الشاهد الأكبر على مجريات النزاع دون حصانة

حماية الصحفيين أثناء النزاعات المسلحة.. الأبعاد والتطلعات

بقلم: الدكتور خالد حساني أستاذ باحث في القانون العام عضو مخبر القانون الدستوري والحكم الراشد

عرف العالم منذ نهاية الحرب الباردة انتشار العديد من النزاعات المسلحة وإن كانت في مجملها تختلف عن النزاعات التي عرفها العالم قبل هذه الفترة، إذ تحوّلت هذه النزاعات من نزاعات فيما بين الدول conflits internationaux إلى نزاعات داخل الدول Conflits internes، وقد عرفت هذه النزاعات في عدة حالات انتهاك حقوق المدنيين والمساس بهم ومن بين الفئات التي أصبحت محلّ استهداف نجد الصحفيين.

تعتبر فئة الصحفيين من أكثر الفئات التي تتعرض لمختلف الأخطار خلال النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية، فقد شهد النزاع في العراق مثلا عام 2003 مقتل 42 صحافيا، كما نشير أيضا إلى الاستهداف المتعمد للصحفيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكذلك قصف مبنى الإذاعة والتلفزيون الصربي (RTS) في بلغراد من قبل قوات حلف شمال الأطلسي عام 1999، وقصف قوات الولايات المتحدة الأمريكية لمكاتب شبكة الجزيرة التلفزيونية في كابول عام 2001، وفي بغداد عام 2003.
وبالرغم من أن الصحفيين هم الشاهد الأكبر على مجريات النزاع؛ إلا قواعد القانون الدولي الإنساني، لم تضع نظاما خاصا بالنسبة للصحفيين بل أحالت حكم الصحفي إلى وضع المدني بما يتمتع به من حصانات وما يترتب عليه من التزامات، لذا فإن هذه الوضعية القانونية للصحفيين طرحت إشكالية مدى فعالية قواعد القانون الدولي الإنساني في حماية الصحفيين، وهو ما سنحاول الإجابة عنه من خلال هذه الورقة في صفحة «مساهمات».
المحور الأول
في مفهوم القانون الدولي الإنساني وعلاقته بالقانون الدولي لحقوق الإنسان
يمكن القول، إن القانون الدولي الإنساني فرع من فروع القانون الدولي العام تهدف قواعده العرفية والمكتوبة إلى حماية الأشخاص المتضررين في حالة نزاع مسلح بما انجر عن ذلك النزاع من ألام، كما تهدف إلى حمايـة الأمـوال التي ليس لها علاقة مباشرة بالعمليات العسكرية، وقد عرف القانون الدولي الإنساني تطورا كبيرا بعد تقنين قواعده من خلال فرعيه؛ الأول والذي يتضمن القواعد التي تتعلّق بإدارة الحروب وتحديد الوسائل الحربية والأسلحة التي يمكن استخدامها في هذه الحروب ومحاولة التخفيف من آثارها، بحيث لا تتجاوز الضرورة العسكرية، وهذا ما يسمى بقانون لاهاي.
أما الفرع الثاني، فإنه يتضمن القواعد التي تتعلّق بحماية ضحايا الحروب وتوفير الاحترام الواجب والمعاملة الانسانية لهم بعد أن أصبحوا خارج دائرة النزاع، وهو ما يسمى اصطلاحا بقانون جنيف.
أما القانون الدولي لحقوق الإنسان فهو مجموعة من القواعد القانونية الاتفاقية والعرفية والوطنية التي تتضمن الحقوق الأساسية التي يتمتع بها الفرد في مختلف الميادين السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية، وتبين الآليات التي بواسطتها يتم حماية وضمان هذه الحقوق.
يختلف القانون الدولي الإنساني عن القانون الدولي لحقوق الإنسان من حيث المصادر، حيث يجد الأول مصادره في اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 والبروتوكولين الإضافيين لعام 1977، وكذلك اتفاقيات لاهاي لعامي 1899 و1907 التي تحدّد القيود المفروضة على سير العمليات العسكرية وغيرها.
 بينما يجد الثاني مصادره في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966 وغيرهما.
كما يختلف القانون الدولي الإنساني عن القانون الدولي لحقوق الإنسان في كون هذا الأخير يهدف إلى صيانة كرامة الإنسان وحماية حقوقه أي ينحصر نطاقه في حماية حقوق الفرد فقط، بينما يهدف القانون الدولي الإنساني أساسا إلى حماية أشخاص وممتلكات محددة وقت النزاع المسلح كالجرحى والمرضى والغرقى والأسرى والمساجد والمتاحف والمستشفيات وكل الأماكن المدنية.
إلى جانب ذلك فإن، أحكام القانون الدولي الإنساني تطبق أثناء النزاعات المسلحة والمقصود بهذه النزاعات حالات استخدام القوة المسلحة بين دولتين أو أكثر أو ما يسمى بالنزاعات المسلحة الدولية، أو استخدام القوة المسلحة داخل إطار الدولة الواحدة أو ما يعرف بالنزاعات المسلحة غير الدولية (الداخلية)، ولكل من هذه النزاعات قواعد تحكمها، حيث تطبق اتفاقيات جنيف الأربع والبروتوكول الإضافي الأول على النزاعات المسلحة الدولية، بينما تطبق المادة الثالثة المشتركة في الاتفاقيات الأربع والبروتوكول الإضافي الثاني على النزاعات المسلحة غير الدولية.
أما القانون الدولي لحقوق الإنسان فيجد تطبيقه أثناء السلم إذ يضع القواعد التي يجب على الدول احترامها والتقيد بأحكامها، غير أن هاذين الفرعين يتفقان في كونهما من فروع القانون الدولي العام ويشتركان في ذات الهدف، ألا وهو حماية الإنسان وصيانة كرامته.
المحور الثاني
تعريف الصحفي ووسائل الإعلام
لم تتعرض مختلف الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالقانون الدولي الإنساني إلى تحديد مفهوم الصحفي ولا حتى تعريف وسائل الإعلام، غير أن القانون الدولي الإنساني يميز بين نوعين من الصحفيين العاملين في مناطق النزاع المسلح دون أن يقدم تعريفا دقيقا لها، وهما المراسلون العسكريون المكلفون للقيام بعملهم لدى قوة مسلحة والصحفيون المستقلون، حيث يعرف النوع الأول، وفقا لقاموس القانون الدولي العام على كل صحفي متخصص متواجد في مسرح العمليات، بتفويض وحماية القوات المسلحة لأحد الأطراف المتحاربة، وتتمثل مهمته في الإعلام بالأحداث ذات الصلة أثناء وقوع الأعمال العدائية.
كما يدخل المراسلون الحربيون في التصنيف الذي لم يعرف بدقة والخاص «بالأشخاص الذين يلتحقون بالقوات المسلحة دون أن يشكلوا جزءا منها»، فكونهم لا يشكلون جزءا من القوات المسلحة يعني تمتعهم بصفة الأشخاص المدنيين وبالحماية التي يستتبعها هذا الوضع، إضافة إلى ذلك فهم يستفيدون من وضع أسير الحرب إذا ما وقعوا في أيدي العدو، شريطة أن يكون لديهم تفويض بمتابعة القوات المسلحة.
أما بالنسبة لتعريف الصحفي، فيقصد به وفقا للمادة 2 / 5 من مشروع اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1975، والذي تم إعداده من طرف لجنة حقوق الإنسان سابقا (ألغيت وحل محلها مجلس حقوق الإنسان منذ 15 مارس 2006)، لتقديمه إلى مؤتمر الخبراء الحكوميين ثم إلى المؤتمر الدبلوماسي لتأكيد وتطوير القانون الدولي الإنساني عام 1977، «أي مراسل أو مخبر أو مصور أو مساعديهم الفنيين السينمائيين أو الإذاعيين أو التلفزيونيين الذين يباشرون عادة أي من هذه الأعمال بوصفه عملهم الرئيس والذين يتمتعون بموجب القوانين والأنظمة أو في حالة عدم وجودها بموجب الممارسات المعترف بها بمركز خاص في الدول التي يكون فيها للنشاطات المذكورة مركز خاص بموجب مثل تلك الأنظمة والقوانين والممارسات».
أما فيما يخص تعريف وسائل الإعلام، وعلى الرغم من عدم تحديد مفهومها، إلا أن الفقه الدولي يتفق على أنها تشمل التلفزيون، الراديو، الصحف والمجلات، وهذه المرافق تعتبر أعيان مدنية، لذا فإنها بصفتها هذه تتمتع بالحماية العامة، حيث لا يجوز تنفيذ الهجمات العشوائية ضدها، وهذا طبقا للمادة 48 من بروتوكول جنيف الإضافي الأول، والتي وضعت التزاما على أطراف النزاع بالعمل على التمييز بين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية، ومن ثم توجيه عملياتها ضد الأهداف العسكرية دون غيرها، وذلك من أجل تأمين كفالة و احترام وحماية السكان المدنيين والأعيان المدنية.
المحور الثالث
تطور الحماية الدولية للصحفيين أثناء النزاعات المسلحة ومضمونها
ضمن هذا المحور سندرس تطور الحماية الدولية للصحفيين في نقطة أولى، حتى نصل في النقطة الثانية إلى بيان نطاق هذه الحماية وفق قواعد القانون الدولي الإنساني.
^  أولا: مراحل تطور الحماية الدولية للصحفيين
يمكن تقسيم مراحل الحماية الدولية للصحفيين أثناء النزاعات المسلحة إلى مرحلتين، الأولى اهتمت فقط بحماية الصحفيين المعتمدين، بينما تضمنت المرحلة الثانية نصوصا لحماية الصحفيين المعتمدين وغير المعتمدين.
1/ مرحلة حماية الصحفيين المعتمدين أو ما يسمى بالمراسلين الحربيين
تعود الجهود الأولى لاهتمام القانون الدولي الإنساني بحماية الصحفيين إلى اللائحة المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية المنعقدة في لاهاي في 18 أكتوبر 1907، حيث جاء في المادة 13 من اللائحة أنه «يعامل الأشخاص الذين يرافقون الجيوش دون أن يكونوا في الواقع جزء منه كالمراسلين الصحفيين، ومتعهدي التموين الذين يقعون في قبضة العدو كأسرى حرب، شريطة أن يكون لديهم تصريح من السلطة العسكرية للجيش الذي يرافقونه».
كما تمّ تعديل اتفاقية جنيف لعام 1864 وذلك بتاريخ 27 يوليو عام 1929، حيث انبثق عن هذا التعديل اعتماد اتفاقيتين مهمتين، الأولى خاصة بتحسين حال الجرحى والمرضى والعسكريين في الميدان، أما الثانية خاصة بمعاملة أسرى الحرب، وقد نصّت هذه الاتفاقية على وجوب معاملة الصحفيين الذين يقعون في قبضة العدو كأسرى حرب، إذ جاء في المادة 81 منها أنه «الأفراد الذين يتبعون القوات المسلحة دون أن يكونوا  جزءا منها، مثل المراسلين أو المحققين الصحفيين ومتعهدي التموين والموردين الذي يقعون في قبضة العدو، يعاملون كأسرى حرب شريطة أن يكونوا مزودين بتصريح من السلطة العسكرية للجيش الذي يرافقونه».
إن ما يمكن ملاحظته حول كل من لائحة لاهاي المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية لعام 1907، واتفاقية جنيف الخاصة بمعاملة أسرى الحرب لعام 1929، أن أيا منهما لم تعالج مسألة حماية الصحفيين إلا في حالة وقوعهم في قبضة العدو، حيث يتم معاملتهم في هذه الحالة كأسرى حرب شريطة اعتمادهم لدى سلطات القوات المسلحة للجيش الذي يرافقونه، وأن تكون ليدهم بطاقة مستخرجة من طرف هذه القوات كذلك؛ لذا يجب على القوات المسلحة التي تصطحب معها مراسلين حربيين لتغطية عملياتها الحربية أن تمنح لهؤلاء المراسلين تصريحا يسمح لهم بمرافقتها ويحميهم إذا ما وقعوا في قبضة الخصم.
كما تضمنت اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949، الخاصة بمعاملة أسرى الحرب نفس الحكم بالنسبة للصحفيين، وذلك في المادة 4 / ألف/ 4 التي تنص على أنه «أسرى الحرب بالمعنى المقصود في هذه الاتفاقية هم الأشخاص الذين ينتمون إلى إحدى الفئات التالية ويقعون في قبضة العدو ومن هذه الفئات: الأشخاص الذين يرافقون القوات المسلحة دون أن يكونوا في الواقع جزءا منها، كالأشخاص المدنيين الموجودين ضمن أطقم الطائرات الحربية والمراسلين الحربيين، ومتعهدي التموين، وأفراد وحدات العمال أو الخدمات المختصة بالترفيه عن العسكريين، شريطة أن يكون لديهم تصريح من القوات المسلحة التي يرافقونها».
وبناء على ذلك، فإن هذه الاتفاقية تتفق مع الاتفاقيات السابق ذكرها في اعتبار الصحفيين ومراسلي الحرب من الفئات التي يمكن أن ترافق الجيش لكن لا تشكل جزءا منه، و أن الصحفيين المراد حمايتهم هم الصحفيون المعتمدون لدى سلطات الجيش الذي يتبعونه ويحملون بطاقة أو تصريحا يدل على ذلك، حيث يتمتعون في هذه الحالة بوضع أسير الحرب عندما يقعون في قبضة العدو.
وقد اشترطت هذه الاتفاقية أن يزود المراسل الحربي ببطاقة تحقيق الهوية وهي نموذج ألحق بالاتفاقية الأولى فيه بيان للبلد والسلطة العسكرية اللذين أصدراه وتصوير شخصي وتاريخ الميلاد ومحله ومعلومات أخرى تشمل الطول والوزن ولون العين والشعر وفصيلة الدم والديانة وختمات بصمات الأصبع وأي علامات أخرى، إذ يجب على الصحفي حملها بصفة مستمرة، كما يجب عليه تقديم هذه البطاقة للسلطات الحاجزة فور وقوعه في الأسر ليتسنى التعرف على شخصيته بعد أن تكون قد حررت بلغتين أو ثلاث أحداهما دولية.
وبذلك فالمراسل الحربي هو الشخص الذي يرافق القوات المسلحة دون أن يكون جزءاً منها شريطة أن يكون مزود ببطاقة تعريف هوية وفق النموذج الملحق بالاتفاقية لكي يعامل معاملة أسرى الحرب، ويشترط أن يزود المراسل الحربي بتخويل من قبل قيادة القوات العسكرية يسمح له بمرافقة هذه القوات ويستوي الوضع سواء كان المراسل الحربي من الدولة ذاتها أو يحمل جنسية العدو أو أية دولة محايدة أخرى ويظل المراسل الحربي متمتعاً بوضع أسير الحرب إذا ما ثار شك حول استحقاقه لهذا الوضع، ويبقى بالتالي مستفيداً من حماية الاتفاقية الأولى، إلى غاية الفصل في وضعه من قبل محكمة مختصة وفقاً للفقرة الثانية من المادة الخامسة من الاتفاقية الثالثة، وفي الحالة التي تقرر فيها المحكمة المختصة عدم انتماء المراسل الحربي إلى فئة الأشخاص المشار إليها في المادة الرابعة ( أ ـ 4) من الاتفاقية الثالثة، وبالتالي عدم استحقاقه لوضع أسير حرب، فإن المراسل الحربي يقع تحت حماية الاتفاقية الرابعة باعتباره من المدنيين، وينبغي الإشارة هنا إلى أن أفراد القوات المسلحة العاملين بمهنة الإعلام لا يعدون مراسلون حربيون حتى لو كان العمل الذين يؤدونه ذو صلة وثيقة بالإعلام و الصحافة.
2 / مرحلة حماية الصحفيين المعتمدين وغير المعتمدين
تزايد الاهتمام الدولي بحماية الصحفيين منذ بداية العام 1970، فقد قدم وزير الخارجية الفرنسي موريس شومان Maurice SHCUMANN أثناء النقاش العام  في الجمعية العامة اقتراح على الأمم المتحدة القيام بمبادرات في مجال الحماية الدولية للصحفيين، لذلك طلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم 2663 (xxv) الصادر في 9 ديسمبر 1970 لجنة حقوق الإنسان التابعة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي إلى إعداد مشروع اتفاقية خاصة بحماية الصحفيين أثناء النزاعات المسلحة.
كما دعت الجمعية العامة الدول بمناسبة انعقاد المؤتمر الدبلوماسي حول تأكيد وتطوير القانون الدولي الإنساني المطبق في النزاعات المسلحة في الفترة من 1974 إلى 1977، إلى إبداء الرأي فيما يخص المشاريع التي أعدتها لجنة حقوق الإنسان، غير أنه تم رفض مشروع الاتفاقية الخاص بحماية الصحفيين من طرف اللجنة الخاصة Ad Hoc المنبثقة عن اللجنة الأولى في المؤتمر، والتي اعتبرت أن حماية الصحفيين في المهام الخطرة يجب أن تعالج في نطاق وثائق القانون الدولي الإنساني مثلها مثل الفئات المحمية الأخرى.
وبناء على ذلك، اقترحت مجموعة العمل الخاصة على اللجنة الأولى في المؤتمر مشروع مادة خاصة بحماية الصحفيين سواء كانوا معتمدين لدى السلطات العسكرية أم لا، وتدخل هذه المادة ضمن نصوص اللحق ـ البروتوكول-  الأول الخاص بالنزاعات المسلحة الدولية، حيث وافقت على هذا الاقتراح اللجنة الأولى في الجلسة التمهيدية دون اعتراض أو تغيير في المادة سوى ما يتعلق بالصياغة فقط، إذ أصبح مشروع هذه المادة فيما بعد هو المادة 79 من البروتوكول الإضافي الأول، وذلك في الفصل الثالث من البروتوكول تحت عنوان «تدابير حماية الصحفيين».
وقد جاء في المادة 79 من البروتوكول الإضافي الأول أنه «يعد الصحفيون الذين يباشرون مهمات مهنية خطرة في مناطق النزاعات المسلحة أشخاصا مدنيين ضمن منطوق الفقرة الأولى من المادة 50.
يجب حمايتهم من هذه الصفة بمقتضى أحكام الاتفاقيات وهذا اللحق «البروتوكول» شريطة ألا يقوموا بأي عمل يسئ إلى وضعهم كأشخاص مدنيين وذلك دون الإخلال بحق المراسلين الحربيين المعتمدين لدى القوات المسلحة في الاستفادة من الوضع المنصوص عليه في المادة 4 (أ-4) من الاتفاقية الثالثة.
يجوز لهم الحصول على بطاقة هوية وفقا للنموذج المرفق بالملحق رقم (2) لهذا اللحق «البروتوكول» وتصدر هذه البطاقة حكومة الدولة التي يكون الصحفي من رعاياها، أو التي يقيم فيها، أو التي يقع فيها جهاز الأنباء الذي يستخدمه، وتشهد على صفته كصحفي».
يلاحظ أن المادة 79 من البروتوكول الأول لم تعرف الصحفي، رغم أن المادة أعلاه اعتبرت الصحفيين بمثابة مدنيين، لذلك يرى البعض أن الصحفيين لا ينبغي أن يتمتعوا بأي حماية إضافية أكثر مما للمدنيين العاديين و إلا ستكون هناك ضرورات لاستحداث قوانين خاصة لأفراد فئات عديدة ممن قد لا يكونون في مأمن من الخطر في أوقات النزاعات المسلحة.
إضافة إلى ذلك، فإن حماية الصحفيين أضحت من قبيل القواعد العرفية التي يتعين على الدول الأطراف في النزاعات المسلحة دولية كانت أم غير دولية الالتزام بها واحترامها، فقد جاء في القاعدة 34 من قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي الذي أعدته اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنه «يجب احترام وحماية الصحفيين المدنيين العاملين في مهام مهنية في مناطق نزاع مسلح ماداموا لا يقومون بدور مباشر في الأعمال العدائية».
كما دخلت مسألة الحماية القانونية الدولية للصحفيين إلى دائرة اهتمام مجلس الأمن التابع لهيئة الأمم المتحدة، حيث أصدر القرار رقم 1738 بتاريخ 23 ديسمبر 2006، إذ أدان المجلس الهجمات المتعمدة ضد الصحفيين وموظفي وسائط الإعلام والأفراد المرتبطين بهم في حالات النزاع المسلح، يطلب من جميع الأطراف أن توقف هذه الممارسات، وأشار مجلس الأمن كذلك إلى ضرورة اعتبار الصحفيين وموظفي وسائط الإعلام والأفراد المرتبطين بهم، العاملين في بعثات إعلامية تحفها المخاطر في مناطق النزاع المسلح، أشخاصا مدنيين يجب احترامهم وحمايتهم بصفته هذه، شريطة ألا يقوموا بأي عمل يضر بوضعهم كمدنيين. وهذا دون الإخلال بحق مراسلي الحرب المعتمدين لدى القوات المسلحة في أن يعاملوا كأسرى حرب وفق ما تنص عليه المادة 4/ ألف 4 من اتفاقية جنيف الثالثة، وأشار مجلس الأمن أيضا إلى أن المعدات والمنشآت الخاصة بوسائل الإعلام تشكل أعيانا مدنية، لا يجوز أن تكون هدفا لأي هجمات أو أعمال انتقامية، ما لم تكن أهدافا عسكرية.
^ ثانيا: مضمون تدابير الحماية الدولية للصحفيين والاستثناءات الواردة عليها
سوف نتناول ضمن هذه النقطة مضمون الحماية الدولية للصحفيين أثناء النزاعات المسلحة في نقطة أولى، لنبين في النقطة الثانية الحالات المستثناة من هذه الحماية.
1/ نطاق فرض تدابير الحماية
ضمن الفصل الثالث من البروتوكول الإضافي الأول لسنة 1977 المعنون الصحفيون جاءت المادة 79 تحت عنوان تدابير حماية الصحفيين بثلاث فقرات تنص الفقرة الأولى منها على أنه «يعد الصحفيون الذين يباشرون مهمات مهنية خطرة في مناطق المنازعات المسلحة أشخاصاً مدنيين ضمن منطوق الفقرة الأولى من المادة 50 «.
بينما نصّت الفقرة الثانية من المادة ذاتها على أنه «يجب حمايتهم بهذه الصفة بمقتضى أحكام الاتفاقيات وهذا الملحق ((البروتوكول)) شريطة ألا يقوموا بأي عمل يسيء إلى وضعهم كأشخاص مدنيين وذلك دون الإخلال بحقّ المراسلين الحربيين المعتمدين لدى القوات المسلحة في الاستفادة من الوضع المنصوص عليه في المادة 4 (1-4) من الاتفاقية الثالثة»، في حين نصّت الفقرة الثالثة من المادة 79 على أنه «يجوز لهم الحصول على بطاقة هوية وفقاً للنموذج المرفق بالملحق رقم (2) لهذا الملحق ((البروتوكول)) وتصدر هذه البطاقة حكومة الدولة التي يكون الصحفي من رعاياها أو التي يقيم فيها أو التي يقع فيها جهاز الأنباء الذي يستخدمه وتشهد على صفته كصحفي».
إن قراءة دقيقة للمادة أعلاه بفقراتها الثلاث تؤكد أن تقسيم هذه المادة له أهمية كبيرة، فالفقرة الأولى حدّدت نوع الحماية المكفولة للصحفيين والتي تتلخص بمنحهم الوضع القانوني الذي منح للمدنيين، أما الفقرة الثانية فقد جاءت لتقرر استمرار هذه الحماية ما لم يصدر أي عمل من الصحفي يسيء إلى هذا الوضع، وأخيراً أجازت للصحفي حمل هوية مميزة تكفّل الملحق رقم 2 ببيان أوصافها.
وبالمقابل فقد عرفت المادة الرابعة من اتفاقية جنيف الرابعة الأشخاص المحميين بأنهم «الأشخاص الذين تحميهم الاتفاقية هم أولئك الذين يجدون أنفسهم في لحظة ما وبأي شكل، في حالة قيام نزاع أو احتلال، تحت سلطة طرف في النزاع ليسوا من رعاياه أو دولة الاحتلال ليسوا من رعاياها».
كما عرفت المادة 50 من البروتوكول الأول الأشخاص المدنيين والسكان المدنيين بأن المدني هو الشخص الذي لا ينتمي إلى فئة من فئات الأشخاص المشار إليها في البند الأول والثاني والثالث والسادس من الفقرة (أ) من المادة 4 من الاتفاقية الثالثة، والمادة 43 من هذا البرتوكول وإذا ما ثار شك حول ما إذا كان شخص ما مدنياً أو غير مدني فإن ذلك يعد مدنياً ويندرج في هذا المفهوم كافة الأشخاص المدنيين ولا يجردهم من صفتهم المدنية وجود أفراد بينهم لا يسري عليهم تعريف المدنيين.
وقد وضعت المادة 52 من البروتوكول الأول حماية خاصة لممتلكات المدنيين شريطة أن لا تكون ذات طبيعة عسكرية بأن تسهم مساهمة فعالة في العمل العسكري سواء ذلك بطبيعتها أو بموقعها أم بغايتها أو باستخدامها والذي يحقق تدميرها التام أو الجزئي أو الاستيلاء عليها أو تعطيلها في الظروف السائدة حينذاك ميزة عسكرية أكيدة وإذا ما ثار شك حول ما إذا كانت الممتلكات تكرس عادة لأغراض معينة أو تستخدم في تقديم مساهمة فعالة للعمل العسكري فإنه يفترض أنها تستخدم كذلك.
كما اعتبرت المادة 85 الفقرة الثالثة من البروتوكول الأول جعل الصحفيين هدفاً للهجوم بمثابة انتهاكات جسيمة لهذا البروتوكول إذا اقترفت عن عمد أو سببت وفاة أو أذى بالغ بالجسد أو الصحة فإنها تشكل جريمة حرب، وهو الموقف ذاته بالنسبة للمحكمة الجنائية الدولية والتي تعتبر الهجمات المرتكبة ضد المدنيين بمثابة جرائم حرب وفق ما تنصّ عليه أحكام المادة الثامنة من نظام روما الأساسي.
هذا ونشير إلى أن المادة 35 من اتفاقية جنيف الرابعة أجازت للصحفيين مغادرة أرض العدو في بداية النزاع أو خلاله إلا إذا كان رحيلهم يضر بالمصلحة الوطنية للدولة العدو ويبت في طلبهم لمغادرة البلد طبقاً لإجراءات قانونية ولممثلي الدولة الحامية واللجنة الدولية للصليب الأحمر أن يحصلوا إذا طلبوا ذلك على أسباب رفض طلباتهم لمغادرة البلد ولأن يحصلوا على أسماء جميع الذين رفضت طلباتهم إلا إذا حالت دون ذلك دواعي الأمن.
لذلك فالصحفي الذي يباشر مهمة مدنية خطرة هو مدني ويتمتع بالحماية الممنوحة للمدنيين بموجب النصوص ذات الصلة في القانون الدولي الإنساني وهذا الحل أجدر بالتفضيل من النهج المختار في مسودة اتفاقية الأمم المتحدة أي إنشاء وضع خاص للصحفيين لأن أي زيادة في الواقع في عدد الأشخاص ذوي الوضع الخاص وما يتبع ذلك من زيادة في عدد الشعارات أو الشارات الحامية يؤدي إلى إضعاف فعالية الأوضاع الخاصة المحمية سابقاً ولا سيما الوضع الخاص لأفراد الخدمات الطبية وباختصار، فإن فعالية نظام الحماية بأكمله قد يتأثر من جراء ذلك.
واستناداً إلى المادة الثالثة المشتركة من اتفاقيات جنيف التي يمكن عدها اتفاقية عامة مصغرة لأنها تتضمن كل المبادئ الإنسانية لحماية ضحايا النزاعات المسلحة يضمن القانون الدولي الإنساني في جميع مراحل النزاعات المسلحة حماية الأشخاص المحتجزين.
كما ترد ضمانات أخرى متعلقة بالاعتقال في اتفاقية جنيف الرابعة الباب الثالث رغم أنها لا تتضمن الأحكام التي تحدد العلاقة بين المعتقلين المحتجزين لدى دولتهم بخصوص أعمال تتعلق بالنزاعات المسلحة فالصحفي الذي يقع تحت طائلة الحجز والاعتقال يتمتع بجملة من الضمانات القانونية منها.
إن الصحفي يجب أن يبلغ بصفة عاجلة بالأسباب المبررة لاتخاذ مثل هذه الإجراءات ضده ويجب إطلاق سراح الصحفي في أقرب وقت ممكن وفور زوال الظروف التي بررت اتخاذ هذه الإجراءات ضده ما لم تكن تلك قد اتخذت ضده بدواعي ارتكاب الجرائم. وكذلك يجب العمل على كفالة الأوضاع القانونية التي تؤهل الصحفي المعتقل لممارسة حقوقه القانونية بما في ذلك حق الدفاع والتعرف على تفاصيل التهم المنسوبة إليه ومواجهة محكمة مشكلة تشكيلاً أصولياً ومراعاة القواعد والإجراءات المتعارف عليها مثل النطق بالحكم علناً وإفهام المتهم بطرق الطعن ومددها  ومحاكمته حضورياً وإبطال التدابير التقيدية المتخذة إزاء ممتلكاته.
أما بخصوص بطاقة هوية الصحفيين التي أشارت لها الفقرة الثالثة فالملاحظ أنها لا تقرر امتيازات جديدة أو تقر بوضع قانوني مميز لحاملها وإنما هي تساهم فقط بالكشف عن هوية الصحفي في حالة الاحتجاز أو الاعتقال هذا فضلاً عن أن حملها لم يأتِ على سبيل الالتزام.
تحتوي البطاقة على مجموعة من المعلومات الخاصة والشخصية للصحفي تتصدرها ملحوظة على الوجه الأمامي جاء فيها «تصرف هذه البطاقة للصحفيين المكلفين بمهمات مهنية خطرة في مناطق المنازعات المسلحة ويحقّ لصاحبها أن يعامل معاملة الشخص المدني وفقا لاتفاقيات جنيف المؤرخة في 12 آب/أغسطس 1949 ولحقها (بروتوكولها) الإضافي الأول. ويجب أن يحتفظ صاحب البطاقة بها دوما وإذا اعتقل فيجب أن يسلمها فورا إلي سلطة الاعتقال لتساعد علي تحديد هويته».
كما ورد فيها وعلى ذات الوجه اسم القطر المصدر لهذه البطاقة وفي وسطها عبارة بطاقة الهوية الخاصة بالصحفيين المكلفين بمهمات مهنية خطرة، أما الوجه الخلفي فيحتوي على السلطة المختصة التي أصدرت البطاقة، صورة صاحب البطاقة، الخاتم الرسمي، المكان، التاريخ، توقيع صاحب البطاقة، اسم الشهرة، الاسم ، مكان وتاريخ الميلاد ، مراسل ، المهمة المحددة مع ذكر المدة التي ينتهي العمل بها، الطول، العينان، الوزن، الشعر، فصيلة الدم، عامل التجلط، الديانة (اختياري)، البصمة (اختياري)، السبابة اليسرى، السبابة اليمنى، وأخيرا العلامات المميزة لتحديد الهوية، وفيمايلي صورة عن بطاقة الهوية الخاصة بالصحفيين المكلفين بمهمات مهنية خطرة.
2 / الحالات المستثناة من نطاق الحماية
إن سريان الأحكام المتعلقة بحماية المدنيين على الصحفيين، يفرض ألا يكون الصحفيين محلا للهجوم، ويكون لديهم الحق في حماية أعيانهم المدنية التي لا تتميز بأي طابع عسكري، وأن أي هجوم عليهم يسبب الموت أو يحدث إصابات جسدية خطيرة، فإن ذلك يعد انتهاكا جسيما لأحكام القانون الدولي الإنساني ويمثل جريمة حرب، لكن يمكن أن يفقد الصحفي حقه في الحماية أثناء النزاع المسلحة في بعض الحالات منها:
- إذا ارتدى زيا يقترب بشدة من الزي العسكري؛ أو لازم وتبع أو اقترب من وحدة عسكرية، وذلك لأن الوحدة العسكرية تكون هدفا مباحا للهجوم دائما من قبل العدو، إلا إذا كانت هذه الهجمات عشوائية ومحظورة.
-إذا اشترك بصورة مباشرة في الأعمال القتالية؛ ففي هذه الحالة يفقد الصحفي حصانته وحمايته مدة اشتراكه في القتال، لكن يفترض دائما أن الصحفي يقوم بالأعمال التي أوكلت إليه وفي الحدود التي رسمت له كأن يلتقط صورا أو يصور فيلما، أو يسجل صوتا أو يدون مذكرات، وذلك حتى يقوم الدليل على قيامه بغير ذلك أو اشتراكه في القتال مباشرة. ——

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19450

العدد 19450

السبت 20 أفريل 2024
العدد 19449

العدد 19449

الجمعة 19 أفريل 2024