الخبير الاقتصـادي البروفيسور زايري بلقاسـم لـ«الشعب»:

انضمـام الجزائر إلى «بريكس».. خيـار استراتيجـي

حوار: سفيان حشيفة

المؤشرات الاقتصاديـة الجزائريــة إيجابيـة وقويـة 

الـدول الناشئـة سيكون لهـا صوت مسموع دوليا

إجراءات «بريكس» بديـل جديد للنظام المـالي الــدولي

رجّح الخبير الاقتصادي البروفيسور زايري بلقاسم، تحوّل مبادرات وإجراءات مجموعة «بريكس»،  إلى بديل جديد عن النظام المالي العالمي الراهن الذي أُسّس في «بريتون وودز» سنة 1944م، وأعطى هيمنة واسعة للدولار، وجعل من صندوق النقد الدولي مؤسسة خادمة لمصالح الدول الصناعية الغربية، وقال الباحث في حوار خص به «الشعب»، إن انضمام الجزائر إلى تكتل «بريكس»، سيكون عاملاً محفزا لمسار إصلاحاتها الاقتصادية والتنموية المنتهجة على المدى المتوسط، ويمنح مصداقية لبيئة الأعمال والأنشطة الصناعية لدى المستثمرين والمتعاملين الاقتصاديين.

الشعب: يبدو أن العلاقات التاريخية والسياسية التي تجمع الجزائر بدول بريكس ستُتوّج بانضمامها واندماجها الفعلي في المجموعة، كيف تقرأون فرص ومسار التحاق الجزائر بهذا القطب الاقتصادي العالمي؟
البروفيسور زايري بلقاسم: نعم، العلاقات التاريخية التي تجمع بين الجزائر ومعظم الدول الأعضاء في تجمع «بريكس» تمثل مُسوّغا مهما، ورصيدا سياسيا واقتصاديا يُحسب لها، يُمهّد  لانضمامها للمجموعة في أقرب وقتٍ.
أظهر تكتل «بريكس»، في السنوات الأخيرة، جاذبيته الاقتصادية والسياسية مقارنة بالعديد من التجمعات الأخرى المعروفة لحد الآن، والجزائر ليست الوحيدة التي تسعى بثقلها للالتحاق بهذا التجمع، بل هناك العديد من الدول العربية وغير العربية الراغبة في الانضمام، ولكن لو تمّ مقارنة الوزن الاقتصادي والسياسي للجزائر مع تلك الدول لوجدنا أن هناك تباينا كبيرا جدا يصب في صالحها، نظرا لما تحتويه من خصائص اقتصادية ومالية وجغرافية نوعية تؤهلها لتكون لاعباً أساسياً ضمن هذا التكتل العالمي الضخم.. صحيح أن هناك علاقات تجارية واقتصادية تجمع الجزائر وأغلبية دول بريكس، فالصين شريك تجاري رئيسي وأيضا بالنسبة لروسيا وجنوب إفريقيا، إذ تحتاج الجزائر إلى واجهة اقتصادية مهمة تستطيع من خلالها الدفاع عن مصالحها في ظل حالة عدم الاستقرار العالمي، ولهذا اعتقد أنّ انضواء الجزائر في التكتل سيكون خيارا استراتيجيا أكثر منه اقتصاديا، بحكم تمتعها بعلاقات اقتصادية وسياسية قوية مع أعضائه من دون بريكس، بمعنى آخر السّعي إلى التموقع الاقتصادي والسياسي في العالم عبر تفعيل الجوانب الجيوسياسية والدبلوماسية.
تشهد الجزائر الآن مرحلة تحوّل اقتصادي كبير، وتجسيد منظومة استثمار جديدة حسّنت من بيئة الأعمال والأنشطة الصناعية والزراعية، ويتطلب الأمر من يدعم ويعزّز هذا التوجه الاقتصادي وإعطاء مصداقية أكبر للتحولات الجارية؛ ذلك أن عوامل جاذبية الاستثمار لا ترتبط فقط بالمتغيرات الداخلية، وإنّما تتصل أيضا بوجودها ضمن تكتلات مهمة من الناحية الاقتصادية، مما سيعزز من التدفقات الأجنبية سواء كانت تجارية أو أصول مالية -استثمارات أجنبية مباشرة أو غير مباشرة.
أمّا فيما يخص فرص ومسار انضمام الجزائر لفضاء بريكس، فأرى أن هناك العديد من المزايا والخصائص التي تجعل منها دولة أكثر قربا من العضوية، ورغم أن الإجراءات ستكون نوعا ما صعبة و معقدة  ولكنها ستتحقق رغبتها في الأخير.
- حدثنا عن القيمة المضافة للاقتصاد الوطني من العضوية في بريكس، وهل يتعزز نموه وتأثيره على الصعيدين الإقليمي والدولي؟
 من الناحية الاقتصادية، يعد تجمع بريكس أهمّ تجمع في الوقت الحالي مقارنة بالتكتلات القائمة لحد الآن، وأصبح أكثر جاذبية لدى كثير من الدول الساعية للانضمام إليه مثل المملكة العربية السعودية، مصر، الإمارات، تركيا، إندونيسيا، إيران، ماليزيا، فلسطين، الأرجنتين وغيرها من البلدان.. هناك دراسات حديثة تتوقع بأن يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي لمجموعة «بريكس» الناتج المحلي العالمي بحوالي 50 %، وهو ما يعكس قوة نمو مؤشراتها الاقتصادية الحالية واستحواذها على  24 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، 16 % من التجارة العالمية، فضلاً عن كونها تعدادا بشريا ضخما يضم حوالي 41 % من سكان العالم بمقدار 3.2 مليار نسمة.
وعلى أساس هذه المعطيات، سيكون انضمام الجزائر في التكتل الاقتصادي دافعا قويا لمسار إصلاحاتها الاقتصادية المنتهجة على المدى المتوسط، وسيُعطي مصداقية أكبر لبيئة الأعمال بالنسبة للمستثمرين والمتعاملين الاقتصاديين، والحصول على تقنيات الإنتاج والتكنولوجيا واكتساب الخبرات والمعرفة، مع تعزيز كفاءة الموارد البشرية بالشركات الاقتصادية المحلية التي ستكون مضطرة إلى الالتزام بالمعايير العالمية في ما يتعلق بعمليات الإنتاج، التسويق، التصميم، النوعية والجودة.
هذا على المستوى الجزئي، أما على المستوى الكلي فيوجد العديد من القطاعات التي ستستفيد من الخبرة في المجالات الصناعية، الطاقات المتجددة، التقنيات الحديثة في الاتصالات والرقمنة، الزراعة والمعادن وباقي القطاعات الأساسية الحيوية، كما يمكن أن يمتدّ تأثير انضمام الجزائر إلى المستويات الإقليمية والإفريقية والعربية وهو ما يُطلق عليه «أثر العدوى»، إذ يستوجب التوسع في النمو والاستفادة من مزايا التكتل وجود العديد من الشروط الضرورية خاصة في مجالي البنية التحتية واللوجستيك، باعتبارهما مهمان حتى ينتشر أكثر أثر العضوية ويمس جميع الأصعدة.
- فيم تتمثل خطوات دخول الجزائر إلى بريكس؟
 أصبح مصطلح بريكس من أكثر المصطلحات تداولا على مستوى المواقع بالنسبة للمتخصصين وغير المتخصصين في مجال العلاقات التجارية الدولية، كونه تكتلا بطابع اقتصادي بحت وليس سياسيا، ويُمثّل صوتا للدول الناشئة في المجتمع الدولي، بعيدا عن كل أشكال الهيمنة الغربية على الأسواق والمعاملات والتدفقات التجارية والمالية.
الانضمام يبدأ بطلب من الدول المعنية الراغبة، ويرتكز شرطه وقبوله على إجماع الدول الأعضاء، إلى جانب فرض مجموعة من المعايير والمؤشرات الاقتصادية والمالية مثلما هو معمول به بالنسبة  للاتحاد الأوروبي، وتُسمى معايير التقارب الاقتصادي مثل معدل النمو، معدل التضخم، حجم المديونية والناتج المحلي الإجمالي للبلد.
ولكن يلاحظ في بعض الأحيان، أنّ قوة بعض الأعضاء داخل التكتل هي التي تدفع بسلاسة وسهولة انضمام دول جديدة، وبالتالي تعمل على ترجيح كفة العضوية لأي بلدٍ والعكس صحيح عندما يكون هناك تحفظا.
وعلى هذا الأساس، تطرح الصين منذ فترة مصطلح «بريكس+» قصد ضمّ أكبر عدد ممكن من الدول إلى التكتل، في حين يوجد بعض الأعضاء يتحفظون على التوسع كموقف الهند، وعليه اعتقد أن حظوظ الجزائر كبيرة للانضمام إلى هذا التجمع الاقتصادي بحكم علاقاتها المتينة بالصين وروسيا وجنوب إفريقيا، كما تتطابق مواقفها ومقارباتها الخارجية إزاء مختلف الأحداث الدولية مع سياسات الدول ذاتها.

- تمتلك الجزائر مقومات اقتصادية وطبيعية هامة، كيف يمكن استغلالها بشكل مثالي  وبراغماتي من خلال هذا الفضاء؟
 إذا قمنا بمقارنة الجزائر بالعديد من الدول التي قدمت طلبا للانضمام في «بريكس»، نجد أنها تتميز بعوامل وعناصر تستجيب لشروط العضوية، كما أنها تتبنى حاليا مخطط التنويع الاقتصادي وتهيئة بيئة الأعمال، إصدار قانون استثماري جديد منفتحا على الاستثمار الداخلي والأجنبي، محاربة البيروقراطية، تطوير وتحسين البنية التحتية ومد مسالك الإمدادات إلى غاية العمق الإفريقي، ترقية مجال الرقمنة وتوسيع نطاقها عبر كل القطاعات، العمل على تحفيز وتكوين وتشجيع الموارد البشرية المحلية.
علاوة على ذلك، فقد حقق الاقتصاد الجزائري، في السنوات الأخيرة، مؤشرات اقتصادية ايجابية وقوية، رغم مرور العالم بهزات وركود بسبب جائحة وباء كورونا والأزمة الروسية الأوكرانية، بدليل ما أشار إليه البنك الدولي بأحدث بياناته منتصف السنة الجارية، بتحقق تسارع في وتيرة النشاط الاقتصادي بالبلاد، في ضوء تبنّي برنامج وطني للإنعاش الاقتصادي.
وبخصوص عمليات التصدير خارج المحروقات، سجلت الجزائر تقدما ملحوظا في معيار الوزن أو الثقة الاقتصادية من خلال رفع معدل الصادرات خارج قطاع النفط يقابله ضبط وضعية الاستيراد، التعويل على مصادر إنتاجية جديدة للدخل الوطني، بناء قاعدة صناعية عبر كل مناطق البلاد، وكذا تجسيد بنية تحتية هامة مثل الموانئ والمطارات والسكك الحديدية والطرق السريعة.
بناءً على كل ذلك، تحاول الجزائر تعزيز مؤشراتها الاقتصادية الإيجابية وضمان استدامتها بالاستفادة بشكل مثالي من خبرات ومزايا تكتل «بريكس» بمختلف المجالات، وأرجّح حدوث أثر مهم سيدفع الشركات الوطنية إلى تحسين معايير التنافسية والجودة والدخول في شراكات اقتصادية مع العديد من مؤسسات الدول الأعضاء، والانتفاع من الاستثمارات الأجنبية والقدرات التكنولوجية المتطورة داخل المجموعة.
- أظهر تجمع بريكس انسجاما في نشاطه وموثوقية بين جميع أعضائه منذ تأسيسه، هل سينعكس ذلك بالإيجاب على الوضع الاقتصادي والمالي الحالي؟
 يجمع أعضاء «بريكس» الكثير من المصالح الاقتصادية والسياسية، ويدافعون عن نظام متعدد الأقطاب بعيدا عن الهيمنة المالية والاقتصادية للولايات المتحدة الأمريكية وشركائها من دول الاتحاد الأوروبي واليابان، إذ يمنح عنصر الثقة للتكتل قوة أكبر في المواجهة واتخاذ المواقف إزاء ما يحدث في العالم، وبما أن الثقة عنصر أساسي في العلاقات الدولية فمن مصلحة «بريكس» أن تكون الدول الصاعدة سندا موثوقا لها في تحقيق الأهداف على أرض الواقع.
وفي سياق متّصل، فإن التعامل بمرونة مع طلبات عضوية الدول، وعدم بروز خلافات حولها بين المؤيدين والمعارضين لتوسيع «بريكس»، من شأنه ترسيخ متانة وصلابة التكتل ويمنحه مساحة كافية من الإيجابية.
دول مجموعة «بريكس» تهدف بالفعل إلى كسر هيمنة الدول الغربية على المجالات الاقتصادية والتجارية والسياسية وإيجاد عالم متعدد الأقطاب، واعتقد أن الوصول إلى هذا المسعى والمرحلة سيكون طويلا ومعقدا، ويتطلب توفير جملة من الظروف والعوامل، وكذا تعزيز التعاون ما بين الدول الأعضاء في الشق الاقتصادي والمالي-البنكي- وحتى الجانب السياسي.
وبخصوص القرارات والإجراءات التي أطلقتها «بريكس» خلال الفترة الأخيرة، ربما تكون بديلا جديدا عن النظام المالي الدولي الحالي الذي تم تأسيسه في «بريتون وودز» وأعطى هيمنة واسعة للدولار على التعاملات المالية بين الدول، وحوّل صندوق النقد الدولي إلى مؤسسة راعية لمصالح الدول الصناعية الغربية، ولكن لا أرجّح أن تتحقق تلك الغاية في المدى المتوسط.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024
العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024
العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024