مجتمع الذّكورة والعنف المباح

بقلم محمد أمقران عبدلي خبير في التنمية والمشاريع الإنسانية

«لا يمكن معالجة المجتمع المريض بالصمت. يجب الصراخ بأن المرض موجود»، علي عزت بيغوفيتش.
تعتبر ظاهرة العنف ضد المرأة من المواضيع التي لم تنل حظها من التناول بالقدر الوافي من الاهتمام في الدراسات المسحية في المجتمعات العربية، حيث تكون صفة الذكورة هي الطاغية على العلاقات الاجتماعية، وعلى مصادر النفوذ وحتى مصادر اتخاذ القرار.
ظاهرة العنف ضد المرأة، ظاهرة معقّدة في تركيبتها الاجتماعية، إذ تخفي في طياتها العديد من الظواهر والتراكمات السلبية داخل المجتمع، رغم أن المنظومات التشريعية تنص على مكانة المرأة في المجتمع وضرورة النهوض بقضيتها؛ التي تعتبر قضية مواطنة وقضية عدالة اجتماعية إلا أن الواقع عكس ذلك، ويشير إلى تنامي ظاهرة العنف ضد النساء ليصل في بعض الأحيان إلى «جرائم ضد النساء».
في الجزائر، نلاحظ أنّ ظاهرة العنف ضد المرأة تتعدى بكثير إطار التعنيف الأسري إثباتا وتكريسا للذكورة داخل المجتمع بحكم التغيرات والانحرافات، والانغماس في المادية؛ وهو ما يكرّس إلى حد بعيد ثالوث المال، الجنس والعنف.
ورغم أن تركيبة المجتمع القبلية تميل الى تمجيد الذكورة إلا أننا لو تتبعنا وبشيء من التحليل الاجتماعي والتاريخي نجد أن المرأة الجزائرية أثبتت وجودها ودورها الريادي سواء في مجتمع الريف أو مجتمع المدينة أو الحاضرة.
في تاريخ الجزائر شواهد ومعالم على هذا الدور الريادي، فيكفينا استحضار أسماء كفاطمة نسومر أو حسيبة بن بوعلي ورفيقاتهما للاستشهاد على تحدي المرأة الجزائرية وترويضها في فترات من التاريخ لذكورية المجتمع.
رغم هذا الدور والحضور إلا أن قضية المرأة في الجزائر تعتبر معيارا لقياس رعونة وذكورية المجتمع، ولنقل نفاق المجتمع إزاء الأنثى، لأن قيم الشهامة والمروءة والاعتزاز عند الجزائري تنم عن احترام وتقدير وحماية للمرأة، غير أن الواقع يثبت العكس.
الدور الاجتماعي المتنامي للمرأة لم يشفع لها أمام انتشار ثقافة النفاق الاجتماعي، وغياب إستراتيجية سياسية نضالية اجتماعية للنهوض بالقضية العادلة للمرأة الجزائرية، التي وللأسف انحدرت أكثر فأكثر وخاصة بتصاعد ظاهرة العنف ضد النساء، من عنف لفظي وجسدي داخل العائلة وفي المرفق العام، إلى جرائم اضطهاد وقتل، ليصل إلى ذروة العنف الوحشي المتمثل في جرائم كره النساء.
تكرّس موجة البربرية المتصاعدة اتجاه النساء وثقافة اللامبالاة المقنعة واللاعقاب وتواطؤ بعض من وسائل الإعلام، وانسياقها نحو تبرير العنف مرحلة الذروة في انتشار العنف الاجتماعي داخل المجتمع الجزائري.
إذا كان البعض يرى أن هذه الموجة العنفية تزامنت مع وباء «كورونا»، الحجر الصحي، انتشار الأرق الاجتماعي والإحباط النفسي لدى فئات واسعة من المجتمع الجزائري، فهذا لا يعدو أن يكون محاولة لتبرير اللامبرر.
إذا حاولنا القيام بعملية إسقاط على ظاهرة كره النساء في الجزائر من خلال قضية شيماء وغيرها من قضايا الاجرام ضد المرأة، نلاحظ درجة البهتان التي وصل إليها المجتمع، والتي هي محصلة الحرمان الجنسي «التحرش الجنسي اللفظي والجسدي بالفتيات والنساء في الشارع بلا عقاب ولا تنديد، وضعف عن إثبات المكانة الاجتماعية بالنسبة للذكور»، تسرّب مدرسي ونتائج ضعيفة في التحصيل العلمي للذكور مقارنة بالفتيات ونسب نجاح مرتفعة للفتيات مقارنة بالذكور في الامتحانات الرسمية، تواجد المرأة في مناصب شغل وفي منابر مهنية أكثر من الذكور، إضافة إلى تزايد الأعباء على المرأة في العمل وفي المنزل، وإظهارها لقدرة فريدة من نوعها على التأقلم وتحدي ضغوطات المجتمع الذكوري.
هي ضغوطات متستّرة تحت غطاء أخلاقي، ديني، اجتماعي وتقليدي، ولكن بطريقة خبثية تنم عن عطب عميق أصاب منظومة العلاقات الاجتماعية في الجزائر.

كره النساء ومأزق المقاربات الجندرية

إنّ محاولة الأخذ بالسياق الفكري للمقاربات الجندرية لفهم الواقع والسياق الجزائري، يجب أن يكون محاطا بفهم دقيق لوضعية ونضالات المرأة الجزائرية والمعايير التاريخية الاجتماعية النفسية والاقتصادية، والسياق ككل متكامل ومعقد من أجل إنصاف المرأة، وإحقاق الحق والتوجه نحو مقاربة العدالة الاجتماعية الكفيلة بتثمين دور المرأة في المجتمع الجزائري.
لقد أثبتت مقاربة المساواة محدوديتها، إذ أصبحت مقاربة شعارات سياسية وصالونات، ومحدوديتها تتجلى في أنها لا تأخذ بالأسباب الكلية للنهوض بقضية المرأة، والتي هي أسباب موضوعية «نضالية تاريخية اقتصادية ثقافية وسياسية»، فكل الإحصائيات والتحليلات الاجتماعية تدل على تقدم المرأة على الرجل في عدة ميادين وتمكنها من بسط وجودها، وبالتالي فمن الأجدر الأخذ بالأسباب الحقيقية للوصول الى النهايات المنطقية.
أمام هذا المشكلة فالتوجه نحو مقاربة مساواة حقيقية ستشكّل مرحلة فقط للوصول الى حالة التوازن المنطقي في علاقة المرأة بالرجل المتسلط وبالمؤسسة الذكورية وبـ «الجمهورية الذكورية».
إنّ حالة التوازن المنطقي ستكون وليدة مقاربة العدالة الاجتماعية التي تعتبر مقاربة إنصافيه وليست مقاربة مساواة فقط، لأنها تأخذ بالاعتبار التقدم الذي حققته المرأة الجزائرية على جميع الأصعدة.
وإجمالا يمكن القول أنّ مكنون مقاربة العدالة الاجتماعية هو أن يكون للمرأة دور ريادي في المجتمع يعكس نضالاتها ومعاناتها، بعيدا عن الاستغلال السياسوي وغوغاء النضالات المزعومة الواهية، لأنه آن الأوان لمواجهة جنون مجتمع منافق وترويض المارد.
—————الجريمة النكراء ضد شيماء وهي شابة في مقتبل العمر، فبعد الاعتداء عليها جنسيا قتلت بطريقة بربرية وأحرقت جثتها في محطة خدمات مهجورة. أدّى الاستغلال السياسوي وتغطية دنيئة من بعض وسائل الإعلام إلى امتعاض واستهجان وتنديد كبير لكن دون إجراءات ردعية، ممّا يدل على استفحال ظاهرة العنف ضد النساء وتحولها إلى ظاهرة كره النساء، وهي مرحلة متقدمة من مراحل العنف الاجتماعي.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19462

العدد 19462

الأحد 05 ماي 2024
العدد 19461

العدد 19461

الأحد 05 ماي 2024
العدد 19460

العدد 19460

السبت 04 ماي 2024
العدد 19459

العدد 19459

الأربعاء 01 ماي 2024