الباحث والمستشار لدى محافظة الأمازيغية، جمال لاصب:

تحـدّي التّرجمـة يمكـن مواجهتـه من قبل المؤسّسـات ذات الوسائـل

أمينة جابالله

 الإنتاج الشّعري بالأمازيغية في القرن الماضي ينبغي ترجمته إلى العربية

 أعمال كثيرة تحتاج إلى من ينفض عنها غبار الزّمن 

 كشف الأستاذ والباحث المستشار لدى المحافظة السامية للأمازيغية جمال لاصب، أنّ تحدّيات المترجم من وإلى اللغة الأمازيغية ما زالت تراهن على العمل الحثيث والدؤوب، لإيصال الأعمال الأدبية إلى المكانة التي يناضل من أجلها صنّاع الأدب والثقافة الأمازيغية في الجزائر، قائلا بأنّ ما شاركت به المحافظة السامية للأمازيغية في الحدث الثقافي الأخير «الصالون الدولي للكتاب» من خلال 27 عنوانا جديدا صادر في 2021 من المؤلفات المتنوعة في مجالات الادب والترجمة ومعاجم وغيرها من الإصدارات، ما هو إلا دليل واضح على إبراز وتشجيع الكتاب الأمازيغي والترويج له من جهة، ومن جهة أخرى فتح الأفق للمترجم ليعطي أكثر للمشهد الثقافي الوطني الرابض على لغتين رسميتين لهما مكانتهما محليا وعالميا.

- الشعب ويكاند: ما هو الدّافع الذي جعلك تهتم بالترجمة من وإلى الأمازيغية، وتعمل من أجلها قلبا وقالبا؟
 الباحث والمستشار لدى محافظة الأمازيغية جمال لاصب: أوّلا يجب أن أشير بأنّ الترجمة تعني المشاركة، والترجمة هي تقديم ثمرتين للقارئ، أولا ثمرة جهد المؤلف، وهذا يعني العمل الأولي، بالإضافة إلى عمل المترجم الذي سيهتم غالبًا بنقل عالم من المشاعر، وعليه فأنا أعتبر الترجمة هدية وعلامة صداقة، كون أنّني وصلت إلى الترجمة عن طريق الصداقة، حيث خلال السنوات التي قضيتها في الكلية والمدرسة والثانوية، غالبًا ما عاتبني صديق يتحدّث العربية على أنانيتي عندما رآني مبتهجًا أثناء قراءتي لقصائد غناها الفنان لونيس آيت منڤلات، وكان من الطبيعي أن أبدأ في ترجمة نصوص له، وعبرها انتهى بنا الأمر بتقوية صداقتنا أكثر، وأنا جد سعيد بأنّني فزت بصديق جديد مدى الحياة، من خلال هذه المغامرة الشيقة أسعى لتقريب الأمازيغية من لغات العالم وتقريب العالم إليها، حاولت أن أساهم على نطاق متواضع للغاية، ولكن لا يزال يبدو لي اليوم أهمية كبرى لتقربني من جاري بدءا بأخي وابن عمي الذي يعيش بالقرب مني ولا يفهمني.
- لماذا لم يأخذ كتاب «البربرية» حقّه من الترجمة، مع أنّه يعتبر من أمّهات الكتب التي تُعنى بالمجتمع الأمازيغي؟
في الحقيقة «كتاب البربرية» أعتبره من بين الكتب القيمة، والذي لا ينبغي أن يبقى في الظل الذي أحيط به لعدة قرون، حيث تعود بعض أجزاء هذا العمل إلى القرن الثامن، وهي انعكاس أسمى لمجتمع عاش في فترة تزامنت مع الفتح العربي، وفي المقابل يحتوي هذا الكتاب على نوع من المسرد الذي يشرح الكلمات المستخدمة في الدين الجديد، لذلك سيكون من أوائل القواميس ثنائية اللغة التي عرفها الإنسان! لذلك ربما يجب أن تنتمي إلى مؤسسة بدلاً من أن تكون، كما هي حاليًا، ملكًا لجهة خاصة، وإن الأمثلة النادرة القليلة لمحتواها المعروضة على الويب تقدم حقاً غذاءً للتفكير في الإنكار الذي يؤثر على وجودها، حيث أن الكثير من المؤلفين وفقًا للمصادر الضّئيلة المتوفرة على الشبكة، يتبعون بعضهم البعض لتحقيقها على مدى أكثر من سبعة قرون، ممّا يعطيها قيمة أكبر، ومن وجهة نظري، لا بد من الاستعجال في تولي الأمر، وعمل نسخ منه  وترجمته إلى اللغة العربية، على الأقل للأجزاء المكتوبة بالأمازيغية.
- وماذا تقول في ترجمة «نوم العادل» التي أعادت الكاتب القدير الرّاحل مولود معمري إلى الأمازيغية؟
 «نوم العادل» هو عمل هائل ألّفه مولود معمري بلغة فرنسية، لا يزال محكمًا لدى عدد من القراء، لاسيما عندما يتناول جوانب معينة من الثقافة الأمازيغية وحتى جوانب معينة من النص تصعد نحو مجالات فلسفية صعبة، للوصول إلى فئة معينة من القراء المنعزلين في ثقافة ضيقة، وفي محاولة لإعادة هذا العالم إلى لغته الأصلية لأننا نشعر في كثير من الأحيان أنّ مولود معمري قد فكّر في الكثير من الحوارات والأفكار بلغة سي موحند، العملاق المجهول الآخر في بلده، والذي يتباطأ في أن يكون ترجمانه إلى العربية هو والشيخ محند أو الحسين، وعلى ذكر هذين الإسمين الأخيرين، يجب فتح ندوة دائمة لتعليم أفكارهما التي تحمل في طياتها علما وفكرا نيرا يخدم الإنسانية.

- ما هو حجم الأعمال المترجمة حاليا من وإلى الأمازيغية، مرورا بالأوائل الذين وُجِّهوا نحو الدّراسات البربرية؟
 منذ الأعمال الأولى للضباط الفرنسيين أمثال هانوتو ودوماس، وكذلك جزائريين على غرار بلقاسم بن سديرة وسي أعمر بوليفة الذي صحّح بعض المصطلحات التي أخذت تأويلات لا تمدح الثقافة الأمازيغية، إلى محند أعراب أيت قاسي، مرورا على الأعمال الهائلة لمحي عبد الله، يجب أولاً أن يقال إنّ حجم الترجمات المتاحة حاليًا قليل جدا، حيث يوضّح الجرد السريع للأعمال المترجمة أن عدد العناوين المترجمة لا يمكن أن يتجاوز 50 بالمائة، بالرغم من الجهود المبذولة من طرف المهتمين والمختصين في شأن الترجمة من وإلى الأمازيغية، ومع ذلك ليست إرادة المترجمين ولا العناوين هي التي تنتظر الخبير فقط لتفسيرها بهذه اللغة الرسمية والوطنية الجميلة، بل الأعمال والمؤلفات المكتوبة بالأمازيغية، التي لها أهمية كبيرة وذات قيمة لا تقدر بثمن تنتظر التفاتة وأخذها بعين الاعتبار.
- كيف تقيّم واقع ترجمة الإنتاج الشّعري بالأمازيغية إلى العربية؟
 إنّ الإنتاج الشّعري بالأمازيغية في القرن الماضي هائل ولا بد من ترجمته إلى اللغة العربية. ستكون الترجمة في هذه الحالة إسمنتًا إضافيًا في هذا المشروع العظيم لتعزيز قاعدة الهوية المشتركة، لا يمكننا تطوير موضوع الهجر الذي توجد فيه الترجمة من وإلى الأمازيغية، بشكل أفضل من أمثال أعمال المؤلفين المعترف بهم في أماكن أخرى من العالم، وغير المعروفين للأسف في وطنهم، مثال حالة الفنان الراحل معطوب لوناس، حيث لا يوجد له نص مترجم إلى العربية، اللهم سوى ما تمّ تناوله في مقالات خجولة التي كتبها هواة في بعض المواقع والقليلة جدا، مقابل ما تمّ ترجمته إلى اللغة الفرنسية، في حين لا تختلف حالة الفنان القدير لونيس آيت منڤلات كثيرًا، فهناك ترجمتان فقط معروفتان إلى العربية، لكن مكانة الشاعر وشعره يتطلبان المزيد من الترجمة، خاصة وأنّ نصوص آيت منڤلات تتمتّع بفكر فلسفي عميق ومبتكر من شأنه أن يقدم إضافة نوعية لرصيد الإبداع المحلي.

- وماذا عن واقع التّرجمة من وإلى الأمازيغية عامة؟
 من الواقع نجد بأنّه قد سبق وأن ترجمت مؤلفات عديدة مثل روايات لمحمد ساري، الروائي والمترجم وواسيني لعرج، مولود فرعون ثم مولود معمري وغيرهم، فهم مترجمون من آفاق متعدّدة غالبا ما تطغى على أعمالهم حساسية المناضل، وأقول بأنّ هناك أعمال كثيرة تحتاج إلى من ينفض عنها غبار الزمن، وأخرى تتراكم في المكتبات دون أن تجد مشتري، المؤلف والمترجم أمام واقع سوق عالمية ووطنية مازالت ضعيفة نوعا ما، ومع ذلك نجحت اللغة الأمازيغية في ترجمة أعمال بعض المؤلفين والألقاب ذات الشهرة العالمية. أجد أنّ العنوان الأكثر ترجمة هو «النبي» بقلم جبران خليل جبران، وله أربع ترجمات اثنتان منها بيعت في المكتبات.
- هل لنا أن نتعرّف على بعض الأعمال التي تزيّن بها أدب حديث النّشأة، واستطاع من خلالها أن ينال منصبا في ساحات الترجمة إلى لغات عالمية؟
 في الحقيقة هناك كثير من الأعمال التي يغفل عنها القارئ، والتي وددت ذكرها في هذا المنبر، على سبيل المثال لا الحصر، يتمثل في عمل الأستاذ القدير عبد الله محي، الذي نجح في الترجمة إلى الأمازيغية حيث ترجم على ضوء ما يزخر به الأدب العالمي لكوكبة كبيرة جدا من الكتاب مثل موليير، إيسوب، كارل ماركس، بيرتولت بريخت جورج براسينس، جاك بريفيرت، جيل سيرفات، جان فيرات، ويليام بليك وبوريس فيان وجاك بريل وغيرهم الكثير، كانت النتيجة مثالية بشكل صارخ لدرجة أن القارئ المبتدئ كان يعتقد بأن الأعمال هي من تأليف المترجم الأصلية.
- ما هي الأعمال الأدبية الكبرى التي ترجمت إلى الأمازيغية؟ ومن هم المترجمون اليوم على سبيل المثال؟
 يسعدني أن أجيب عن هذا السؤال بقائمة من الأعمال والأسماء التي أفوّضها لتنوب عني، حيث يطيب لي أن أقدم للقارئ بعض الأعمال المترجمة التي أنجزت بشكل تصاعدي للسنوات، وهذا على غرار تلك التي هي في طور الطباعة، وهي كالآتي: سنة 1991 المترجم فريد عباش ترجم كتاب «النبي» لجبران خليل جبران، الصادر عن دار النشر لافوميك، المترجم محمد بلماضي ترجم كتاب «رمانة» للطاهر وطار الصادر عن دار النشر الجاحظية سنة 2004، المترجم حبيب الله منصوري ترجم كتاب  Ageldun amectuh   le petit prince لسانت اكسوبيري الصادر عن دار النشر HCA سنة 2005، المترجم موسى آيت طالب ترجم كتاب Le fils du pauvre لمولود فرعون Mmi-s n igellil سنة 2006، المترجم كمال بوعمارة ترجم كتاب Ussan di Tmurt أو أيام القبائل لمولود فرعون Jours de Kabylie سنة 2007، المترجم حبيب الله منصوري ترجم كتاب Tamila  للكاتب Ferdinand Duchesne سنة 2020، المترجم مراد مازري ترجم كتاب The Pilgrim’s Progress  للكاتب جون بينيان والذي يعني بالأمازيغية Amsebrid s igenni  سنة 2021، المترجم حامد نكار ترجم كتابL’alchimiste  لـ Paulo Coelho سنة 2021،  المترجمة كاتيا تواتي كتاب Histoire de ma vie للكاتبة فاطمة آيت منصور صاحبة مؤلف Taqsiṭ n Tudert-iw..

-  ما هي تحدّيات المترجم من وإلى الأمازيغية؟ وكيف يمكنه أن يبتكر طريقا سلسا لتأدية مهمّته؟
 قبل أن أتطرّق للمترجم يجب أن أقف عند كلمة تحدي، فالتحدي يخولنا أن نقول من نحن بلغة الآخر من جهة، والتحدي هو عنوان للم الشمل من جهة أخرى، حيث أنه في كثير من الأحيان يجد المترجم أحد أفراد أسرته، والذي لأي سبب كان ليس له الحق في إتقان لغتنا، ويكمن التحدي أيضًا في فهم الآخر بلغتنا، لأن الفهم هو أقصر طريق للحب، في حين لا يجب أن نغفل بأن التحدي هو في حد ذاته مروع، ولا يمكن مواجهته إلا من قبل المؤسسات التي لديها الوسائل والامتيازات لتعزيز الثقافة، والتي تظل أفضل وسيلة للتماسك الاجتماعي، وينبغي أن يتمسك بها جموع المترجمين من وإلى الأمازيغية.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024
العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024
العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024