دورها ديني يعود إلى ثلاثة قرون في التاريخ

هذه هي نخلة «تازقخت» بقصر «أنقوسة»

ورقلة: إيمان كافي

يرتبط وجود النخلة كرمز مهم وضروري بالطبيعة الصحراوية والواحاتية بشكل خاص، ويتعدى حضورها في بعض المواقع الدلالات الطبيعية، ليوضح أصالتها التاريخية ورباطها الاجتماعي الوثيق بحياة الإنسان عبر هذه المناطق.

منذ القدم، تخطّت قيمة النخلة في حياة الإنسان بالمناطق الصحراوية والواحاتية الأبعاد الاقتصادية والمعاشية إلى العادات الاجتماعية الكثيرة التي ارتبطت بالنخلة، فكان لثمارها أو العناية بها حضور فيها، كما كان لها دور جغرافي مهم من خلال تحديد المواقع، وأدت النخلة أيضا دورها الديني بامتياز، حيث كان تواجدها يرمز إلى وجود مسجد قريب.
هذه الصورة مازالت موجودة بتفاصيلها في القصر العتيق لمدينة «أنقوسة»، حيث يلفت انتباه الزائر لهذه المدينة وجود نخلات طوال باسقات وسط مباني القصر هي الدليل القاطع بأنه تمكّن من الوصول إلى المسجد الذي تكون متواجدة داخله.
وحسبما ذكر المهتم بتراث وتاريخ منطقة «أنقوسة» عبد الحليم دحماني في حديث لـ «الشعب»، فإن هذه النخلة تغرس في ساحة المسجد أثناء تشييده، حيث يتمّ غرس اثنين أو ثلاثة لتكثيف الفرصة تحسبا لعدم النمو وحتى تصلح واحدة منها على الأقل وتكون هذه النخلة من نوع خاص يسمى «تازقخت» أو نوع «عمارية»، ويتميز هذان النوعان بالطول الفارع وطول العمر.
والقصد من النخلة هو الاعتماد عليها كجزء من هياكل المسجد، حيث يتسلق المؤذن بعض الأجزاء منها ليرفع الآذان ويكون مسموعا، لأن المساجد التي لا تبنى فيها المنارة تعوّضها هذه النخلة، وتعتبر كذلك إشارة بارزة تمكّن الغرباء من التعرف على موقع المسجد، فبمجرد اتخاذ وجهته صوب جهة النخلة يكون قد وصل عند أحد المساجد.
وكنموذج للنخلة الطويلة وهي شاهدة على هذا الحديث إلى يومنا هذا قال عبد الحليم دحماني، أن نخلة من نوع «تازقخت»، وقد كانت برفقتها نخلة أخرى ملتصقة بها وسقطت حديثا جراء عامل الرياح، موجودة لحدّ اليوم داخل القصر العتيق بمدينة «أنقوسة» في مسجد يسمى «باباقة» والذي يعود إلى مؤسسه الولي الصالح سيدي صالح أحبايا الذي نزل إلى القصر في القرن الثامن عشر ميلادي، وبنى هذا المسجد لأداء الصلاة وتعليم القرآن وبنفس الطريقة غرس النخلتين، مع تشييده للمسجد.
 وبهذا التاريخ يكون عمر النخلة الباقية أكثر من ثلاث مائة سنة وبلغ طولها حوالي 40 مترا، مضيفا «هنا لازالت هذه النخلة في قصر «أنقوسة» الذي خلا من السكان، شاهدة على حقبة زمنية تروي التاريخ عبر الأجيال».
وبالعودة إلى ما أشار إليه محدثنا، فإن مدينة «أنقوسة» بولاية ورقلة، تعد من أعرق المدن في الجزائر، حيث يعود اكتشافها إلى ما قبل الميلاد وهي من أوائل المدن في الصحراء الشرقية الكبرى للجزائر التي وصلها الإسلام في عهد عقبة بن نافع مع دخوله بسكرة وفتحها من طرف القائد حسان بن نعمان في سنة 701 ميلادي الموافق لـ 82 هجري وبنا فيها أول مسجد للعبادة.
وزيادة على ذلك لعب أدوارا عديدة أخرى كإيداع الرسائل والطرود واستراحة الوفود المارة، لأن المنطقة كانت مركز عبور للقوافل المتجهة نحو بلاد المشرق، خاصة قاصدين الحج إلى بيت الله تعالى على طريق القصور والواحات، وساهم هذا التوافد في وصول عدد كبير من أولياء الله الصالحين والذين عملوا على توعية الناس في المجال الديني.
وأشار عبد الحليم دحماني أيضا، إلى أنه في القرن التاسع ميلادي تجمّع سكان المدينة في القصر وعبر فترات متفاوتة، بنيت به سبعة مساجد من طرف الأولياء الصالحين، رغم أن عدد السكان والمساحة لا يتطلب هذا العدد، لكن سعي الأولياء أدى فعلياً لحدوث ذلك كان كل مسجد تفرد بدور خاص به، على غرار أداء الصلاة وتعليم القرآن وإحياء المناسبات الدينية، ولكن يشتركون في رمز واحد يتكرّر في جميع هذه المساجد وهو النخلة الطويلة التي تكون في فناء المسجد.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19472

العدد 19472

الجمعة 17 ماي 2024
العدد 19471

العدد 19471

الأربعاء 15 ماي 2024
العدد 19470

العدد 19470

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19469

العدد 19469

الثلاثاء 14 ماي 2024