الباحـث خالد سعســع لـ «الشعـب ويكانـد»:

مشروع البكالوريا الفنية يحمل الكثير من المزايا

حوار: فاطمة الوحش

صـرح أيّ حضارة لا يمكن أن ينهض من دون الاستناد إلى العلم والفــنّ

يتحدث الدكتور خالد سعسع في هذا الحوار، الذي خص به «الشعب ويكاند»، عن أيجابيات مشروع البكالوريا الفنية، حيث يرى أنه مشروع يعود بالفائدة على المجتمع وله إضافة نوعية لما تحمله الفنون من قدرة على تهذيب النفس وتنمية القدرات الاجتماعية للتلميذ. كما يتحدث عن ظروف ومستلزمات تجسيد هذا المشروع كتوفير أساتذة مختصين في المجال الفني وتحقيق عمل مشترك بين دكاترة وأساتذة الفنون مع مفتشي وزارة ومديرية التربية، على غرار ما هو معمول به في التخصصات الأخرى.
الدكتور خالد سعسع أستاذ محاضر بكلية الفنون والثقافة جامعة قسنطينة-3 صالح بوبنيدر، متحصل على شهادة ماجستير تخصص نقد مسرحي، وشهادة دكتوراه في فنون العرض بجامعة وهران-1 أحمد بن بلة.

- الشعب ويكاند: كيف ترى مشروع البكالوريا الفنية؟
خالد سعسع: نرى أن هذا المشروع يلبي رغبة بعض التلاميذ الممارسين للفن، وكذا الهواة للالتحاق بالجانب الأكاديمي ويمكن أن يكون هذا المشروع إضافة نوعية لما تحمله الفنون من قدرة على تهذيب النفس وتنمية القدرات الاجتماعية للتلميذ، إضافة أنه سيعطي دفعة وإضافة أخرى لما له من تقاطعات مع مختلف التخصصات المختلفة، تكوين وتحضير الطالب للولوج إلى عالم الفن والممارسة كفنان يتقن أبجديات فنون العرض والفنون البصرية، هو في الوقت نفسه يمكن اعتباره باحثا علميا يجري تحقيقاً اجتماعياً معيناً تماماً؛ ومن منطلق بالمثال يتضح المقال للإجابة عن السؤال، لو أعطينا مثلا: سيارة لعشرين مهندس طِلاء من أجل القيام بعملية الدّهان، فستكون النتيجة عشرين عملاً فنياً، مع أنهم متفقون على كيفية سير السيارة وتركيب المحرك وغيرها من الأمور، فالعلم يقرر أي نوع من الدهان الأفضل للسيارة حسب التكوين والتصميم الخارجي لها، وربما حتى توزيعها الجغرافي، ثم يأتي دور الدارس للفن في اختيار الألوان ودرجاتها والمزج بينها، وتوظيف تكامل الألوان المضادة الذي له تأثير، مقارنة بالرماديات الملونة أو الألوان الرئيسية، وهكذا...إلخ، فهذه قواعد علمية مقررة، ولا علاقة لها بالأذواق، لكننا نجد جذور تجسيد الفن على أرض الواقع تتم بطريقة اعتباطية دون الانتباه لمثل هذه الأمور، وبذلك تكون الإضافة صحيحة من حيث أن التفكير في مشروع البكالوريا الفنية يفتح باب التقنين والتخصيص لهذه الفئة مستقبلا، والمثال ينطبق على باقي مجالات الفنون كالخط العربي والزخرفة العربية وفنون الرقش وفن النحت والصناعات الحرفية، التي تعتمد على أسس هندسية وعقلانية.
- هل ترون بأن المشروع يتماشى ومتطلبات المجتمع؟
بالإضافة لكون المشروع يعود بالفائدة الإيجابية على المجتمع، فإنه طبعا وبعد الانفتاح على العالم ودور منصات التواصل الاجتماعي التي تربط العالم ببعضه، هناك طموحات فنية لدى التلاميذ يسعون لتنميتها، وكذا كون هذا المشروع لا يعتبر غريبا أو أمرا جديدا على دول العالم، سواء العربية أو الأجنبية، بل يمكن اعتبار أننا كنا متأخرين مقارنة بهاته الدول، رغم أن البعض رآه كمشروع رفعا شبيها بالاستثناء، إلا أنه في الحقيقة بمثابة اللحاق والوصول لما فاتنا، والحتمية الاجتماعية والاقتصادية والاقتضاء العلمي، التي فرضتها التحولات الثقافية والعلمية، نتيجة الانغلاق الذي طال وزارة التربية الوطنية، والتناقض مع رغبات وحتمية حركة التطور، وأكيد فإن المشروع يحمل من المزايا ما يجعله يتميز عن المشاريع المستهلكة.
أكيد أن المشروع يتماشى مع متطلبات المجتمع والذي ينتمي إلى هذا العصر، ولا يمكننا العيش بمعزل عن العصر الذي نحياه من تكنولوجيا وعولمة ومختلف المظاهر الأخرى، فحينما يتزين الفنّ بالطقوس والأسطورة وشتّى العلوم، والأخذ بسحر جماليات الفنون البصرية وفنون العرض منبعًا، في تأصيل للأدب الشعبي في الأساطير الكونية والملحميات والتراجيديات والحكايات الشعبية، سواء أكانت ضمن نطاق الميدان الواحد، أم بين عدة ميادين وفروع مختلفة، وقد أدلى الفلاسفة والأخصائيون بدلوهم، على مدار المائة العام الأخيرة في موضوع تماشي وضرورة الفن في المجتمع، فهذا بيرجسون Bergson) 1941 - 1859)، الذي يرى من خلال نزعته الحدسية أن الفن بمثابة عين ميتافيزيقية فاحِصَة تَبْحَثُ عن الإدراك الحسي الخالص من أجل رؤية ما نحن في العادة عاجزون عن رؤيته، بينما يراه سانتيانا Santayana، استجابة للحاجة ولمتعة الخيال ولذة الحواس، ويصبح عند جون ديوي Dewy، تحقيق للنفعية عندما ربطه مع الحضارة، فهو خبرة كلية نامية في ماضي الحضارة، ويزيد من قوة الحاضر، ويجيئ فيها في المستقبل، فيكون بمثابة إنعاش لما هو ماثل في اللحظة الراهنة، أمّا هربرت ريد فالفنّ لديه، نشاط عرفاني متميز من أساليب التواصل واكتشاف للحقيقة، وتعبير عنها بلغة بصرية رمزية...
- ماهي أفاق تخصص الفنون بصفة عامة في المجتمع على الصعيدين الثقافي والاقتصادي؟
حول هذا السؤال يحضرني قول المؤرخ توماس مونرو Thomas Monroe، إذ يقول : من المُرجّح أنّه سوف يتطور موضوع دراسة الفنّ علميا في المستقبل، كجزء من التوسع العام في تطبيق النهج العلمي على كل الدراسات في الحقل الثقافي والاجتماعي والاقتصادي. والملاحظ كذلك، أنّه أخذ في السنوات الأخيرة يتحوّل إلى أهداف العلم التجريبي بطريقة وصفية لظواهر الفنّ، وما يتّصل بها من أنّماط السلوك والخبرة. واليوم يُطلق على أحد فروع علم الجمال المعاصر «مورفولوجيا علم الجمال»، الذي يدّرس أشكال الفنّ في مختلف المجالات من الصور إلى القصائد والسيمفونيات والبّاليه، والأفلام والمسرح، وليس هدفه من ذلك التقييم والنقد فقط، بل تحليل النماذج ومقارنتها من حيث مكوناتها وتركيبها ومن ثم يستنبط تصنيفًا للأنّماط والمنوعات الرئيسية لصناعة الثقافة والتنمية المستدامة، ومن ثم تنويع المصدر الأوحد لأي بلد، كما لا ننسى أن استخدام مقياس الفنّ للتنبؤ بالإبداع، كان موضوعًا للدراسات حتى صار للإبداع فرصة عظيمة للنمو والتطور، إذا ما توفرت الشروط الموضوعية، ووضع له أطره الفكرية والتطبيقية، وتحديد مكوناته ومقوماته ومستلزماته، كما يقول جيل دولوز 1925 -1995 Gilles Deleuze، بين الفنّ والعلم والفلسفة، لا فضل لأحد هذه المجالات على الآخرين، فَكُلّها إشتغالات خلاّقة.
إنّ صرح أي حضارة إنسانّية لا يمكن أنّ ينهض من دون الاستناد إلى العلم والفنّ، وقد فرضت هذه الحقيقة نفسها على سؤال المنفعة من بكالوريا الفنون على الصعيد الثقافي والاقتصادي، فمشاركة الجزائر لهذه التجربة التي تأرجحت قديما بين هواجس التحول والنكوص والارتدادات تبعًا للرؤى الإيديولوجية، أثّرت على علاقة الفنّ بالمجتمع، والتي أثارت ولازالت تطرح، جملةً من التّساؤلات على راهن العلاقة بين الكتابة الفنية والدراسات الأكاديمية، والتي تنشأ بعلاقة المبدع والناقد، وعلاقة الفنان بالأكاديمي، والتفاف الباحث إلى راهن البحث في الفن والعلم، ليوجد ذلك البعد التواصلي تثمينا وعرفانا، وللوصول إلى فكرة وصل الجسور المقطوعة بين الفن وباقي القطاعات الاقتصادية.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024
العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024
العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024