رئيــــــــــس المجلـــــــــــس الوطنـــــــي لحقــــــــــــــوق الإنســـــــــــــان يكتــــــــــب عــــــــــبر “الشــــــــــــــعب”:

إضافـــــــات نوعيـــــــــة لصالــــــــح الصحافـــــة الوطنيــــــة.. ومكتسبــــــــــــــــــات تـــــــــــــــــــدعم الحقـــــــــــــــوق والحريـــــــات

البروفيسور عبد المجيد زعلاني رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان

 

  ذكــــــــــــــــــــــــرى تأسيــــــــــــــــــــــس جريــــــــــــــــــــــدة “الشعــــــــــــــــــــــب” تتقاطـــــــــــع مـــــــــــع ذكـــــــــــرى أحـــــــــــداث مهمـــــــــــة ببــــــــــــــــــــــلادنـــــــــــا

يتصادف تاريخ إحياء الذكرى 61 لتأسيس جريدة “الشعب” الغراء يوم 11 ديسمبر مع أكثر من ذكرى أحداث مهمة لبلادنا. فتاريخ هذه الذكرى يتقاطع مع يوم ذكرى مظاهرات 11 ديسمبر 1960، والتي هدفها حق الشعب الجزائري في تقرير مصيره، ونيل حريته واستقلاله، وليس بعيدا عن هذا اليوم يحتفل العالم بيوم اعتماد قرار الأمم المتحدة 14-15 الموافق لتاريخ 14 ديسمبر 1960، كما تحل علينا أيضا في تاريخ سابق بيوم واحد الذكرى الـ75 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهي مناسبة للوقوف على ما تحقّق في بلادنا من مكاسب لحقوق الإنسان. فالمناسبة حقوقية بامتياز، وتدعونا للوقوف قليلا عند الثورة الجزائرية وحقوق الإنسان، وموقف الجزائر من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها، ثم ننتقل للموضوع الذي اخترنا أن نقف عنده أكثر ألا وهو التشريعات ذات الصلة بالإعلام التي صدرت تطبيقا لجانب هام من الإصلاحات الدستورية التي تحققت في بلادنا في مجال حقوق الإنسان بموجب التعديل الدستوري لسنة 2020.


وللتذكير، فإنه وخلال أكثر من قرن وثلاثين سنة من الاستعمار الاستيطاني للجزائر، كان هذا الأخير يختصر مفهوم حقوق الإنسان في النفي التام لهذه الحقوق بالنسبة للجزائريين، حتى في حدّها الأدنى. ونظرا لهذا السلب المطلق لحريات الجزائريين إبان الحقبة الاستعمارية، فإن الشعب الجزائري - دون أيّ مبالغة - يمكن اعتباره شعبا تواقا للحرية التي تسري في دم أفراده كحق لصيق بشخصيتهم، رافضا بطبيعته لأي مظهر من مظاهر القمع، ومن أكثر الشعوب إدراكا لأهمية الحقوق والحريات، وقد دفع ثمنا باهظا وتضحيات بلا حدود في سبيلها، لاسترجاع الكرامة بكامل معناها؛ لذا فإنه من الصعب فهم الفلسفة التي تقوم عليها حقوق الإنسان في بلادنا، دون التوقّف عند هذه المرجعية التاريخية ذات التأثير البالغ على تصورنا لهذه الحقوق والحريات لغاية اليوم وربما لمستقبل بعيد، أحد الأدلة على ذلك، النص صراحة في ديباجة دستور 2020، على أن بيان أول نوفمبر 1954، هو المصدر المادي الأبدي لأحكام الدستور الجزائري، من حيث أنه هو الذي يحدد المبادئ والأسس التي يجب أن يبنى عليها النظام السياسي والدستوري في الجزائر.
الثـــــورة وحقــــوق الإنســــــــان..
 وكان بيان أول نوفمبر 1954، قد أعلن عن هذا التصور بوضوح، جامعا بين هدفه النبيل في تحقيق الحرية ونيل الاستقلال، والدفاع المستميت من أجلهما، وإن كلف ذلك النفس والنفيس؛ ولذلك لابد من الاعتراف بالأصالة الكبيرة التي طبعت هذا البيان والفقرات المتعددة التي كرسها لهذا الموضوع بالذات، فمن زاوية الحقوق والحريات، جاء هذا البيان المعلن للثورة المسلحة ضد الاستعمار، مشحونا بطابعه التحرري الإنساني، ببعديه الوطني والعالمي. فقد جاء في إحدى فقراته “أيها المناضلون من أجل القضية الوطنية” وبعد تحديد الهدف الذي هو الاستقلال الوطني وإقامة الدولة الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية ذات السيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية التي تحترم فيها جميع الحريات الأساسية دون تمييز عرقي أو ديني، أعلن مفجرو الثورة التحريرية الخالدة: “سنواصل الكفاح بجميع الوسائل حتى تحقيق هدفنا”.. وتضمّن البيان أيضا فقرة متميزة جدا في طيات سطورها وكلماتها التي لا تدع مجالا للشك ّفي روح الاحترام لحقوق الإنسان والحوار والتفاوض كبديل عن الحرب، وتدعونا للتأمل في عباراتها ذات الدلالة القوية على هذا التوجه.. “وفي الأخير، وتحاشيا للتأويلات الخاطئة وللتدليل على رغبتنا الحقيقة في السلم، وتحديدا للخسائر البشرية وإراقة الدماء، فقد أعددنا للسلطات الفرنسية وثيقة مشرفة للمناقشة، إذا كانت هذه السلطات تحدوها النية الطيبة، وتعترف نهائيا للشعوب التي تستعمرها بحقها في تقرير مصيرها بنفسها”.
لا شكّ أن التوجّه العام لهذا البيان، ورغم تحريره وتوزيعه ونشره مع بداية اندلاع ثورة نوفمبر 1954 العظيمة، ورغم تضمنه إرادة المناضلين الجزائريين الواضحة في مواصلة الكفاح حتى النصر النهائي، إلا أنه قد عبّر أيضا بوضوح عن إرادتهم الواضحة في عدم إراقة الدماء ما يعبر بشكل قاطع عن قداسة الحق في الحياة ويؤسس خيار الدولة الديمقراطية، وفكرة الحقوق الفردية والحريات.
ملاحظــات أساسيـــة لا بــد منها..
وقد لاحظنا من جهة أخرى، تضمن نفس الفقرة، وكبديل عن إراقة الدماء وإهدار الحق في الحياة، فكرة الحوار، وهي من الأفكار الأساسية التي تقوم عليها وتنادي بها مبادئ حقوق الإنسان في عالمنا المعاصر، وأبعد من ذلك، لاحظنا أيضا اشتراط محررو بيان أول نوفمبر على الدولة الاستعمارية أن “تعترف نهائيا لكل الشعوب التي تستعمرها بحقها في تقرير مصيرها بنفسها”. وحق تقرير المصير كما هو معروف، يعدّ من الحقوق العامة التي ميزت نضال الشعوب وخاصة الإفريقية خلال أكثر من قرن من الزمان، بل أصبحت جزءا لا يتجزأ من فلسفتهم في مجال حقوق الإنسان التي لا يمكن فهمها لدى الشعوب المستقلة حديثا إلّا مرتبطة بحقوق الشعوب؛ ولذلك فقد أعلنت هذا الحق صراحة الوثيقة الأساسية لحقوق الإنسان في إفريقيا، بل وأخذت عنوانها عنه، ونقصد الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب.
وعلى صعيد آخر، لاحظنا أن بيان أول نوفمبر قد أعلن صراحة، وهو يرسم المعالم الأولى لاستقلال الجزائر، عزم الثورة على إقامة دولة ديمقراطية اجتماعية في إطار المبادئ الإسلامية. وهكذا يتبين من فقرات هذا النص التأسيسي للثورة الجزائرية أن قادة الثورة وهم يعلنون عن ميلاد حركتهم التحررية، لم يترددوا في وضع لبنات الدولة ذات الاختيار الواضح من زاوية مقتضيات حقوق الإنسان والحريات، المتمثل في تبني الديمقراطية كأسلوب للحكم بعد الاستقلال.
وبطبيعة الحال، فإن النظام الديمقراطي هو نظام يرخّص للحقوق، والحريات الأساسية، والفردية، ويرعاها. ولابد من التذكير قبل اختتام هذه الفقرة الوجيزة عن نظرة ثورتنا التحريرية الكبرى لحقوق الإنسان وحرياته، أن من بين المبادئ التي قامت من أجلها الثورة والتي دافعت عنها باستماتة وبلا هوادة، الحرية والاستقلال التام والسيادة الكاملة والوحدة الترابية ووحدة الشعب والأمة والطابع الاجتماعي للدولة؛ أي المكانة المتميزة فيها للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وحق الشعوب المستعمرة في تقرير مصيرها؛ لهذا كان من المستحيل تجاوز هذه المرحلة التي مهدت لتبني جل المبادئ العامة لنظام حقوق الإنسان في الدساتير المتعاقبة للجزائر المستقلة، وهي المبادئ التي تتفق عموما مع تلك التي تضمنتها الآليات الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان. وربما يكون هذا الماضي من بين أسباب اعتمادها هذه الآليات، ومن بينها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وثيقة أساسيـــــــة في منظومــــــــــة الجزائـــــــر
كرّس دستور 1963 فقط 11 مادة منه لموضوع حقوق الإنسان تحت عنوان “الحقوق الأساسية” في المواد من 12 إلى 23 منه، والدافع لهذا الإيجاز في قائمة الحقوق والحريات، يبدو أنه راجع إلى تبني الدستور، قبل ذلك وبالذات في المادة 11 منه، صراحة، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وبمثل هذا المسعى الذي اتخذته الجزائر في وقت مبكر بعد استقلالها، تكون الجزائر قد رسمت بوضوح توجهها الحاسم نحو الشروع في اعتمادها للمنظومة العالمية لحقوق الإنسان، بطابعها الملزم. وبدورها، لم تغفل ديباجة الدستور المعدل سنة 2020، ذات القيمة الدستورية وفقا لحكم صريح في الدستور ذاته، التذكير بتمسّك الشعب الجزائري وطبعا، الدولة الجزائرية، بقوة، بما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكذلك الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، من خلال هذه الصيغة الشاملة لكل حقوق الإنسان: “يعبر الشعب الجزائري عن تمسّكه بحقوق الإنسان المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الجزائر”. وفضلا عن ذلك، وبما أن الحقوق والحريات الأساسية تعتبر أهم الركائز التي يقوم عليها النظام الديمقراطي، فالدستور وبعد أن أشار في الفقرة 14 من ديباجته إلى أنّ “الدّستور فوق الجميع، وهو القانون الأساسي الذي يضمن الحقوق والحرّيّات الفرديّة والجماعيّة، ويحمي مبدأ حرّيّة اختيار الشّعب، ويضفي المشروعية على ممارسة السّلطات، ويكرّس التداول الديمقراطي عن طريق انتخابات حرّة ونزيهة”، قد أقرّ أحكاما جديدة لم تكن موجودة في الدساتير السابقة، وأثرى منظومة الحقوق والحريات بشكل غير مسبوق، لاسيما من ناحية المبادئ، وهو ما يستجيب لنظرة استشرافية لمستقبل الإعلان العالمي وحقوق الإنسان بوجه عام، لولا ما يحدث الآن تحت أعيننا من تقهقر وانهيار للقيم الإنسانية من جراء الجرائم التي ترتكب ضد الشعب الفلسطيني بالمخالفة الكلية لمبادئ حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، في انتظار أن تستيقظ البشرية من سباتها، كيف نحتفل إذن بالذكرى الـ75 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان؟
أحكــــــــام دستوريــــــــــة تجديديـــــة
ويلاحظ أن التشريعات التي صدرت وما ينتظر صدوره منها، في إطار تطبيق الأحكام الدستورية الجديدة في مجال حقوق الإنسان تكتسي طابعا أصيلا، ومرجع ذلك أن الإصلاحات الدستورية التي تصدر تطبيقا لها، وفضلا عن عمق مضامينها، تميزت، أيضا، بالتجديد في نهج تناول حقوق الإنسان، وأيضا بتضمنها لأحكام جديدة تماما، خاصة بحقوق الإنسان. فهناك أحكام جديدة رامية لتوسيع مجالات حقوق الإنسان كالنص، مثلا، صراحة لأول مرة في الدستور على الحق في الحياة. وإلى جانبها، هناك أحكام جديدة أخرى رامية لتوسيع مبادئ وضمانات حقوق الإنسان، مثل، سمو القانون في مواجهة السلطات العمومية، ومنع تقييد الحقوق الأساسية والحريات العامة وضماناتها، وضمانة الأمن القانوني، والحق في الحصول على المعلومات، وتعزيز حقوق المتقاضين، وتعزيز التمييز الإيجابي في مجال حقوق المرأة. ولكن الحكم الأكثر أصالة وتجديدا وهو ذو صلة مباشرة بمجال الإعلام والصحافة، يجسده الانتقال من نظام الترخيص لنظام التصريح بالنسبة لممارسة عدد من الحقوق والحريات
 الأساسية مثل حق إنشاء الجمعيات، وإصدار النشريات. ويرجع ذلك إلى أن الترخيص المعمول به سابقا، كان يعتبر قيدا من القيود يحول دون ممارسة هذه الحريات، بما يحقق ما هو منتظر من هذه الممارسة خاصة حينما يتعلق الأمر بحرية التعبير. وبدون شكّ، يعتبر صدور قانون يجسد هذا الانتقال للتصريح، مساهمة مهمة وبقدر كبير في بناء منظومة حقوق الإنسان في صورتها الجديدة في ظل دستور 2020، ليكون ذلك علامة بداية التجسيد الحقيقي والكامل للإصلاح الدستوري لسنة 2020. وبالإضافة لهذا الطابع التجديدي للتشريعات، تعتبر هذه         
الأخيرة متميزة أيضا بأصالتها، كونها قد جاءت تنظم مجالات كانت تسودها في بعض جوانبها فوضى عارمة.
نظرة على التشريعات ذات الصلة بالإعلام كنماذج..تطبيقا لدستور 2020
تماشيا مع ما تضمنته المبادئ الدستورية والصكوك الدولية والإقليمية المكرسة للحق في حرية التعبير والإعلام، تمّ سن جملة من القوانين تطبيقا لأحكام التعديل الدستوري لسنة  2020، الذي منح في العديد من مواده ضمانة أكيدة للحريات لاسيما حرية الصحفي حيث جاءت المادة 54 بضمانات تكرّس حرية الصحافة، المكتوبة والسمعية البصرية والإلكترونية، مع حماية قانونية للصحفي باعتبار أنّه لا يمكن أن تخضع جنحة الصحافة لعقوبة سالبة للحرية، كما أنه لا يمكن توقيف نشـاط الصحـــف والنشريات والقنوات التلفزيونية والإذاعية والمواقع والصحف الإلكترونية إلاّ بمقتضى قرار قضائي. حيث جاءت هذه القوانين والمتمثلة في القانون العضوي رقم 23-14 المؤرخ في 10 صفر عام 1445 الموافق 17 غشت سنة 2023، المتعلق بالإعلام، والقانون رقم 23-19 المؤرخ في 18 جمادى الأولى عام 1445، الموافق 02 ديسمبر سنة 2023، المتعلق بالصحافة المكتوبة والصحافة الإلكترونية، وكذا القانون رقم 23-20 المؤرخ في 18 جمادى الأولى عام 1445، الموافق 02 ديسمبر سنة 2023، المتعلق بالنشاط السمعي البصري، قصد تكييف الممارسة الإعلامية مع نص المادة 54 من الدستور، كما أنّها تعدّ دعامة لمجال الإعلام وتعزيزا للحقوق والحريات الأساسية لاسيما حرية التعبير والصحافة، وتجسيدا لمبدأ حق المواطن في الحصول على المعلومة، وكذا حق الصحفي في تقديم المعلومة والوصول إلى “مصادر الأخبار” مع احترام الديانات وعدم نشر خطاب الكراهية، وسنحاول من خلال فيما يلي، إعطاء نظرة وجيزة عن هذه القوانين الجديدة خاصة من زاوية صلتها بمجال حقوق الإنسان.
تكريـــس حريـــة التعبـــير والإعــــلام
أقرّت المادتان 3 و23 من القانون العضوي المتعلّق بالإعلام والمادتان 3 و24 من القانون المتعلق بالصحافة المكتوبة والصحافة الإلكترونية وكذا المادة 2 من القانون المتعلّق بالنشاط السمعي البصري، ما جاء في أحكام المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية المتعلّقة من الحق في حرية التعبير، والملاحظ أن ذات المادة من العهد الدولي سابق الذكر أتاحت فرض قيود على حرية التعبير شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم، ولحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة.
الانتقـــــــــال مــــــــن نظــــــــــام الترخيـــــــص إلــــــــى نظــــــــــــام التصريـــــــــــح
في إطار مواءمة النصوص القانونية الناظمة لمجال الإعلام مع أحكام المادة 54 من الدستور التي أقّرت الحق في إنشاء الصحف والنشريات بمجرد التصريح بذلك، اعتمد القانون رقم 23-14 المتعلّق بالإعلام من خلال المادة 6 منه وكذا القانون رقم 23-19 المتعلق بالصحافة المكتوبة والصحافة الإلكترونية من خلال مادتيه 6 و28 نظام التصريح كإجراء بديل عن نظام الترخيص المعمول به سابقا، والملاحظ أنّ نظام التصريح الذي يقوم على التطبيق المبسط لإنشاء وسائل الإعلام بدلا من نظام الترخيص الذي يفتح المجال للتعسّف والبيروقراطية، يتلاءم مع روح نص المادة 19 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان وكذا المادة 19 من العهد الدولي لحقوق المدنية والسياسية الذي صادقت عليه الجزائر سنة 1989.
الحـــــق في الحصـــــول علـــى المعلومـــة
في إطار تجسيد مبدأ حرية الوصول للمعلومة الذي يندرج ضمن المبادئ الأساسية التي كرّستها الصكوك والمواثيق الدولية المتعلّقة بمجال حقوق الإنسان، نجد أن القانون العضوي رقم 23-14 المتعلّق بالإعلام من خلال المادة 32 منه قد ألزم الهيئات والمؤسسات العمومية على ضمان حق الصحافي في الوصول إلى المعلومة، في إطار احترام الدستور وأحكام هذا القانون العضوي والتشريع المعمول به، مع إدراج استثناءات على هذا الحق في بعض المجالات والتي تمّ النص عليها بموجب المادة 33 من ذات القانون العضوي، التي تتعلّق لاسيما مجال الأمن القومي والحياة الخاصة للغير وحقوقهم، حيث أنّ هذه الأخيرة لا تتعارض بوجه عام مع القيود التي أوردها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
ومن ناحية أخرى يلاحظ أن المادة 32 من القانون العضوي المتعلّق بالإعلام بالرغم من إلزامها للهيئات والمؤسسات العمومية، إلاّ أن هذا الحق يصطدم بواجب السّر المهني الذي تنصّ عليه الأنظمة الداخلية لهذه الهيئات والمؤسسات، حيث أنّه لا يؤهل في أغلب الأحيان المستخدمين البوح أو التصريح بمعلومات تخص المؤسسة إلا بترخيص من مسؤول الهيئة المستخدمة.
تكريس مبـدأ الملكيـة الفكريــة والأدبية
ومن أهمّ الحقوق التي تضمنّها القانون العضوي رقم 23-14 المتعلّق بالإعلام نجد حق الصحفي في الاستفادة من الملكية الأدبية والفنية على أعماله، والذي نصّت عليه الفقرة 2 من المادة 29، وهنا يمكن القول أن تكريس مبدأ حماية الملكية الفكرية والأدبية والفنية في النشاط الإعلامي، يعزّز حقوق الصحفي والحماية القانونية لأعماله من أي تجاوزات يمكن أن تمسّها، ولتأكيد هذه الحماية أقّرت الفقرة الأولى من المادة 29 من ذات القانون العضوي على خضوع نشر أو بث أي عمل صحفي واستغلاله في صيغته الأصلية، من قبل أي وسيلة إعلام أخرى للموافقة المسبقة من صاحبه.
تكريـــــــس إلزاميـــــــــة التكويــــــــن
ولتمكين المواطن من حقه في إعلام حر ونزيه، فقد أولى القانون العضوي رقم 23-14 المتعلّق بالإعلام أهمية كبيرة لمسألة التكوين المستمر للإعلاميين من خلال نص المادة 31 منه على إلزام الهيئة المستخدمة ضمان عملية التكوين المتواصل وتحسين المستوى وتجديد المعارف للصحفيين ولمهنيي وسائل الإعلام، وأن تثبت سنويا هذه العملية أمام سلطة ضبط الصحافة المكتوبة والصحافة الإلكترونية أو السلطة الوطنية المستقلة لضبط السمعي البصري حسب طبيعة النشاط. وفي نفس السياق جات المادة 65 من القانون رقم 23-20 المتعلّق بالنشاط السمعي البصري لتؤّكد على أهمية التكوين من خلال  نصّها على مساهمة الدولة في رفع المستوى المهني للعاملين في النشاط السمعي البصري، عن طريق وضع برامج تكوينية وتجديد المعارف وتشجيع ترقية الإبداع والإنتاج السمعي البصري الوطني.
تكريس الحماية القانونية للصحفي
لقد منح القانون العضوي المتعلّق بالإعلام الجديد من خلال المادة 25 منه، للصحفي الحق في التمتع بالحماية القانونية من كلّ أشكال العنف، أو السب أو الإهانة أو التهديد أثناء وبمناسبة ممارسة مهنته، وهو ما يعبّر عن إرادة حقيقية للوصول إلى ممارسة النشاط الإعلامي باحترافية وضمن قواعد تضمن كرامة الصحفي.
إنشاء هيئات لضبط النشاط الإعلامي
قصد ضبط النشاط الإعلامي استحدث القانون العضوي رقم 23-14 المتعلّق بالإعلام هيئات جديدة تهدف لضبط ممارسة النشاط الإعلامي والمتمثلة في سلطة ضبط الصحافة المكتوبة والإلكترونية المنصوص عليها بموجب 13 منه والتي تمّ تحديد مهامها وكذا تشكيلتها وسيرها ضمن الفصل الرابع من القانون رقم 23-19 المتعلق بالصحافة المكتوبة والصحافة الإلكتروني، والسلطة الوطنية المستقلة لضبط السمعي البصري المنصوص عليها بموجب المادة 14 من القانون العضوي المتعلّق بالإعلام والتي تمّ تحديد مهامها وصلاحياتها وتشكيلتها وسيرها ضمن الباب الرابع من القانون رقم 23-20 المتعلق القانون المتعلق بالنشاط السمعي البصري، والملاحظ أن القانون العضوي المتعلّق بالإعلام قد أضفى طابع الاستقلالية على هاتين السلطتين لتكونا أكثر نجاعة، فمبدأ الاستقلالية يعطي روحا قانونية وسلطة تسمح لهذين الجهازين بالحرية في اتخاذ قراراتهما بما يمليه الدستور والقوانين والأخلاق والأعراف المتعلّقة بمجال حرية التعبير والصحافة.
تكريس آداب وأخلاقيات مهنة الصحفي وإنشاء مجلس أعلى لآداب وأخلاقيات مهنة الصحفي
تطبيقا للمبادئ المقرّرة في الإصلاح الدستوري سنة 202 في مجال الإعلام، وضمانا للحقوق والحريات المعترف بها في الصكوك والمواثيق الدولية، جاء القانون العضوي رقم 23-14 المتعلّق بالإعلام لينظّم النشاط الإعلامي دون المساس بحريته، من خلال وضع تراتيب تكرّس أداب وأخلاقيات يلتزم بها الصحفي أثناء أو بمناسبة تأدية نشاطه المهني، حيث يفرض عليه الاحترام الصارم لقواعد آداب وأخلاقيات المهنة المنصوص عليها في ميثاق آداب وأخلاقيات مهنة الصحفي. وما يعتبر إضافة نوعية من منظور حقوق الإنسان هو استحداث مجلس أعلى لآداب وأخلاقيات مهنة الصحفي بموجب المادة 34 من القانون العضوي سابق الذكر، وهو المجلس الذي سيعزّز مهام سلطة ضبط الصحافة المكتوبة والصحافة الإلكترونية، وأيضا السلطة الوطنية المستقلة للسمعي البصري. ويعتبر هذا المجلس الجهاز الرقابي على نشاطات الصحفي في إطار اختصاصاته المحدّدة في القانون، حيث يـعـرض كـل خـرق لـقـواعـد آداب وأخـلاقـيـات مـهـنـة الصـحـفـي، مرتكبيه إلى عقوبات تأديبية يحددها ويأمر بها المجلس الأعلى لآداب وأخلاقيات مهنة الصحفي. والملاحظ في هذا الصدد وضمانا لحرية ممارسة النشاط الاعلامي واستقلاليته، فقد منح المشرّع للمجلس سلطة تحديد طبيعة العقوبات التأديبية وكيفيات التظلم بشأنها. وبالنظر إلى تشكيلة المجلس الأعلى لآداب وأخلاقيات مهنة الصحفي التي تضم اثني عشر (12) عضوا على النحو التالي: ستة أعضاء يعيّنهم رئيس الجمهورية من بين الكفاءات والشخصيات والباحثين ذوي خبرة في المجال الصحفي، ستة أعضاء ينتخبون من بين الصحفيين والناشرين المنخرطين في المنظمات المهنية الوطنية المعتمدة. ويلاحظ اعتماد مبدأ المناصفة بين التعيين والانتخاب، وهو ما يشير إلى أنّ المشرع حرص على رفع مستوى البحث العلمي والتخصص والكفاءة في ميدان الإعلام والصحافة. في المقابل يتكفّل المجلس الأعلى لآداب وأخلاقيات مهنة الصحفي بإعداد ميثاق آداب وأخلاقيات المهنة والمصادقة عليه، حيث يعد الميثاق مؤشرا من مؤشرات إرادة الدولة في ضبط الآداب وأخلاقيات مهنة الصحفي، ويعتبر بمثابة المرجعية الوطنية التي يلتزم بها الصحفيون في ممارسة مهنة الصحافة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19462

العدد 19462

الأحد 05 ماي 2024
العدد 19461

العدد 19461

الأحد 05 ماي 2024
العدد 19460

العدد 19460

السبت 04 ماي 2024
العدد 19459

العدد 19459

الأربعاء 01 ماي 2024