القـوّة النّاعمـة

الاتّصـــال والثّقافـــة

الدّكتور العربي ولد خليفة

أوّلا: الاتّصـال مرآة الواقــع السياسي ونيرانه الصّديقــة

يمثّل الإعلام والثّقافة القوّة الليّنة
(Soft power) في اتجاهين، أوّلهما طريقة توصيلها لما يحدث في داخل الوطن من نشاطات في مؤسسات الدولة والأوساط الحزبية ومنظمات المجتمع المدني، وما تعرضه أو ما تعرّف به من المنتوجين الأدبي والفني في المسرح والسينما، وغيرها من أشكال الإبداع الفردي والجماعي الكثيرة، وثانيهما الرّسائل التي تقدّمها إلى الخارج عمّا يحدث في الوطن، ومدى تأثير رسائل الخارج على الرأي العام في الدّاخل بالوسائل التقليدية، أو عن طريق منصّات التواصل الاجتماعي التي لا تعد ولا تحصى، بالإضافة إلى تداخل الصحيح والمزيّف والمدسوس (Facts-Fake) من سيل المعلومات المتدفق في عالم اليوم.
لن نخوض في أدغال هذا القطاع الصعبة المسالك التي يتطلّب الاقتراب منها التجربة وإتقان الصّنعة، وما يسمّى الحاسة السادسة لفهم مضامين الرسائل وأهداف مرسليها، سواء أكانوا من ممثلي الدولة أو من محيطهم أو من مختلف القوى التي تسعى للتأثير والتموقع والدفاع عن مصالح أو احتساب شعبية، وهذا تصنيف ليس جامعا ولا نافعا، لا داخل الجزائر ولا خارجها، في عالم شبّهه ماك لوهان (Mac Luhan) بالقرية الكونية بلا نوافذ ولا أبواب، وتعمل فيه القوى العظمى المهيمنة كا جاء في نظرية كيسنجر  H.Kissinger : World Order, Penguin Books 1973
على منع ظهور الخصم المساوى أو المنافس (No Peer Competitor ) في كل المجالات ومن بينها وسائل التبليغ ومضامينه الأولى تأثيرا في الداخل والخارج.
بناءً على هذه الاعتبارات وانطلاقا من الملامح الأولية للسياسة الإعلامية في الجزائر الجديدة، يمكن الإشارة إلى بعض التحديات على النحو التالي:
1 - للإعلام في بلادنا أرضية تاريخية تزيد عن قرنين وصلت أوّجها أثناء معركة التحرير، حيث كان الإعلام من جبهات التوعية والمقاومة الأساسية داخل الجزائر، ومن معاقله المنيعة في الدولة المؤيّدة والمتعاطفة مع نضالات شعبنا وبطولات رجاله ونسائه في جيش وجبهة التحرير الوطني، وقد برز إلى جانب جزائريين من الطليعة الإعلامية مرافعون من بلدان أخرى، من بينها فرنسا، من الأوفياء لمبادئ الحرية والكرامة الانسانية، نالوا جميعا الوفاء والعرفان من جزائر ما بعد التحرير.
اهتم بهذه الأرضية أهل الاختصاص في المعاهد والجامعات وأهل المهنة، وخصّصوا لها العديد من مقاربات التوصيف والتحليل والنقد للمراحل التي تميّز بها الخطاب الإعلامي في مختلف الفترات، ومختلف التوجهات الغالبة في السياسات الداخلية والخارجية، وما تعرّض له البعض من نسائها ورجالها من إبعاد أو إسكات حتى بالقتل الإجرامي كما حدث أثناء التسعينيات من القرن الماضي، وقبلها أثناء الهيمنة الكولونيالية، وكذلك الاغتيال لجزائري مناصر للقضية الفلسطينية العادلة على يد الموساد الإسرائلي.
2 - الهدف من الإشارة إلى الأرضية السابقة للإعلام في الجزائر (الملاحظ أن أغلب الوزارات والمؤسسات الخاصة بهذا القطاع تخلّت عن التسمية التقليدية: الإعلام والتوجيه، بعنوان آخر هو الاتصال)، الهدف هو أن هذا القطاع حمل منذ بداياته توجهات نضالية ووطنية لازمته قبل التعددية إلى درجة تشخيص الدولة في بعض قياداتها، وخاصة عندما تتعرّض الجزائر إلى حملات عدائية من الخارج.
أما بعد التعدّدية وظهور الخطاب الحزبي العلني، بدل المناشير سابقا، فقد أصبح للوطنية محاور جذب متباينة وأحيانا متصارعة في تمرين شاق على الممارسة الديمقراطية، لم يسلم أحيانا من الإقصاء المتبادل والتنكّر للمسعى الديمقراطي جملة وتفصيلا، وفي هذا التمرين المستمر بدرجات متفاوتة من التآلف والتباعد بين التنظيمات المتواجدة في الساحة السياسية، كما كان للإعلاميّين ومؤسّساتهم العمومية والخاصة إمّا دور الشريك وإمّا الشاهد، ولا وجود في الجزائر، بل وفي العالم اتصال وإعلام محايد، أي لا يسمع ولا يرى ولا يتأثّر بما يجري داخل الوطن وفي محيطه القريب والبعيد من أحداث وتطورات، وهناك الإعلام الذي يطلق عليه ج. عطالي J.Attali إعلام التهديد والتخويف  Amplificateur de menaces الذي يستهدف إضعاف معنويات الخصم أو العدو، وهو إعلام شائع في أوقات الأزمات والصراع بين الدول أو التكتلات.
3 - الاتصال بمختلف قنواته وأشكاله هو من أهم الجسور التي تقرّب الدولة ومؤسساتها من المجتمع المدني، ومن الشعب بوجه عام، بقدر ما تتضمّنه مضامينه وأساليبه من مصداقية، وبالتالي فإن المبالغة في الاتصال أي الشرح والتعليق على أي حدث أو حركة وسكون لكل مسؤول يقتل الاتصال، ويحكم عليه الناس بالديماغوجية والشعبوية وطريقة المداح في الأعراس.
كما أنّ قلّة الاتصال وحرمان مؤسساته من المعلومة والاقتراب من مصادرها يعزل الدولة عن الشعب، ويعطي مجالا واسعا للإشاعة والرغبة في الحصول على المعلومات والتحليلات من الخارج الذي لديه قنوات اتصال متخصصة في شؤون مناطق نفوذها سابقا وحاليا، فضلا عن وكالات الأنباء العملاقة التي تجمع وتوزّع وتصوغ ما يجري من وقائع وأحداث قي القارات الخمس، وهذا ما تعنيه حروف كلمة نيوز NEWS: شمال - شرق - غرب - جنوب.
4 - أكّد التعديل الدستوري المعروض للنقاش والمصادقة في آخر هذه السنة في المادة 54 (50 سابقا) على حرية الصحافة بكل وسائطها في إطار حماية حقوق الآخرين وثوابت الأمّة وقيمها الأخلاقية، ومنع العقوبات السّالبة للحرية بسبب الجنحة التي قد يرتكبها الإعلامي، ومن المنتظر كذلك أن تحرص الدّولة على توفير حماية اجتماعية واقتصادية للإعلاميين لكي لا يكونوا ضحايا للإستغلال في الداخل أو الاستقطاب من الخارج، المهم في رأينا هو الممارسة الفعلية لتلك التوجهات وليس مجرد إعلان نوايا.
5 - توصف بعض مضامين الإعلام والاتصال بأنهّا خاضعة للرقابة الذاتية غير المفروضة من الحكومة، وهي من الظواهر السّائدة قبل التعدّدية الحزبية وبقيت آثارها أشبه بالمنعكس الشرطي، وهنا ينبغي التمييز بين الرقابة من داخل الإعلامي أو مؤسّسته وبين التمسّك بحرمة الوطني وشرفه في حالات السّلم والأمن وحالات الخطر والتهديد، فلا يمكن لنساء ورجال الإعلام والاتصال وهم في الجبهة الأمامية للدّفاع عن سلامة الوطن إلا الوقوف إلى جانب بلادهم إذا كان عرضة لحملات التشويه والتآمر الخفي أو المعلن.
6 - يمكن لوسائل الإعلام والاتصال أن تجذب الانتباه في الداخل والخارج كلمّا ساهم فيها نساء ورجال من أهل الفكر والذكر والأدب والفن، وفتحت وسائطها لمختلف الآراء والمدارس التي لا تمس شرف الوطن وأمجاده الثابتة عبر التاريخ.
ومن المرغوب أن تساهم فيها نخب متميّزة من بلدان أخرى مشهود لها بالتميز في المجالات السابقة، وعمق الاطّلاع في اختصاصهم الأكاديمي أو المهني، وقد بدأت بوادر لإنشاء مراكز للدراسات ضمن المجمّعات الاعلامية الحالية، تسمح بتوفير ذخيرة مفيدة لها وللراغبين في معرفة وجهات نظر حول الأحداث الراهنة والتطورات الجارية عندنا وحولنا، واستشراف آفاقها في عالم القرن الواحد والعشرين.
7 ــ من الملاحظ أن بعض التقارير الصحفية، وما يعرض أحيانا على
الشّاشة الصغيرة بمختلف قنواتها العمومية وغير العمومية، تقدّم لوحات للبؤس والتدهور، وهي بالفعل موجودة في كل ولايات الوطن، ونحن لا ندعو لإخفائها، ولكن من الانصاف إظهار الجميل أيضا، فيلس كل ما في الجزائر قبيح وليس كل ما فيها جنّة عدن.
إنّ النّزعة البؤسيّة ( misérabilisme ) لا تدعو إلى التفاؤل والاعتزاز بجزائر يغلب عليها السّواد، وهي المعروفة بالجزائر اليبضاء، تؤكّد أبحاث علم النّفس الذات
 Self Phsycology  أن الفرد والجماعة يعودان في تقييم الذات الى نظرة الآخرين اليهم، فإذا تغلّب السّواد أدّى إلى النّفور والتقليل من اعتبار الذات، وهو ما تحرص عليه أغلب البلدان شرقا وغربا لتقديم صورة جذّابة لمواطنيها وللخارج.

ثانيــا: صــرح الثّقافـة:
 ذخـيرة الوطن الدّائمـــة

مثّل قطاع الثقافة قديما وحديثا خزّان القوة الناعمة التي عبّر منتجوها عن الرأي والموقف تجاه الأحداث والتحولات التي مرّت بها بلادنا، سواء أكانوا في جبهة الدفاع عن حق الجزائريّين في الحرية والعدالة والتّقدّم، وحق الشّعوب المكافحة ضد الكولونيالية في شكليها القديم والجديد، أو ضد الميز العنصري والاضطهاد والتطرف السياسي نحو اليسار أو اليمين.
داخل هذا الصرح العظيم، هناك العديد من التيارات والخيارات وأساليب التعبير عن الموقف حول ما يحدث في المجتمع وفي مؤسسات الدولة وممثّليها في مختلف الهيئات، ليس من السّهل تصنيفها في جداول نهائية، فلا هي موافقة ومؤيدة دائما، ولا هي ناقمة ومعارضة دائما، ولا يعني ذلك أن المثقّفين المبدعين يتخفّون في المنزلة بين المنزلتين، أو أنّهم في المحطة ينتظرون القطار المناسب، بل لأنّ المفكر والفنان المبدع هو عبارة عن مجتمع في فرد وفرد في مجتمع، كما عبّر عن ذلك س ـ فرويد S
 - Freud في دراسته بعنوان الطوطم والطابو Totem and tabou.
ليس من اهتمامنا في هذا السياق الخوض في تعريف الثقافة، فقد أحصى باحثون ثلاث مائة تعريف لهذه الكلمة في اللغة الانجليزية، ويعود السبب في كثرة التعريفات إلى تأخر الاستعانة بمناهج العلوم الدقيقة، وخاصة التكييم “Quantification” في المباحث المتعلقة بالنشاطات الثقافية بوجه عام، وكذلك استخدامها في المنافسات الايديولوجية التي وصلت أوجّها أثناء الحرب الباردة ومازالت تزداد حدّة وانتشارا، ونحن نميل على أي حال للتعريف الوظيفي الذي يقدّمه بورك هارت Burck Hardt  الباحث الألماني في فلسفة التاريخ، الذي يرى أنّ المجتمع والتاريخ تحرّكهما ثالث قوى أساسية هي: الدّولة، الدّين والثّقافة، تمثّل الدّولة الكيان السياسي، ويقدّم الدّين التّفسير لما وراء الطبيعة، وتعبّر الثّقافة عن العلاقة بين القوّتين السّابقتين “دراستنا” بعنوان “المسألة الثّقافية وقضايا اللّسان والهويّة..ومتطلّبات الحداثة والخصوصية والعولمة والعالمية ـ ٢٠١٦ ط ٢ ـ«.
لقد كانت لنا علاقة مباشرة بقطاع الثقافة قبل عدّة سنوات في أوّل دائرة وزاريّة مخصّصة للثّقافة والفنون الشّعبية، مكّنت من الاطّلاع على الثّروة الكبيرة التي تتمتّع بها الجزائر، وبعضها ما يزال في حالة المادّة الخام، كما كشفت الحوارات الواسعة التي شاركت فيها عائلة الثّقافة الكبيرة عن العديد من المصاعب والتّطلّعات، ومواطن الخلل في التنظيم والتمويل والرّعاية المستحقّة للمبدعين، وقد تمّ جمع ونشر وقائع تلك النّدوات بالصّوت والصّورة، وفي مجلّد بمئات الصّفحات في منشورات القطاع الثّقافي في تلك الفترة.
من المؤكّد أنّ البعض من التّطلّعات والاقتراحات مازالت تراوح مكانها، والبعض الآخر قد تحقّق بنجاح أو بطريقة تلفيقية “électique” تحت ضغط الأزمات التي عانت منها الجزائر في نصف القرن الماضي، ممّا أدّى إلى عدم وجود سياسة ثقافية على المديين المتوسّط والبعيد ترتكز على الأركان الثلاثة التي أشرنا إليها فيما سبق، فلا سياسة ثقافية بدون حريّة، ولا حريّة إذا فقدت بعدها الاجتماعي وهو العدالة، ولا جدوى منهما معا إذا أصيب المجتمع بالجمود وفق مقولة ليس بالامكان أحسن ممّا كان، فالتّقديم يعني بناء الحاضر والمستقبل الآن بهدف أن يكون أفضل.
من بين الورشات التي يمكن الشّروع فيها، نقترح ترتيبها حسب درجة التّعقيد والعلاقات مع قطاعات أخرى، من المطلوب التّنسيق معها في إطار مشروع حكومة تقدّم برنامجا متكاملا للتّغيير والاصلاح، نذكر ما يلي:
1 ـ  من الأفضل أن تتضمّن برنامج التكوين الاداري للموظّفين في هذا القطاع نمطا يتلاءم مع خصوصية منتجي الثّقافة في مختلف فروعها، وعلى المستويين المركزي والولائي والمؤسّسات التّابعة لها، فليس التّسيير menagement فيها مثل البلدية أو مركز البريد، وقد لاحظنا أنّ انعدام التكوين الخاص بالعاملين في قطاع التعليم العالي ـ الجامعة والمعاهد ـ وهياكل الثقافة وكلّها منتشرة عبر الوطن، أدّى إلى ظهور توتّرات ونفور سببها طريقة التّعامل مع نساء ورجال الفكر والفن، الذين يطالب أغلبهم بالاحترام والتقدير، وليس الحظوة الطبقية والاستعلاء على غيرهم من النخب الأخرى، وعن عامة الشّعب الذي يستلهمون من تجاربه وتحوّلاته، ويعبّرون عنها كل بطريقته الابداعية، فالمجتمع هو الركن الأساسي في معادلة التأثر والتأثير.
2 - من المهم الشّروع في تقريب الثّقافة من الجمهور، ولا يقتصر هذا التقريب على المعارض السنوية للكتاب، فالثقافة تشمل كل فصول السنة، فمن المثير للانتباه أن تبقى أبواب المتاحف موصدة وخلفها موظّفون بلا جمهور، وفي انتظار عودة الحياة للإنتاج السينماتوغرافي والاهتمام بالتّعريف به وتسويقه في الدّاخل والخارج، فإنّه من المستعجل تزويد المدن الكبيرة والصّغيرة بقاعات العرض السينمائي، وإنقاذ ما بقي منها من اكتساح محلاّت الأكل السّريع “Fast food” ، وربما قد سمع بعضنا من يقول بعد العودة من رحلة سياحية إلى الخارج، إنّه قضى وقتا ممتعا مع عائلته في مشاهدة عرض لفيلم في قاعة سينمائية في البلد كذا!
3 - إيلاء عناية للتّرجمة من خلال مؤسّسة تجمع مختصّين ومتحكّمين في عدد من اللّغات الغزيرة في العلوم والآداب والفنون، وأن يتركّز الاهتمام على الترجمة بين اللّغتين الوطنيتين وهما العربية والأمازيغية، بتشجيع وتسهيلات تسهر عليها الدولة من خلال وزارة الثّقافة والمؤسّسات الاستشارية التابعة لرئاسة الجمهورية، ومن المفيد نقل ما نشر بالفرنسية في داخل البلاد أو خارجها إلى اللّغتين الوطنيتين، وقد ظهرت نخبة تبدع وتنشر بالعربية والفرنسية.
وقد عرفنا في لقاء مع منظّمة اتحاد الكتّاب في الصّين الشّعبية، أنّ جيشا من المتخصّصين في مختلف فروع المعرفة والثّقافة يترجمون كل  ما ينشر شهرا واحدا بعد صدوره سواء بترخيص، أو بدون، في هذه الحالة يكون توزيعه محدودا ويقتصر على مؤسّسات معيّنة.
4 - أصبحت الثّقافة ومنذ أمد طويل من بين الصّناعات التي يخضع قسم كبير منها لاستثمارات القطاع الخاص، ويعامل منتوجها حسب قوانين السّوق انطلاقا من بلدان القوة
الثلاثية (Pouvoir triadique )، وتتمثّل في شمال أمريكا وغرب أوروبا وجنوب شرق آسيا، ولهذا الغرض أصبح الاشهار والمهرجانات والجوائز الجهوية والدولية، واختيار أفضل
المنشورات (Best seller) من الوسائل المعتمدة اليوم للتّرويج للمنتوج الثقافي: فيلم أو قصّة أو رواية أو موسيقى أو الرّسم أو النّحت وحتى عروض الموضة.
غير ان هناك من يعترض على تسليع الثقافة ويرى أنها تؤدي إلى تسطيح الإبداع وفقدانه حميميته، ويرى بعض لنقاد لهذا الاتجاه وخاصة علماء الاجتماع الألمان المعروفين بمدرسة فرانكفورت، ومنهم هربرت ماركيوز أن الانتاج الثقافي بالجملة سيجعل من المبدع مجرد قطعة غيار منفصلا عن إبداعه في سوق الجملة.
على الرغم من الموجة العارمة والاعتراضات السابقة على تسليع الثقافة فإن بلادنا في حاجة إلى الاستثمار من طرف القطاع الخاص وفي قطاعات الانتاج السينماتوغرافي والطباعة والنشر الخ... وتكتفي الدولة من خلال الوزارة المعنية بدور المنظم.
تفعيل دور ومهام دور الممثليات الثقافية في الخارج وخاصة في البلدان التي توجد بها هجرة معتبرة لتوطيد العلاقة مع الوطن ولاشراك شباب الهجرة في مختلف النشاطات الثقافية وخاصة التي لها علاقة بالأعياد الوطنية أول نوفمبر، خمسة جويلية... الخ. واستقطاب النجوم الذين برزوا في عدد من الفنون مثل المسرح والغناء والموسيقى ليكونوا سفراء فوق العادة لبلادهم في بلاد الهجرة والاستفادة من تجربة ودادية الجزائريين في فرنسا في السنوات الماضية وقد شاهدنا في لندن تجربة دار الهند  التي يلتقي فيها الهنود المقيمون في المملكة المتحدة من مختلف الأعراق والأديان واللغات دوريا ليتمتعوا بما هو مشترك وما هو خصوصية لكل منطقة.
٦ ـ ضامن مع كفاح الشعب الجزائري العديد من المفكرين والأدباء والإعلاميين الذين ساندوا الجزائر قولا وعملا ووجدوا في الدولة الجزائرية التقدير والعرفان منذ ١٩٦٢ إلى اليوم وكان بعضهم من الفرنسيين الذي ندّدوا بسياسات القمع والقهر وخاصة أثناء حرب التحرير، فمن بين هؤلاء النساء والرجال الشجعان الذي وقفوا إلى جانب الحق والحرية ضدّ سياسات بلادهم الظالمة يتصدّرهم فيلسوف الوجودية وموقف الالتزام وحرية الاختيار ج.ب.سارتر  الذي اعتبر الوقوف إلى جانب المناضلين الجزائريين معركته الكبرى، ولعلّ هذا ما أسدل عليه ستار الإغفال وبعض النسيان في بلاده عندما تصاب الوطنية بميكروب الشوفينية.
بينما حظي مفكر وأديب آخر هو أ. كامو بكثير من الاهتمام والتنويه هنا وهناك، ونحن لا نقلل من إبداعاته وخاصة في «طاعونه»، ولكن موقفه من الأهالي أو العرب لا يقرّبه من الذاكرة الوطنية، فقد كان على عكس سارتر ملتزما ولكن مع الطرف الظالم، ولعل إغفال إسهامات سارتر في الأدب والسياسة هناك في بلاده أثّر على بعض النقد والمبدعين هنا وهو المثقف الشامل في تعبير ب. بورديو، وقد خصصت له أستاذة الاداب الفرنسية آن ماتيو دراسة بعنوان رفض سارتر، قدّمت فيها أسباب تجاهل سارتر في بلاده خلال أربعين سنة بعد وفاته، ومن أهم تلك الأسباب التزامه بالدّفاع عن القضية الوطنية الجزائرية وحق الجزائريين في الكرامة والحرية.
٧ ـ في مشروع جزائر المستقبل من المطلوب أن يكون الاستثمار في قطاع الثقافة من أهداف الرهان الأكبر مثل الذي أطلقه الرئيس الأمريكي الأسبق فرانكين روزفلت  عقب الأزمة المالية العالمية سنة ١٩٢٩ وأوصلت فنون الإبداع إلى المستويات العليا في العالم ومكنّت من نشرها في أوساط الشعب وخارج الولايات المتحدة والحصول على العديد من الجوائز العالمية، قدّم عدة أمثلة منها ديفد تاير في دراسته بعنوان روح الشعب، الهدف الأكبر من ذلك الاستثمار هو ترسيخ الانتماء للوطن، وإبراز ما فيه من عبقريته وقدرات على التفوق في مجال القوة الناعمة التي يعجب بها الآخرون في شتى أنحاء العالم، ألا تولد الامم العظيمة من أحلام قادتها التي تعبر قرنا وتجتاز الحدود الجغرافية ؟

التغيير وطبقات العمر

المعايير السياسية والاجتماعية والاقتصادية

يوصف المتقدمون في العمر في كثير من المجتمعات، والقروية بوجه خاص، بتجربة طويلة في الحياة وبالحكمة، وقد يرشحهم هذا المقياس ليكونوا مستشارين يطلب منهم الناس الرأي والتوجيه، وقد تسند إليهم مسؤوليات محلية أو وطنية عندما يتأكد محيطهم من التزامهم بقواعد منظومة القيم السائدة في بيئتهم.
احتكم الجزائريون لهذا المقياس لعقود طويلة، فقد كانت تسند للكبار أو الشيوخ رئاسة ثاجمعت للتشاور وقبول نصائحهم وقراراتهم، وقد يكونون من بين أحد الأئمة في مسجد القرية.
وهذا نمط من الديمقراطية المباشرة التي تستند إلى دستور غير مكتوب مصدره الأعراف والتقاليد المرعية وهو نمط منتشر في كل أنحاء الجزائر من الجنوب إلى الشمال.
قد يكون من المفيد تعميق الدراسة في شكل ومضامين ذلك النمط وتطويرها وتطبيقها على مستوى المجالس البلدية والولائية وجعله من محاور الدراسة والبحث في المدرسة الوطنية للإدارة فلكل شعب الحق في أن يبني ويمارس الديمقراطية انطلاقا من تجربته التاريخية ومن تراثه العريق، ولا يمنع ذلك من الاستفادة من التطور والتحديث في تجارب بلدان أخرى، وخاصة الرقمنة والأنترنيت.
لذلك التقليد العريق استثناءات تجعل المجتمع في ظروف معينة يفضّل اختيار الشباب للمسؤولية بتأييد من الأكبر سنا، كما هو الشأن في مبايعة الأمير عبد القادر وهو في مقتبل الشباب لقيادة المقاومة الوطنية، وقد برهن خلال ما يزيد على سبعة عشر عاما على مواهب وكفاءة عالية في القيادة ، بل بدأ مشروعا عظيما لبناء جزائر موحدة ومتضامنة في مواجهة عدو متفوق في العدّة والعتاد، ولولا سلبيات القبلية وتواطؤ بعض الجيران وحرب الخديعة والدّمار الشامل الذي قام به العدو الكولونيالي لسجل التاريخ جزائر أخرى قبل منتصف القرن ١٩.
وبعد حوالي قرن على تجربة الأمير عبد القادر البطولية ١٨٤٧ ـ ١٩٥٤استعاد الشباب المبادرة بعد عجز الجيل السابق عن تحقيق أي من المطالب والطموحات الشرعية للشعب الجزائري، بسبب غطرسة فرنسا الكولونيالية، وتشديد الخناق على الشعب والإصرار على اعتبار الجزائر من ممتلكات فرنسا وراء البحار، وكانت  البذرة الأولى هي المنظمة  الخاصة «OS» التي خرجت من صلب الحركة الوطنية وحزب الشعب الجزائري «PPA» بالتحديد، وكان أعضاؤها في سن الشباب وهي التي مهدت للثورة وقياداتها التاريخية التي كان أغلب قادتها من الرعيل الأول تتراوح أعمارهم بين ٢٠ و ٣٠ سنة تقبلهم الشعب والتف حول جيش وجبهة التحرير الوطني في مدة قصيرة، وباركهم الكهول من الآباء، وكان من العادي جدا أن يترأس ضابط من الجيش او ضابط في المحافظة السياسية المكلفين باحدى الولايات الستة اجتماعا يحضره بحماس شيوخ في سن الأب أو الجد.
لقد استمرت هذه الظاهرة عدة سنوات بعد تحرير الوطن، ولا مجال في هذا الجزء من المقاربة للعودة الى الاجابة عن كيف؟ ولماذا؟ فقد حاولنا تفسيرها في مباحث أخرى كما اجتهد غيرنا من مواقع مختلفة لتقديم آرائهم في النظام السياسي وفي بنية وقيادات جبهة التحرير الوطني قبل وبعد ١٩٨٨.
اهتم علماء النفس الاجتماعي بأنظمة طبقات العمر وخصصوها دراسات ميدانية fieldwork فيما سموه المجتمعات البدائية  والقروية، نجد نتائجها خاصة في الدراسات الأنغلوسكسونية» الولايات وبريطانيا» واعتمد البعض الآخر على فرضيات التحلي النفسي الفرويدي الذي يفسر العلاقة بالأكبر في اطار العائلة بعقدة اوديب التي يرغب فيها ذكور الأسرة في التخلص من الأب للتفرد بالأم، كما  ترغب الاناث في التخلص من الأم للتفرد بالأب والكلمات السابقة مشتقة من الميثولوجيا اليونانية، ومن الواضح انها تفسر نسيج العلاقات بناء على الدافعية Motivation  التي يحركها الليبيدو اوالطاقة الجنسية، وعلى الرغم من التأثير القوي للمدرسة الفرويدية الى اليوم، فان هناك من  ينتقدهابسبب اعتمادها على عامل واحد يفسر على أساسه سلوك الفرد والجماعة في كل زمان ومكان.
في الجزائر تظهر العلاقة بين طبقات العمر شباب ـ كهول او شيوخ « في ثلاثة مستويات: أولها المستوى السياسي حيث  تصدر الشباب الاحتجاجات الموجهة ضد شخصيات وطنية بقيت في واجهة الدولة ومؤسساتها اوتتبادل المواقع بطريقة الحاج موس،موسى الحاج ـ وقد ظهرت تلك الاحتجاجات بصورة عنيفة في العاصمة ومدن أخرى في نهاية الثمانينات من القرن الماضي.
كما أشهرت أحزاب يقودها ويناضل فيها منخرطون في مواقع قيادية تتراوح اعمارهم بين الثلاثين والأربعين سنة ليس هذا مجال استعراض أطروحاتهم السياسية والاجتماعية والثقافية ، ولكن يمكن القول بأن المطالبة بالتغيير في سياسات الدولة وبنية المجتمع ومرجعياته الثقافية والتاريخية من بين مطالبهم الرئيسية.
وقد ظهرت مطالب تلك التيارات في موجة الحراك الشعبي في فبراير ٢٠١٩ ، على الرغم من أن نسبة عالية من باب الحراك، غير منخرط بصفة نظامية في أحزاب مابعد ١٩٨٩، وكذلك تجد امتداداتها في منظمات المجتمع المدني، وخاصة تلك التي كانت قريبة من مدار التيارات السابقة، ولعل أوضح تعبير عن مدلول طبقات العمر ورغبة الشباب في تسلم المقود هو الحزب الذي أسسه السيد جيلالي سفيان وفريقه من الشباب ذكورا وإناثا في ١١ - ٠٣ - ٢٠١١ باسم جيل جديد.
أما التنظيمات السياسية الأخرى فمنها من يعاني من انفجارات بركانية متوالية واشتباكات داخلية بين الشيوخ أنفسهم حول المواقع القيادية ، ومناوشات مع الجيل الجديد الأقل من ثلاثين او أربعين سنة، كثيراما يؤجل فيها الاعلان عن النتيجة، وهناك من تفرض عليه التحولات السياسية والاجتماعية تغيير الواجهة حسب المسافة التي يرغب فيها مع سلطة الدولة.
أما المستوى الثاني فهو يتمثل في العلاقة بين طبقات العمرفي المجال الاجتماعي وهي تبدو أكثر تعقيدا، وتأخذ احيانا شكل صراع علني اوداخل بعض المؤسسات بين أنصار الحداثة وخاصة فيما يتعلق بقانون الأسرة وحقوق المرأة ومطالب أخرى تتعلق بالثقافة والهوية والديموقراطية.
وينبغي أن نلاحظ ان أنصارهذا التيار ليسوا فقط من الشباب، اذ بينهم شريحة معتبرة من كبارالسن، او لنقل من الأجيال السابقة تحتفظ بالحضور الفاعل والتأثير داخل بعض شرائح المجتمع، سواء أكانوا داخل أحزاب أو منظمات المجتمع، أو من الناس العاديين.
يقابلهم في الطرف الآخر محافظون او مدافعون  عن الموروث الثقافي والاجتماعي أو الأصالة، وهي في رأيهم كل مايميز المجتمع الجزائري عن غيره بحكم انتمائه الى الثقافة العربية الاسلامية وخصوصياته المحلية وتاريخه، ويدافع عن هذا التيار كهول وشباب تزايد عددهم خلال وبعد ثمانينيات القرن الماضي.
ومن الملاحظ أن الشباب من أنصار هذا التيار هم من سكان المدن والقليل منهم من سكان القرى أو الأرياف، ومنهم العديد من المتعاملين الحاصلين على شهادات عليا في المعاهد والجامعات، ومنهم من تعلم من جامعات أجنبية في فرنسا وأمريكا وبريطانيا وغيرها من البلدان الغربية، وكذلك عددا معتبرا من الشباب المهاجر من الجيل الثاني أو الثالث في تلك البلدان، خطاب هذا التيار لدى بعض الأحزاب، وعددا من منظمات المجتمع المدني والهيئات على المستويين الولائي والوطني. وقد عبر عن توجهه الرئيسي أثناء الحراك الشعبي بشعاره «باديسية نوفمبرية» الذي يجمع بين مدرسة الإمان عبد الحميد بن باديس ورفاقه وهي بمقاييس عصره، وحتى ما بعد عصره، مدرسة لتجديد المجتمع وتخليصه من أثقال الشعوذة والتخلف الثقافي.
تجمع تلك المدرسة بين الانجاز الأكبر في تاريخ الجزائر الحديث، وهو ثورة التحرير وبيانها المؤسس وهذا الجمع هو ما يقلل منه أنصار الحداثة واليسار الايديولوجي بوجه خاص ومن يوصفون بالفرانكوفيين ومنهم كذلك عروبيون، ونحن لا نستسيع التسميات السابقة لأنها ستكون في النهاية لصالح طرف آخر يستعمل لغته للاستثمار والتأثير على الشعوب ونخبها لخدمة مصالحه على حساب بلاد لها عليه دين ثقيل يعود إلى سجله الثقيل أثناء حقبة الاحتلال المظلمة، وربما لهذا السبب أمتنعت الجزائر عن الانضمام إلى المنظمة الفراكفونية لأنها لم تقبل أن تكون حجرة دومينو في وزارة أراضي ما وراء البحار.
لم يظهر هذا التصنيف اللساني ومضاعفاته في الساحة السياسية والثقافية أثناء سنة كاملة من الحراك الشعبي، فقد كانت مطالب الشباب والأقل شبابا مركزة على التغيير، بل كان الشباب من بين الفئات الساخطة على التدخل المتستر أو العلني الاتي من الضفة الأخرى، أما مسألة رفع العلم الأمازيغي داخل بعض المسيرات فإن للجزائر علم واحد، ومن حسن الظن أن نقول أنه تذكير بالربط بين الثقافة والديمقراطية بطريقة سلمية في إطار عائلة واحدة يتنافس فيها أخوان شقيقان في التعبير عن الحب لأمهم وهي الجزائر.
إن الصراع بين طبقات العمر ظاهرة عامة لا تخص مجتمعا دون غيره، ولها علاقة بسرعة وشدة التغير ونمط العلاقات بين الأجيال أو كما يقال بين السلف والخلف، وطريقة التطبيع  Socialisation  وكلما تقلصت العائلة الممتدة أي التي تجمع كل الأقارب تحت سقف واحد وانتشرت العائلة الذرية أي الصغيرة، بدأت تظهر الفروق في نمط الحياة والتعامل  وهي الظاهرة التي درسها عالم النفس الاجتماعي الأمريكي إريك فروم  وسماها مجتمع أركان الشوارع Street Corner Society
 وقد ينطلق الصراع بين طبقات العمر بسبب غضب الشباب على نظام يقوده المسنون، ومن الأمثلة على ذلك موجة الاحتجاج العارمة التي شلت باريس وأغلب مدن فرنسا في نهاية الستينات من القرن الماضي ضد الرئيس الفرنسي الأسبق شارل ديغول، ومن الملاحظ أن أحد منشطها الأكثر تأثيرا هو طالب ألماني «بندت» أصبج في أسابيع قليلة قائدا المظاهرات ألمانيا دائما قبل بروسيا وبعدها.
تمكنت هذه المظاهرات من الإطاحة بالرئيس ديغول، وقد بلغ من العمر عتيا واضطرته إلى الانسحاب من السلطة وهو من رموز فرنسا التي ساهمت في مقاومة الاحتلال النازي وفي إنقاذ بلاده من الانهيار والاحتراق بنيران الثورة الجزائرية، والأمثلة كثيرة على تصدر الشباب لمطالب التغيير مع اختلاف الشرارة التي ينطلق منها الحراك وما يمكن أن يحققه في نهاية المطاف.
أما المستوى الثالث فهو إحصائي اقتصادي: تؤكد النشرات الاحصائية من ما يزيد على أربعة عق،ود أن ثلثي المجتمع الجزائري أو أكثرهم في سن الشباب ولتلك النشريات أهمية قصوى لتشخيص الوضع العام للبلاد وبناء مخططات التنمية على المديين المتوسط والبعيد.
إن تعداد  السكان من مختلف الأعمار ليس متغيرا محايدا فهو يدخل ضمن التوازنات الاقتصادية والاجتماعية، وبمنظور استراتيجي يتعلق بالموارد المتوفرة أو التي يمكن توفيرها من خلال جهد الانسان وهو العمل المنتج بالمعنى الواسع لمفهوم الانتاج، ومن الناحية التاريخية ينبغي أن لا ننسى أن عدد المستوطنين لم يصل أبدا إلى عشر السكان الأصليين في الجزائر على الرغم من حملات الإبادة والتشريد التي استمرت قرنا وثلثا.
كما أن تعداد السكان الحالي في الجزائر ليس مشكلا في حد ذاته، وإنما المشكل في تجمع عدد كبير من كل طبقات العمر في الشريط الساحلي ووجود فراغ متفاوت الحدة في الهضاب العليا والجنوب، ومن الحلول الممكنة على المدى المتوسط، جعل تلك المناطق الهامة من الوطن جذابة من ناحية المرافق ووسائل الاتصال والنشاطات الرسمية والترفيهية والامتناع عن تعيين أو نقل اطارات الدولة وموظفيها للعمل في تلك الولايات باعتباره عقابا، وهــو من الأخطاء الشائعة منذ عدة سنوات.
.الحلقة
 الأولى
...يتبع

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024
العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024
العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024