الإرادة أثبتت قدرة المرأة على تحقيق ذاتها وتجاوز الصعاب
شكّلت وسائط التواصل الاجتماعي خلال السنوات الأخيرة، أحد الوسائل الترويجية الجديدة التي مكّنت العديد من النساء الماكثات في البيت من التكوين وتطوير مواهبهن والتعريف بمنتجاتهن للجمهور العام، بل إنها كانت للكثير منهن الخطوة الأولى التي جعلتهن يفكرن فعليا في التأسيس لمشاريعهن.
لم يعد مفهوم العمل وتوفير الدخل اليوم كما أجمعت الكثير من النساء المشاركات الذين التقت بهم «الشعب» عبر أجنحة معرض الأسرة المنتجة الذي نظمته غرفة الصناعة التقليدية والحرف بالمركز الثقافي الإسلامي بورقلة، مرتبطا بالحصول على الوظيفة فقط، بقدر ما هو مرتبط بتوفر الفكرة والقدرة على تحويلها إلى منتجات وسلع وتطويرها وتوسيع مجالاتها بدراسة فائدتها المجتمعية والاقتصادية معا.
فالكثير من النساء اليوم حوّلن شغفهن إلى مصدر حقيقي للدخل وفي أغلب الحالات، لعبت وسائط التواصل الاجتماعي دورا كبيرا في مساعدتهن على تحقيق ذلك، إما بالتكوين من خلال دورات معلن عنها أو بالمشاركة في معارض خاصة بمنتجات المرأة المنتجة والتي شكّلت أيضا بوابة مهمة لتقديم سلع ومنتجات المشاركات مباشرة للجمهور وأكسبتهن من خلال هذه الفرص التسويقية قاعدة جيدة من الزبائن.
وفي سياق الاطلاع على ما تقدّمه النسوة خلال شهر مارس وعبر مختلف أجنحة العرض المقامة في سياق الاحتفالات باليوم العالمي للمرأة المصادف للثامن من هذا الشهر، يمكن للزائر اكتشاف العديد من المجالات التي أضحت اليوم مصدرا فعليا لكسب الرزق وتنشيط المرأة الماكثة في البيت، حتى تكون هي الأخرى عنصرا فاعلا في دعم الاقتصاد المحلي والوطني وخدمة المحيط الاقتصادي.
مشروع «أكل صحي ولذيذ»
من بين هذه المشاريع، مشروع «أكل صحي ولذيذ» للسيدة صليحة جاب الله، تقول محدثتنا أن وضعها الصحي الذي دفعها إلى إتباع نظام صحي خاص بالاعتماد على الأكل الصحي كان فرصة للانطلاق في نشاطها الحالي، مشيرة إلى أنها فكرت في البحث والتعمق في هذا المجال لتوفر لنفسها بدائل للأكل بإتباع أسلوب التغذية الصحية بصنع الخبز والحلويات وحتى المملحات المختلفة والبوراك وخبز الطاكوس الصحي، كل هذا باستخدام منتجات طبيعية صحية مثل سكر التمر ودبس التمر وعسل التمر كبدائل صحية للسكر الأبيض والفرينة وسميد القمح الكامل التي تصنعها بأناملها خطوة بخطوة.
وذكرت المتحدثة، أن زبائنها الأوائل تعرفوا عليها من خلال إحدى قاعات الرياضة النسائية بالولاية ورقلة ومنها ازداد الطلب على منتجاتها وما تقدّمه، ففكرت جديا في توسيع مجال الفائدة ليشمل الكثير من الفئات التي في حاجة إلى إيجاد بدائل صحية وإتباع نظام غذائي صحي بعد أن لاقت منتجاتها استحسانا كبيرا وسط هذه الفئة.
وأشارت السيدة جاب الله أنها لم تتوقف اليوم عند توفير المنتجات الصحية فقط، بل مازالت تسعى لتطوير مهاراتها ومعارفها، بالاعتماد على المجموعات الخاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي كـالواتساب وفيس بوك والتي تضمّ الكثير من المهتمين والباحثين في مجال التغذية الصحية، مشيرة إلى أن العمل في هذا المجال وتطويره يتطلّب جهدا كبيرا.
وهي اليوم تسعى لتقديم وجبات وحلويات تغني المرضى والمطالبين بإتباع حميات صحية عن الأكل غير الصحي، عبر تقديم حلويات صحية مثل الغريبية والسيقار وصابلي بريستيج، بالإضافة إلى المملحات المختلفة، من أجل توفير بدائل صحية للتغذية، تنهي معاناة الكثير من الأفراد اليوم والذين يواجهون مشاكل صحية سببها الرئيسي الغذاء، «لأن صحتنا في غذائنا» كما قالت، مضيفة أن الحميات الكثيرة التي يتم اعتمادها من أجل إنقاص الوزن والقضاء على السمنة التي تعد مرض العصر أنجحها هو أسلوب الغذاء الصحي.
وهو ما يتطلّب تغيير ثقافة التغذية الصحية بتوفر الإرادة أولا والتي يجب أن تكون من طرف الجميع وخاصة المزارعين كما ذكرت، فمن المهم أن تكون لديهم الإرادة للاندماج في سياق استراتيجية غذائية، تساهم في الحفاظ على صحة الأفراد وخاصة الأجيال المستقبلية.
وعن بعض الصعوبات التي تواجهها في نشاطها، اعتبرت المتحدثة أن أبرزها سعر المواد الأولية الذي بحاجة إلى الدعم من أجل توجيه اليد العاملة الحرفية وتشجيعها لتعزيز الإنتاج والاقتصاد الوطني.
الأنترنت سهّلت فرص التكوين والتسويق
الأمر نفسه بالنسبة للآنسة دريد ماجدة الحرفية في صناعة المستحضرات التجميلية بمواد طبيعية التي انطلقت في هذا النشاط بالاشتراك مع زميلتها السيدة آسيا عياض، بعد دورة تكوينية مكنتهما من الانفتاح على فرصة عمل لإنتاج مواد تجميلية ومنها صنع الصابون بأنواع مختلفة من مواد طبيعية 100 في المائة وماسكات للبشرة والشعر وشموع عطرية وغسول للشعر وغيرها الكثير.
وكشفت ماجدة أنها تشجعت وزميلتها للتكوين في هذا المجال بعد الاطلاع على إعلان لدورة للتكوين في صنع المستحضرات التجميلية الطبيعية عبر منصة إنستغرام ومنها انطلقتا في النشاط والإنتاج والتسويق لمنتجاتهما، من خلال استخدام منصات الفيس بوك وانستغرام ومع الوقت تمكنتا من توسيع شبكة توزيع عبر مندوبات، وبالتالي لم تفتح هذه الدورة التكوينية لهما بابا للدخل فقط وإنما سمحت بتشغيل عدد من الفتيات والنساء معهما.
وأكدت أن هذه مشاركتهما الأولى في المعارض، معتبرة أنها تعدّ خطوة مساعدة جدا خاصة في البدايات، من أجل البحث عن سبل للتعريف بمنتجاتهما والتسويق في هذه المرحلة.
وقالت في سياق الحديث عن دور المرأة في عالم الشغل أن الفرصة للشغل بالنسبة للمرأة الماكثة في البيت والتي تملك موهبة قادرة على تطويرها وتحويلها إلى مصدر رزق متوفرة ووسائل التواصل الاجتماعي ساهمت كثيرا في ذلك، مؤكدة «كل ما يتطلبه الأمر اليوم هو الخطوة والإرادة، الإمكانيات ليست عائقا ولابد من استغلال الفرصة للتكوين، خاصة أن العصر الحالي يوفر العديد من الفرص عبر الأنترنت للتكوين وكذا التسويق عبر منصات التواصل الاجتماعي».
تجدر الإشارة إلى أن هذا المعرض المنظم من طرف غرفة الصناعة التقليدية والحرف لولاية ورقلة، في إطار الاحتفال بمناسبة اليوم العالمي للمرأة 8 مارس، عرف مشاركة 20 امرأة منتجة في مختلف النشاطات اختتمت فعالياته مؤخرا وهدف إلى مرافقة المرأة المنتجة الماكثة بالبيت والمرأة الحرفية في تسويق منتجاتها وتعزيز الفرص أمامها للالتقاء والاحتكاك مع الحرفيات الناشطات في مجالات مختلفة، من أجل المساهمة في خلق فرص للتعاون ونقل الخبرات.
كما ستحظى المشاركات بدورة مجانية في حسن تسيير المؤسسة معتمدة من المكتب الدولي للعمل، بهدف تشجيع المرأة المنتجة والحرفية التي تنشط في مختلف الصناعات التقليدية والحرف وتنتج للتعرف على السوق وطرق حساب التكاليف، كما ستكون الدورة فرصة للمرافقة الأولية وستتبعها مرافقة فردية لكل امرأة وجدت صعوبات في نشاطها كما ذكرت لـ»الشعب» نورة بوخلط رئيس مصلحة ترقية ودعم بغرفة الصناعة التقليدية بورقلة، وذلك من أجل تشجيعهن ودعمهن في التأسيس لمشاريعهن والمساهمة من خلالها في فتح مناصب شغل كإضافة اقتصادية للولاية، مشيرة إلى أن برنامج الغرفة للاحتفالات الخاصة بهذا اليوم يشمل أيضا تنظيم مسابقة في صناعة الحلويات التقليدية كحافز للنساء الماكثات في البيت المبدعات في صناعة الحلويات بالاعتماد على المواد الأولية المحلية.
