ما لا تعرفونه عن أعماق الشخصية!

شريف بومدين:مختص في تطوير المهارات الذاتي

الوعي الذاتي هو أن تعرف ذاتك بصورة أصح، لأن- للأسف الشديد- أكاد اقول إن الغالبية من البشر لا يعرفون تماماً ما يوجد في أعماق شخصيتهم.

معرفة الذات هي تكاد تكون عمليه مستمرة، ليس لها حد، كلما اكتشفت ما هو داخلك كلما زادت قوه شخصيتك أكثر وأكثر، بالتالي ستفكر أفضل وتتصرف أجود وتنجز أتقن.
لكي تطور وعيك بذاتك عليك بالاهتمام بالنواحي التالية:

1- مراكز قوتك
كل واحد منا يولد في هذه الحياة لديه مواهب ومهارات متنوعه، كما صحاب الاختصاص عندنا يسمون ذلك (التعلم الإدراكي)و هذا يعنى متابع سلوك معين، ثم رؤية النتيجة التي تحققت ثم إعادة إخراج هذا السلوك عندما تريد نفس النتيجة.
بداية من هذا التعلم الأساسى، نبدأ في استيعاب المعلومات بوعي أو بلا وعي، بالرغم من أن المعرفه قيمة وقوة، إلا أن الإفراط في المعلومات أحياناً تخلق لنا عائقا يمنعنا من معرفة ما هو الذي نجيده من هذا الزحام في المعلومات.
إننا نتقن عمل عدة أشياء، ولكن لو أننا اكتشفنا المراكز التي نتميز ونتفوق فيها عندئذٍ سنكتشف مراكز القوة في ذواتنا.

ثم تأتي المرحلة الثانية.

2- اكتشاف مراكز النقص
هي بديهية لدينا بأن كل إنسان له مراكز نقص وبالموازاة مع مراكز القوة. الضعف قد يكون عيبا شخصيا في شخص ما، مثل الخجل، الخوف أو عادة غير مرغوب فيها يكون قد اكتسبها مع الوقت، أيًّا كان نوع الضعف، علينا أن نتقبله كحقيقة موجودة في الشخصية.
من يخدع نفسه برفض حقيقة أن لديه نقطة ضعف أو بتجاهل ذلك.
إذا كنت خجولاً تقبل هذه الحقيقة ولا تنكرها أو تتهرب منها، إذا لم تستطع مقاومة الرغبة في التدخين إعترف أنها نقطة ضعف فيك.
تبرير نقاط الضعف لن يساعدنا في التخلص منها، فبمجرد أن أصبحت على وعي بنقاط الضعف في شخصيتك، ستكتسب القوة للعمل على التغلب عليها والتخلص منها، ولكن إذا تجاهلت أو أنكرت نقاط ضعفك ستظل حاملاً عبئها ولن تفكر في التخلص منها.
كذلك عليك معرفة ما يعجبك وما لا يعجبك:
كل إنسان له ذوقه الخاص، هناك ما يروق له ويعجبه وما لا يروق له ولا يعجبه، نعلم جميعاً المثل الشائع في عالم التجارة الذي يقول: “لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع”.
لا يوجد ما يعيب في أن ما يعجب أخاك لا يعجبك، فإن ذوقك في الإختيار هو ما يميز شخصيتك عن غيرك، لا يوجد ما يسيء في اختلاف ما يعجبك عن ما يعجب غيرك، كما عليك تقبل هذا الإختلاف، كذلك لا يوجد ما يعيب في أن يكون لك رأي مختلف عن الآخرين، لكن العيب في محاولة فرضه على الآخرين، لا تجادل لتقنع الآخرين برأيك، فمن الأفضل أن تحافظ على رأيك وفي نفس الوقت تحترم رأي الآخرين.
إن الواعي شخص متواجد، مضطلع، منفتح، مُستنير، يقود حياتَه.
أما اللاواعي: مُغيّب، لا يدري ما يُريد، لا يُدرك مرحلته الحالية، مُبرمَجْ، خياراته مُحددة من الآخرين.
فالوعي هو الإدراك، فإذا لم نسعَ لبناء الوعي الذاتي، فإننا نخسر الكثير وأهم شيء نخسره ذواتنا. إذن الوعي يقترن بالحياة.
مما أشرت اليه في دورة الوعي الذاتي:
الوعي كما قلنا في الجزء الأول هو الإدراك. وغايته الأساسية هي كيف تعرف ذاتك؟
قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) الرعد: 11.
كيف نغير ما بأنفسنا إن لم نعرف ما “في أنفسنا”؟.

كيف ندرك أهمية معرفة الذات

 أقول إن التعرف على الذات هو مفتاح الفوز والتفوق في حياتنا، فبدون أن يعرف الإنسان نفسه وملامحها ومكامن قوتها وضعفها، فإنه لن يستطيع التطوّر ولن يستطيع معالجة مواطن الضعف التي تعتريه فتعيقه عن أداء واجباته وأعماله بالشكل الأمثل والمطلوب.
تكمن صعوبة معرفة كل شخص لنفسه في أنّ نفس الإنسان معقدة، تتراوح ما بين الضعف والقوة، والأمن والفزع، والشدة واللين. ولما كانت النفس الإنسانية جامعة لعدد كبير من التناقضات، فقد كان من الصعوبة بمكان على كل إنسان أن يُلمّ بكافة جوانبه النفسية، وبالتالي معرفته ذاته بعمق كبير.
إذن، معرفة الذات أمر ليس فقط مهمّا بل حيويا وحياتيا.

شروط معرفة الذات

لمعرفة النفس العديد من الشروط الواجب توافرها في كل شخص يسعى لتحقيق هذه الغاية، وهي الصدق مع النفس، والوضوح، والصراحة، وعدم التوهّم بامتلاك صفات معيّنة، أو ملامح خاصة غير موجودة فيه في الحقيقة، فهذه الأمور تضرّ كثيرا بالإنسان، وتجعل له ذاتاً خياليّة تحول بينه وبين ذاته الحقيقية التي تعيش في داخله.
ومن الشروط الأخرى أيضا، صفاء الذهن، ونقاء السريرة، والبعد قدر الإمكان عن التأثر بشخصيات الآخرين ومحاولة تقمّص أدوار لا تتناسب وطبيعة الشخص نفسه لمجرد الإعجاب بها، كما يتوجّب على الإنسان أن يتحمّل النقد الإيجابي، وأن يتواضع قدر الإمكان حتى يتوصل إلى النتيجة التي يرتضيها.

تحرير العقل والروح

إن الثبات والتمسك بالاعتزاز بالنفس والذات، وإبراز جوانب الرضا في سلوكاتنا وتصرفاتنا، ينأى بنا بعيدا عن الهواجس والأفكار الهدامة، بذلك نستطيع التغلب على المخاوف والإرهاصات التي تقيدنا وتسجن قدراتنا ومؤهلاتنا الدفينة والقابعة في دواخلنا. فراحة البال والطمأنينة الداخلية، تؤديان بصاحبها إلى التفاؤل والطموح الجارف في الإنجاز والتحقيق.
فإدراك الذات يعتبر تمام وعي الإنسان، ثم نذهب إلى مرحلة أخرى الحسن نضج وإدراك وتقدم، وهذا ما سترتقي اليه روح الانسان الذي انطلق من معرفة الذات، إلى تطبيق هذه المعرفة، ومن ثم تجاوزها إلى معرفة الكون.
أخيرا لا يجب علينا أن نتخلى على عملية الإبحار في دواخلنا وبواطننا الشخصية، ونحاول أن تغترف الجوانب الجيدة في شخصيتنا وندعم ونعدل نقاط الضعف فيها، لكي نستطيع الوصول إلى مرحلة الوقوف على سبل السعادة والآليات والآفاق التي تساعدنا على تجويد تفاعلنا داخل هذا الكون الدائم التجديد.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19450

العدد 19450

السبت 20 أفريل 2024