“الفـن وسيط نضال ومقاومة”

عاصمـة البيبــان تنتصـر لفلسطـين.. بالألـوان

برج بوعريريج: رابح سلطاني

 فنانـون يوقعـون جداريــة تـبرز مكانـة القـدس في قلـوب الجزائـريين

احتضنت عاصمة البيبان، برج بوعريريج، على مدار ثلاثة أيام، فعاليات الملتقى الوطني العاشر للفن التشكيلي بعنوان “الفن وسيط نضال ومقاومة”، تضمن معرضا للفن التشكيلي لمئات اللوحات الفنية، صاغها أكثر من 50 فنانا تشكيليا قدموا من مختلف ولايات الوطن، وأبدعوا من خلالها برسومات وأشكال فنية تحاكي مضامينها فظاعة الأحداث والمجازر المرتكبة في غزة، ومحاور أخرى تضمنها الملتقى، شملت جلسات أدبية فكرية “مقاربة بين الأدب الجزائري والفلسطيني”، نشطها وحضرها كتاب وفنانون، على غرار عضو أمانة اتحاد الكتاب الفلسطينيين حسين ابو النجا، وعيسى بن محمود، والدكتور محمد الصديق بغورة، إضافة إلى تدشين جدارية شارك في رسمها عدد من الفنانين وسط قاعة العرض، تجسّد روح الكفاح والمقاومة وتحمل مضامين التآزر والتلاحم بين الشعبين الفلسطيني والجزائري.

مئات اللوحات الفنية التشكيلية، تزينت بها أروقة وجدران الباحات المخصّصة للعرض وسط المركب الثقافي “عائشة حداد” الواقع وسط مدينة برج بوعريريج، تجسد تلك الأحاسيس والخواطر التي تخالج مشاعر أكثر من 25 فنانا تشكيليا، إزاء ما يحدث في غزة أمام الصمت العالمي، لوحات لمشاهد الدمار والقتل اليومي للأطفال الأبرياء، يقابله الحصار والقصف والتجويع، أمام مرأى ومسمع مؤسسات حماية حقوق الإنسان، فبين الريشة والمداد أبدعت أنامل الفنانين الذين قدموا من مختلف ولايات الوطن في رسم لوحات فنية وتقديم أعمال تبرز مدى وعي وإيمان الفنان الجزائري بالقضية الفلسطينية، ومدى تآزره مع الشعب الفلسطيني.

الفــن وسيـط نضـال ومقاومـة

أكد مدير دار الثقافة لولاية برج بوعريريج، أن هذا الملتقى الوطني للفنون التشكيلية، يأتي هذه السنة، في طبعته العاشرة كعربون لفلسطين، شعبا وقضية، مشيرا إلى أنه تناول شقين، الشق الفني والشقّ الأدبي، وتمّ استقبال أكثر من 25 فنان تشكيلي من خارج ولايات الوطن، بالإضافة إلى مشاركة محلية لأكثر من 25 فنانا من داخل الولاية، بمجموع 200 لوحة فنية تشكيلية تعبر عن السلام والمقاومة، كما تضمن الملتقى معرضا للكتاب الفني، والذي قدم إضافة للمبدعين والمهتمين بالتكوين الأكاديمي الفني لإثراء خبراتهم الفنية، بالإضافة إلى معرض للمستلزمات الفنية..
أما في الشق الأدبي الفكري، تضمن المعرض مداخلة للأستاذ والفنان هاشمي عامر حول تجربته الفنية، إلى جانب جلسات ثقافية فكرية متعلقة بمحاضرات حول الفن التشكيلي الجزائري والفلسطيني، كما تضمّن الملتقى ندوة فكرية أدبية “تحت شعار الفن وسيط نضال ومقاومة، مقاربة ما بين الأدب الجزائري والفلسطيني”، بحضور البروفيسور أبو النجا عضو أمانة اتحاد الفلسطينيين ورئيس فرع اتحاد الكتاب الفلسطينيين بالجزائر.
اعتبر مدير الثقافة لولاية برج بوعريريج، أن هذا الملتقى الفني يأتي استجابة إلى تلك الدعوات التي دعا إليها فنانون من مختلف ولايات الوطن، حيث تضمّن رسومات ولوحات قيمية للفن التشكيلي ذات مستوى احترافي، وهو ما يعكس مدى إيمان أصحاب الفن التشكيلي بعالمية الفن في نقل الرسالة، ومدى إسهامات الفن في نقل مشاغل الناس ومسايرته للأحداث الإنسانية.. لاسيما الفنان الجزائري الذي استطاع في العديد من المناسبات مواكبة الأحداث العالمية، من خلال نقل رسالة الفن للعالم، وما هذه اللوحات التي ساهم فيها فنانو اليوم عبر هذا الملتقى إلا ترجمة لمدى وعي الفنان الجزائري وتآزره مع إخوانه في غزة وفلسطين، لاسيما تلك اللوحات التي تحمل مغزى نضالي ومضمون تاريخي وثقافي للقضية الفلسطينية.

 “يونسكـو”.. صمت مطبق على تدمير المواقــع الأثريــة

كما ناشد مدير الثقافة لولاية برج بوعريريج، بضرورة بذل المزيد من الجهود في الدفاع عن غزة وفلسطين، كل من مكانه وكل بما يملك ويقدر من ثقافة وفن، قائلا: “نحن الجزائريين كبرنا على حب القضية الفلسطينية التي تجري في عروقنا مجري الدم”، مستنكرا ومجرّما مواقف الصمت التي تطبع أغلب مثقفي العالم اليوم إزاء ما يحدث في غزة، بغض النظر عن اهتماماتهم بالحضارة الفلسطينية وصمود هذا الشعب العظيم منذ آلاف السنين..
وأضاف: عندما يسقط حجر في موقع أثري مصنف على أنه تراث تابع ومصنف ضمن خارطة “منظمة اليونسكو” يتحرّك جميع العالم، ومنها ما حصل في العراق وأفغانستان، أما عن غزة التي تحتوي على عشرات المواقع التي تدخل ضمن نطاق حماية منظمة اليونسكو، منها الكنيسة القديمة التي تعود إلى آلاف السنين، وحمامات السمرة بحي الزيتون بغزة، وهي أحد أهم المعالم المعمارية التي تعود إلى الحقبة العثمانية، والمسجد العمري القديم، الذي يرجع تأسيسه إلى الفترة البيزنطية الرومانية، حوله عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى مسجد خلال فترة الفتوحات الإسلامية، وغيرها من المواقع التي تتعرّض إلى التدمير والطمس من طرف الكيان الصهيوني يوميا، لم تصدر منظمة اليونسكو ولو بيانا يحمل كلمة واحدة منذ انطلاق العدوان، بالرغم من أن هذه المواقع تقع تحت طائلة حماية التراث المادي لمؤسسة اليونسكو الدولية”، داعيا، في السياق ذاته، الفنانين والمثقفين إلى الدفاع عن القضية من خلال أعمالهم الفنية، فالمسرحي يساهم بمسرحيته في الدفاع عن غزة، والشاعر بشعره، والأديب والراوي بعمله، من أجل إسماع صوت القضية الفلسطينية لأحرار العالم والخيرين فيه.
 من جهته اعتبر محافظ الملتقى الوطني للفن التشكيلي، الفنان التشكيلي، بوزيد عبد الرزاق، أن الملتقى يأتي لإبراز مدى تعلق الشعب الجزائري والفنان الجزائري بالقضية الفلسطينية، والذي يرى فيها قضية وطنية وليست قضية دولية، إذ أنها تظهر مدى تعلق الجزائريين بفلسطين الأبية، تترجمه تلك الأعمال والأعداد المعتبرة للفنانين الذين قدموا من مختلف ربوع الوطن من أجل المشاركة في هذه التظاهرة، تلبية لنداء دار الثقافة والذي هو في الحقيقة دعوة لنصرة القضية الفلسطينية.

ضيف الشرف.. الفلسطيني سليمان شاهين

 قدّم الفنان التشكيلي سليمان شاهين المشارك في الملتقى كضيف شرف من دولة فلسطين 7 لوحات فنية، تحاكي مضامينها الأحداث الحاصلة في قطاع غزة الجريحة وفلسطين الحزينة، على غرار مشاهد للنكبة الفلسطينية 1948، وأخرى تجسّد انتفاضة أطفال غزة والأقصى الشريف.. وغيرها من المواضيع الإنسانية المرتبطة بالقضية الفلسطينية، التي بقيت حية لدى عموم الجزائريين، من خلال ما تبرزه سيميولوجيا الفن والأعمال الفنية التشكيلية.

تلبيــــة لنـــداء القضيــــة

أما الفنان التشكيلي، مدير دار الثقافة لولاية سطيف الهاشمي عامر، والمشارك بـ10 لوحات فنية تشكيلية بالملتقى، فقد حكى خلال المداخلة عن تجربته في هذا الميدان، حيث أشاد بالجهود التي شهدها الملتقى في هذا الوقت بالذات، قائلا “هي في الحقيقة فرصة ثمينة جمعتني بالطلبة والزملاء الفنانين من مختلف الولايات، من أجل تبادل الأفكار والنقاشات المهمة حول الفن التشكيلي”، معربا عن مدى تأثره وحزنه لما آل إليه العالم من صمت وتكالب إزاء ما يحدث في غزة وما نشهده من صور مأساوية وإبادة متكاملة الأركان يتعرض لها هذا الشعب الأبي، وهو ما ترفضه الفطرة والإنسانية، يقول المتحدث.
 فيما أكدت سوفي رفيقة، من ولاية سوق أهراس، أن هذه المشاركة تأتي لإبراز مدى تضامن الفنان الجزائري مع القضية الفلسطينية، “لاسيما ونحن نعيش في مرحلة تحتاج إلى السلام في هذا العالم”، مترجمة أقوالها إلى رسومات وألواح فنية، منها “حمامة السلام البيضاء”، التي ترمز إلى أرواح الشهداء من أطفال غزة الجريحة، ولوحات أخرى تعبر عن الحزن تماما مثل ما نعيشه من حزن ونحن نشاهد ونرى إبادة إخواننا في غزة، ليس لأمر سوى لأنهم تمسكوا بأرض أجدادهم ضد هذا الكيان المشتت.
وفي السياق، قالت فوزية منور، المشاركة في الملتقى بعدة لوحات فنية تشكيلية، من وهران، إن حضورها في هذه الفعالية يأتي تلبية لنداء القضية الفلسطينية، قائلة: “ذلك الذي تربينا عليه منذ نعومة أظافرنا، إنه حب فلسطين وشعبها الذي قاسمنا الكفاح أيام الثورة الجزائرية المباركة، ونقاسمه نفس الشعور منذ نشأتنا”.
كما ثمّن عميد الفن التشكيلي ببرج بوعريريج، خلفاوي لخضر، مثل هذه الملتقيات التي كانت في مستوى تطلعات الجمهور، من حيث ما يحدث في غزة من إجرام يقوم به الكيان الصهيوني، مشيرا إلى أن مشاركته في الملتقى من خلال عديد اللوحات تأتي أيضا تلبية لنداء القضية ومؤازرة للشعب الفلسطيني وفضح تلك المجازر التي تحدث يوميا أمام الآلة التدميرية للكيان الصهيوني.

رموز المقاومـة ومعـاني التــآزر في جدارية

شهد الملتقى تدشين جدارية تحمل مضامين رمزية بين الشعب الجزائري والفلسطيني، أبدع فيها الفنانون المشاركون في رسمها، حيث تظهر رسومات للمسجد الأقصى الشريف، وعلم فلسطين، وعدد من الرموز التي تدل على صمود هذا الشعب الأبي، كما يتوسّط الجدارية طفل حزين يبكي، ممزوجة بألوان الحزن والسواد، في إشارة قوية لتلك المجازر المرتبكة في حق الأطفال والشعب الفلسطيني الأعزل، أمام مرأى ومسمع العالم.

بين الأدب الجزائري والفلسطيني

 من جانب آخر تضمّن الملتقى جلسات أدبية وفكرية، مقاربة بين الأدب الفلسطيني والجزائري، حضرها عضو أمانة اتحاد الكتاب الفلسطينيين حسين أبو النجا والذي تحدّث عن الأدب الفلسطيني، مشيرا إلى أن الأدب في غزة اليوم يظهر منفردا عن غيره من الأدب الفلسطيني، بسبب ما يحصل فيها من إبادة وإجرام، قائلا “غزة الصمود والعزة، قد أعادت المجد والكرامة للإنسان العربي من خلال صمودها”..
وأشار - في سياق حديثه - إلى أن همجية الكيان الصهيوني لم تقتصر على قتل مئات العباد وهدم عشرات المعابد والآثار الفلسطينية التي تعود إلى آلاف السنين، وإنما طالت قتل الأدباء الفلسطينيين، أكثر من 7 شهداء، منهم الدكتور رفعت العاري الذي كتب قصيدة بالإنجليزية، كانت سببا في اغتياله، حيث لاحقه الكيان الصهيوني بعد أن لاحظ مدى مساهمة هذه القصيدة في التأثير على الرأي العام العالمي وإعادة اللحمة.. وأضاف أنه بعد ملاحقة وتتبع استمر لعدة سنوات انتهت بتصفيته، وقال في الأخير “على الكيان الصهيوني أن لا ينسى أن الكيان الصهيوني عابر، وأن الفلسطينيون هم الباقون في هذه الأرض، رغم تكالب القوى العظمى عليها”..

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19473

العدد 19473

السبت 18 ماي 2024
العدد 19472

العدد 19472

الجمعة 17 ماي 2024
العدد 19471

العدد 19471

الأربعاء 15 ماي 2024
العدد 19470

العدد 19470

الثلاثاء 14 ماي 2024