الباحثة سعـاد بوبحة تشرّح مفهوم “الذكاء الاصطناعـي”

الثـورة الصناعيــة الرابعـة.. مــن الخيـال العلمي إلى الواقـع المعيـش..

تقديم: توفيق العارف

أصدرت الباحثة سعاد بوبحة، من المركز الجامعي عبد الحفيط بوالصوف بميلة، مقالا فارها بالعدد الرابع من مجلة المال والأعمال، المحكمّة، ديسمبر المنصرم، وسمته بعنوان: “الذكاء الاصطناعي: تطبيقات وانعكاسات”، وقالت إنه يمثل “أهم مخرجات الثورة الصناعية الرابعة نظرا لتعدد استخداماته في العديد من المجالات الصناعية والاقتصادية والتقنية والتعليمية، بل ويتوقع له أن يفتح الباب لابتكارات لا حدود لها وأن يؤدي إلى مزيد من الثورات الصناعية بما يحدث تغييرا جذريا في حياة الإنسان..


استهدفت الورقة البحثية لسعاد بوبحة، تسليط الضوء على الذكاء الاصطناعي كأحد أبرز المجالات في العصر الحديث، وعملت على “إبراز أهم تطبيقاته وانعكاساته المختلفة”، متبعة في ذلك “المنهج الوصفي بقصد التعرف على المفاهيم المرتبطة بالذكاء الاصطناعي مع تحديد أهم آثاره، بالإضافة إلى المنهج التحليلي لتحليل أهم الانعكاسات الاقتصادية لتقنيات الذكاء الاصطناعي”.
البدايات..

بدأت الباحثة بتسليط الضوء على الواقع المعيش “في ظل انتقال العالم عبر مرحلة جديدة من التطور من خلال التغيرات المتسارعة التي تعصف بالأنظمة المالية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وقالت إن العالم “يقف على أعتاب ثورة صناعية رابعة، لا يقتصر أثرها على تغيير شكل الصناعات وطرق الإنتاج، بل يمتد إلى المنظور المعرفي للبشر تجاه المتطلبات الحياتية والانسانية بصورة عامة، مؤكدة أن “الذكاء الاصطناعي يمثل أهم مخرجات الثورة الصناعية الرابعة نظرا لتعدد استخداماته في المجالات العسكرية والصناعية والاقتصادية والتقنية والتطبيقات الطبية والتعليمية والخدمية، بل ويتوقع أن المرحلة المقبلة ستزداد فيها نسبة الاعتماد على الذكاء الاصطناعي خاصة مع التطورات المذهلة التي يشهدها هذا المجال والتفاعل الحاصل بين تكنولوجيا المعلومات وبحوث الدماغ المعاصرة”.
وأكدت الباحثة أن التطور التكنولوجي الهائل والمتسارع، وما يشهده العالم من تحولات في ظل الثورة الصناعية الرابعة، سيكون له أثره البالغ الذي يجعل من “الذكاء الصناعي محرك التقدم والنمو والازدهار خلال السنوات القليلة القادمة، حيث بإمكانه، مع ما سيتبع من ابتكارات، أن يؤسس لعالم جديد قد يبدو حاليا من دروب الخيال، رغم أن كل البوادر الحالية تؤكد على أن تأسيس هذا العالم قد بات قريبا.
وركّزت الباحثة سعاد بوبحة على تقديم أهم تطبيقات الذكاء الاصطناعي كتوجه حديث في ظل الثورة الصناعية الرابعة، موضحة أن هذه التطبيقات أصبحت محلّ اهتمام العديد من البحوث والدراسات، بقصد تسليط الضوء على المفاهيم الأساسية للذكاء الاصطناعي من خلال محاولة تحديد مفهومه ومعرفة خصائصه، وأيضا التعرف على أبرز تطبيقاته الحديثة باعتباره حقلا حديثا، نسبيا، يسعى إلى محاكاة الذكاء البشري، بالإضافة إلى تحديد أهم الانعكاسات الاقتصادية له.
الثورة الصناعية الرابعة: مفهوم تحديات وفرص..

لاحظت الباحثة أن الثورة الصناعية الرابعة جاءت لتطلق شرارة الجيل الرابع من العولمة، ولتفرض معها المزيد من المتغيرات الجديدة أمام دول العالم، وهذا ما يفرض تحديات جديدة، ويتيح فرصا غير مسبوقة، ما يقتضي الفهم الدقيق لكيفية التعامل مع المستحدث من التكنولوجيات، كما أنها تستدعى تكاتف الجهود من أجل تحقيق أقصى استفادة ممكنة.
وأضافت بوبحة أن الثورة الصناعية الرابعة تمثل أحد أهم التحولات التكنولوجيا حاليا على المستوى العالمي، لذا اختارت تناول المفهوم، بالإضافة إلى أهم خصائص هذه الثورة عن غيرها.
وقالت بوبحة إن الثورة الصناعية الرابعة (4.0Industrial Revolution ) وتعرف باختصار (IR(4 هي ظاهرة بدأت الإشارة إليها في السنوات الأخيرة، تشير إلى أننا بدأنا ندخل عصر الثورة الصناعية في طورها الرابع من حيث استخدامها للتقنية التي تدمج بين البيولوجي والتكنولوجي، والتي هي محصلة الثورات الصناعية السابقة ونتيجة لها، وهي التسمية التي أطلقها كلود شواب Klaus Schwab، المؤسس والرئيس التنفيذي للمنتدى الاقتصادي العالمي من خلال الورقة الأساسية للقمة الاقتصادية في دافوس بسويسرا عام 2016، ووضح فيها ما أسماه الثورة الصناعية الرابعة.
والثورة الصناعية الرابعة – تقول الباحثة - تشير إلى عملية الدمج بين العلوم الفيزيائية أو المادية بالأنظمة الرقمية والبيولوجية، في عمليات التصنيع عبر آلات يتم التحكم فيها إلكترونيا، وآلات ذكية متصلة بالإنترنت، مثل إنترنت الأشياء والطباعة ثلاثية الأبعاد والذكاء الاصطناعي والروبوتات وغيرها في شكل تطبيقات تداخلت في جميع مجالات الحياة والعمل، وتوصف بأنها  ظهور للأنظمة الفيزيائية السيبرانية، ولن يكون من الخطأ القول إن رمز التطور للموجة الرابعة قد تضمن قدرات جديدة تماما للأفراد والآلات.
وفي أعقاب ثلاث ثورات صناعية شهدها العالم منذ نهاية القرن الثامن عشر وحتى يومنا هذا – تقول سعاد بوبحة - يعيش عالمنا اليوم عصر الثورة الصناعية الرابعة التي تستند إلى ما حققته الثورة الصناعية الثالثة التي بدأت منذ منتصف القرن الماضي من إنجازات لاسيما فيما يتعلق بالتطور غير المسبوق لشبكات الاتصال وتقنيات المعلومات، وكما استخدمت الثورة الصناعية الأولى الماء والبخار لتحريك الآلات، واستخدمت الثورة الصناعية الثانية الكهرباء من أجل الانتاج واسع النطاق، وركزت الثورة الصناعية الثالثة على استخدام الإلكترونيات وتقنيات المعلومات لأتمتة الإنتاج، فإن الثورة الصناعية الرابعة – تواصل الباحثة - تتمحور حول مزج التقنيات التي تلغي الحدود الفاصلة بين كل ما هو فيزيائي ورقمي وبيولوجي في ظل بوتقة من التطورات التقنية المتسارعة التي امتدت تأثيراتها إلى عدد كبير من دول العالم في غضون العقد الحالي.
وتعتمد هذه الثورة الصناعية – حسب الباحثة - على اقتصاد الأتمتة، والأتمتة (Automation) مفهوم شامل يستهدف العمليات والأنظمة التصنيعية لتعمل بشكل ذاتي ومن دون تدخل مباشر للإنسان عبر استعمال البرمجة والتحكم المحوسب، وهو الأمر الذي سيجعل التكنولوجيا تحل محل الإنسان، أو تنوب عنه، في القيام بكثير من الأعمال بطريقة آلية منظمة، ومنه سيمتد الأمر بعد ذلك إلى القطاعات الإنتاجية والخدماتية، لذا يمكن القول إننا الآن في مرحلة جديدة حيث لا يقتصر اندماج العديد من التقنيات على أتمتة الإنتاج فحسب، بل يؤدي أيضا إلى أتمتة المعرفة خاصة مع تطوير قدرة الحاسوب على تخزين كميات هائلة من المعلومات، ما يعني أننا أمام “ثورة تجمع بين الأجهزة والبرمجيات والبيولوجيا وتعتمد على الروبوتات والذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا النانو وانترنت الأشياء وما إلى ذلك، حيث ستجعل كل ما حولنا من طرقات وأشياء وخدمات متصلة بالإنسان بواسطة تقنيات التواصل المعاصرة (السيارات المستقلة، الطباعة ثلاثية الأبعاد تقنية النانو التكنولوجيا الحيوية، علوم المواد، تخزين الطاقة والحوسبة الكمية...الخ). ولهذا سيشهد الانسان في المستقبل تحولات عميقة في جميع جوانب حياته من الصناعات التي تميزت بظهور نماذج أعمال جديدة، وتعطيل شاغلي الوظائف، وإعادة تشكيل أنظمة الإنتاج والاستهلاك والنقل، أيضا في الطريقة التي يعيش ويعمل ويتواصل بها ، وكذا إعادة تشكيل الحكومات والمؤسسات، هذا بالإضافة إلى ظهور أنظمة جديدة للتعليم والرعاية الصحية والنقل؛ ولهذا يقول كلاوس شواب إننا على مشارف ثورة تكنولوجية ستغير حياة الإنسان تغييرا جذريا، وستضعه أمام تحولات جديدة لا تشبه أي شيء عرفته البشرية من قبل، ولكن هناك شيئا واحدا واضحا وهو أن الاستجابة لهذه التحديات يجب أن تكون متكاملة وشاملة بحيث تشمل الجميع، وعلى الجميع العمل معا لفهم التغيرات الناشئة بشكل أفضل، وأن تكون هناك رؤية شاملة ومشتركة عالميا حول كيفية قيام التكنولوجيا بتغيير حياتنا وحياة أجيال المستقبل، وكيف تعيد تشكيل السياق الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والإنساني الذي نعيش فيه.
خصائص الثورة الصناعية الرابعة
إن الثورة الصناعية الرابعة التي يمر بها المجتمع الدولي جاءت بخصائص فريدة منذ انطلاقها في مطلع القرن الحادي والعشرين، وتتميز عن سابقاتها من الثورات بأبعاد ثلاث: السرعة ومستوى التعقيد، والتأثير الممتد والشامل لجميع نواحي الحياة، تعددية النظام، حيث يمكن لهذه الثورة إحداث تغيير جذري في العلاقات بين الدول والشركات والمجتمعات داخل كل منها وفيما بينها.
إضافة إلى ما سبق – تقول الباحثة سعاد بوبحة - يمكن إضافة الخصائص التالية:
-  أنها لن تأتي بخدمات جديدة فقط، بل ستعمل على تغيير النظم المعمول بها ككل.
- أن عملية التطور من خلالها تأتي في شكل طفرات هائلة للنمو وليس بصورة خطية.
- أنها تعتمد على الاستفادة من كل المنجزات الحضارية.
- تصاعد دور الإبداع والابتكار في عملية الإنتاج بصورة أكبر من رأس المال.
 فرص وتحديات الثورة الصناعية الرابعة
تحمل كل ثورة عرفتها الإنسانية في ذاتها فرصا وتحديات، والثورة الصناعية الرابعة هي بدورها تحمل في طياتها كثيرا من الفرص والتحديات ذكرت الباحثة منها ما يلي:
تحقيق معدلات نمو عالية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، مثل الثورات التي سبقتها، فإن الثورة الصناعية الرابعة لديها القدرة على رفع مستويات الدخل العالمي وتحسين نوعية الحياة للسكان في جميع أنحاء العالم، كما وفرت التكنولوجيا منتجات وخدمات جديدة تزيد من كفاءة ومتعة الفرد كطلب سيارة أجرة، أو حجز رحلة، أو شراء منتج، أو ممارسة لعبة يمكن الآن القيام بأي من هذه الأشياء عن بعد، كما أنه في المستقبل، سيؤدي الابتكار التكنولوجي أيضا إلى معجزة في جانب العرض، مع مكاسب طويلة الأجل في الكفاءة والإنتاجية بتحقيق إيرادات إضافية للاقتصاد من خلال:
- إحداث تحول رقمي لمجموعة المنتجات والخدمات الحالية، ايجاد نماذج أعمال جديدة، بروز منتجات وخدمات وحلول رقمية جديدة، تقديم بيانات وتحليلات كبيرة على شكل خدمات منتجات مصممة وفق الطلب، مع تعزيز الفرصة في كسب الأسواق من خلال الفهم الأعمق للعملاء من خلال تحليل البيانات، وهو ما يحقق أرباحا مرتفعة ويؤثر في زيادة حصة السوق من المنتجات الأساسية وتوظيف وابتكار سلاسل توريد متطورة في بيئة تجارية عالمية تدمج الشركات متعددة الجنسيات والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتحدث نقلة نوعية في مستقبل الإنتاج.
- تخفيض التكلفة وزيادة الكفاءة من خلال مراقبة الجودة في الوقت الحقيقي وتطبيقات إنتاج مرنة ومصممة للعملاء، واستخدام خوارزميات التنبؤ لتحسين الأداء، والتكامل الرأسي من خلال الاستشعار في نظام التنفيذ وتخطيط الإنتاج، والتكامل الأفقي بتتبع المنتجات وتعقبها لتحسين أداء المخزون واحداث تحول رقمي في العمليات، وأتممنها لاستخدام الموارد البشرية بطريقة أكثر ذكاء، والتخطيط الشامل في الوقت الحقيقي والتعاون باستخدام الحوسبة السحابية وزيادة حجم السوق.
تحديات الثورة الصناعية الرابعة
رغم فوائد الثورة الصناعية، إلا أن هناك مجموعة من التحديات سجلتها الباحثة، وذكرت منها  ما يلي:
- هيمنة الشركات الكبرى على الإنتاج الصناعي، والتهديد باختفاء كثير من الوظائف وفرص العمل بنسبة 50 بالمائة، وهو ما يفرض تحديا بانتشار البطالة، وبخاصة في الدول غير المستعدة لعملية التحول.
- تحدي مواجهة المجتمع عملية إعادة الهيكلة الاقتصادية والاجتماعية وتحمل تبعات ذلك التغيير على القيم الثقافية والاجتماعية أو على مستوى سلوك الدول والفاعلين من غير الدول. - مواجهة عدد من الحكومات معضلة التحول في ميزان القوى بين القطاعات الصناعية، والجهات الحكومية وغير الحكومية من جهة، والبلدان النامية والمتقدمة من جهة أخرى.

- احتمال توظيف مقدرات ومزايا تقنيات الثورة الصناعية الرابعة للعمل على القيام بأفعال غير مشروعة أو غير أخلاقية، والتي من شأنها الإضرار بالمجتمع أو بالقيم أو بالأفراد مثل تنامي الجريمة الإلكترونية والحروب السيبرانية، وانتهاك الخصوصية
- الحاجة إلى أطر ومناهج ونظم وتشريعات جديدة للتعامل معها مثل التعامل مع الجريمة التي يمكن أن تقع من الروبوتات أو الحوادث التي تسببها السيارات ذاتية القيادة، ومدى إمكانية منح الروبوت الشخصية القانونية، بالإضافة إلى الوضع القانوني للعملات الرقمية والتحديات الأخلاقية للهندسة الوراثية.
- يمكن أن تسفر الثورة الصناعية الرابعة عن قدر أكبر من عدم المساواة، لا سيما في إمكانية تعطيلها لأسواق العمل، نظرا لاحتمالية أن الأتمتة ستحل محل العمالة في الاقتصاد، إضافة إلى أن المورد الذي سيكون أكثر ندرة وأعلى قيمة في عصر تقوده التقنيات الرقمية لن يكون العمل العادي ولا رأس المال العادي؛ بل سيكون الأشخاص الذين لديهم أفكار وابتكارات جيدة، ولهذا ستمثل الموهبة عامل الانتاج الحاسم.
شيء من التاريخ..
أكدت الباحثة سعاد بوبحة أن الذكاء الاصطناعي ظهر في سنوات الخمسينيات، واستخدم هذا المصطلح للمرة الأولى خلال مؤتمر جامعة دارتمورث (Dartmouth) بشأن الذكاء الاصطناعي عام 1956 ومنذ ذلك الحين، نشر المبتكرون والباحثون 1.6 مليون منشور يتعلق بالذكاء الاصطناعي وأودعوا طلبات براءات لحوالي 340 ألف ابتكار، وترجع جذور البحوث الخاصة بالذكاء الاصطناعي إلى أربعينيات القرن الماضي، مع انتشار الحاسبات واستخدامها وتركز الاهتمام في بداية الخمسينيات على الشبكات العصبية، وفي الستينيات بدأ نشاط البحث يتوجه نحو النظم المبنية على تمثيل المعرفة والذي استمر العمل به خلال السبعينيات، ومع بداية الثمانينات حدثت طفرة كبيرة في بحوث الذكاء الاصطناعي..
يتبع

الحلقة الأولى

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19471

العدد 19471

الأربعاء 15 ماي 2024
العدد 19470

العدد 19470

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19469

العدد 19469

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19468

العدد 19468

الأحد 12 ماي 2024