الشاعر الفلسطيني مصطفى حمدان لـ”الشعب”:

شمس الجزائر دائمة الإشراق علـى فلسطيـن

حوار: هدى بوعطيح

 

 الشاعــــر الفلسطينــــــي أدرك دوره وآمــــن برسالتـــه والكلـمــــة المقاومـــــة لا تقـــــل قــــــــوة الرصـــــــــــاص

 الصهاينـــــــة لم يكتفـــــــوا بسرقـــــة الأرض وتهجــــير أهلهـــا بــــل سرقــــوا الــــــــتراث وزوّروا الحقائــــــــق

  نحــــــن الشعـــــراء نـكتــــــــب بالحـــــبر وأهلنــــــا يكتبــــــون بــــالـــــدّم

الشاعر مصطفى حمدان، ابن فلسطين الأبية، يعيش منذ أكثر من ثلاثة عقود بالجزائر، ملتزما بقضيته الوطنية وقضايا أمته القومية، يتحدث - في حوار مع “الشعب” - عن غزة وصمود أهلها، وعن المثقفين الفلسطينيين الذين وجدوا أنفسهم في الشتات والمنافي والغربة.. يقول إن الشاعر أدرك دوره وآمن برسالته، فهو لسان شعبه الناطق، وقلبه النابض، وشفته الصادقة الأمينة، ولقد أدرك العدو قيمة الكلمة المقاومة، فعمد إلى تكميم الأفواه، ونفي أصحاب الكلمة واعتقالهم وقتل بعضهم، غير أنهم سيبقون ثابتين، راسخين كأشجار زيتون فلسطين.. وعن الجزائر يقول: “بين الجزائر وفلسطين حب لا ينتهي ووفاء لا ينقطع.. شمس الجزائر لم تغب يوما عن فلسطين”..



الشعب”: تتوجّه أنظار العالم اليوم نحو فلسطين، وما يحدث في غزة الجريحة من إبادة في حق أطفالها ونسائها وشبابها، كيف تعيشون هذه المأساة الإنسانية، أولا كفلسطيني ولد بهذه الأرض المقدسة، وثانيا كابن لهذا الوطن اضطرته الظروف للعيش بعيدا عن وطنه الأم؟
^^ الشاعر مصطفى حمدان: الحرب تندلع من فلسطين، والسلم يبدأ من فلسطين، فلقد نالت القضية الفلسطينية اهتمام العالم أجمع بسبب جرائم الاحتلال ووحشيته وممارسته الشنيعة بحق الأبرياء من أطفال ونساء وشيوخ من جهة. ولعدالة هذه القضية وبسالة أهلنا في غزة وصمودهم الأسطوري من جهة ثانية، وتحت سيف القهر والموت والاقتلاع اليومي، وجد كثير من الشعراء الفلسطينيين أنفسهم خارج حدود وطنهم في أماكن الشتات والمنافي والغربة، إلا أن رائحة تراب الوطن تملأ أنوفهم، وتستقر في الذاكرة حجارة منازلهم وذكريات طفولتهم وصباهم، فهم مشدودون دوما إلى الوطن الذي يسكنهم.
 يتحمّل المثقف الفلسطيني على عاتقه مسؤولية مجابهة الكيان الصهيوني الغاشم، إن لم يكن بالسلاح فبالكلمة التي تعد بالنسبة للعدو أقوى من الرصاص.. بنظرك كيف يستهدف العدو هذه المثقفين من الشعراء والكتاب والأدباء؟
  الكلمة المقاومة لا يقل دورها عن الرصاصة المقاومة، ولقد أدرك الشاعر الفلسطيني دوره وآمن برسالته، فهو لسان شعبه الناطق وقلبه النابض وشفته الصادقة الأمينة، نحن - يا أختاه - من سبعين عاما لا نقول شعرا، ولكننا نقاوم؛ لذلك أدرك العدو قيمة الكلمة المقاومة فعمد إلى تكميم الأفواه ونفى أصحاب الكلمة ومنهم من اعتقلهم وقتل بعضهم، مثل الروائي غسان كنفاني شهيد الكلمة المقاومة.. فإلى من حطم الأقلام.. يا من أحرق الدفتر.. سأشهر دائما قلمي، فوجه الحق لن يقهر.
مما لا شك فيه، بالرغم من أنكم تعيشون خارج الديار، إلا أنكم في تواصل مع أصحاب الكلمة الذين يؤدون دورهم في النضال والتعريف بالقضية الفلسطينية، فكيف يعيش المثقف الفلسطيني في ظلّ هذا الاحتلال الغاشم وفي هذه الفترة بالذات؟
  نحن في تواصل دائم مع رفاق الكلمة ورفاق الجرح من خلال اتحاد الكتّاب الفلسطينيين والروابط الأدبية وغيرها من وسائل التواصل الثقافي، وأما الشعراء الذين بقوا في الأرض المحتلة. فهم في منفى روحي وطبقي وثقافي مهددون في رزقهم وحياتهم ووجودهم، لكنهم ثابتون راسخون كأشجار زيتون فلسطين..
أنا مثل جدي
مثل زيتوني فلسطيني
على مرّ العصور أنا فلسطيني
وحب الأرض يسري في عروقي في شراييني
 ما لا يختلف عليه اثنان، أن الثقافة معركة أخرى ضمن أجندة المحتل على الأرض المقدسة، ويسعى من ورائها إلى طمس الهوية الفلسطينية وتهويد القدس، وذلك ما يتجلى من خلال استهداف المعالم التاريخية والمقدسات الدينية، ما الدور الذي يمكن أن يلعبه المثقف أمام هذه الحملة الشرسة؟
  العدو الصهيوني لم يكتف بسرقة الأرض وتهجير أهلها بل عمد إلى سرقة التراث وتزوير الحقائق منذ أول يوم استولى فيه على الأرض.. سرق اللباس الشعبي وادعى أن له، حتى الأكلات الفلسطينية التقليدية ادعى أنها له، إلى جانب الحفريات وتشويه المعالم الأثرية في محاولة مسخ وطمس الوجود الفلسطيني الذي يعود لآلاف السنين على تلك الأرض المباركة، وكانت مهمة الأديب والمثقف الفلسطيني كشف أساليب التزوير والتشويه التي يلجأ إليها العدو، من خلال كل وسائل التعبير الفني؛ لأنها مسؤولية الأديب والمثقف الفلسطيني ورسالته..
 فلسطين أم القضايا منذ زمن بعيد وإلى يومنا.. هذا في كتابات الشعراء والأدباء الجزائريين على وجه الخصوص، وكذا العديد من الكتّاب العرب، إلى أي مدى يمكن أن يسهم المثقف العربي في تعميق الوعي بالقضية الفلسطينية وإيصال صوت الفلسطينيين إلى العالم؟
  القضية الفلسطينية ليس قضية وطنية فقط، وإنما هي قضية قومية وإنسانية، والشاعر العربي عموما، والشاعر الجزائري على وجه الخصوص، أدرك هذه الحقيقة، وأكاد أجزم أن ما من شاعر جزائري أو عربي إلا وكتب عن فلسطين وكتب لفلسطين وموقف الشعراء الجزائريين من قضية فلسطين لم يتغير حتى قبل الاستقلال، مفدي زكريا ومحمد العيد آل خليفة وأحمد سحنون وغيرهم عبّروا عن تضامنهم ووفائهم لفلسطين قبل أكثر من ثمانين عاما، يقول أحمد سحنون في “فلسطين إنا أجبنا النداء”
فلسطين إنا أجبنا الندا    وإنا مددنا إليك اليدا
جئناك يا موطن الأنبياء  لنسحق كل جموع العدا
ويقول محمد العيد آل خليفة في “فلسطين العزيزة”
فلسطين العزيزة لا تراعي
فعين الله ساهرة تراعي
من أرض الجزائر تكتب لوطنك الأم، ومنها تكافح بقلمك ضد هذا العدوان الغاشم، كيف هو تفاعلك مع مختلف النشاطات والفعاليات التي تنظّم بالجزائر والمناصرة لغزة الجريحة ولأبناء فلسطين وشهدائها الأبرار؟ ونتحدث هنا بالخصوص عن فلسطين من السابع أكتوبر إلى يومنا هذا؟
  منذ اليوم الأول للعدوان على غزة، سخّرت كل وسائل الإعلام الجزائرية نفسها لمواكبة الحدث وإبراز معاناة أهلنا في فلسطين، كذلك منظمات المجتمع المدني من خلال وقفات وفعاليات تضامنية مؤازرة لفلسطين، وبحكم تواصلي مع هذه الجمعيات والمؤسسات الإعلامية فقد كنت على تواصل يومي معها، الإذاعة الثقافية وإذاعة عنابة وإذاعة الشلف وإذاعة سكيكدة.. إضافة إلى فعاليات اتحاد الكتّاب الجزائريين، حيث فسح المجال واسعا للحديث عن القضية الفلسطينية في جميع جوانبها.
 الشاعر مصطفى حمدان، قضيتك الأولى والأبدية وبدون منازع فلسطين، هل لك أن تحدثنا عن بعض ما كتبته لها، وإن أمكنك أن تختار لنا مقتطفا من أهم قصيدة شعرية لك؟
  نحن نكتب عن فلسطين ونكتب لفلسطين، نكتب بالحبر وأهلنا يكتبون بالدم، ديواني الأول  بعنوان “رسالة إلى أمي” و«ترنيمات قلم رصاص” من ديوان رسالة إلى أمي:
 أماه.. أكتب من هنا من خارج الوطن السجين
وأخطر يا أماه سطر الشوق يقطر بالمحبة والحنين
أهدي إليك تحيتي.. وسلام كل العائدين
 سبعون عاما والدموع سلاحنا ورصاصنا،، أبدا أنين
نبكي على الوطن السليب بكاء شعر الأقدمين
لا تبك يا أماه، أنا لم نعد ندعى جموع اللاجئين
لا تبك يا أماه، أن حرابنا حصدت رؤوس المعتدين
 لتخلص الأرض السليبة من بقايا المجرمين
 لنطهر الأرض الأبية من لئام العالمين
 أماه لا لا تحزني من غيبتي هذي السنين
سأعود يوم النصر أعدو في جموع الزاحفين
 وسيزهر الليمون في يافا وغزة.. في جنين
ونقيم في القدس الشريف صلاة كل المؤمنين
ونعود للأرض الطهور.. نعود عود الظافرين
ويعود للأم الحنون.. يعود آلاف البنين
ماذا تقول عن العلاقات الثقافية الجزائرية- الفلسطينية في الوقت الراهن؟
  العلاقات الثقافية الجزائرية وجه من العلاقات بين الجزائر وفلسطين في شتى المجالات، فعين الجزائر كانت وما تزال ساهرة على فلسطين، وقلب الجزائر كان وما يزال ينبض بحب فلسطين، وشمس الجزائر لم تغب يوما عن فلسطين.
هناك وحدة وتوأمة بين اتحاد الكتّاب الجزائريين واتحاد كتاب فلسطين ويسمح قانون الاتحادين بقبول العضوية الكاملة للأدباء من كلا البلدين، إلى جانب التبادل الثقافي والبعثات الطلابية الفلسطينية للجامعات الجزائرية من أهم البعثات الطلابية الفلسطينية، كما أن كثيرا من المؤلفات الفلسطينية تمّ طبعها مجانا على حساب وزارة الثقافة الجزائرية في إطار القدس عاصمة الثقافة العربية، ويكفي القول إن الشعراء الفلسطينيين كتبوا للجزائر وتغنوا بثورتها بنفس القدر الذي كتب فيه الشعراء الجزائريون عن فلسطين، فبين الجزائر وفلسطين حب لا ينتهي ووفاء لا ينقطع.
وفي العلاقات الثقافية الفلسطينية، يحتل الشاعر الفلسطيني مكانة مرموقة في الشعر العربي والعالمي وبين اتحادات الكتّاب في العالم.. اتحاد الكتّاب الفلسطينيين يمثل كل الأدباء الفلسطينيين في الوطن والشتات ويتواصل مع كل الاتحادات العالمية، كما أن التواصل بين الأدباء الفلسطينيين أنفسهم ضروري وحتمي من خلال انتماءهم المشترك.
 نختم حوارنا بكلمة لك، توجّهها إلى شعبك في فلسطين الأبية؟
  أتوجّه بالتحية والتقدير للمجاهدين الأبطال القابضين على الزناد، وأترحم على شهداء الوطن وأحيّي أهلنا على صبرهم وصمودهم وتحملهم لأبشع جريمة، ونقول لهم: اصبروا وصابروا ورابطوا وإن نصر الله قريب وما ذلك على الله بعزيز.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19459

العدد 19459

الأربعاء 01 ماي 2024
العدد 19458

العدد 19458

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024