الكاتب والإعلامي الصادق بخوش:

لا وجود لذاكرة جماعية بيننا وبين المحتل الفرنسي

حوار: ذهبية عبد القادر

 أوبيرات «ألا فاشهدوا» عمل تاريخي بنُكهة علمية

يتحدث الكاتب والإعلامي، الصادق بخوش، في هذا الحوار عن تجربته في مجال كتابة السمعي ـ البصري، والفكر وخاصة الفلسفة السياسية، مؤكدا أنّ جلّ ما كتبه يصب في مجال كتابة تاريخ الجزائر القديم والحديث والمعاصر، كما يتناول آخر أعماله وهي أوبرات «ألا فاشهدوا» وهي عمل تاريخي طعمه بحضور بارز للشخصيات العلمية والفكرية والأدبية في عصور تاريخ الجزائر الموغل في القدم كما استحضر دور المرأة، وهو نصّ اختارته اللجنة الوطنية للقراءة ليكون إفتتاحية الإحتفاء بالذكرى الستين للاستقلال ولاسترجاع السيادة الوطنية.

يحدثنا صاحب «بهتان الغرب» عن حروب الذاكرة، التي يندرج نصّه «ألا فاشهدوا « في إطارها وهو نصّ اختارته اللجنة الوطنية للقراءة لوزارة المجاهدين ليكون افتتاحية الاحتفاء بذكرى استقلال واسترجاع السيادة الوطنية الموافقة لـ 5 جويلية 2022.
يُذكر أنّ الصادق بخوش يحمل شهادة الدكتوراه في الفلسفة السياسية من جامعة الجزائر، ودبلوم في الصحافة والإعلام من الجزائر وآخر من تشيكوسلوفاكيا، له عديد المؤلفات الفكرية والأدبية والفنية، له عديد من السيناريوهات للأفلام الطويلة والأوبيرات، والمسرح، وتقلّد العديد من المناصب السامية في الدولة.

- الشعب ويكاند: كتبت أوبيرات» ألا فاشهدوا» وتناولت فيها تاريخ الجزائر منذ فجر التاريخ، لماذا اخترت التطرق لمعالجة التاريخ فنيا؟
الصادق بخوش: هذا الاختيار سيادي من لدن وزارة المجاهدين وذوي الحقوق التي أعدت مسابقة وطنية بمناسبة الذكرى لعيد الاستقلال واسترجاع السيادة الوطنية الموافقة لـ 5 جويلية 2022، وهي مسابقة حرة أشرفت عليها لجنة من الأكاديميين والخبراء، على مدى عدة شهور قرأت عشرات الأعمال، وقامت بتقييمها ونقدها دون علم أعضائها بأسماء المتسابقين، وصادف أن كان النص الذي قدمته هو الفائز بنص اللجنة الوطنية للقراءة، التي استدعتني إلى مقرها بالمركز الوطني للدراسات والبحث في المقاومة والحركة الوطنية، وقدمت لي بعض النصائح والملاحظات التي أخذت بها، فيما يضيف قيمة للعمل، وعليه فهذا النص هو تجاوب مع إرادة الوزارة لإنجاز ملحمة كبرى ترسم المعالم الكلية لتاريخنا العريق منذ آلاف السنين إلى يومنا هذا، وهو عمل تربوي وموثق بالأحداث والشخوص والمراحل المتعاقبة على أرضنا ومنطقتنا، باختزال شديد دون إخلال بوحدة التاريخ، فالنص إذا هو أرضية، يمتلك رؤية ويجتمع على سردية روائية من ناحية، وحوارات وإحالات تأخذ بعين الاعتبار الضرورة المشهدية من ديكورات وملابس مختلفة حسب العصور، وكوريغرافيا، تعبر عن لوحات تترجم حالات مختلفة في النصر والفرح والحزن والانتصار أحيانا، كل ذلك على إيقاعات موسيقية تأخذ بعين الاعتبار الثراء الكبير لتعدّد الطبوع والمقامات والألوان في مجال علم الموسيقى وفنها، التي تزخر بها بلادنا في امتدادها العربي والمتوسطي والإفريقي والإنساني، كما أنّ تعليمات وزارة المجاهدين وذوي الحقوق ركزت على ضرورة إدخال البعد التكنولوجي عبر تقنيات الالوغرام والمابينغ والبعد الثلاثي الأحجام والصور والإضاءة، وتحقيقها للفرجة والإبهار، وإثراء جماليات العرض، وبالمحصلة، ثمة فريق من المخرجين يقوم على إنجاز هذا العمل عبر ما لا يقل عن سبع ورشات، تشرف عليها مؤسسة الديوان الوطني للثقافة والإعلام كمنتج منفذ تحت مسؤولية المنتج الفعلي التي هي وزارة المجاهدين وذوي الحقوق، وننتظر أن ينجز هذا العمل ويسجل عبر تقنية البلاي باك في الأستوديو ليكون جاهزا يوم 5 جويلية، وهو عمل يشتمل على 19 لوحة تترجم مآثر تاريخ بلادنا منذ ما قبل التاريخ إلى ما حققه الشعب الجزائري في كل هذه المراحل وانتهاء بإنجازاته في معالمها الكبرى على مدى 60 سنة الأخيرة من الاستقلال.

- ما هي أهم المراحل التاريخية والشخصيات التي رصدتها في هذا النصّ التاريخي؟
قد يكون لهذا النص ميزة غير مسبوقة مقارنة بالملاحم السابقة التي اطلع عليها جمهورنا، وأقصد بذلك الحضور البارز للشخصيات العلمية والفكرية والأدبية في عصور تاريخنا، وهي أسماء عديدة، كما أفردنا حضورا للمرأة عن استحقاق في حركة التاريخ، بحيث تجاوزنا التصور الذكوري المتفرد بإنتاج التاريخ وقيادته والحديث عنه، وتغيب حضور المرأة في هذا التاريخ، بحيث قمنا في هذا النص بما يحقق التناغم والتكامل والانسجام بين كل الفاعلين في التاريخ من مفكرين وعلماء ورجال دين وقادة عسكريين وزعماء سياسيين، تجاوزا للذهنية السابقة سلفا، بجعل الحروب وقادتها وقفا على التاريخ، لأنّ التاريخ يصنعه الجميع سلبا وإيجابا ويحياه الجميع كذلك ويعبر عنه.

- هل يندرج نصك :» ألا فاشهدوا «في إطار حروب الذاكرة؟
إنّ موضوع الذاكرة يحتاج إلى تفكيك مبناه ومعناه، للأسف الشديد فالعالم المتخلف اليوم يستهلك ما يصنعه الأقوياء من مفاهيم ودلالات، تحوي رؤية ومعاني تحتكر الدلالة وتوجه الأذهان والأذواق، كما يصنعون السلع الاستهلاكية من الطائرة إلى الجبن، ويسعى الغرب بسياسته الرأسمالية المتوحشة إلى مصادرة إرادة الضعفاء في التفكير والإبداع، وإنتاج المعرفة المادية واللامادية، لكي يبقي هذا الغرب على هيمنته وتفوقه وليظل العالم المتخلف مجرد سوق وفضاء لابتزاز ثرواته ومواده الخام، لذا نشهد معاداة الغرب لقيام مجتمعات ديمقراطية في العالم الثالث ونهضة علمية وتكنولوجية.
نعود إلى مسألة الذاكرة هذا المصطلح في تقديري ليس دقيقا، فلكل حضارة وأمة ذاكرتها الذاتية التي تتقاطع مع غيرها في التعايش السلمي، وفي الصراع، والنفوذ والهيمنة، إذ لا يمكن أن نوفق على ما تزعمه اليوم المدرسة الكولونيالية لكتابة التاريخ، من اعتبار أنّ ثمة ذاكرة مشتركة بيننا وبين محتل الأمس، ففرنسا لم تتوقف عن حربها الشاملة بإبادة الإنسان وتشويه المعالم، وتخريب العقول والذهنيات، وتجهيل الشعب وخلق الفرقة والتقسيم على أسس عنصرية وإثنية، فيها من التحقير للذات الإنسانية فوق هذه الأرض، وخلق حزازات، وتفكيك القبائل لسرقة أراضيها، وتشويه الأسماء، والقضاء على النمط الزراعي في البلاد، كون الجزائر كانت في القرن التاسع عشر هي الممول للبشرية للحبوب قبل أوكرانيا، فغيرت فرنسا عبر المستوطنين زراعة الحبوب بزراعة الكروم، من أجل صناعة الخمور كأحد أكبر مورد التجارة الخارجية والداخلية معا لفرنسا الاستعمارية، وما كان يهمها أبدا أن يجوع الشعب ويفنى أكثر من 11 مليون جزائري عبر 132 سنة من استعمار استيطاني.

- إذا في أيّ ذاكرة نشترك مع المحتل؟
لقد اطلعت شخصيا على ما أنجزه المؤرخ الفرنسي بنيامين ستورا في تقريره الذي قدمه لقيادة بلاده من 157 صفحة ورددت عليه في حينه بأكثر من 20 صفحة، كانت مجرد رؤوس أقلام، لأنه تقرير زائف يغمط حق الجزائريين ويمجد ما وراء سطور الاستعمار الفرنسي، بكل جرائمه في أبعادها المختلفة، ففي هذا التقرير قراءة انتقائية وخلط مع سبق والمظلمة التي ارتكبها الجلاد ضد الضحية، إنّ هذا التقرير وغيره هو إعادة إنتاج الاستعمار، وتقديم الزيف على أنه حقيقة وتغليط المؤرخين في الضفتين الجنوبية والشمالية، عندما أقول هذا الكلام لا أنقص من قيمة ونزاهة بعض المؤرخين الفرنسيين من خارج السلطة الرسمية ومن خارج فرنسا العميقة التي تتحكم فيها اللوبيات ومن ورائهم الذهنية الروشفلدية المتصهينة، وعليه لا توجد ذاكرة جماعية بيننا وبين المحتل، وإنما إرادتان متصارعتان، إرادة الحق الذي يدافع عن الكيان والكرامة، وإرادة الباطل التي تخرب وتقتل وتبيد، ولم تهضم ثورة شعبنا التي كانت تسميها « أحداث الجزائر «للفلاقة والخارجين عن القانون، ثم تطور الذهن الفرنسي بعد عشرات السنين ليسميها «حرب الجزائر» وكلا التسميتين خاطئة علميا ومنهجيا، وقد بينا ذلك في ردنا على تقرير ستورا. ويدخل هذا التصور الفرنسي ضمن الثورة المضادة التي تمارسها قوى الاستعمار التقليدية مع مستعمراتها القديمة من خلال أذرعها وطابورها الخامس في هذه المستعمرات، عبر القوة المخملية في الاقتصاد والفنون والآداب، الموضة والموسيقى والصورة وما إلى ذلك من وسائل الإختراق. وليس صدفة أن يكتب المفكرون الأمريكيون عن موت التاريخ وعن صراع الحضارات، وعن الإسلام فوبيا، والترويج لزواج المثليين ومعاداة السامية، ويسكتون عن القضايا العادلة مثل قضية فلسطين وتدمير ليبيا، العراق وسوريا، وتقسيم السودان، وإحداث مناطق تؤثر في أكثر من مكان، لاسيما على حدود الجزائر، التي بفضل مؤسستها العسكرية الدستورية استطاعت أن تقضي على الإرهاب المفبرك وأن تتصدى للإرهاب والمرتزقة على حدودنا في الساحل الإفريقي، وتقف موقف الحياد في الأزمة الليبية، لقد سعى الغرب الاستعماري إلى إدخال الطرف الصهيوني على حدود نا الغربية بعد مؤامرة التطبيع مع هذا العدو التي هول لها الكثيرمن الدول في المشرق العربي، وهول لها نظام المخزن في مغربنا العربي.
إذ لا يمكن أن نوافق على طرح مسألة الذاكرة بسذاجة، وأن لا نسمح للآخرين بأن يقرؤونا على هواهم ومزاجهم، من أجل تحقيق مصالحهم الإستراتيجية على حسابنا، لهذا أدعو إلى إقامة مدرسة وطنية عالمة فكرا ومنهجا، لكتابة تاريخنا موضوعيا، وأن لا نستكين إلى إشراطات من حاربنا بالأمس ويحاربنا اليوم بأساليب مستحدثة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024
العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024
العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024