حفاظا على صلة الرّحم

«شعبان».. عنوان «اللمّة» العائلية في الجزائر

تجديد أواصر المحبّة بين الأسر يمنح المجتمع دفعة إيجابية

 في تقليد اجتماعي تسوده أجواء الفرح وصلة الرحم، تتجمّع نساء العائلة لدى الكثير من الأسر الجزائرية في بيت الأب أو الأخ الأكبر، لتجمعهم وليمة عشاء خلال شهر شعبان المبارك، وهو ما يطلق عليه «التشعبينة»، وغالبا ما تكون في النصف من هذه الشهر.

تتجدد هذه التجمعات العائلية وأجواء اللحمة في كل عام في هذا الشهر؛ حيث يحرص كثيرون على اتباع هذا التقليد الذي ورثه الآباء عن الأجداد، والأبناء عن آبائهم، فارتبط هذا الشهر لدى الكثيرين بلمة العائلة حول الطعام واستذكار تلك الأيام الماضية التي كانوا يقضونها في السنوات الماضية.
في شهر شعبان من كل عام، يجدّد السبعيني عمي «حسن – ب» لقاء الأبناء والأحفاد على مائدة الطعام، كتقليد اجتماعي ورثه عن أبيه وورثه لأبنائه، يجسد من خلاله معاني المحبة والرحمة والتكافل الاجتماعي بأبهى صورة.
في كل عام، يكرّر «عمي حسن» هذه اللمة العائلية، يستذكرون خلالها هذه الولائم عبر السنوات الماضية، كيف بدأت بالعمات، وأصبحت الآن تضم العمات وبناتهن وأحفادهن، والبنات وبناتهن في أجواء عائلية وروحانية تترك أثرا طيبا في نفوس جميع الحاضرين.
الأمر ذاته يحرص عليه الأربعيني سمير بوهراوة، الذي استمر في إقامة «التشعبينة»، التي ورثها عن والده؛ حيث يجمع أفراد العائلة على مأدبة الطعام في أحد أيام من شعبان في كل عام حرصا منه على صلة رحمه، وقضاء يوم كامل برفقة العائلة.
ظروف الحياة الصعبة والانشغالات الكثيرة التي تشغل بال الكثيرين، جعلت الناس أكثر بعدا عن أقاربهم، وربما يتأخر الوقت حتى يزور خالته أو عمته، بحسب سمير، لذا يجد في شعبان شهر محبة وصلة رحم وفرصة لجمع أرحام عائلته.
وتعد التشعبينة جزءا من عادات وتقاليد الكثير من العائلات عبر مختلف مناطق الوطن، التي ما تزال إلى اليوم تحرص على إقامتها في كل عام بحثا عن الأجر والثواب ورغبة في رؤية الأرحام، وتختلف لمات وصلة الرحم في هذا الشهر الفضيل من عائلة لأخرى.

^ صلة رحم
 يرى المختصون أن مثل هذه العادات نوع من صلة الرحم التي تعد من الأمور المهمة في الإسلام، وهي واجبة شرعا، وهي أيضا ضرورية لزيادة اللحمة والتكاتف والتماسك بين الأقارب، وتسهم في زيادة قوة المجتمع ومنعته، وصلة الرحم دليل على حسن التعامل مع الآخرين، وهي طريق لنيل رضا الله تعالى.
فحرص بعض الأسر في شهر شعبان وقبل حلول شهر رمضان المبارك على إقامة عادة «التشعبينة» التي يجتمع فيها عدد كبير من أفراد الأسرة الممتدة، هو سلوك إيجابي يعزّز أواصر صلة الرحم والتكافل الاجتماعي، وإدامة علاقات المحبة والألفة، ومثل هذه «اللمات»، إضافة الى ما فيها من أجر وثواب، فهي تترك أثرا إيجابيا في نفوس الجميع، وخصوصا «نساء العائلة»، ويفرح به الصغير أيضا، وهي فرصة للالتقاء بأفراد العائلة الكبيرة، كما أنه يعزز عند الصغار هذه العادات والتواصل مع الأجداد والأعمام والعمات والأخوال والخالات.
كما أن اللقاء في شعبان يهيئ النفوس لاستقبال شهر رمضان، ويسهم في تقوية العلاقات وتجاوز الخلافات الأسرية، ويشعر الجميع أنهم مقدمون على موسم من الخيرات، وقد حذر الإسلام من قطع الصلة بالرحم، والرسول صلى الله عليه وسلم، يقول: «الرحم معلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله».
وإن كان شهرا شعبان ورمضان فرصة لمزيد من التواصل الاجتماعي، فإنه من الضروري إدامة التواصل خلال العام سواء باللقاء المباشر والاجتماع أو بالتواصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي إذا تعذر اللقاء خلال فترات قصيرة، نظرا لأهمية العلاقات الاجتماعية وأثرها على الجميع.
ويحظى شهر شعبان بفضل كبير جدا باعتباره الذي يسبق شهر رمضان المبارك، ويكمن فضل شهر شعبان، في كونه يمهّد النفس لأداء العبادات في شهر رمضان، كما أنه فرصة لتطهير النفس من الضغائن وإصلاح العلاقات الاجتماعية وإزالة البغضاء بين الأقارب، حيث ترفع الأعمال في شعبان إلا عن المتخاصمين.
ويعد شهر شعبان من الأشهر التي تكثر فيها الزيارات، ومن المحبّب أن يكون هناك فعاليات توثق صلة الرحم، كما أنها فرصة للتجمعات العائلية وفرصة لإعادة وصل أرحام العائلة التي باعدت الظروف بينهم، وتعتبر تلك العادات الاجتماعية طيبة ومحببة، وفرصة لإصلاح العلاقات الاجتماعية وترطيب القبول، وفيها مجال لقبول اعتذار المخطئين ومسامحتهم.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19479

العدد 19479

السبت 25 ماي 2024
العدد 19478

العدد 19478

الجمعة 24 ماي 2024
العدد 19477

العدد 19477

الأربعاء 22 ماي 2024
العدد 19476

العدد 19476

الأربعاء 22 ماي 2024