بين الإدمان والتعلّم 

تعلّق الأطفال بالشاشات خطر يمكن تفاديه

يلاحظ الكثير منا أن التكنولوجيات الحديثة غيّرت من طرق استغلال الأطفال للعطلة الصيفية، حيث ركنوا في زاوية البيت أو الشارع إلى هواتفهم أو ألواحهم الذكية من اجل تمضية الوقت في “السبحة” الكترونية عزلتهم أكثر عن محيطهم ومجتمعهم الصغير الذين يعيشون فيه.

 يمضي رسيم، 9 أعوام، جزءا كبيرا من وقته على الأجهزة اللوحية ليحدّث مع صديقه الذي لديه الاهتمامات ذاتها، ومتابعة الفيديوهات على تطبيق “تيك توك” لأداء بعض الرقصات، في محاولة لتقليده، وكذلك لتعلم الرياضات البدنية التي انتشرت خلال فترات الإغلاق التام بسبب جائحة كورونا، كما يستخدم الجهاز اللوحي لأداء واجباته المدرسية.
وعما إذا كان هناك وقت محدّد لاستخدام الجهاز في منزله، يقول: “تحاول أمي منعي معظم الوقت من استخدامه، إلا أنني أستمتع بمحادثة صديقي ومشاهدة هذه الفيديوهات، فأحاول إقناعها بالحصول عليه من وقت إلى آخر”.
أما عمر، 13 عاما، فيرجع اهتمامه بالتكنولوجيا والشاشات إلى شغفه المستمر بمعرفة كل الأخبار الحديثة، سواء في الأمور الحياتية أو كرة القدم ومعرفة ما هو جديد لدى كل لاعب وكذلك الأندية. ويوضح أن الإنترنت والتكنولوجيا الإلكترونية بشكل عام سهلتا عليه عملية البحث وإيجاد المعلومات في وقت قصير، وذلك وفقا للنظام التعليمي الخاص به الذي يعتمد على الوصول إلى المعلومة بذاته.
رسيم وعمر اثنان من ملايين الأطفال الذين يتعلّقون بالأجهزة الحديثة للتواصل مع أقرانهما، سواء بهدف التسلية أو لغايات مفيدة فعلاً. إذ يرتبط جيل كامل، اليوم، بشبكة الإنترنت والتطور التكنولوجي السريع بشكل وثيق، وبات أهم ما يشغل الأبناء الآن الإصدارات الجديدة من هواتف ذكية وأجهزة إلكترونية سهلة الحمل والاستخدام.
والسؤال هنا: هل هذا الاهتمام مفيد لهم ليكونوا مواكبين لكل جديد في عصرهم، أو أن تأثيرها سيكون سلبيا، سواء على مستوى ذكائهم أو على صعيد تواصلهم مع الآخرين؟

مواكبة العصر
يرى المخصّصون في علم النفس، أنه لا يمكن منع الأطفال من استخدام التكنولوجيا عموما، في ظل الحياة التي نعيشها الآن، فالتكنولوجيا يمكن أن تكون مفيدة وتعليمية بالنسبة إلى الأطفال إذا تمّ استخدامها بشكل صحيح ومناسب لأعمارهم ومواكبتهم لكل جديد.
ويمكن للأجهزة الإلكترونية أن تكون أدوات تعليمية قوية، إذ تَستخدم مدارس كثيرة حول العالم تطبيقات التعليم والألعاب الإلكترونية التربوية بغية مساعدة الأطفال على اكتساب مهارات أكاديمية، كالقراءة والكتابة والرياضيات، بطرق ممتعة وتفاعلية.
ويعد الاهل العامل الأساسي في إدمان الأطفال هذه التكنولوجيا، أو التعامل معها كوسيلة تعلّم واستفادة، كونهم النموذج الذي يسير خلفه الأبناء. فعندما يرى الأطفال أن الأهل يستخدمون التكنولوجيا بشكل مسؤول ومتوازن، فإنهم يتعلمون منهم ويتبعون نهجا مماثلا، والعكس صحيح.
ونبّه المختصون الأهل إلى بعض النقاط التي يجب مراعاتها عند استخدام أطفالهم التكنولوجيا، حتى لا تسيطر الأجهزة على عقول الأبناء وتكون سببا في قلة التفاعل الاجتماعي، لافتين إلى أن الاعتماد الزائد على الشاشات يؤدي إلى قلة التفاعل الاجتماعي الواقعي وتقليص فرص التفاعل مع الأشخاص الآخرين، ما ينعكس سلبا على مهاراتهم في التواصل والعلاقات الاجتماعية.
كما أن الاستخدام المفرط للشاشات الإلكترونية قبل التوجه إلى السرير ليلا يسبب اضطرابات النوم، وفقهم فيمكن للإشعاع الضوئي الأزرق الذي ينبعث من الشاشات أن يعيق إفراز هرمون الميلاتونين الذي يساعد في الاستعداد للنوم.

 جوانب إيجابية
وهذا ما تؤكده دراسة أجرتها الباحثة سارة دوموف، أستاذة مساعدة في علم النفس في جامعة ميشيغان الأميركية، والتي ربطت تمضية كثير من الوقت أمام الشاشة بقلة النوم وتأخر الكلام وضعف المهارات الاجتماعية، معتبرة أن “الإدمان بالنسبة إلى الأطفال يبدأ عندما يفقدون القدرة على التوقف عن استخدام هذه الأجهزة أو التوقف عن متابعة الجديد فيها”.
في المقابل، ترى دوموف أن للتكنولوجيا الحديثة جوانب إيجابية على الأطفال ومنها زيادة معدلات الذكاء والاعتماد على النفس وتنمية مهارات الدراسة، لكن ذلك قد يصل إلى حد الإدمان عندما يبدأ الأطفال إعلان استغنائهم عن الهوايات أو الاهتمامات الأخرى، تحت مبرر أنها أصبحت مملة.
وتقول دوموف: “إذا كان طفلك يتحدث عن لعبة ماين كرافت، حتى عندما لا يلعب ألعاب الفيديو، ويتساءل عما سينشره “اليوتيوبر” المفضل لديه بعد ذلك، أو يمثل مشاهد من أنغري بيرد، فقد يكون هذا علامة على الإدمان”.
وتطالب الباحثة الأميركية الآباء بضرورة متابعة أبنائهم وتحديد وقت لاستخدام أي من وسائل التكنولوجيا، أيا كانت. وتقول إنه إذا وجد الآباء أن هذا القرار بدأ يثير غضب الابن، فإن ذلك يؤكد لهم أنها بداية إدمان.
وتُشبّه ما سيحدث بعد تطبيق القرار بمراحل الانسحاب من الإدمان، على أن تختار -بدلا من الاستخدام المفرط لهذه التكنولوجيا-نشاطات أكثر إفادة للأبناء، مثل الخروج في الهواء الطلق وممارسة رياضة جماعية معهم، أو تنمية مهارة جديدة لديهم.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19473

العدد 19473

السبت 18 ماي 2024
العدد 19472

العدد 19472

الجمعة 17 ماي 2024
العدد 19471

العدد 19471

الأربعاء 15 ماي 2024
العدد 19470

العدد 19470

الثلاثاء 14 ماي 2024