الدكتـورة نبيلـة بن يحيـى في حـوار مـع “الشعـب”:

تحديــــات إقليمية ودوليــة تستــوجـب تجديد الرؤيـة الاستراتيجيـة العربيـة

حوار: فتيحة كلواز

 نظرة اقتصادية متزنة لحماية المنطقة من الانقسامات والتشتت

 القضيـــة الفلسطينيــة والصحـــــراء الغربية.. ضمن الأولويـــات

 اتفـــاق عربي على أحقية الجزائــر بكرســـي دائم في الأممــ المتحدة

يجمع مختصون على خصوصية وتفرد القمة العربية القادمة، نظرا لما يحيط بها من تحديات ورهانات جيو- سياسية وضعت المنطقة العربية في عين الإعصار؛ قمة سيكون أكبر رهاناتها التأسيس لرؤية عربية موحدة سيكون للجزائر دور مهم في جمع دول المنطقة ولمّ شملها.
أكدت أستاذة العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر-3 الدكتورة نبيلة بن يحيى، في حوار مع “الشعب”، أن القمة العربية التي ستعقد نوفمبر القادم، ستكون متميزة وأكثر وضوحا ونضجا وحضورا وإلماما وفهما لمشاكل المنطقة وواقعها، من خلال تحديد وتسطير وتقديم الحلول اللازمة، بما هو موجود للأزمات والتطلع أيضا الى استشراف المستقبل بأفضل البدائل واحتمالات واقعية بالمقارنة لما كانت عليه القمم السابقة.


الشعب: ما مدى أهمية القمة العربية القادمة في السياق العالمي الراهن؟ وأي دور سيكون للجزائر في تجميع الصف العربي؟
د.نبيلة بن يحيى: تعتبر القمة العربية 31 والرابعة المنعقدة في الجزائر تحدّيا كبيرا، خاصة على ضوء الوضع الذي تعيشه الدول المجاورة ودول العالم، وفق التغيرات الراهنة في بنية النظام السياسي العالمي. لذلك ترمي هذه القمة الى تحقيق أهداف محددة، أهمها إعادة النظر في العمل العربي المشترك، فيجب أن تجدد الرؤى، السياسات المطروحة، في إطار البعد الذي ترمي إليه الدول العربية نحو عمل عربي واقعي، بغض النظر عن الاختلافات. وهي موجودة في كل الدول، سواء في الديمقراطيات الراهنة أو من قبل. لكن لا يمكن ان تبقى هذه الاختلافات استمرارية للانقسامات الموجودة، لأنها كرست النجاح للسياسات الاستعمارية السابقة، ونحن نتكلم عن دول عربية منذ اتفاقيات سايكس بيكو 1917، والتأسيس لدولة الكيان الصهيوني في 1948، وموجة الاستعمار التي شهدتها تقريبا كل الدول العربية من الانتداب الى الحماية الى الاحتلال والاستعمار، الذي عانته الجزائر طيلة 132 سنة.
تحمل القمة معانيَ كثيرة بالنسبة للجزائر وكذا الدول العربية، لأن المنطقة تعيش تحديات إقليمية ودولية، لذلك حان الوقت أن تغير هذه الدول منظومتها التقليدية، الرجعية والكلاسيكية نحو رؤية للتنمية، خاصة وأننا نعيش أزمة سياسية دولية كبيرة، ظاهرها أزمة طاقة وغذاء وصحة، لكن في جوهرها هي أزمة بناء مجتمعات، فهناك مجتمعات تسعى الى المحافظة على تركيبتها أو بنيتها في السياسات الدولية.
تؤسس هذه القمة رؤية عربية جديدة، تستوجب من المجتمعات العربية، من خلال أنظمتها السياسية، التجديد في التفكير الاستراتيجي العربي نحو رؤى أكثر واقعية وبراغماتية لبناء مجتمعات واعية بالتحديات التي تعيشها، خاصة ما تعلق ببعث نظام اقتصادي، لا أقول عادلا، لكن على الأقل متزنا لكل المجتمعات العربية، بسبب صعوبة الوصول الى نقطة العدل، بينما من السهل الوصول الى نقطة التوازن التي ستحددها القمة العربية القادمة.
وأنا أراهن على النوفمبرية لانعقادها في 1 و2 نوفمبر القادم، هذا الشهر الذي يحمل رمزية كبيرة للجزائريين وحتى للدول العربية، يرمز الى ثورة عظيمة في مرحلة كان فيها من الصعب جدا أن يؤمن أي طرف باستقلال الجزائر، لكنه تحقق بفضل الإيمان الراسخ بالحرية والطاقة الإيجابية الذي حملها الشعب الجزائري داخله، والقادة الثوار الذين وثقوا في نجاح الثورة.
ويمكن قول نفس الشيء عن القمة العربية القادمة، فالجزائر تراهن على نجاحها بتكاتف جهود كل القادة العرب، بالتأسيس لعمل عربي مشترك حقيقي وواقعي، يضمن الاستمرارية لمنظومة متكافئة وقادرة على تجاوز التحديات المتوقعة والمنتظرة.

قيم مضافة

- ما هي القيمة المضافة التي سيقدمها انعقاد القمة العربية القادمة في الجزائر؟
 لن أقول قيمة مضافة واحدة فقط، بل الكثير من القيم المضافة. أولها، أنها جاءت في شهر الثورة. ثانيا، لأول مرة سيكون فيها جمع لأغلب الدول العربية وكل دولة منها لها من التحديات التي تحيط بها إقليميا ودوليا. ثالثا، هي أن الدول العربية –أعتقد- تعلمت من أخطاء الماضي. القيمة الرابعة، أننا اليوم نعيش الكثير من التحديات التي يجب ان نكون ضمنها وليس الاكتفاء فيها بدور المتفرج، أو تابعين للمشهد السياسي العالمي القادم. خامسا، أن القضايا العادلة التي تدخل تحت بند حق تقرير المصير، ستكون حاضرة، من ضمنها القضية الفلسطينية والصحراء الغربية. أما سادسا، فهو التحدي الأكبر، متمثلا قي رؤية جامعة لاقتصادات الدول العربية، خاصة وأنها تحمل الكثير من القدرات الاقتصادية والبشرية، فالرأس المال البشري حاضر وبقوة، والرأس المال المادي موجود بكثرة. والسابعة، فالقمة تحمل جوابا لعدة أهداف ستكون حاضرة فيها، منها الأمني المتعلق بأمنـنة المنطقة العربية من كل التحديات السياسية الإستراتيجية، الاقتصادية والاجتماعية، أمنـنه البعد الإنساني الذي تحمله هذه القمة في منظورها السوسيو- ثقافي، الذي يميز هذه المنطقة العربية عن باقي المناطق الأخرى.
القمة العربية ستؤكد أننا كجزائر، دولة وشعبا، نحمل دائما هذا المنظور الذي يميزنا في بعده الإنساني ومنظومة قيمنا التي نحملها من أجل المحافظة على كياننا الذي يختلف عن الديمقراطيات الغربية.
ستكون أيضا بعث آخر لديمقراطيات عربية تخص مجتمعاتها، بالرغم من هذه الثورة التكنولوجية والرقمية والنانوتكنولوجية التي تحاصرنا. لكن يمكننا استيعاب، كمجتمع عربي، الثقافات الجديدة والتطور العلمي الكبير، من خلال المحافظة على منظومة القيم التي أجدها شخصيا إنسانية أكثر وتحافظ على الفطرة السليمة.
القيمة المضافة الأخرى، هي المراهنة أن تكون سوريا حاضرة في هذه القمة برؤيتها السياسية ورؤيتها التي راهن عليها الكثير على سقوطها، لكن مازالت واقفة كدولة وككيان جغرافي وتاريخ، ستجمع هذه القمة الكثير من الرؤى المختلفة لكنها ستؤسس لأفكار جديدة، خاصة مع الحراك الدبلوماسي الذي تقوم به الجزائر مع العديد من الدول العربية.

حراك دبلوماسي

- التحضيرات جارية على قدم وساق لانعقادها في أحسن الظروف، لعمامرة يزور عدة دول عربية كان آخرها العراق وسوريا، هل ستكون القمة جامعة وشاملة؟
حقيقة، ستكون جامعة وشاملة لكل الأفكار التي تحملها الدول العربية بمختلف أنظمتها السياسية، سواء كانت جمهورية أو ملكية أو برلمانية، فهذا الكوكتيل السياسي الذي سيكون حاضرا في القمة القادمة أهدافه ستكون واضحة المرامي.
فاليوم تحاصر المنطقة العربية جملة من التحديات والرهانات، ما يستدعي وضع هدف سياسي سيكون في هذه القمة بحضور عربي قوي، يحدد لنا منظورنا الأمني الخاص بنا من خلال تكاتف جهود جميع الدول في إطار الشرعية الدولية، لأننا نؤمن بالأداء السياسي الدولي، لكن لابد من إعادة الخصوصية التي تميز المنطقة العربية، سواء دول المغرب العربي أو المشرق العربي.
وهو ما سيحدد لنا مكانتنا الإستراتيجية القادمة على المديين القريب والمتوسط، خاصة في وجود مجموعة من الأزمات التي بمقدورنا حلها من خلال هذه القمة، بأن نضع لها على الأقل موازنة توصلنا الى مقاربة الأمن والسلم الذي تحدده كل منطقة وخصوصيتها الإستراتيجية، الجغرافية والتاريخية في منطقتنا العربية.
إذن، هذه القمة ستكون فعلا جامعة للسياسات العربية، لكن هذه المرة بأهداف واضحة وواقعية وبراغماتية، ستحدد فيها كل الدولة العربية مجالها الحيوي، لكن برؤى مشتركة وتعاونية بمنظور متوازن للفكر الاستراتيجي العربي الراهن والمقبل إن شاء الله.

وعي مؤسَّسْ ومدحض

فهناك العديد من النكسات التي عاشتها الأمة العربية، لكن يمكن لهذه القمة أن تؤكد على وعي مؤسَّسْ ومدحض لتلك الشكوك المحيطة بالأمة العربية من هنا وهناك، صناعة الفوضى جعلت من هذه الأمة تدرك كل المخاطر المرتبطة بصناعة التقسيم من خلال سياسة فرّق تسد، تفطنت لهذه السياسة منذ فترة الاستعمار الى غاية الفترة الراهنة، وأصبحت مدركة لمساعي سياسة زرع الشك والبلبلة غير السوية.
ولأول مرة، ستكون هذه القمة ناجحة، فاعلة، قادرة على استيعاب المتغيرات الدولية الجديدة برؤى أكثر نضجا وبخطط أكثر ديناميكية. فلا يهمنا اليوم العمل العربي المشترك فقط، بل أيضا العمل العربي الفعّال والمجدي لتقديم رؤى أكثر اتزانا وواقعية لما هو موجود من نزاعات ومشاكل في الدول العربية والانطلاق بواقعية في نظرتنا للتحديات الراهنة.
في اعتقادي، ولأول مرة منذ انعقاد هذه القمم، ستكون القمة الرابعة في الجزائر أكثر وضوحا ونضجا وحضورا وإلماما وفهما لمشاكلنا وواقعنا المحيط بتحديد وتسطير وتقديم الحلول اللازمة، بما هو موجود للأزمات والتطلع أيضا الى استشراف بأفضل البدائل واحتمالات واقعية بالمقارنة لما كانت عليه القمم السابقة.
لأن نجاح هذه القمة ستترتب عليه الكثير من النتائج، من ضمنها ان الكثير من الدول العربية، أذكر بالتحديد المملكة العربية السعودية، تسعى لأن تصبح الجزائر الصوت المرافع عن المنطقة العربية، بأن يكون لها كرسي دائم في مجلس الأمن.
هناك الكثير من التحديات تتفق عليها كل الدول العربية، لذلك تأمل أن تكون الجزائر الرقم واحد الذي سيشمل الدول العربية، وسيكون، إن شاء الله، ناجحا على أرض الجزائر.. هو موعد يحمل العديد من المؤشرات، من ضمنها أن تاريخ الجزائر مشرف لها كدولة ولجميع الدول العربية وسياستها المتزنة التي أصبحت هوية تعرفها الكثير من الدول العربية وغيرها.
هذه القمة ستكون الأمل الذي يصنع العمل الحقيقي والتحدي في رقعة الشطرنج (العالم)، وستسقط الكثير من البيادق، وتكون الجزائر صانعة الحدث الجميل مع أشقائها العرب وأصدقائها الذين ينتظرون من القمة القادمة الكثير من العمل المتميز والمتفرد ستصنعه، لا محالة، الجزائر.
وتبقى الراية الوطنية وراية الشهداء دوما هي الراية الجامعة لكل الأهداف السامية لهذه القمة، التي ستجمع كل الدول العربية، وتبقى رسالة الشهداء دوما جامعة لكل الدول العربية في مسعاهم الصحيح والسليم والمجد لشهدائنا الأبرار.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024
العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024
العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024