في محاضرة قدّمتها الأكاديمية عرجون الباتول

”تأويل” الخطاب الصّوفي في الرّواية العربية الجديدة

فاطمة الوحش

 أشرفت أكاديميّة “الوهراني” للدّراسات العلميّة والتّفاعُل الثّقافي على باقةٍ من النّدوات الرمضانيّة القيمة، حيث قدّمت الدكتورة عرجون الباتول من جامعة حسيبة بن بوعلي الشلف ورئيس وحدة السرديّات والشعر بأكاديميّة الوهراني النّدوة الرمضانيّة الثّالثة، بعدَ البروفيسور عبد القادر فيدوح، عُضو الهيئة العلميّة والاستشاريّة للأكاديميّة، وَالبروفيسور سعاد بسناسي رئيس أكاديميّة الوهراني التي حرّكت الدراسات العلمية والثقافية، وجسّدت التّفاعل من وهران إلى كلّ ولايات الوطَن الجزائري، عبرَ سَيرورةٍ مُستمرّة مُوثّقة صوتا وصورة، وأيضا من خارج الجزائر من خلال التّعاون مع أرقى الجامعات والمراكِز الثقافيّة؛ تتصدّرُهم الجامعة الإسلاميّة بمنيسوتا - أمريكا - هذا الصّرح العلمي الأكاديمي الرّائد، والذي يهدِف إلى تعزيز البحث العلمي والتميّز التّعليمي برئاسة البروفيسور جراح محمد الجراح؛ حيث نسّقَ هذه النّدوة الدّكتور عاصم زاهي مدير مركز الابتكار والرّيادة بالجامعة الإسلامية بمنيسوتا، وسيّرَها الدّكتور أنيس مسيكي.

 بدأت الدكتورة عرجون الباتول محاضرتها الموسومة بـ “الرواية العربيّة وإشكاليّة توظيف الخطاب الصّوفي” بمدخل عن بدايات ظُهور الأدب الصّوفي الرّوحاني في القرن الثّاني الهجري مع رابعة العدَويّة، والمُتصوِّف الكبير ابراهيم بن أدهم؛ حيث بدأت معهما رحلة التصوّف ورحلة الأدب الصّوفي شعرًا ثمّ سردًا بخصوصيّته المعرفيّة العِرفانيّة كلحظة تجل بين الذّات والسّالِك وبين التوحّد والذّوَبان في الذّات الإلهيّة والأنوار الكونيّة.
وأكدت الدكتورة أنّ “القارئ والمتلقّي للأدب الصّوفي يجب أن يكون حذِرًا لأنّه لا يقرأ على ظاهره وإنّما في باطنِه، من خلال التّأويل بمصادره المتعدّدة ومشاربِه المختلفة، ومن خلال تجاوُز مستوى التّفسير السّطحي البَسيط إلى مستوى اشتِغال الدّلالة، وهو ما تُسمّيه جوليا كريستيفا “البنية العميقة”...البنية العميقة التي لا تنظُر إلى النصّ بوصفه مُجرّد شكلٍ لغويٍّ أو مُحتويات ومَضامين، أو مُجرّد وِعاء أيديولوجي أو آليّةً لاستنباط الحقيقة الصوفيّة، وإنّما تنظُر إلى النصّ باعتباره بِنيةً مُتعالِية وعميقةً ومقرّ إنتاج لمُمارسة دالّة ومُتواشِجة مع الخطاب الفلسفي والشّعري واللّغوي والأنطولوجي والبلاغي والتّفكيكي…”.

راهِن الخطاب الأدبي الذي انزاح إلى التّصوّف

 أشارت عرجون الباتول، إلى أن الخطاب الأدبي تأثّر تأثّرا كبيرا بالخطاب الصوفي، حيث وجد فيه الأدباء ملاذا للهروب من قساوة الواقع، موضحة إنّ الصّلة بين الأدب والتصوّف وثيقة جدا؛ فكل واحد منهما بحاجة إلى الآخر، فالتّجربة الصوفيّة مسارٌ فِكري وروحي يَنفي كلّ تفسير جاهز، ويُؤسِّس لتأويل جديد في تجربة الوُجود والمعرفة، ليصبح هذا الوجود حركة من التحوّل والتّعالي أثرت في الأدباء، وقدّمَت لهم مَنفذًا لمُتنفَّسٍ حُرٍّ طليق ورُوحاني عميق، كما وأسّسَت للحَداثة العربية المعاصرة.    
وذكرت ذات المتحدثة، أنّ “الرّواية الجديدة انتهَجت لنفسِها نهجًا صوفيًّا حين لجأت إلى التّجربة الصوفيّة لتغرِف من بحورِها العَميقة، وكذلك فعَل العديد من الكُتاب الروائيّين مثل قواعد العشق الأربعون لإليف شافاق، فاجعة اللّيلة السّابعة بعد الألف لواسيني الأعرج، الولي الطّاهر يعود لمقامه الزكيّ للطّاهر وطّار، تلك المحبّة للحبيب السّائح، بياض اليقين لعبد القادر عميش، سفر السّالكين لمحمد مفلاح، العشق المقدّس لعز الدين جلاوجي، رواية التجليّات لجمال الغيطاني...إلخ، مشيرة الى ان هذه الرّوايات ابتعدَت عن الكلاسيكيّة الواقعيّة وعَن تجديد مارسيل براست وفرانز كافكا إلى فَضاء ابن العربي والحلّاج، وعن التّوظيف المألوف للتقنيّات السرديّة إلى تَوظيف مُتواشِج مع التصوّف الجديد.    
وأضافت في السياق ذاته، “وإن كان التّعالُق مع الخطاب الصّوفي مُتواشِجًا ومُتداخِلًا إلى درجة التّماهي، إلّا أنّ الفُروقات مَوجودة بين تجربةٍ روحانيّة وتجربة فنيّة، على سبيل تَوظيف الاعتراف - كمثال - في الرّواية والاغتراب في التّجربة الصوفيّة الرّوحانيّة، ففي هذه الأخيرة لا ينبثِق الاغتراب من العقل الواعي للذّات الإنسانيّة، وإنّما من تلك المنزلة الروحية التي يصِل بها الصّوفي عندما يصل إلى درجة الفَناء التامّ؛ أي التّلاشي التّام في الذّات الإلهية بواسطة العشق، لأنّ التّجربة الصوفيّة تحتاج إلى إنكار الفاعليّة العقلية أو انعِدامها، أمّا التّجربة الروائيّة فتُؤسّس على العقل الواعي الفاهِم لمُجرَيات الواقع، ثمّ يحاول الكاتب الرّوائي إسقاطَ هذه الوقائع والمُجرَيات داخل النصّ الرّوائي، لأنّه (الرّوائي) مُدرِكٌ لِما يحصل ما يجعله يعمل على رَبط الذّات الإنسانيّة بالعالَم والقوانين الاجتِماعية والسياسيّة والأحوال النفسيّة والتربويّة…”.    
عرفت الندوة نقاشا غنيا ساهمت فيه كل من الدّكتورة شريفة حميدي من جامعة خميس مليانة، الدّكتورة جمعة مصاص من جامعة خنشلة، الدّكتورة آسيا متلف من جامعة الشلف، الدّكتورة زهرة بن يمينة جامعة مستغانم، الدّكتور فتح الله، الدّكتور محمود فالح، والدّكتورة فاطمة عيساوي.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024
العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024