النّص الأدبي الجزائري

من الصّناعـة الورقية إلى الوسائـط الإلكترونيــــة

غنية لوصيف المركز الجامعي – تمنغست

عرف النّص الأدبي الجزائري العديد من التغيرات التي تماشت مع الحياة البشرية في خضم تطور العلوم التكنولوجية الحديثة، حيث بات التحول نحو الإلكترونيات والتطبيقات الرقمية حاجة أساسية في عصر الحداثة وما بعد الحداثة، وبوصول فتوحات العصر الرقمي إلى حدود الأدب وعوالمه، انتقل النص الأدبي من شكله التقليدي المتمثل في الثقافة الورقية، إلى الحاسوب والوسائط الإعلامية والفضاءات الرقمية بشبكاتها الإلكترونية ومجالاتها الافتراضية، وهو ما أدّى إلى ظهور شكل أدبي جديد يقع اليوم تحت “الأدب الرقمي”، وعليه نلقي الضوء على ما تشهده ساحة الإبداع الجزائري من تطورات عدة في ظل هذه التقنيات الجديدة.


عرف النص الأدبي الجزائري كغيره من النصوص الأدبية الأخرى، العديد من التطورات والتغيرات التي تماشت مع الحياة البشرية في خضم تطور العلوم التكنولوجية الحديثة، حيث بات التحول نحو الإلكترونيات والتطبيقات الرقمية حاجة أساسية في عصر الحداثة وما بعد الحداثة، وبوصول فتوحات العصر الرقمي إلى حدود الأدب وعوالمه انتقل النص الأدبي من شكله التقليدي المتمثل في الثقافة الورقية والحروف الكتابية إلى الحاسوب والوسائط الإعلامية والفضاءات الرقمية بشبكاتها الإلكترونية ومجالاتها الافتراضية، وهو ما أدّى إلى ظهور شكل أدبي جديد اتخذ من تقنيات العصر حقلا للظهور والتطور، يقع اليوم تحت مسمى “الأدب الرقمي” أو “الأدب التفاعلي” أو “الأدب التكنولوجي” أو نظيراتها من التسميات.
الأدب وليد العصر ومرآة عاكسة لحياة الناس، ولهذا كان لابد خلال العقود الأخيرة من هذا القرن، بالتأثر طوعا أو كرها بمستجدّات عصر السرعة وما أفرزه من تغييرات في مشهد العالم، تغيّرت معه خارطة العلاقات بالأشياء والكائنات بالزمان والمكان، بالاقتصاد وبالإنتاج، بالمجتمع والسلطة بالذاكرة والهوية بالمعرفة والثقافة، ولهذا بات الحديث عن الواقع الرقمي والوسائط والأدوات الجديدة يتسع إلى حد أصبح التفكير في النهاية أو المصير الذي سينتهي إليه الإنسان بتقدّمه التكنولوجي، يشغل بال كثيرين.

النّص الأدبي الرّقمي

 قبل الولوج في مفهوم الأدب الرقمي تجدر بنا الإشارة إلى أنّ البحث في هذا المصطلح يتطلّب الكثير من التحليل والتفصيل، لأنّ الأمر يرجع بالدرجة الأولى إلى قضية الترجمة، وفوضى المصطلح التي تشهدها الساحة النقدية الراهنة، فتكفي إطلالة سريعة على ما هو مطروح من مصطلحات في مختلف الاجتهادات الفردية أو الجماعية على حد سواء لنقف أمام كم هائل من المصطلحات التي لا تزيد إلا من حيرتنا الأدب الرقمي، الأدب التفاعلي، الأدب الإلكتروني، الأدب المترابط، الأدب المتشعب الأدب العنكبوتي وغيرها، وهي كلّها تسميات مختلفة لمفهوم واحد، وهذا ما أكّدته “زهور كرام” في كتابها “الأدب الرقمي أسئلة ثقافية وتأمّلات “مفاهيمية” على أنه لم يتم الاتفاق بعد “على تعيين المصطلح الذي يحدّد النص التخييلي في الأدب الرقمي ليس فقط في التجربة العربية، ولكن أيضا في التجربتين الأمريكية والأوروبية (تفاعلي، مترابط، رقمي، إلكتروني معلوماتي تشعبي) وهي مرتبطة بتحديد كل نوع أدبي جديد والذي يصطدم بسؤال التعريف الاصطلاحي”، كما ترى أيضا أنّ الأدب الرقمي في الثّقافة العربية في حالة من التجاذب بين القبول والرفض، وهي حالة نقرأ مسألة من خلالها صراع الوعي الثقافي العربي الذي يعيش لحظة الانتقال من مستوى وسيطي لآخر، وهذا ما نتج عنه تعدّد واختلاف الترجمات لمصطلح Hypertext.

خصائص النّص الأدبي الرّقمي

يمتاز النّص الأدبي الرقمي بمجموعة من الخصائص، نذكر أهمها:
الكتابة الرّقمية: ويقصد بها تلك الكتابة التي تتخطى عالم الطباعة الورقية، أو عالم الشفوية المسموعة، نحو استخدام الحاسوب والأجهزة الرقمية كالانترنيت أو غيرها من الوسائل والأجهزة الإلكترونية، فالنص الرقمي هو كل نص ينشر إلكترونيا.
المرونة: كل نص رقمي قابل للتغيير والإضافة، وذلك نظرا للإمكانيات التي يتيحها الحاسوب من حذف وقطع ولصق وغيرها ممّا يمكن ويسمح بتعديل هذا النص.
الحركة: وهي صفة يتميز بها النص الرقمي عن غيره من الورقي “حيث تتحرك الشخصيات والعوالم الافتراضية داخل الكتابة الرقمية بفضل هندسة البرنامج، والتحكم عن بعد، وبفضل الانتقال من نافذة إلى أخرى عبر مجموعة من العقد والروابط المتفاعلة.
التّفاعل: يتّسم النص الرقمي بخاصية التفاعل، ونقصد بالتفاعل “علاقة المرسل بمتلقيه سواء كان ذلك المتلقي فردا أو جماعة، موجودا بالفعل أو بالقوة”، ويمكن أن يأخذ هذا التفاعل أشكالا متعددة كالتعليق على النص من خلال كتابة تعليقا على النص في المكان المخصص لذلك، أو من خلال المشاركة في بناء النص، حيث تسمح تقنية النص المتفرع بمشاركة القارئ في بناء النص بإضافة كلمات أو جمل أو بعض المقاطع.
عدم الاعتراف بالخطية: وذلك على أساس أنّ الكتابة الرقمية هي كتابة مرنة يمكن قراءتها ضمن أوضاع مختلفة، ذلك أن النص المترابط يتضمّن ثلاثة أبعاد لأنه غير خطي. إنّنا نجد في النص المترابط ما نجده في النص: فنحن نتقدّم في قراءته من اليمين إلى اليسار مثلا، ومن الفوق إلى التحت، وإلى جانب ذلك نجد أيضا: العمق، بحيث يمكن الانتقال بواسطة الروابط إلى ما لا يظهر أمام أعيننا وقت القراءة، وهذا الذي لا يظهر قد يكون في آخر الصفحة أو في صفحة أخرى أو في موقع آخر، دون أن يمس ذلك بدلالة النص.
المزج: يمزج النص الرقمي بين العديد من البرامج والمؤثرات التقنية في وقت واحد كالصوت والصورة والحركة واللون والموسيقى.
استخدام لغة الحاسوب: يحتوي النص الرقمي على مصطلحات مأخوذة من عالم الحاسوب مثل “انقر هنا”، “اضغط على الفأرة”، “إعادة تشغيل” وغيرها.
الطّابع الافتراضي: وذلك أنّ الكتابة الرقمية كتابة احتمالية وممكنة قائمة على الافتراض ومنطق الاحتمالات، وليست كتابة حقيقية ثابتة ومادية ملموسة، هذا ما يجعل العديد من الأشخاص يتعاملون مع هذا النص بشكل متزامن.

موضوعات النّص الأدبي الرّقمي

 يمكن للأدب بصفة عامة أن يكون صورة عن الواقع الاجتماعي بأبعاده النفسية والمادية والشعورية والفكرية بل قد يكون الأدب الضوء الذي يتم تسليطه على معاناة معينة، ويتم لفت نظر المجتمع لهذه المعاناة، وبالتالي إيجاد حلول جذرية لها، أي أن الأدب يمكن أن يكون مرآة لكل ما يدور في المجتمع، وبقدر جديته وتركيزه على القضايا الإنسانية يكون نجاحه بأن يتحول الجزء من الواقع الاجتماعي وليس مجرد انعكاس له، وهذه حال النص الأدبي الرقمي الذي أصبح يتماشى مع ما تفرضه التغيرات الاجتماعية، وأصبحت مهمة المبدع الرقمي هي الكشف عما يقبع خلف الواقع من مشاعر ورغبات وتطلعات، ومن أمثلة ذلك نقف عند تجربة شعرية منشورة على موقع ضفاف علوم اللغة العربية، حيث اتّفق مجموعة من الشعراء على كتابة قصيدة جماعية، وذلك بأن يقوم الشاعر الأول بكتابة شطر من الشعر ثم يأتي الشاعر الثاني ويكمل البيت ويكتب صدرا لبيت جديد، وهكذا حتى نهاية القصيدة.
وإذا عدنا إلى النص الأدبي الرقمي في الفترة الراهنة، نجده يعبّر وبكل صدق عن الحياة التي يعيشها الفرد، فكل أزمة أو محنة يمر بها المجتمع إلا وكان المبدع الرقمي مثله مثل المبدع الورقي حاضرا يتماشى مع الواقع المعيش، وخير دليل على ذلك نشر الكثير من المبدعين الرقميين نصوصا رقمية حول وباء “كورونا” الذي حيّر العالم، ومن هؤلاء الشاعر الجزائري عمار بن زايد، الذي نشر قصيدة عن الوباء عبر صفحته على فايسبوك.

عناصر النّص الأدبي الرّقمي

 تشير فاطمة البريكي في كتابها “الكتابة والتكنولوجيا” إلى أهم عنصرين يجب أن يتوفّرا في النصوص الأدبية الرقمية، هما أولا الأداة الفنية ونعني بها الموهبة الأدبية، ثانيا: الأداة التقنية والمقصود بها العناصر التكنولوجية التي تكسب النص صفة التفاعلية، بحيث تكون جزءا من بنية النص ومؤثرة على نحو أصيل في معناه الكلي، وتتمثل هذه العناصر في:
الكلمة: تعتبر الكلمة الأساس الذي يبنى عليه الأدب، حيث لا يمكن الاستغناء عنها، ويجب أن تكون ذات تأثير قوي وألاّ تحتاج إلى دعم بقية العناصر لها، لأن العناصر الأخرى لا على الصور الجاهزة، كما يمكنه التدخل في الصور بكتابة بعض الكلمات فيها وتغيير ألوانها.
الصّورة: وهنا يجب على المبدع الرقمي ابتكار صور جديدة خاصة بالنص، وعدم الاعتماد على الصور الجاهزة، كما يمكنه التدخل في الصور بكتابة بعض الكلمات فيها وتغيير ألوانها.
الصّوت: هو عنصر أساسي لا يمكن الاستغناء عنه، ويكون هذا الصوت عبارة عن موسيقى أو كلام أو صوت طبيعي أو مصحوب بالصدى وغيرها.
اللّون: ويجب أن يكون مناسبا مع مضمون النص، وقد يؤدي حجم الخط ولونه وتضليل الكلمات، إلى جعل القارئ أو المتصفّح في حالة انشغال دائم ليس فقط بالنص الظاهر أمامه على الشاشة بل ومعه أيضا.
الحركة والرّوابط التّشعّبية: وهي إحدى أوضح الوسائل التي تتيح للقارئ التفاعل مع النص، لأنّ القارئ يجد نفسه أمام عدة خيارات فيتوقف ليفكّر ويقرّر ثم يختار، وتكون هذه الروابط في متن النص وقد تكون خارجه أو حتى على هامشه، وتنقسم الروابط التشعبية إلى روابط مباشرة، ونعني بها تلك الروابط التي تتفرّع عن نص مقطع وتعود إليه، وروابط غير مباشرة تحدث نوعا من الحركة بفعل تنشيط الروابط، والانتقال مرة واحدة بين مجالات مختلفة.

عناصر الإبداع في النّص الأدبي الرّقمي

 إنّ إدراج الحاسوب كعنصر أساسي في العملية الإبداعية يعتبر شيئا جديدا ومختلفا يحيلنا إلى عمق التغيير، الذي طال عملية إنتاج العمل الأدبي في العصر الرقمي، ولهذا أصبح الحديث عن مكونات العملية الإبداعية في النص الرقمي يشمل عدة عناصر انطلاقا من الوسيط الرقمي أو الحاسوب، حيث تصنع “النصوص” في لحظة ظهورها على الشاشة، ومن ثمة يكون الحاسوب هو واسطتها الأساسية، لا يستطيع أي أحد على الإطلاق أن يصل إلى النصوص ما لم يتوافر على المعدات المعلوماتية والتكنولوجيا اللازمة، وعلى العكس لا يوجد هذا الأدب في مكان آخر، أيا كان خارج جهاز الحاسوب الذي لا يحتفظ بالحالات الختامية للأدب نفسه وإنما بمبادئه التأسيسية، ومن هذا المنطلق تبنى العملية الإبداعية الرقمية على ثلاثة عناصر هي:
القارئ الرّقمي
يعتبر القارئ الرقمي أبرز عنصر في العملية الإبداعية، فهو القادر على التفاعل مع النص، وإعادة إنتاجه من جديد، ولهذا وجب عليه أن يتقن آليات الثقافة الرقمية مثله مثل المبدع الرقمي، يقول سعيد يقطين إنّ “القارئ بات مع الوسيط الجديد قارتا ومشاهدا وسامعا وهو يتفاعل مع النص الأدبي الرقمي، هذا القارئ لا يكتفي بمعرفة القراءة، ولكنه يتوسّل بمعرفته بتقنيات الحاسوب الأساسية لحل المشاكل التي تعترضه في عملية التفاعل من النص الرقمي، حيث له حرية الدخول لعالم النص من طرق مختلفة، باعتباره مشاركا في عملية تحقق النص. ومن خلال هذا نكتشف أنّ هذا القارئ له وظائف أخرى غير فعل “القراءة” وهي “الكتابة” و«التفاعل”، ونقصد بوظيفة الكتابة ما كان يتعلق بالمبدع / الكاتب قبل الرقميات، أي الكتابة الإبداعية وهذا ينسجم مع فكرة تحول القارئ إلى كاتب”، وهي الفكرة التي أكّد عليها فيليب بوتز في حديثه عن الوظائف الجديدة للمتلقي الجديد، حيث انتهى إلى تعدّد الأدوار وتبادلها في آن واحد، بالنسبة للكاتب والقارئ معا، يجعلنا أمام ازدواج الوظيفة لدى كل منهما، إذ يصبح المؤلف في الوقت نفسه كاتبا، قارنا، ويغدو القارئ في اللحظة عينها قارئا كاتبا، أمّا وظيفة التفاعل فالمقصود بها ارتباطها بخاصية التشعيب، واستجابة المتلقي / القارئ لعملية تفعيل الرّوابط والتنقل بينها، وهذا ما يجعل النص الواحد متعدّدا بتعدّد قرّائه. وقد رصدت فاطمة البريكي مجموعة من التغيرات ناتجة عن تحول المتلقي من الورقي إلى الرقمي، وهي كما يلي:
تفرض على المتلقي الورقي مجموعة من الخيارات كالكتب والمجلات والرواية والقصة والقصيدة، أما المتلقي الرقمي فلا يفرض عليه شيء بل هو سيد نفسه، يدخل إلى شبكة الأنترنيت ويختار من النصوص الأدبية ما يشاء، وبالكيفية التي يشاء.
يكون الوقت بالنسبة للمتلقي الورقي خارجا عن سيطرته بينما هو ملك للمتلقي الرقمي وتحت تصرّفه، فكثير من الكتب أصبح متاحا ومتوفرا عبر شبكة أنترنيت، ولا يستغرق المبحر في فضائها عن إيجاد مبتغاه سوى زمن قصير، في حين أنّ على المتلقي الورقي انتظار كتاب أو رواية صدرت حديثا من بلد ما إلى البلد المتواجد فيه وقتا طويلا، ويمكن أن لا يصل إطلاقا.
يجد المتلقي الورقي صعوبة في الحصول على مراده أيا كان، حيث يحتاج البحث جهدا بدنيا واتصالات واستفسارا من دور النشر أو من المبدع، بينما يصل المتلقي الرقمي إلى غايته بمجرد تحريك الفأرة أو بالضغط على أزرار لوحة المفاتيح ليجد نفسه أمام عدد لا يحصى من الخيارات.
لا يمكن للمتلقي الورقي أن يتجاوز المسافات، ولكن المتلقي الرقمي يستطيع تجاوز المسافات في زمن قياسي وهو جالس على كرسيه.
ظلّ المتلقي الورقي مستهلكا للنص زمنا طويلا، وحينما حاول خلع رداء التلقي السلبي لم يجد سوى الفهم والنقد والتأويل، أما المتلقي الرقمي فتتعدّد أمامه طرق المشاركة، وتنفتح له أبواب التفاعل مع النص بأشكال قد تخطر ببال المبدع وقد لا تخطر.
يضطر المتلقّي الورقي إلى الالتزام بترتيب ثابت في قراءة النص، بينما المتلقي الرقمي يتحرّر من هذا الالتزام بما تمنحه إيّاه طبيعة النص الإلكتروني من حرية التجول في فضائه دون قيود.
يتبع / للمقال مراجع

الحلقة الأولى

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19472

العدد 19472

الجمعة 17 ماي 2024
العدد 19471

العدد 19471

الأربعاء 15 ماي 2024
العدد 19470

العدد 19470

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19469

العدد 19469

الثلاثاء 14 ماي 2024