ضوابط

بقلم: فنيدس بن بلة
14 جانفي 2020

تجاوبت الطبقة السياسية والمجتمع المدني مع الدعوة لإعداد مشروع قانون يجرم مظاهر العنصرية، الجهوية والكراهية، معتبرين أنها خطوة هامة جريئة في مسار التغيير الذي يوليه الرئيس تبون أولوية واستعجالا، مؤكدين أنه الخيار الأنسب لتعزيز الجبهة الداخلية وصيانتها من أخطار الانحراف والاضطرابات.
جاء هذا الإجراء، في وقت تمادى فيه خطاب الكراهية والعنصرية وصار قاعدة متبعة جهارا في بعض وسائل الإعلام لا سيما شبكات التواصل الاجتماعي، متجاوزا الخطوط الحمراء، مكسرا الضوابط المهنية  والأخلاقية. انتشر هذا الداء إلى درجة بات أقرب إلى التحريض على الفتنة والانقسام، مهدّدا النسيج الاجتماعي والتلاحم الذي تحقق بتضحيات جسام ونضالات باهظة دفعت ضريبة من أجل الوحدة الوطنية.
تنامت الكراهية حتى باتت «خطابا» إيديولوجيا، عبر مواقع تواصل تنتشر كالفطريات، تُتخذ منابر وفضاءات لضرب مقومات الوحدة الوطنية ورموز الدولة ومكوناتها من هوية، حضارة وموروث ثقافي مقدس لا يقبل المساس.
يظهر هذا جليا بالخصوص في سلوكيات أطراف تتخذ من «الحراك» السلمي مطية لرفع شعارات لا تغذي النعرات الجهوية والعنصرية فقط، بل تضرب عمق الانسجام الوطني، واضعة ثوابت الأمة ومرجعيتها أمام خطر محدق. يحدث هذا رغم أن هذه المسألة تجاوزتها البلاد منذ سنين بفضل تدابير قانونية ودستورية تشدّد على التعايش والتسامح أكثر من التراشق بكلام وعبارات أيديولوجية محرضة على الفتنة. هي محطة عشنا مرارتها خلال العشرية السوداء وتم تجاوزها بشق الأنفس، متخذين من تجربة الماضي القريب المريرة درسا في تعزيز اللحمة الوطنية، واضعين نصب الأعين بدائل لها قيمة واعتبارا في حماية الوطن.
نقول هذا، ونحن نطالع يوميا سيلا من المعلومات الخاطئة المضلّلة التي يروجها عديمو الضمير، غير مدركين لتداعياتها، دون مواجهة أو رد فعل يضع حدا لهذه الجرائم المرتكبة جهارا دون خشية أحد أو لومة لائم.
لهذا كان لزاما التحرك لإصلاح الوضع بإعداد نصوص قانونية، تجرّم كل خطاب يغذي العنصرية، الجهوية والكراهية. كان لزاما التحرك لتطهير المحيط من هجمة شرسة مستمرة تحت شعارات مخادعة وعناوين براقة، مستهدفة الرموز والشخصيات دون وازع ديني، أخلاقي أو إنساني. أخيرا، كان لزاما أن يوضع حد لحملات هستيرية على الآخرين والحيلولة دون اتخاذ من حرية الاتصال والتعبير منصة للإساءة إليهم والمساس بحريتهم وكرامتهم بدون وجه حق.
مشروع قانون يجرم هذه الأفعال والممارسات إجراء وقائي لحماية حياة المواطنين الخاصة وعدم اتخاذ من الحرية منطلقا للدوس على كل ما يعزّز الوحدة الوطنية كالشعار الذي يرفع في كل مسيرة سلمية مروجة للمبدأ المقدس «خاوة خاوة» وإعلائه فوق كل الحسابات.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024