللقاحات، بالإضافة إلى إنتاجها محليا، إلا أنّها عجزت عن إيجاد الطريقة الناجعة لرفع الإقبال على التلقيح، حتى غلق المدارس والجامعات بعد اكتشاف تحولها إلى بؤر لانتشار الوباء مرده ضعف التلقيح، حيث اضطرت السلطات لقطع الدراسة لأسبوعين كاملين.
بالنسبة لي، حسب الأرقام وبالنظر إلى تمسّك المواطنين في هذه الأيام بارتداء القناع الواقي تخوّفا من المرض، واحترام الإجراءات الوقائية وقلة التنقلات وغلق أماكن التجمعات، نرتقب انخفاض حالات الإصابة شيئا فشيئا، وربّما قد نكون تجاوزنا الذروة بالنظر إلى الأرقام الرسمية.
^ تعاني الأطقم الطبية من عدد الإصابات الكبير، هل سيؤثر ذلك على التكفل بالمرضى والخدمات، وماذا تقترحون؟
^^ في الواقع، عدم إقبال مهنيي الصحة على التلقيح ساهم في ارتفاع عدد الإصابات وسطهم، فحتى الأسلاك الطبية ومستخدمي الصحة لم يقبلوا على التلقيح بسبب سوء تسيير الحملة، والمسؤولية الأخلاقية تفرض على مهنيي الصحة من أطباء وشبه طبي التلقيح لإقناع المواطن بأخذ جرعة اللقاح، في المقابل، لم ترغمهم الدولة على التلقيح ونفس الشيء بالنسبة للأساتذة أو المعلمين، في بعض الدول المعروفة بالديمقراطية فرضت عليهم التلقيح وأقالت الرافضين له من مناصبهم.
 وأظنّ أنّ وزارة الصحة أصدرت تعليمات متعلقة بالأطقم الطبية وشبه الطبية تنصّ على عدم استفادتهم من عطلة طويلة في حال إصابتهم بالعدوى، خاصة وأنّ «أوميكرون» ليس خطيرا، يحتاج المريض إلى خمسة أيام فقط ليعود إلى العمل مع ارتداء القناع الواقي، وهو ما منع تأثير الإصابات وسط الأطباء على الخدمات المقدمة في المصالح الاستشفائية، لذلك لن تعرف المستشفيات أيّ شلل، فحتى مرضى الموجة الرابعة لا يحتاجون إلى عناية ثقيلة كما كان في الموجة الثالثة.
...تفاؤل حذر
^ هل قضى أوميكرون على دلتا؟ وهل تتوقعون سلالة جديدة؟ ومتى؟؟
^^ حقيقة أخذ «أوميكرون» مكان «دلتا» وهو في صالح العالم ككل لعدم خطورته، فبريطانيا، مثلا، تم تسجيل حالة وفاة واحدة بين مئات الآلاف من الإصابات، في فرنسا وصل عدد الإصابات إلى 600 ألف إصابة في اليوم لاعتمادهم على كشف شريحة كبيرة من المواطنين، بينما في الجزائر ثمن الاختبار ليس في متناول الجميع، خاصة في حال وجود أكثر من حالة إصابة في الأسرة الواحدة.
أما احتمال ظهور سلالة جديدة هو احتمال وارد وموجود وإذا نظرنا في تاريخ «أوميكرون» نجد ظهوره بدأ في مناطق محرومة وفقيرة من جنوب افريقيا ليسيطر على العالم بعد ذلك، لذلك وجب على الدول المتقدمة التفكير في دولة واحدة اسمها العالم، حقيقة هم بلغوا نسبة متقدمة من التلقيح، لكن تبقى المناطق غير الملقحة، ما يبقي احتمال ظهور سلالة جديدة مطروحا، لكن بالنظر إلى رأي الخبراء، فالوباء لن يتجاوز سنتين ونصف إلى ثلاث سنوات، ما يعني أنّ الوباء العالمي في مرحلته الأخيرة.
وحتى وإن سجل تفاؤل منظمة الصحة العالمية والأخصائيين والخبراء في العالم حول إمكانية أن يكون «أوميكرون» آخر مطاف لفيروس كورونا، ففي الجزائر ودول أخرى، هناك مناعة جماعية بالمرض، بينما في الدول المتقدمة هناك مناعة جماعية مزدوجة باللقاح والإصابة بالفيروس، بالنظر إلى الإصابات الكبيرة في الموجة الأخيرة لمتغير «أوميكرون، لذلك من المحتمل أن نصل إلى نهاية الوباء في الربيع القادم، فحتى وإن بقي حسب المختصين سيكون فيروسا موسميا كالأنفلونزا.
وعن النسخة الثانية عن المتحور أوميكرون « بي أي 2 «، التي أكد معهد باستور أنّ نصف حالات أوميكرون بالجزائر منها أيّ السلالة الفرعية، فلا داعي للقلق لعدم تأثيره على الوضع الوبائي عامة ولا على استراتيجية مجابهة كورونا، فتحور أيّ سلالة يعني وجود سلالة تختلف كل الاختلاف عن سابقاتها مثل «أوميكرون» و»دلتا»، يجب أن يعلم المواطن أنّ الفيروسات تسجل اختلافات يوميا، لكنّها ليست ثقيلة مثلما هو الحال مع «أوميكرون»، «دلتا» و»بيتا»، ولا داعي للهلع لأنّ النسخة الثانية لها نفس الخصائص الجينية لـ «أوميكرون».
^ هل ستحول الذروة دون التكفل بأصحاب الأمراض غير كوفيد، وماهي الطريقة الناجعة لتجاوز هذا المشكل؟
^^  منذ انتشار الوباء في الجزائر، لم تتجاوز وفياته 7 آلاف متوفي، بينما السرطان بكل أنواعه 25 ألف حالة وفاة في سنتين، لذلك سندفع فاتورة إيقاف جميع العمليات الجراحية في مختلف المصالح في الشهور أو السنوات القادمة، في بعض الدول لن يتوقفوا على الإطلاق عن النشاط العادي خاصة العمليات الجراحية، حيث خصّصوا أمكنة معيّنة لمكافحة كوفيد 19، لكن في الجزائر عرفت المستشفيات شللا بعد انشار الوباء، ما استدعى تخصيص مصالح لكوفيد في كل المستشفيات، على عكس لو خصّصنا مستشفى واحدا للوباء، حتى تبقى المستشفيات الأخرى تمارس نشاطها بصفة عادية، استراتيجية مجابهة كوفيد لم تستطع التوفيق بين الأمراض المزمنة وكوفيد، والأولى لن تنتظر حتى انتهاء الوباء، بل هي في حالة تطور ما يعني تأزم الحالة الصحية للمريض.
الإشكال هو في الأمراض المزمنة خاصة السرطان، فكلما كان أمل الحياة كبيرا تظهر السرطانات بشكل أكبر، هناك عمل كبير بالتركيز على الوقاية من هذه الأمراض، بوضع مخطط للكشف المبكر عن الأمراض حتى يكون علاجها سهلا وجراحتها بسيطة، أما الوباء فحقيقة أصاب مختلف مناحي الحياة بالشلل لتأثيره الاقتصادي، الاجتماعي والنفسي أكبر من تأثيره الطبي.
يجب، من الآن فصاعدا، اتباع سياسة صحية مختلفة في إطار حوار حقيقي وبناء، فمن غير المعقول الاستمرار في الوضع الراهن، فالوباء هو بمثابة درس تعلمنا منه أنّ التخطيط الخاطئ حال دون إقناع المواطن بالتلقيح، بالرغم من توفره بكميات كبيرة، ما يستدعي تكريس المسؤوليات في الشق المتعلق بالتلقيح ومسائل أخرى، فالرغبة السياسية موجودة لكن التطبيق شكل لنا مأزقا حقيقيا.
وتعني الوقاية التواصل المستمر مع المواطنين، من خلال حملات دائمة لتعريفه بالعادات الخاطئة كطريقة الأكل، التدخين المبكر خاصة الجيل الصاعد، يجب الابتعاد أيضا عن المناسباتية، بالإضافة إلى الكشف المبكر مثلا كل امرأة بلغت سنّ الأربعين تستفيد من «ماموغرافي» مجاني مهما كان مكان تواجدها، يمكن ذلك بالتنظيم والرقمنة، الأمراض المزمنة هي المستقبل بغض النظر عن الأمراض الفيروسية المتوقع ظهورها.
واقترح استحداث «أمانة للوقاية» لوضع برامج على مستوى المدارس والكشف المبكر في مختلف الإدارات لإرغام الناس على الكشف، فمرضى السرطان مثلا يكلفون الدولة مبالغ طائلة، لكنهم لا يشفون من المرض، لكنّ الكشف المبكر يجعل المريض يعود إلى حياته الطبيعية بعملية جراحية بسيطة، لذلك وجب وضع استراتيجية لمكافحة الأمراض المزمنة، حسب مخطط محدد على المدى القصير والمتوسط والطويل.
 تخزين الأدوية بسبب الخوف
^ ما سبب التطبيب الذاتي، خاصة وأنّه تسبّب بشكل كبير في ندرة الأدوية، وأين موقع القطاع الخاص في معركة كورونا؟
^^  حالة الخوف والرعب التي سيطرت على المواطنين جعلهم يقتنون الأدوية كما الزيت والحليب ومواد استهلاكية أخرى، بغية تخزينها في المنزل، خاصة مضادات تخثر الدم كـ «لوفينوكس»، حيث يعتبرونه مادة أساسية في البروتوكول العلاجي لمرضى كورونا، ما اعتبره أمرا خطيرا لأنّ استعماله الخاطئ يؤدي إلى نزيف دم غير محمود العواقب.
بالإضافة إلى التعامل الخاطئ للصيدليات مع عملية اقتناء الأدوية، حيث أصبحوا يبيعون المضادات الحيوية ومضادات التخثر بدون وصفة طبية، المسؤولية ملقاة أيضا على بعض الأطباء فهم يرضخون في بعض الأحيان لضغط المواطنين عليهم، ففي دول غربية يسجل الطبيب دواء واحدا في الوصفة الطبية، أمّا عندنا إذا كتب الطبيب دواء واحدا فقط، ينتفض المريض ويتساءل كيف لدواء واحد علاج كوفيد 19، بل يطالبه بإضافة فيتامينات ومكملات غذائية، لذلك لا بد من تواصل الأطباء مع المواطنين لتعريفهم، فنظام الوصفة الطبية الواجب احترامه من مختلف الأطراف، طبيبا، مريضا، وصيدليات، واقع التطبيب الذاتي هو بمثابة ردة فعل لخوف وعدم تنظيم كامل في ظل انتشار الوباء، يجب أن يتحمّل كل واحد مسؤولياته.
أما عن موقع القطاع الخاص في معركة كورونا، فيمكن القول أنّه قطاع السلطات الوصية منذ انتشار الوباء، وهو ما اعتبره خطأ فادحا، فيمكنني أن أؤكد لكم أنّ أغلب المرضى يذهبون إلى الطبيب الخاص عند ظهور الأعراض عليهم، لكن، في المقابل، لا تأخذ الإحصائيات بعين الاعتبار حالات كوفيد تلك، فالطبيب الخاص يعطيه بعض الأدوية ويجري له بعض الاختبارات والتحاليل الطبية، إلا أنّ الحالة لا تدخل في التقييم العام للوضع الوبائي.
يتغنّى البعض بوجود تعاون أو تكامل بين القطاع العام والخاص، لكنّ الحقيقة هي أنّ كل واحد منهما يعمل منفردا، وهو ما جعلنا اليوم نتحدث عن أرقام ليست حقيقية لمعرفة حجم وتأثير الوباء في الجزائر، القطاع الخاص ينشط قانونيا والسلطات هي من تمنحه المكانة التي تليق به لأنّه يتعامل معها، الغريب في الأمر تجاهل السلطات المعنية حالات وفاة مهنيي الصحة من أطباء خواص بكوفيد 19.
تجاهلتهم (méconnu) رغم أنّ وزارة الصحة تشمل الطب العام والخاص.
يجب الإبقاء على حرية المواطن في الذهاب إلى القطاع الخاص أو العام، لكن يجب أن يؤدي الضمان الاجتماعي دوره لأنه يقتصر على الأدوية بصفة محدودة، حيث يقوم بتعويض الأدوية بنسبة مئوية معيّنة، لكنه لا يعوض سعر الكشف، بالنسبة لنا، الضمان الاجتماعي مسؤول عن إحداث توازن، لذلك يجب أن يكون تابعا لوزارة الصحة، في بعض الدول هو تابع لوزارة الصحة والضمان الاجتماعي، أما إذا تحدثنا عن غلاء تسعيرة الكشف، فهو راجع إلى غياب القانون فبعض الأطباء تعاقدوا مع الضمان الاجتماعي لتعويض تسعيرة الكشف، لكن إذا نظرنا إلى الجانب التطبيقي نجد أنّ الضمان الاجتماعي لا يعوّض سوى 300 دينار فقط من التسعير الكلية، بسبب أنّ الأرقام لم تحيّن منذ 1985، وهو ما اعتبره  تأخرا كبيرا يجب تداركه.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024
العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024
العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024