الخبـير الدولي فـي الطاقة بغداد مندوش لـ “الشعـب”:

احتضان الجزائر منتدى الغاز.. مصداقية دولية تتزايد

حــوار: فايــزة بلعريبـي

مرتبة أولى إفريقيا  ومسعـى لتحقيق تنمية طاقويـة مستدامة

تتوالى تقارير الهيئات والمنظمات الدولية حول تعافي الاقتصاد الوطني، موضحة المنحنى التصاعدي الذي تعرفه مؤشراته الكلية، بما فيها تلك المتعلقة بالصادرات. وعلى ذكر هذه الأخيرة، صنف التقرير الأخير لمنظمة الدول المصدرة للنفط “أوابك”، الجزائر في المرتبة الأولى من حيث صادراتها من الغاز، متقدمة في ذلك على نيجيريا صاحبة المرتبة سابقا؛ صدارة مستحقة، بالنظر إلى المجهودات التي تبذلها الجزائر من خلال استراتيجية اقتصادية أرادها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، متنوعة ومواكبة للسياق الاقتصادي العالمي.وتأكيدا لمركز الجزائر الإقليمي الذي تربعت عليه الجزائر خلال أربع سنوات من الصرامة في تجسيد تغيير أقره رئيس الجمهورية منهاجا للجزائر الجديدة، تم اختيار الجزائر، بالإجماع، لاحتضان القمة السابعة لمنتدى الدول المصدرة للغاز، اعترافا بالدور الهام الذي تلعبه داخل المنتدى كعضو مؤسس من جهة ومورد قوي وموثوق للطاقة من جهة أخرى.. محاور نقاش، تناولها بالتوضيح والإثراء ضيف “الشعب” الخبير الدولي في الطاقة، بغداد مندوش.


”الشعب”: تستعد الجزائر خلال أيام لاحتضان القمة السابعة لمنتدى الدول المصدرة للغاز، هل يمكن تقديم نبذة عن المنتدى وأي دلالة يحملها احتضان الجزائر لهذا الحدث ذي البعد العالمي؟
 الخبير الطاقوي بغداد مندوش: البداية كانت بمبادرة من الجزائر كأول عضو مؤسس لمنتدى الدول المصدرة للغاز، حيث انعقد أول اجتماع له سنة 2001 بإيران، أين تم تسطير الأهداف الأساسية لتأسيسه. يضم المنتدى حاليا 19 دولة، 12 منها دائمة و07 دول كأعضاء ملاحظين، بعد أن انحصر عدد البلدان في المرحلة التأسيسية على السعودية، قطر، فنزويلا، إيران، روسيا والجزائر كعضو مؤسس. ونظرا للنجاح الذي أحرزه المنتدى من حيث تحقيق الأهداف، مازال يستقطب العديد من الدول المصدرة للغاز، حيث أبدت السنة الفارطة، كل من أنغولا واليمن رغبتهما في الانضمام إلى هذه الهيئة الدولية التي يشكل حجم خزانها من الغاز 72% من الخزان العالمي. إضافة إلى كون دول الأعضاء للمنتدى تستحوذ على 47% من وسائل نقل الغاز عبر الأنابيب. كما تشكل صادراتها من الغاز 44% من حجم صادرات الغاز العالمية، وتمتلك أكثر من 50% من وسائل نقل الغاز عبر البواخر.
وأريد أن أوضح، أن الدور الرئيسي للمنتدى يتمثل في تبادل التجارب والخبرات في ميدان الاستكشاف، الإنتاج، الصناعة الغازية، التحويل والمواقف الثابتة والمشتركة فيما يخص حصص التصدير، إضافة إلى تبادل الآراء بين الدول الأعضاء، خاصة ما تعلق بسوق الغاز العالمي الذي عرف تطورات سريعة في السنوات الأخيرة، نتيجة التطورات الجيو-استراتيجية التي اجتاحت أغلب مناطق العالم مؤخرا، مؤثرة بذلك على مراكز صنع القرار العالمية.
كما يعتبر المنتدى قناة للحوار مع الدول المستهلكة للغاز، التي تعمل على ضمان حصولها على هذا النوع الطاقوي، كمصدر مهم لاستمرار حركيتها الاقتصادية.
بالمقابل، تهدف الدول الأعضاء إلى حماية أسعارها الطاقوية من الانحدار والتذبذب متأثرة بالصراعات العالمية. كما تسعى إلى إبرام عقود واتفاقيات طويلة المدى، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الاستثمارات في مجال الغاز تتعلق أساسا بعاملين مهمين؛ أولهما عامل الوقت، حيث تستغرق عملية استكشاف وإنتاج الغاز وقتا طويلا يتراوح بين 4 إلى 5 سنوات. أما العامل الثاني، فيتمثل في ضرورة توفير رؤوس أموال معتبرة. وهنا أريد أن أشير إلى أن مركب الغاز المسال بأرزيو قد استغرق 5 سنوات من أجل دخوله مرحلة الاستغلال الفعلي ورأسمال لا يقل عن 4 إلى 5 ملايير دولار.
أشغال القمة المرتقبة لمنتدى الدول المصدرة للغاز هي تتمة لجهود سابقتها المنعقدة سنة 2022 بالدوحة، ما قولكم؟
 أولا أود الإشارة إلى أنه خلال القمة السادسة لمنتدى الدول المصدرة للغاز، التي انعقدت بالدوحة في نوفمبر 2022، تم انتخاب الإطار السامي السابق بالشركة الجزائرية للمحروقات “سونطراك” والممثل السابق للجزائر بمنظمة أوبك محمد هامل، أمينا عاما، لأول مرة، بالإجماع، عكس سابقيه الذين تم انتخابهم بأغلبية الأصوات، وأظن أن ذلك يعود للدور المحوري والموقف القوي لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الذي حضر الملتقى وأبان عن حنكة دبلوماسية لا يمتلكها إلا الكبار، كما يمثل انتخاب محمد هامل تقديرا لمجهودات “سونطراك “ في مجال إنتاج وتصدير الغاز طيلة 60 سنة من التواجد والإنجازات.
للإشارة، تمكنت سونطراك سنة 1964 من إنجاز أول مصنع للغاز المسال في العالم بأرزيو تحت تسمية “الشركة الجزائرية للميتال السائل”، الذي كان ولعقود طويلة خاصة مع بداية السبعينيات، قبلة للخبراء والمهندسين الأجانب لتلقي التكوين واكتساب الخبرة في مجال تمييع الغاز. من جهة أخرى، عرفت القمة الأخيرة لمنتدى الدول المصدرة للغاز، انتخاب الجزائر كمقر لمعهد الدراسات في مجال الغاز المرتقب تدشينه على هامش أشغال الدورة السابعة لمنتدى الدول المصدرة للغاز، المزمع انعقاده بالجزائر أواخر شهر فيفري الجاري، بمشاركة قوية لرؤساء وقادة 19 دولة. وهذا في نظري أقوى تقدير لمركز الجزائر الريادي ومسارها الحافل بالانجازات في مجال استكشاف وإنتاج وتحويل وتصدير الغاز على المستوى العالمي.
تسببت الأزمات الدولية الحالية في تغيير للخارطة الطاقوية، ما مدى استفادة الجزائر؟
 التوتر الجيو-استراتيجي في العالم، تسبب في قلب موازين القوى العالمية وخلط أوراق الأسواق العالمية، بما فيها الطاقوية. كما حول أنظار الدول الأوربية نحو شمال إفريقيا أين يتمركز الغاز الجزائري كحل بديل، حول الجزائر إلى بطارية للطاقة تتنافس الدول الأوروبية على تمديد عقودها معها وإبرام عقود واتفاقيات جديدة، لضمان ملء خزاناتها من الطاقة لضمان شتاء دافئ، وهنا سطع نجم الجزائر كمورد موثوق وآمن للطاقة بالنسبة للزبون الأوربي.
أما فيما يخص الأسعار، فقد ارتفعت إلى أرقام قياسية غير مسبوقة تاريخا، لتناهز 300 دولار/ميغاواتر خلال صائفة 2022، بعد أن كانت لا تتجاوز 15 دولار/ ميغاواتر.
ما المنتظر في ظل ما يحدث؟
 القمة السابعة لمنتدى الدول المصدرة للغاز، المزمع انعقادها بالجزائر أواخر الشهر الجاري، ستكون مميزة ومحورية من حيث السياق العالمي الذي يتخللها والرهانات المنتظرة منها، حيث ينتظر من اجتماع القمة التوصل إلى إيجاد حلول لتمويل منشآتها الغازية ومشاريعها في مجال الاستكشاف والإنتاج، إضافة إلى بلورة رؤية مستقبلية لتطوير البنى التحتية، خاصة ما تعلق باقتناء البواخر المخصصة بنقل الغاز المسال عبر البحار، لما بات يتمتع به هذا الأخير من أهمية عالمية وحصص سوقية أكبر مقارنة بالغاز المصدر عبر الأنابيب. في هذا الصدد، أود الإشادة بالخبرة الجزائرية في هذا المجال، إضافة إلى ترسانة المنشآت القاعدية التي تتمتع بها، على غرار أنبوب الغاز الذي يصل حاسي رمل بإيطاليا بطاقة استيعاب تصل إلى 32 مليار متر مكعب، وأنبوب “مادغاز” تحت البحر، الرابط بين بني صاف وإسبانيا وصولا إلى البرتغال، بطاقة استيعاب تصل إلى 10,5 ملايير متر مكعب. وهنا أفتح قوسا لأذكر أن المنشآت القاعدية اللوجيستيكية لنقل الغاز، تعتبر ضمن المعايير المعتمدة لتحديد ترتيب الدول المصدرة للغاز من حيث وفرة المخزون، قوة الإنتاج والقدرة على توفير نقل شحنات الغاز من المورد إلى الزبون. وفي هذا الصدد، نفتخر ونعتز، كون الجزائر تتصدر الريادة من حيث خزان الغاز، حيث تمتلك 2400 مليار متر مكعب كخزان ثابت من الغاز، متمركزة خاصة بحاسي رمل كثالث أكبر حقل عالمي، بقدرة إنتاج تتجاوز 50% من الكمية الكلية المنتجة في الجزائر، حيث بلغ إنتاجه من الغاز سنة 2022، 127 مليار مكعب، ليقفز إلى 136 مليار متر مكعب سنة 2023، مع توقعات تجاوزه 140 مليار متر مكعب سنة 2024، بحسب تصريحات الرئيس المدير العام لسونطراك، حشيشي، سيصدر منها ما بين 52 إلى 56 مليار متر مكعب.
بحسب توقعاتكم، أي محاور سيتم إدراجها ضمن جدول أعمال القمة؟
 نتوقع أن تتطرق القمة السابعة لمنتدى الدول المصدرة للغاز إلى انعكاسات التوتر الجيو-استراتيجي على مستوى البحر الأحمر، الذي يتحكم بـ15% من الحركة التجارية العالمية، مما يؤثر على حركة تصدير الغاز إلى الدول الأسيوية، ولو أن الجزائر بمنأى عن هذا التوتر، كون أغلب صادراتها من الغاز موجهة نحو القارة الأوربية. كما ستتطرق القمة إلى معطيات شاملة عن مستقبل سوق صناعة الغاز العالمية ودور الغاز الطبيعي في التحول الطاقوي. بالمقابل، ننتظر من القمة أن تقدم تحاليل معمقة لأسواق الغاز الإقليمية والعالمية، كما ستكون سانحة لتعزيز مكانة الدول المصدرة للغاز ودورها الريادي على مستوى الأسواق العالمية الطاقوية، وفرصة لتبادل الخبرات والتجارب فيما يتعلق بالتكنولوجيات الحديثة وإمكانية تطبيقها في تطوير إنتاج الغاز وتحويله.
صدر مؤخرا تقرير للدول العربية المصدرة للبترول”أوابك” مفاده، تصدّر الجزائر للمرتبة الأولى إفريقيا كمورد للغاز، متفوقة بذلك على الجارة نيجيريا، ما قولكم؟
 بحسب تقرير الدول العربية المصدرة للبترول، فقد تم تصنيف الجزائر في المرتبة الأولى لتصدير الغاز المسال إلى أوربا بالدرجة الأولى وإلى تركيا بالدرجة الثانية، حيث بلغت كمية الغاز الطبيعي المسال المصدرة 13 مليون طن، ويرجع ذلك إلى قدرات الجزائر الإنتاجية من الغاز المسال، حيث بلغت قيمة إنتاجها من هذا المصدر الطاقوي سنة 2023، 136 مليار متر مكعب، وكذا إلى إمكاناتها الكبيرة في تحويل الغاز الطبيعي إلى غاز مسال، على مستوى مركبي أرزيو وسكيكدة، حيث تضمن عملية تصدير إنتاجها من الغاز المسال، 8 بواخر تتراوح طاقة استيعابها ما بين 125 ألف و172 ألف متر مكعب، دون التغاضي عن الدور الذي تلعبه كوادر وإطارات ومهندسو سونطراك ذات الكفاءات في تجسيد استراتيجية سونطراك لاكتساح السوق الغازية العالمية والهيمنة عليها، بدءا بالسوق الأوروبية كسوق تاريخي وتقليدي للجزائر. في هذا الصدد، ودائما في إطار الهيمنة على أكبر حصة سوقية أوروبية، قامت الجزائر بمضاعفة صادراتها من الغاز المسال بـ50% إلى فرنسا سنة 2023، ضعفي الكمية المصدرة سابقا. كما استرجعت الجزائر خلال نفس السنة، مكانتها كأول مورد للغاز المسال إلى إسبانيا، عبر أنبوب “مادغاز” الذي يصل بني صاف بإسبانيا تحت البحر، أين تمكنت الجزائر من تغطية 30% من حاجيات هذه الأخيرة من الغاز المسال.
كما صدرت الجزائر، ولأول مرة، كميات هائلة من الغاز المسال عبر أنبوب “ترانس ماد” الذي يصل الجزائر بإيطاليا عبر تونس، بكميات قياسية وصلت إلى 27 مليار متر مكعب.
ومن خلال مقارنة كميات الغاز المسال المصدرة سنة 2023 بتلك المصدرة سنة 2010، نسجل ارتفاعا يصل إلى 26%. وهنا يستحضرني ما تم نشره من طرف المجلة الأمريكية المتخصصة في الطاقة “وورك ماكينزي”، التي صنفت الجزائر، خلال الأربع سنوات الأخيرة، ضمن 4 دول الأولى من حيث عدد الاستكشافات الغازية، وحجم الاستكشافات الأكبر عالميا، كتلك التي تم استكشافها بمنطقة “أوهانت”، شمال منطقة حاسي بركين.
ما قولكم حول الاستراتيجية المنتهجة من طرف سونطراك في ما تعلق بتنويع سلتها الإنتاجية من مصادر الطاقة وتوسيع شبكة شركائها وزبائنها من مختلف دول العالم؟
 ما تقوم به سونطراك حاليا من تكثيف عمليات التنقيب والاستكشاف والاستغلال والاسترجاع، جهود تؤكد المواكبة والمسار الصحيح نحو الريادة والأمن الطاقوي. وأود في هذا الصدد، أن أقدم مثالا حول الجهود التي تقوم بها بحقل حاسي رمل، حيث من المتوقع أن ترتفع نسبة استغلال الغاز من 65% إلى 96% خلال السنتين المقبلتين. إلى جانب مشاريع قيد الإنجاز على مستوى حقول وآبار أخرى للغاز لربطها بمراكز إنتاج الغاز، بمنطقة عين أمناس، ورود نوس وأوهانت وحاسي مسعود، مما يؤكد حرص الجزائر من خلال عملاقها الطاقوي سونطراك، على تحقيق تنمية طاقوية مستدامة، إضافة إلى استثماراتها في مجال تقليص حرق الغاز، بما لا يقل عن 8 ملايير متر مكعب من الغاز/ سنويا، موجهة إلى التصدير.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19459

العدد 19459

الأربعاء 01 ماي 2024
العدد 19458

العدد 19458

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024