التشريع كآلية لتغيير الألقاب المشينة

هل للبرلمان دور في تعزيز الهوية الوطنية؟

قلم الأستاذ خالد شبلي أستاذ بمخبر القانون، العمران والمحيط

 

 

 

 

المطلب الثاني:
ضرورة سنّ نص تشريعي جديد لتغيير الألقاب المشينة
نحاول استقراء أهم ما جاء في منطوق المادة 56 من الأمر رقم 70-20 والمتعلق بالحالة المدنية، من أجل الإجابة عن إشكالية مهمة تتمحور حول: هل نحن بحاجة لنص تشريعي جديد لتغيير الألقاب المشينة؟

الفرع الأول: قراءة في أحكام المادة 56 من الأمر رقم 70-20 والمتعلق بالحالة المدنية

بالرجوع إلى نصّ المادّة 56 من الأمر رقم 70-20 المؤرخ في 19 فبراير 1970، والمتعلق بالحالة المدنية، المعدل والمتمم، والتي تنصّ على أنّ: «كل شخص يتذرع بسبب معين لتغيير لقبه يمكن أن يرخص له بذلك ضمن الشروط التي تحدد بموجب مرسوم».
يتضح من منطوق هذه المادّة أن المشرع الجزائري منح لكل شخص يتذرع بسبب معين؛ الحق في المطالبة بتغيير لقبه، وفق الشروط التي يحددها التنظيم، مع إبقاء على السلطة التقديرية في التغيير للسلطة المكلفة بالحالة المدنية.
تستقرا من نصّ هذه المادة أن المشرع الجزائري أحال على التنظيم تحديد شروط تطبيق حكم المادة، ووفقًا لهذا المرسوم، فإنه يمكن أن نستخلص أن طلب تغيير اللقب إذا كان معيبًا.
إن الإشكال الذي يطرحه البعض هنا، بأن المادة نصّت على الإمكانية، وليس إلزامية الحكم، كما أن المادة أشارت إلى «ترخيص»، وصاحب الرخصة له سلطة تقديرية بالموافقة أو الرفض، لذا يستوجب إعادة النظر في حكم هذا المادة، وذلك بجعلها إلزامية، والإلزامية هنا لها معاني عدة.

الفرع الثاني: مقترحات في سبيل القضاء على جريمة الألقاب المشينة بالجزائر

هناك جملة من الإشكالات القانونية نظريًا، وعراقيل عملية، يستوجب العمل على تفاديها من أجل تفعيل حكم المادة 56 من الأمر رقم 70-20 والمتعلق بالحالة المدنية، وفي هذا الاطار نقترح، ما يلي:
أ -إلزامية التغيير: وذلك بسن تشريع جديد، أو تعديل لحكم المادة 56 من الأمر رقم 70-20 المؤرخ في 19 فبراير 1970، والمتعلق بالحالة المدنية المعدل والمتمم، والمذكورة أعلاه، وبذلك بالتنصيص صراحةً على إلزامية إعادة تغيير جميع الألقاب المشينة أو لها دلالات معيبة، والتي تعود إلى الحقبة الاستدمارية الفرنسية بالجزائر، وهذا الأمر ، يتطلب:
إقرار تزامن النّص القانوني مع إجراءات عملية أكثر منها قانونية بحتة، ومن أهمها؛ القيام بعملية جرد هذه الألقاب، خاصةً، أنه حاليًا، تمّ رقمنة جميع شهادات الميلاد في أجهزة الحاسوب، ضمن بنوك معلومات على مستوى مختلف بلديات ودوائر الجمهورية، مما يسهل هذه العملية أي عملية الجرد، ولكن من يقوم بهذه العملية؟ خاصة أن الجزائر تزخ بلهجات محلية متعدّدة بتعدد مناطق الوطن الشاسع، هنا الحل يكمن في إنشاء لجنة وطنية تنسق عمل اللجان محلية بكل منطقة.
القيام، مسبقًا، بعميلة توعوية لأفراد المجتمع، لتوضيح الفائدة من هذا الإجراء، خاصةً، أن «اللقب»، حق لكل فرد جزائري، وتراث وميراث عائلي ذو بعد ثقافي، وأصل معرفي تراكمي له في نفسية حامله طابع القدسية أو الانتماء وعنوان للهوية الشخصية للفرد والأسرة ومن ثم القبيلة والمجتمع. ولكي لا تساهم هذه العملية في تقسيم أو تشتيت أفراد الأسرة الواحدة، كما فعلت فرنسا الاستدمارية، سابقًا.
ب - إلزامية الترخيص: وذلك من خلال النّص صراحة على وجوب السماح بتغير اللقب لجميع من تتوفر فيه الشروط اللازمة لذلك، وهذا التنصيص أو الإلزامية يكون في النص التشريعي، بدل النص التنظيمي، لأهميته.
ج - النظر في إشكالية الآجال والمدة اللازمة، للرد على طلبات تغيير الألقاب، خاصةً، إذا علمنا بأن تغيير اللقب يصدر بموجب مرسوم رئاسي، وأنه يستغرق آجال طويلة في الغالب، لذا يجب تحدّد مدة معية قانونًا، للرد بدقة.

المبحث الثاني:
 دور البرلمان في تعزيز الهوية الوطنيّة
يعالج دور البرلمان في مجال القضاء على جريمة الألقاب المشينة في الجزائر، وذلك من خلال بيان دوره الايجابي المنوط به، في هذا الصدد، ومما يشكل دعامة رئيسية في مجال تعزيز الهوية الوطنية.
المطلب الأول:
الإطار الدّستوري لعمل البرلمان في مجال القضاء على جريمة الألقاب المشينة

يعد الدستور الإطار القانوني الأسمى داخل الدولة والذي من خلاله يتم تحديد تنظيم وصلاحيات السلطات، نتطرّق إلى واجب البرلمان وفقا لمنطوق المادة 100 من الدستور، ومن ثم نحاول عن الإشكالية القانونية، والتي مفادها: هل القضاء على جريمة الألقاب المشينة من اختصاصات الدستورية للبرلمان الجزائري؟

الفرع الأول: واجب البرلمان وفقًا لمنطوق المادة 100 من الدستور الجزائري
جاء في المادة 100 من الدّستور الجزائري: «واجب البرلمان، في إطار اختصاصاته الدستورية، أن يبقى وفيا لثقة الشعب، ويظلّ يتحسس تطلعاته».
استقراءً لنص هذه المادة، يقع على عاتق البرلمان واجب، السهر على الوفاء بثقة الشعب وتحسس تطلعاته، والدفاع عنها، ومن أهم هذه الالتزامات العمل على حماية وتعزيز الهوية الوطنية، فالألقاب المشينة لا تؤثر فقط على حامل اللقب، ولا أسرته، بل على جميع الجزائريين.

الفرع الثاني: هل القضاء على جريمة الألقاب المشينة من الاختصاصات الدستورية للبرلمان الجزائري؟
يتبادر إلى الذهن بداية، التساؤل هل القضاء على أي جريمة من صلاحيات أجهزة العدالة وتطبيق القانون أو من اختصاص السلطة التشريعية؟ وهل هناك نصّ قانوني يجرم حقيقةً هذه الجريمة؟
يجب توضيح أن مفهوم الجريمة هنا، يختلف عن مفهومه القانوني، والمتداول في القوانين الجنائية أو الجزائية، إن المدلول اللغوي للمصطلح يرمي إلي بيان مفاده بأن التجريم، وبكل ما للكلمة من معنى، يجاوز الطرح القانوني الجامد المبني على فكرة وجوب توفر الركن الشرعي للجريمة، فلا يمكن أن نتصور بأن الاحتلال والذي يقوم بأعمال النهب والقتل غير المبرر، والتي تتنافى مع قوانين وأعراف الحرب، يقوم في تلك الفترة بتجريمه تصرفاته هذه بحق الهوية الوطنية!.؟
ولذلك يستوجب على البرلمان صاحب السلطة الأصلية في التشريع أن يسن قانون يجرّم هذه الجريمة بشكل واضح، ويضع حلول ناجعة لها، ومن ثم تقوم مؤسسات إنفاذ القانون ممثلة في أجهزة العدالة والقضاء بتطبيق هذه النّصوص، وبذلك تستوفي هذه الجريمة لركنها الشرعي، الذي غيبه الاحتلال الفرنسي، هذا من الناحية الجزائية، ومن الناحية المدنية يجب البيان بأنّ صلاحية إقرار القواعد العامة الناظمة للحالة المدنية من الاختصاصات المنوط بها للسلطة التشريعية بموجب المادة 122 من الدستور، وذلك عن طريق سن قانون عادي.

المطلب الثاني:
الأدوات والآليات الدّستوريّة المتاحة للبرلمان للقضاء على جريمة الألقاب المشينة
    منح المؤسس الدّستوريّ الجزائريّ للبرلمان، على غرار الأنظمة المقارنة، صلاحيات واختصاصات عدة، وأدوات وآليات دستورية متعددة، من أجل القيام بواجبه ومهامه، التي من أجلها تم انتخاب أعضائه أو تعينهم، على اعتبار أن البرلمان مظهر من مظاهر الديمقراطية المؤسساتية في أي بلد، فما هي الآليات الممنوحة، والتي من خلالها يمكن للبرلمان أن يساهم في عملية القضاء على جريمة الألقاب المشينة بالجزائر؟
الفرع الأول: صلاحية التشريع في مجال القواعد العامة المتعلقة بالحالة المدنية
تنص المادة 122 من الدستور: «يشرع البرلمان في الميادين التي يخصصها له الدستور، وكذلك في المجالات الآتية:
1 - حقوق الأشخاص وواجباتهم الأساسية، لاسيما نظام الحريات العمومية، وحماية الحريات الفردية، وواجبات المواطنين،
2 - القواعد العامة المتعلقة بقانون الأحوال الشخصية، وحق الأسرة، لا سيما الزواج، والطلاق، والبنوة، والأهلية، والتركات،
٣ - ..................
وقد صدر أمر رئاسي في مرحلة السبعينات، يتضمن قانون الحالة المدنية، ونظرًا للطابع المؤسساتي والنظام الدستوري الخاص في تلك المرحلة، جاء هذا القانون في شكل أمرية، أما حاليا فيستحسن إعادة النظر، في مضمون هذه المواد، وفقًا للمستجدات والتطورات التي يعرفها المجتمع الجزائري، وذلك بمبادرة من الوزير الأوّل أو بإقتراح من 20 نائب من المجلس الشعبي الوطني، وفقًا للمادة 119 من الدستور الجزائري.

الفرع الثاني: الرقابة البرلمانية على مدى تطبيق التشريع ونفاذه
    نظرًا للطابع الإجرائي، الذي يستلزمه معالجة إشكالية الألقاب المشينة في الجزائر، ومن أجل تفعيل النصوص التشريعية، فيتم في هذه الحالة التنصيص على المراسيم التنفيذية، وكما تنص الفقرة الثانية من المادة 125 من الدستور الجزائري: «يندرج تطبيق القوانين في المجال التنظيمي الذي يعود للوزير الأول».
 إنّ الإحالة على المراسيم التنفيذية، تستوجب على أعضاء البرلمان أن يقوموا بتفعيل آليات الرقابة البرلمانية في هذا المجال والمنصوص عليها في الدستور، لاسيما، ما جاء في المادتين 133، 134، أي آلية الاستجواب وآلية السؤال الشفوي أو الكتابي، كما يمكن لأعضاء البرلمان، تشكيل لجان التحقيق، حول هذا الموضوع، إذا لم تقم الحكومة باتخاذ الإجراءات اللازمة بهذا الخصوص.

الخـــــــاتمـة:
قامت السلطة الفرنسية المحتلة بإجبار الجزائريين على تبني نظام الألقاب الفرنسي، بهدف فصل الجزائري عن أرضه ومنطقته، وموروثه الثقافي والروحي، وهي نفس السياسة اتبعتها في مختلف مستعمراتها، بهدف طمس الهوية الوطنية الإسلامية، وهي بذلك تصنف بأنها من أخطر وأبشع أنواع الاستدمار الحديث، وهذه الجريمة تضاف إلى قائمة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها فرنسا في حق الشعب الجزائري، والتي لا تسقط بالتقادم.
إنّ القضاء على جريمة الألقاب المشينة، يستوجب مشاركة الجميع، وخاصةً ممثلي الشعب في البرلمان لتحيين المنظومة القانونية الجزائرية، وذلك بالعمل على تشجيع المواطنين على تغيير ألقابهم التي تحمل وصف «لقب معيب» أو «لقب قبيح»، وذلك بتسهيل وتبسيط الإجراءات المعمول بها في هذا المجال، وتحديد آجال الرّد بدقة، كما نقترح إحداث لجنة وطنية تنسق عمل اللجان المحلية، تتكفل بذلك على غرار التجارب المقارنة مثل التجربة المغربية في هذا المجال، مرحليًا، وفيما بعد العمل تدريجيًا على العودة إلى نظام الألقاب الجزائري المستمد من الشريعة الإسلامية السمحاء، والذي كان معمول به قبل دخول الاحتلال الفرنسي للجزائر.
كما أنّه، آنيًا، لا يستساغ، كما يذهب البعض إلى وضع أو سنّ تشريع يلزم الجزائريين بإجبارية التغيير، بل يجب التوعية والتدرج في القضاء على هذه الجريمة، أولاً، ذلك أن اللقب العائلي هو حق للمواطن، حق ذو طابع خاص، وعليه، يجب العمل على القضاء على البيروقراطية بمفهومها السلبي التي قد تطغى، على عملية استبدال الألقاب المشينة التي تستغرق أحيانا سنوات عدة، والتي تدفع العديد من العائلات الجزائرية إلى عدم تغيير هذه الألقاب بسبب التفكير النمطي، وتماطل الجهات الوصية في الاستجابة لطلباتهم.

(١) - أنظر، على سبيل الذكر، الأبحاث والدراسات التي طرحت ضمن فعاليات الملتقى الوطني الموسوم بـ: «الاحتلال الفرنسي للجزائر وجريمة الألقاب المشينة»، يومي 21-22 ديسمبر 2013، سكيكدة. الجزائر.
( ٢) - تنص المادة 100 من الدّستور الجزائري: «واجب البرلمان، في إطار اختصاصاته الدستورية، أن يبقى وفيا لثقة الشعب، ويظل يتحسس تطلعاته».
«انتهى»

الحلقـة (2) والأخيرة

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19448

العدد 19448

الأربعاء 17 أفريل 2024
العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024
العدد 19445

العدد 19445

الأحد 14 أفريل 2024