توازن وديمومة

بقلم: فنيدس بن بلة
26 ماي 2020

بعيدا عن جهود مكافحة كورونا، وتجنبا لأي تطورات خطيرة في مواجهة الجائحة، يتواصل النقاش حول تعديل الدستور من قبل الطبقة السياسية، النخب وممثلي المجتمع المدني بغرض التوصل إلى وثيقة مرجعية تؤسس لتوافق وطني في مرحلة حاسمة من تاريخ الجزائر الحديث.
يظهر النقاش مدى العناية التي تعطى للمشروع التمهيدي الذي أملاه ظرف استثنائي تعيشه البلاد التوّاقة لاستكمال دولة المؤسسات، حيث تحكمها قاعدة التوازن بين سلطات تؤدي وظيفة بشفافية في تسيير شؤون الرعية وإدارة مؤسسات حكم يفتح المجال للممارسة الديمقراطية ولا يقبل باحتكار القرار وتمديد العهدات إلى أجل غير مسمى.
يحرص الفاعلون من خلال منابر ومواقع على إعطاء العناية القصوى للتعديل الدستوري، استكمالا لإقامة دولة وطنية حديثة تجعل من الوثيقة مرجعية في استقرار منظومة الحكم، لا تعتريها اختلالات في الممارسة السياسية وتداخل الصلاحيات وتفشي تناقضات تؤدي إلى انسداد وأزمات دستورية محتملة.
يملي هذا التوجه، الذي جاء فيه المشروع، الراهن السياسي الذي يحتم الاستجابة لمطالب رفعت من حراك سلمي يناشد بإقامة دولة القانون والحقوق الأساسية والحريات، حيث تلعب فيها المعارضة دورا مسؤولا كاملا ولا تكتفي بالقاعدة السلبية «خالف تعرف».
يجد هذا المعطى الثابت تكفلا واضحا في محور المشروع التمهيدي المشدد على جدية الذهاب إلى الأبعد في إعداد دستور يؤمِّن استقرارا لمنظومة الحكم ويخرج البلاد من حالة الطوارئ والأزمات التي تستدعي في كل مرحلة دستورا صالحا لحقبة دون أخرى لا يعمر طويلا، وكثيرا ما تفرض وثيقة تعدّ على عجل ولا تلبي الغرض.
لهذا كان التأكيد هذه المرة، في ظل المتغيرات المتسارعة والرؤى البعدية، واضحا على ضرورة فتح النقاش الموسع لإثراء المشروع التمهيدي عبر مقترحات تنصب على تحقيق الانسجام مع متطلبات الظرف وتحولات الراهن وتحديات الآتي، غايتها تنظيم السلطات العمومية ومؤسسات الرقابة وأخلقة حياة سياسية تسمح بالتنافس بين الكفاءات وترافق جيلا جديدا من النخب في مسعى اعتلاء سدة الحكم وتقلد المسؤولية واتخاذ القرار.
يتحقق هذا من خلال نظام حكامة ديمقراطية يمنح آليات مراقبة تشريعية أوسع ويقلص من مهام رئيس الجمهورية بإسناد صلاحيات لرئيس الحكومة وإلغاء سلطة التشريع بالأوامر وكذا الثلث الرئاسي من تشكيلة مجلس الأمة وما إلى ذلك من تدابير، غايتها الأسمى تغيير طبيعة النظام السياسي في جزائر قررت التحرر من الشخصنة لحساب توازن المؤسسات؛ مدخل الاستقرار ودوام الدولة في أبعد معناه ودلالته.


 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024