البروفيسور العربي بوعمامة لـ «الشعب»:

دور قـوي للطلبـة في مسـار القضيـة الوطنيـة

حوار: غانية زيوي

يعد تاريخ 19 ماي من أهم المحطات المهمة في تاريخ الكفاح المسلح الجزائري من أجل انتزاع حريته واسترجاع سيادته من الاستعمال الفرنسي. ففي هذا اليوم، أعلن الطلبة الجزائريون إضرابهم العام والتحاقهم بصفوف جبهة التحرير من أجل نيل الاستقلال واسترجاع السيادة الوطنية والمشاركة الفعالة في بناء الدولة.
في حوار خص به «الشعب»، يعود البروفيسور العربي بوعمامة إلى مجريات أحداث 19 ماي 1956 التي أدى فيها الطالب الجزائري دورا مهمّا في سبيل تحقيق الحرية.

«الشعب»: تحتفل الجامعة الجزائرية بذكرى عيد الطالب المصادف لـ19 ماي من كل سنة، حدثنا أكثر عن الذكرى الخالدة؟
العربي بوعمامة: يعتبر يوم 19 ماي من كل سنة ذكرى تاريخية، لها دلالة كبيرة في نفوس الطلبة الجزائريين، منبثقة من الرسالة النوفمبرية، وهي استجابة الطالب الجزائري يوم 19 ماي 1956 لنداء جبهة التحرير الوطني لإضراب عام عن الدراسة، شارك فيه الطلبة من مختلف ربوع الوطن، الذين ضحوا بطموحاتهم العلمية من أجل خدمة القضية الوطنية التي كان خيارها آنذاك الكفاح المسلح، وتواصل النضال في الجامعة الجزائرية وهو نضال العلم والقلم، لمحاربة كافة أنواع الاستعمار خلال العديد من المنظمات الطلابية.
فعند قراءة مسار الحركة الطلابية في الجزائر وخاصة الاتحاد العام للطلبة المسلمين، نلمس وعي الطلبة وانخراطهم السياسي في طريق التحرير، تمثلت هذه الأهداف في عدة نقاط من بينها الدفاع عن المصالح المادية والمعنوية لمجموع الطلاب الجزائريين أينما كانوا، توحيد الاتجاه الطلابي في حركة طلابية واحدة، ربط مصير المثقف الجزائري بمصير شعبه المكافح بحيث تزول جميع الفوارق التي هيأتها التقاليد الجامعية الفرنسية وضرورة تحمل الطالب الجزائري لمسؤولياته التاريخية والحضارية تجاه نضال شعبه ودحض الدعاية الفرنسية.
هذه الأهداف كانت خارطة طريق لنضال سياسي شقته الحركة الطلابية في الجزائر من البدايات الأولى للحركة الوطنية، لكن تجسد في عمل الاتحاد كهيكل مترابط من أجل الدفع بالقضية الوطنية والدفاع عنها في المحافل الوطنية وعن حرية الجزائر. وعليه الطلبة الجزائريون كان لهم دور قوي في مسار القضية الوطنية وساهموا في الاندماج الوطني والتحرر، وواصلت الفئة الطلابية بعد الاستقلال جهودها من أجل تشييد وبناء الجزائر ومحو آثار التخلف التي خلفها الاستعمار الفرنسي.
- الجامعة في وقت مضى كانت مصدر نقاش سياسي وثقافي وإيديولوجي ترك فيها الطالب بصمته، أي موقع لها اليوم؟
 لكل مرحلة نوع خاص من النضال والممارسة. بعد الاستقلال كان خطاب سياسي ولها توجهات سياسية معينة، وبعد 1988 التي شهدت تحولا سياسيا واقتصاديا وفق متطلبات هذه المرحلة بما يتوافق مع تحولات النظام العالمي، والتي عرفت فيه تغيرات سياسية جمة في الجزائر، أهمها التعددية الديمقراطية والانفتاح السياسي عبر فتح المجال للنشاط الحزبي والنقابي والجمعيات، وبذلك إتاحة وجود منابر سياسية وتنظيمات لها الحرية في التنظيم والتعبير فتشكلت رؤية أخرى للعمل الطلابي والنشاط السياسي وهذه حالة طبيعية في التطور والتحول.
فلكل مرحلة متطلباتها وخصوصيتها، يظهر فيها الطالب الجزائري فكره النضالي وسعيه للوقوف بجانب وطنه، سواء كان نضالا سياسيا أو اقتصاديا أو ثقافيا أو علميا، وهو أمر طبيعي. ولعل المتتبع لإنجازات الطلبة الجزائريين في مختلف المجالات، يرى الأثر القوي الذي تركه الطالب الجزائري داخل وخارج الوطن من اختراعات وإبداعات تحسب للجامعة الجزائرية التي بذلت جهدا في تكوين الطالب ماديا ومعنويا، لهذا لا يمكن أن نقول إن مستوى الطالب الجزائري تراجع، بل تجند لخدمة وطنه من منابر أخرى وفق التطور التكنولوجي المتسارع.
- ما الفرق بين طالب سنوات سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي وطالب اليوم؟
 أنا لأرى أن هناك فرقا؛ فكل مرحلة خصوصياتها ومتطلباتها، خصوصا وأننا نشهد تطورا مهما في مجال تكنولوجيا الإعلام والاتصال، وهو تطور في الوسائل والتقنيات جعلت الطالب يكون أكثر إنتاجا ووفرت عليه الكثير من العناء في الحصول على المعلومات وهو أمر إيجابي. فكل مرحلة من هذه المراحل، سواء سنوات السبعينيات أو هذه الفترة، سعى فيها الطالب لبذل جهود بما يتوافق مع متطلبات المرحلة السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية في الجزائر.
- ما تقييمكم لمستوى الجامعة الجزائرية اليوم؟
 الجامعة اليوم فيها أكثر من مليون ونصف طالب وهذا العدد كبير جدا مقارنة بدول عديدة. فالجامعة الجزائرية اليوم بعد ستين سنة، تخرج منها الآلاف من حاملي الشهادات الذين هم اليوم الركيزة الأولى للدولة الجزائرية، فكل الاطارات في كل المجلات هم جزائريون، فهذا رهان مهم ومؤشر قوي في التنمية.
ولقد أثبت المتخرجون من الأدمغة الجزائرية مستواهم العالي في التكوين على مستوى الداخل أو في الخارج في كل التخصصات، فالإشكال ليس في الجامعة لكن في استغلال وتسيير هذه الطاقات واستغلالها وإعطائها المكان اللائق بها وتحسين ظروفها الاجتماعية.
- بالرغم من الإصلاحات التي عرفتها الجامعة الجزائرية مؤخرا، إلا أنها تصنف في ذيل الترتيب في التصنيفات العالمية، ما السبب وراء وذلك؟
 هذه التصنيفات ترتكز على مؤشرات ليست دائما حقيقية، فمسألة التصنيف تختلف من هيئة إلى أخرى، وتعتمد على معايير شكلية لا علاقة لها بمضمون الأبحاث وجودتها وهو ما تحبذه الجامعة الجزائرية المعروفة بجودة أبحاثها. وهذه السنة بادرت الوزارة بابتكار مؤشر لتنصيف جديد تعتمد عليه وفقط معطيات حقيقية وفق جودة الأبحاث وأصالتها والذي من شأنه أن يعود بالنفع على الباحث الجزائري ويشجعه على المزيد من الابتكار والبحث.
وبالعودة إلى مسألة التنصيف يوجد من يصنف الجامعات على المرئية، أي ما يمكن أن يظهر على محركات البحث وفي الواب، وهناك مؤشرات أخرى كذلك، وقد لا تعكس هذه التصنيفات جميع العوامل المهمة للطلاب المحتملين، ولهذا من المهم قراءة ما بين السطور أو بالأحرى ما بين الأرقام للتوصل إلى فهم أفضل لما تعنيه هذه التصنيفات بالفعل، وهذا ما تفعله جميع مواقع التصنيف الإلكترونية. وإن كان فهم تفسيرات المواقع خاصةً لمن ليسوا على اطلاع بالموضوع، قد يتطلب شهادة عليا في التصنيفات، وأغلبية هذه التصنيفات هي إحصاءات ترويجية لا فائدة منها، ما دامت لم تسهم في جودة البحوث العلمية.
لكن هذا لا يعني أن الجامعة الجزائرية لا تملك كفاءات، بالعكس إن الطلب الدولي في التوظيف يضع الكفاءات الجزائرية كأولوية في كل الدول، مثال بسيط فرنسا وتوظيف الأطباء مثلا، ودول الخليج وتوظيف المهندسين في مجال الطاقة وهناك أمثلة كثيرة كذلك عن إنتاجات الباحثين الجزائريين في مجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية والفلسفة.
- ما هي أهم الاقتراحات والحلول التي يمكن تقديمها للنهوض بالمؤسسة الجامعية؟
 لتطوير أكثر وفعالية، يجب الاهتمام بالعنصر البشري، خاصة المكونين في الجانب الاجتماعي اللائق للأستاذ الجامعي وتحسين ظروفه المادية والاجتماعية. كذلك إدماج الخريجين في العمل ووضع خارطة وطنية في التشغيل والتكوين، والتركيز على تطوير العلوم والبحوث الأساسية أولا ثم التطبيقية ثانياً، وتوفير الكتب والمجلات العلمية والدراسات اللازمة لإثراء مكتبات البحث والرصيد المعرفي للباحثين، وبناء شبكة معلوماتية وطنية تكون بمثابة بنك معلومات وقاعدة بيانات ضخمة توضع تحت تصرف الباحثين وتوفير الإمكانات اللازمة للحد من هجرة الأدمغة والكفاءات التي شكلت نزيفاً خطيراً من مؤسسات البحث العلمي وانتهاج سياسة تثمين الأبحاث العلمية حسب أصالتها وجدتها وكذا مكافأة أصحابها وربط نتائجها بمتطلبات السوق والمجتمع، وإحصاء الرسائل والأطروحات الجامعية والاستفادة من النتائج التي توصلت إليها، وكذا نشرها للعامة والمتخصصين.
- ما مدى مساهمة الجامعة في التنمية المحلية والاقتصاد الوطني؟
 هذا سؤال جوهري ومهم، كيف يمكننا استغلال الكفاءات الوطنية ذات الحضور الدولي في التنمية، هذه مسالة مهمة جدا وإعطاءهم الفرصة في التسيير والتنظيم والاستماع لهم لإيجاد الحلول والاقتراحات، وهو أمر مهم جدا لتشجيع الاستثمار في كافة المجالات، من خلال تشخيص الدراسات العلمية لواقع القطاعات الاقتصادية والسياحية والثقافية... من أجل النهوض باقتصاد وطني شامل وهو ما تحتاج إليه الجزائر حاليا، وهو استغلال الكفاءات التي أطرتها الجامعات الجزائرية طيلة سنوات عديدة، ما يفتح لنا أفاق التنمية والتطور في جميع الأصعدة.
فالتنمية تلتقي مع التعليم الجامعي في عنصر مهم وهو الطالب، الذي يعتبر محورا مهما لها، فالتنمية بدون جهود الجامعة في تكوين الفرد والاستثمار، والذي بدوره يساهم في بناء القدرات الوطنية في مجال البحث العلمي، الذي يساهم في تطوير القطاع الاقتصادي والذي بدوره ينعكس على تنمية وتطوير المجتمع، فمن أجل أن تساهم الجامعة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية لابد من الاهتمام بالبحوث العلمية وربطها بالاحتياجات التنموية للجزائر.
-  ما هي الرسالة التي يقدمها البروفيسور بوعمامة للقائمين على هذا الصرح الأكاديمي الهام وللطالب؟
 الرسالة اليوم أولا مرافقة الطالب من الدخول الى الجامعة وتحسين ظروفه من أجل التكوين الفعال ومرافقته في إيجاد منصب عمل يمكن ان نستفيد منه في ميدان التنمية وإعطاء الأولوية للذين لهم تفوق في تخصصهم.
بالإضافة إلى ضرورة تدريب وإعداد الأساتذة الجامعيين على طرق التدريس المتنوعة والحديثة، فهذا يساهم إلى حد كبير في تحسين وإصلاح نوعية التكوين الجامعي والعمل على تنمية روح الإيجابية لدى الطالب الجامعي، بتفعيل أدوارهم في العملية التكوينية، باعتبارهم المسؤولون عن تحديد نوعية تكوينهم الجامعي بعد الأساتذة، وضرورة وضع برامج جامعية مسايرة للتطورات المعرفية والتكنولوجية الآنية، وتكون متوافقة مع متطلبات سوق العمل، وتكثيف البحوث والدراسات حول نوعية التكوين الجامعي، ودراسة مؤشراتها ومعاييرها ومدى تطابق وتوافر هذه الأخيرة في جامعاتنا الجزائرية، مع ضرورة القيام بدراسات ميدانية من أجل تحديد متطلبات واحتياجات مؤسسات المجتمع وسوق العمل ومحاولة ربطها ببرامج التعليم والتكوين الجامعي.
وفي الأخير أشكر جريدة «الشعب» على إتاحة لنا الفرصة في هذا المنبر الإعلامي العتيد الذي ساير كل مراحل تطور الجزائر من الاستقلال الى اليوم. شكرا.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19448

العدد 19448

الأربعاء 17 أفريل 2024
العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024
العدد 19445

العدد 19445

الأحد 14 أفريل 2024