نجاح المعرض يقلّص تبعية إفريقيا للأسواق الخارجية
الطريق نحو الاكتفاء الذاتي يمرّ عبر التكامل الإفريقي..
الشباب الإفريقي أكبر رصيد لبناء نهضة اقتصادية مستدامة
أكّد الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي البروفيسور، مراد كواشي، أنّ الجزائر بمشاريعها التنموية الكبرى واستثماراتها في البنية التحتية وربطها بالدول الإفريقية المجاورة، تلعب دور القاطرة الاقتصادية للقارة، ما يجعلها الاختيار الأمثل لاستضافة هذه النسخة من المعرض. وأكّد في حوار خصّ به “الّشعب” أنّ الحدث سيوفر فرصة لتبادل الخبرات، إنشاء شراكات استراتيجية، وزيادة حجم المبادلات التجارية والاستثمارات البينية، بما يُسهم في تعزيز استقلالية إفريقيا وتقليص تبعيتها للأسواق الخارجية.
الشّعب: ما مدى أهمية انعقاد معرض التجارة البينية الإفريقية في الظرف الراهن بالنسبة للقارة؟
الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي البروفيسور مراد كواشي: معرض الجزائر للتجارة البينية الإفريقية، يمثل محطة حاسمة للقارة الإفريقية، إذ يأتي في وقت عالمي يشهد اضطرابات سياسية واقتصادية واستقطاباً شديداً بين القوى الكبرى، لأنّ المعرض ليس مجرّد فضاء لعرض المنتجات، بل منصة استراتيجية لتعزيز التعاون الإفريقي-الإفريقي وتفعيل التكامل الاقتصادي بين الدول، كما أنّ المعرض يتزامن وتوقيت هام جداً، حيث يشهد العالم الآن اضطرابات سياسية واقتصادية كبيرة. العالم يعيش حالة من الاستقطاب الشديدة، وهناك صراع قوي بين مختلف التكتلات الاقتصادية سواء كانت آسيوية، أوروبية، أو أمريكية. وفي هذا الوقت، ليس من المناسب للدول أن تعمل بشكل منفرد، بل يجب على التكتلات الاقتصادية أن تعمل معاً بشكل جماعي.
لذلك، أرى أنّ الدول الإفريقية مطالبة أكثر من أي وقت مضى بالتكتل وتفعيل التعاون الإفريقي-الإفريقي، سواء في مجال الاستثمارات البينية أو التجارة البينية، لمواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية التي يمرّ بها العالم حالياً، وخاصة فيما يتعلق بعدم استقرار الاقتصاد العالمي وحالة عدم اليقين، التي يتميّز بها الاقتصاد الدولي.
يكتسي احتضان الجزائر لإياتياف أهمية بالغة.. هل سيكون منعرجا تاريخيا لاقتصاديات القارة؟
اختيار الجزائر لم يكن اعتباطياً، بل جاء بعد دراسة دقيقة لمكانتها في القارة.. الجزائر اليوم تعتبر قوة اقتصادية كبيرة في إفريقيا، وتلعب دور القاطرة التي تشدّ القارة الإفريقية في عديد المشاريع الاقتصادية.. خلال السنوات الخمس الماضية، أطلقت الجزائر عدة مشاريع كبيرة، من بينها إنشاء منطقة حرّة بين الجزائر وموريتانيا، وهناك مشروع لإنجاز خمس مناطق حرّة مع دول إفريقية أخرى. كما تكفّلت الجزائر بإنجاز طريق الزويرات-تندوف، حتى الشطر الذي يمر عبر الأراضي الموريتانية، وهو مشروع يعكس التزام الجزائر بربط القارة وتحفيز التجارة البينية. إضافة إلى ذلك، قامت الجزائر بزيادة عدد رحلاتها البحرية والجوية إلى عديد العواصم الإفريقية، ما يُسهّل التبادل التجاري ويساعد على تقوية العلاقات الاقتصادية بين الدول الإفريقية. لذلك، كان من الطبيعي أن تحتضن الجزائر هذه الطبعة الرابعة للمعرض، بعد أن أسندت الطبعة الأولى إلى مصر، والطبعة الثانية إلى جنوب إفريقيا، والطبعة الثالثة أيضاً إلى مصر.
كيف يمكن أن يُسهم المعرض في تعزيز التكامل الاقتصادي بين الدول الإفريقية؟
القارة الإفريقية غنية جداً بمواردها البشرية والطبيعية، فهي تضمّ نحو 1.5 مليار نسمة أي حوالي 20 بالمائة من سكان العالم، ومن المتوقعّ أن يصل عدد السكان إلى نحو 2.5 مليار نسمة بحلول عام 2050.. أغلب سكان القارة شباب، وهو ما يمثل فرصة كبيرة للقوة البشرية العاملة مقارنة بالقارات الأخرى، التي تشهد ارتفاعاً في نسبة كبار السّن. كما أنّ القارة تمتلك نحو 30 بالمائة من احتياطيات المعادن العالمية مثل الألماس والذهب واليورانيوم، و12 بالمائة من النفط العالمي، و9 بالمائة من الغاز الطبيعي العالمي. ومع ذلك، مساهمة القارة في الاقتصاد العالمي لا تزال ضعيفة، حيث تساهم بحوالي 3 بالمائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، و2 بالمائة من الناتج الصناعي العالمي، و2 بالمائة من الصناعة العالمية، و3 بالمائة فقط من التجارة العالمية. لذلك، فإنّ المعرض يمثل فرصة لتعزيز التكامل الاقتصادي وزيادة حجم التبادل التجاري البيني بين الدول الإفريقية، الذي لا يزال عند 15 بالمائة فقط، بينما القارات الأخرى تصل فيها هذه النسبة إلى 60 بالمائة أو أكثر.
ما هي أبرز القطاعات التي ستستفيد من هذا الحدث؟
المعرض سيدعم القطاعات الصناعية والفلاحية والخدماتية بشكل مباشر، كما أنه سيعزّز البنية التحتية التقليدية والرّقمية.. المنصة التي يوفرها المعرض تسمح بتبادل التجارب بين الدول المختلفة، وتطوير مشاريع مشتركة، وتعزيز الاستثمار في البحث العلمي والتكنولوجيا، ودفع الابتكار، إضافة إلى الاستفادة من الإمكانات المحلية لتقليل الاعتماد على المنتجات والخدمات المستوردة.
ما مدى مساهمة نجاح المعرض في تقليص تبعية إفريقيا للأسواق الخارجية؟
المعرض يساهم في تقليص التبعية للأسواق الخارجية; عبر زيادة الاستثمارات الإفريقية-الإفريقية وتعزيز التعاون الداخلي. إفريقيا تمتلك مؤهّلات كبيرة جداً في المجال الفلاحي، حيث تحتوي على 25 بالمائة من الأراضي الفلاحية العالمية، لكنها لا تُسهم سوى بـ10 بالمائة من إنتاج الغذاء العالمي، ما يجعلها تعتمد على الأسواق الأوروبية والأمريكية. من خلال تعزيز التبادل والتعاون، يمكن للقارة تحقيق الاكتفاء الذاتي في الغذاء والطاقة والمياه، وبالتالي تقليص الاعتماد على الخارج.
ما أبرز التحديات التي تعيق تفعيل منطقة التجارة الحرّة القارية؟
هناك العديد من التحديات التي تواجه تفعيل منطقة التجارة الحرّة الإفريقية، أولها ضعف البنية التحتية، سواء الطرقية، أو وسائل النقل البرية والبحرية والجوية، والموانئ والمطارات، وكذلك ضعف البنية التحتية الرّقمية. إضافة إلى ذلك، غياب التمويل الكافي للمشاريع الكبرى، وعدم الاستقرار السياسي والأمني في بعض الدول الإفريقية يمثل عقبات كبيرة. هذه التحديات تحتاج إلى استراتيجيات طويلة المدى وبرامج متواصلة لضمان استفادة القارّة من إمكانياتها.
كيف يمكن للمؤسّسات الصغيرة والمتوسّطة الاستفادة من المعرض؟
الشركات الصغيرة والمتوسّطة تستطيع الاستفادة من المعرض، عبر توسيع شبكة علاقاتها التجارية، الاطلاع على التجارب الناجحة، الدخول في شراكات مع مستثمرين من دول إفريقية مختلفة، وزيادة فرص التصدير داخل القارة. كما أنها فرصة لتعلّم أساليب الإنتاج والتسويق الأكثر كفاءة، والمنافسة بشكل أفضل في الأسواق الإفريقية والعالمية، ممّا يساعدها على النمو والتوسّع.
هل يشكّل المعرض خطوة نحو تحقيق استقلالية اقتصادية وسيادة سياسية أكبر لإفريقيا؟
المعرض ليس مجرّد حدث اقتصادي، بل يمثل أيضاً منصة سياسية تظهر قدرة الدول الإفريقية على صياغة خطاب مستقل بعيداً عن التبعية للقوى الكبرى. من خلال تعزيز التبادل الاقتصادي والتمثيل المشترك، يعزّز المعرض السيادة الاقتصادية والسياسية للقارّة، ويضع أسساً لبناء استراتيجيات طويلة المدى للتنمية المستدامة والتعاون المشترك بين الدول الإفريقية.
ما الانعكاسات المنتظرة على مستوى خلق فرص العمل للشباب الإفريقي؟
تعزيز التبادل التجاري والاستثمارات البينية سينتج عنه خلق فرص عمل للشباب، خصوصاً في الصناعات الإنتاجية والفلاحة والخدمات الرّقمية.. هذا يساهم في الحدّ من الهجرة غير الشرعية، ويتيح للشباب اكتساب خبرات عملية مهمة، كما يعزّز التنمية الاقتصادية المحلية في الدول الإفريقية المشاركة.
كيف يمكن للجامعات والمجتمع المدني مرافقة هذه الديناميكية الاقتصادية الجديدة؟
الجامعات يجب أن تلعب دوراً محورياً في البحث العلمي والابتكار، بينما يدعم المجتمع المدني المبادرات الاقتصادية والتجارية، بما يضمن نقل التجارب الناجحة وتطوير مهارات الشباب.. هذا التعاون بين المؤسّسات الأكاديمية والمجتمع المدني يعزّز التكامل الاقتصادي والاجتماعي في إفريقيا، ويساعد القارة على استغلال مواردها بشكل أفضل وتحقيق التنمية المستدامة.