عادات راسخة في استقبال شهر رمضان الفضيل

«التشعبينة» و»المقطفة»..تقليد هام لدى العائلات المستغانمية

مستغانم: غانية زيوي

تحرص العائلات المستغانمية على عاداتها وتقاليدها الراسخة في استقبال الشهر الكريم، ويشرع الكثيرون من سكان الولاية في تحضير أنواع معينة من المأكولات وعلى رأسها شربة «المقطفة»، فضلا عن تنظيف وطلاء البيوت بما يعرف «بالتشعبينة»، كما تزيد حركة ملحوظة في الشوارع والأسواق والمحلات.

تنقل «الشعب» اليوم تفاصيل عادات استمرت جيلا بعد جيل في ترسيخ الهوية الجزائرية، فكانت سلاحا فتّاكا حافظ على أصل الأرض والوطن رغم محاولات المستعمر على مدى ما يزيد عن قرن مسحها ومسخها، فكانت المناسبات الدينية علامة مميزة للمجتمع الجزائري الذي يظهر اعتزازه وانتمائه الإسلامي من خلال عاداته وتقاليده.

«التشعبينة» أولى التّحضيرات لاستقبال رمضان
 يعد تنظيف وطلاء البيوت لدى العائلات المستغانمية عادة وتقليدا سنويا هاما يقومون به مع اقتراب شهر رمضان الفضيل، بحيث تستعد النساء لتنظيف المنزل وغسل الجدران وإعادة طلائها إذا لزم الأمر، وتهيئة كل صغيرة وكبيرة فيما يعرف «بالتشعبينة»، هذا وتأتي البنات المتزوجات إلى بيوت أهاليهم لزيارتهم ومساعدة الوالدة في تنظيف البيت.
كما تحرص النساء أياما قليلة قبل دخول شهر رمضان، على شراء كل المستلزمات الغذائية خاصة التوابل التي يحرصن على اقتنائها، ضف إلى ذلك شراء أواني جديدة وهي عادة تتشبّث بها العائلات المستغانمية ترحيبا بهذه المناسبة الدينية الكريمة.
وفي حديثنا مع خالتي «فاطمة» حول أهم التحضيرات التي تسبق شهر رمضان، أكّدت على أهمية تنظيف البيوت كأنّهم يتجهزون لعرس أو ضيف عزيز، فضلا عن شراء الصحون والأواني الجديدة لاستعمالها، فالعادة تقتضي أن يستقبل الضيف الكريم كل سنة بأواني منزلية جديدة، ليتجدّد معه الحياة بنيل بركات الشهر الفضيل ورحماته، ولتكون تلك الأواني الجديدة تعبير صريح على مكانة الشهر الكريم.

«المقطفة» بأنامل الأمهات المستغانميات
 بالرغم من وجود كل أنواع العجائن في الأسواق، إلا أن الأمهات لا تزال تحرصن على تحضير شربة «المقطفة» بأناملهن الذهبية قبيل قدوم رمضان بأيام حتى تبقى طازجة ومحافظة على قوامها.
والمقطفة نوع من أنواع العجائن التي تضاف إلى الحساء، يدخل في تركيبتها الدقيق والماء والملح، تعجن جيدا إلى أن تصبح لينة ثم تفرد على شكل خيوط رقيقة، ويقطع كل خيط الى قطع صغيرة تبرم بالأصابع بين السبابة والابهام، قبل أن توضع في الهواء لتجف، وبعدها تضاف الى الشربة.
وتقول خالتي فاطمة في هذا الصدد «نجتمع نحن نسوة الحي كل يوم في بيت من بيوت إحداهن لتحضير بعض العجائن التقليدية في مقدمتها شربة المقطفة التي تميز موائدنا في الشهر الفضيل».

أطباق تقليدية تقاوم الزّوال
تحضّر العائلات المستغانمية في اليوم الأول من الشهر الفضيل طبق «الطاجين الحلو»، وذلك تفاؤلا به وبنية أن تحلو باقي أيامه، حيث تقول خالتي جميلة «لابد أن يكون في الطاولة أول يوم من رمضان حتى يأتي الشهر حلوا»، هذا إلى جانب تحضير طبق «شربة المقطفة» سيدة المائدة الرمضانية دون منازع والتي يتم تحضيرها قبل شهر رمضان، فيما تفضل بعض العائلات تحضير طبق «الحريرة» إلى جانب الطبق المالح كما يسمونه، والمتمثل في «طاجين زيتون» أو «المثوم» وغيرها من الأطباق، إضافة إلى خبز الدار.
أما بالنسبة للسحور تقول خالتي «نصيرة» «أنه طيلة 30 يوما نقوم بتحضير طعام المسفوف بالزبيب والبيض واللبن»، حيث يعد الطعام من الوجبات الأساسية التي تقدم في وجبة السحور.
كما تحافظ العائلات المستغانمية على عادات وتقاليد الخاصة بصوم أبنائها لأول المرة، حيث تلبس للبنت الشدة المستغانمية وللولد اللباس التقليدي، كما يتم وضع خاتم من ذهب في كأس الحليب كما تقول خالتي «جميلة» «حتى يصبغ في قلبه الصيام».
إلى جانب الأطباق التقليدية، دأبت العائلات المستغانمية على إعداد بعض المشروبات التقليدية التي تقدم عند الإفطار أو السحور وهي مقاومة للعطش والجوع من بينها «المحمضة» و»الشاربات».
ويتم تحضير مشروب المحمضة حسب خالتي «منصورية» من مجموعة من الأعشاب والتوابل يتم تجفيفها ثم طحنها، وهي عبارة عن مكونات من الحلبة والنوخة والسكنجبير والزعتر والكروية والكمون وتضاف إليها الروينة، حيث توضع ملعقة من كل مكون في لتر من الماء، وتترك في الثلاجة لتبرد وتقدم مع الفطور أو السحور.
لكن أضحى مشروب المحمضة هو الآخر يوشك على الاختفاء من على الموائد الرمضانية للعائلات المستغانمية، تضيف خالتي «منصورية».
أما بالنسبة للشاربات لا يزال يحافظ على مكانته لدى العائلات المستغانمية خلال الشهر الفضيل إما بتحضيره في البيت أو اقتناءه من المحلات.

مائدة واحدة
 للحياة المعاصرة ضريبتها على الفرد والمجتمع، فتغير نمطها فرض الكثير من الجوانب الإيجابية والسلبية، وما بين رمضان اليوم ورمضان الأمس الكثير من أوجه الشبه والاختلاف هناك عادات وتقاليد كثيرة في الشهر الكريم، منها ما استمر حتى الآن، ومنها ما اندثر.
صرّحت خالتي «نصيرة» أنّه يوجد اختلاف كبير وفرق شاسع بين رمضان زمان ورمضان الحالي، الذي لا ذوق ولا رائحة له حسبها، حيث كان الجيران عائلة واحدة يتبادلون الأطباق وخبز الدار، كما كنّ يعكفن خلال السهرة على تحضير «المقطفة» كل يوم في بيت جارة من الجارات حتى نهاية الشهر الفضيل، وبالنسبة للأطباق العصرية التي باتت تزاحم الأطباق التقليدية، تقول خالتي «نصيرة» «ولم يكن هذا «الشكيل» من المأكولات العصرية والمقبلات»، وكلمة «الشكيل» تعني أمر تافه لا قيمة له.
وبالرغم من اندثار بعض التقاليد التي كن يحرصن عليها، تشير خالتي «منصورية» إلى أنه بالرغم من تنوّع وتعدّد الأطباق العصرية التي أصبحت تقدمها العائلات على مائدتها الرمضانية، إلا أنها لم تستطع زحزحة بعض الأطباق العريقة المتربّعة على عرش مائدة الإفطار الرمضاني بمختلف أنحاء الولاية.

العشر الأواخر من الشّهر الفضيل
 تشير خالتي «جميلة» إلى عادة شراء اللباس الجديد، حيث تقبل العائلات بعد صلاة التراويح في العشر الأواخر من رمضان على المحلات والمراكز التجارية لاقتناء ملابس العيد للكبار والصغار لاستقباله في أحلى وأبهى حلة، إلى جانب شراء مستلزمات حلويات العيد على غرار الكعك والطورنو والمصيبحات والقريوشة والمقروط.
كما تحرص العائلات المستغانمية في ليلة القدر المباركة على تحضير طبق «التريد» بالمرق الأبيض والحمص والدجاج وهو يشبه طبق «الشخشوخة»، إضافة إلى وضع القطران في الأرجل لكل العائلة لطرد الشياطين حسبهم، وتبخير الدار بالجاوي.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19472

العدد 19472

الجمعة 17 ماي 2024
العدد 19471

العدد 19471

الأربعاء 15 ماي 2024
العدد 19470

العدد 19470

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19469

العدد 19469

الثلاثاء 14 ماي 2024