شعيرة دينية بأبعاد اجتماعية

”الحنّة” و”التويزة”..وطرائف حاضرة

رغم كثرة التحولات التي عرفها المجتمع الجزائري، إلا أنه ما يزال محافظا على البعض من تقاليده في إحياء سنة النحر بشكل جماعي بمناسبة عيد الأضحى المبارك، وترسيخ صلات الأرحام ومحافظتهم على زيارة المقابر، لكن كل من تسأله عبر مختلف مناطق ربوع الوطن، إلا ويؤكد أن العيد لم يعد كما كان زمان وطعمه ضاع بالكامل.
قبل حلول العيد بأيام تنتشر عبر كل التراب الوطني الأسواق الفوضوية لتجار سوق المواشي، الذين يعرضون سلعهم على المواطنين لاقتناء كبش العيد في سوق لا تحكمه معايير أو ضوابط، بل من يدخل إلى السوق يخيل له أنه في سوق البورصة وليس في سوق المواشي بالنظر إلى الارتفاع الكبير لأسعارها.
هذا الارتفاع يتصل مباشرة بالمضاربين، الذين يستغلون الظرف ليرفعوا من أثمان المواشي لدرجة يصعب فيها على الموظف أو العامل البسيط بل حتى المتوسط اقتناء أضحية، بل يكون بين خيارين أحلاهما مر، إما التضحية براتبه الشهري وشراء أضحية أو الاكتفاء بشراء بعض اللحم والتخفيف عن أولاده، بينما هناك من يتجه للقرض أو الاستدانة.
من بين العادات التي تميز اقتراب عيد الأضحى لدى الجزائريين، هو الإقدام على اقتناء الأواني المخصصة للذبح وسكاكين جديدة لتحديث كما يقال منظومتهم المنزلية استعدادا ليوم النحر، فيما لا تزال عادة طلاء الكباش بالحنة التقليدية ليلة العيد رفقة الأطفال تصارع من أجل الإبقاء على “ريحة العيد”، بينما وفي يوم النحر يلتف الجيران ويقومون بذبح أضاحيهم في باحة كبيرة ليشرعوا بعدها في التضحية الجماعية، وتناول طعام الغداء في مجالس تعيد بعض الحميمية من أيام زمان، وهي الظاهرة المنتشرة بقوة في المدن الداخلية.
وفي منطقة جرجرة هناك تقاليد خاصة في عيد الأضحى تتمثل في “الوزيعة”، حيث ينحر أهل القرية عجولا وأبقارا ليوزع لحمها على المحرومين ومن لم يسعفه الحظ شراء أضحية العيد، بينما في منطقة بني ميزاب بولاية غرداية، فإنّ توثيق العلاقات الاجتماعية في مثل هذه المناسبة لا بد منه، وذلك من خلال البحث عن فك النزاعات وإقامة الصلح بين المتخاصمين، ما يحوّل العيد إلى محفل يغمر الكبير والصغير بفرحة العيد.
أمّا عن أبرز الأطباق التي تميز الجزائريين في عيد الأضحى وتزين مطابخهم، فهناك “العصبان” يتم إعداده من بطن الخروف بعد غسله وتنظيفه جيدا يقلب ويتم حشوه بالكبد والقلب وقطع من اللحم صغيرة وبعض الحمص، بالإضافة إلى التوابل ليطهى بعدها ويكون له طعم لذيذ. ومن الأطعمة هناك أيضا الملفوف، والذي هو عبارة عن كبد ملفوف في قطع من الشحم يشوى على الجمر ويقدم مع الشاي الأخضر، وهناك أيضا لحم رأس الخروف أو ما يسمى محليا بـ«البوزلوف” وهناك “البكبوكة” و«الكمونية” التي تتفنن ربات البيوت في تحضيرها أيام العيد.

موعد لحلبة المصارعة

 لا يمكن الحديث عن أيام عيد الأضحى دون إغفال ما يحدث في بعض المدن، خاصة في شرق البلاد من مظاهر أفسدت الطابع الديني للمناسبة، حيث يتحول حدث العيد إلى حدث لمعارك و«كرنفالات” تتمثل في تناطح ومبارزة بين الكباش تحولت بشكل سريع إلى ما سمي بـ “دوري الكباش”.
يخسر فيها الهالك كبشه وماله، ويفوز صاحب الكبش المنتصر بمبلغ مالي كبير، جعلها تشد لها أنظار العديد من الشباب، كيف لا وهي من أطلق عليها أسماء مصارعين ورياضيين عالمين ومشاهير الفن والسينما، أما الأدهى أنّ ثمنها يصل في بعض المرات إلى 100 مليون سنتيم.
ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد وسط الشباب في المبارزة، وإنما هناك من ابتدع تصفيفات لصوف الكباش، حلاقات غريبة على الموضة، كل شيء جرب على أضحية العيد بل وصار الكبش يهاجم ويمتنع بأمر صاحبه مدرب على الكلمة الفرنسية الشهيرة “أطاك” التي تعني الهجوم.

طرائف يوم النّحر

 طبعا لا يمكن إغفال بصمة الشباب في العديد من المواقف الطريفة والنادرة التي ترافق مظاهر الاحتفال بعيد الأضحى، ومن أبرزها سقوط كبش من شرفات المساكن، حيث سقط كبش من شقة متواجدة في الطابق الثالث لإحدى العمارات، الطريف في الحادثة أن صاحبه فقير، اضطر إلى وضع الجبس للأضحية (الكبش)، وأعطاه البيطري مهلة 20 يوما لنزعه، لكن هذا الشخص المسكين طالب من البيطري تخفيض المدة لأنها تفوق يوم الاحتفال بعيد الأضحى المبارك، لكن البيطري وبحكم الأمانة الطبية رفض طلبه، ليضطر المسكين إلى نزع الجبس قبل انقضاء المدة المحددة.
ونتيجة لرغبة الكثيرين في المجازفة وتجريب النحر في هذا اليوم لما له من قيمة معنوية، قد يصطدم الكثيرون بحوادث من نوع آخر، يتعلق الأمر بهروب الكبش من موقع الذبح، بسبب عدم ذبحه بالطريقة الصحيحة أو حتى فقدانه كليا، على غرار “سمير”، 40 سنة، الذي تذكّر أول يوم ذبح فيه الكبش حين لم يمسكه بطريقة جيدة، ما أدّى به إلى الفرار من المكان والدم يسيل من عنقه، ذلك المشهد لا يزال راسخا في مخيلته، ويستحضره كل يوم عيد أضحى.
نفس الشيء بالنسبة لـ “كمال”، 45 سنة، الذي تسبب في جرح عميق لكبشهم قبل ذبحه، بعدما أصابه بالخطأ بواسطة السكين، وهو يحاول ربطه ليعده للنحر، وهو ما جعل من هذا الكبش غير صالح للأضحية، تطبع مثل هذه الروايات يوم العيد الأضحى، وتتكرّر في كل سنة، تاركة وراءها ذكريات جميلة أو غريبة يصعب نسيانها.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19473

العدد 19473

السبت 18 ماي 2024
العدد 19472

العدد 19472

الجمعة 17 ماي 2024
العدد 19471

العدد 19471

الأربعاء 15 ماي 2024
العدد 19470

العدد 19470

الثلاثاء 14 ماي 2024