يشهد سوق الجملة للخضر والفواكه، الواقع ببلدية الكرمة في ولاية وهران، حركية غير مسبوقة، تعكس بداية مرحلة انتقالية، تحمل في طياتها ملامح تحول جذري في نمط التسيير وآليات النشاط التجاري، وتندرج هذه الديناميكية، ضمن خطة إصلاحية شاملة، باشرت المؤسسة العمومية المسيرة للسوق تنفيذها منذ ماي 2025، بقيادة المدير الجديد، ياسين زروال، وسط طموح كبير لإعادة تشكيل ملامح السوق، وفق رؤية حديثة ومتكاملة.
تمتد المنشأة التجارية الحيوية على مساحة تقدّر بـ 26 هكتارًا، وتتميّز بموقع استراتيجي فريد بمحاذاة الطريق السيار شرق-غرب، كما تستفيد من قربها من مطار وهران الدولي وميناء المدينة إلى جانب مقومات أخرى، تمنحها فرصا واعدة لتتحول إلى قطب وطني محوري في مجالي التوزيع والتصدير.
وتشير المؤشرات الأولية إلى أن الإصلاحات بدأت تؤتي ثمارها، حيث سجل سوق الكرمة، ارتفاعا ملحوظا في حجم التعاملات اليومية، إلى جانب تحسن واضح في ظروف العمل، ما يعكس جدية التوجه الجديد وفعاليته على أرض الواقع.
وفي ضوء ذلك، أكد المدير ياسين زروال أن “الحركية الحالية، تأتي ضمن خطة تهدف إلى إعادة هيكلة السوق على المستويين التنظيمي والاقتصادي، مع التركيز على تحسين الأداء وتطوير البنية التحتية بما يتماشى مع المعايير الحديثة المعتمدة في الأسواق العالمية.
وأضاف أن “الإدارة شرعت في تنفيذ إجراءات عملية، تشمل تعزيز النظافة على مدار الساعة، وتكثيف التواجد الأمني، خصوصا ليلا، مع فرض صارم لاحترام النظام الداخلي، وذلك لضمان تنظيم النشاط التجاري وتوفير أجواء آمنة تليق بمكانة السوق كفضاء تجاري وطني بارز.
كما كشف أن “الاجتماع الأخير، الذي ترأسه والي ولاية وهران، سمير شيباني، أسفر عن تبني جملة من التوصيات الهامة، أبرزها إعادة النظر في أسعار إيجار المحلات التجارية، التي بقيت على حالها منذ سنة 2012.
وأشار إلى أن السوق صادق على “دفتر الشروط الخاص برقمنة عملية تحصيل الرسوم، ومن المتوقع أن يبدأ تنفيذ هذا المشروع في شهر أكتوبر المقبل، ويهدف المشروع إلى إنشاء منظومة إلكترونية متكاملة لتحصيل رسوم الدخول، التوقف، وإيجار المساحات التجارية، من خلال تجهيز السوق بأجهزة إلكترونية حديثة، كاميرات مراقبة، بوابات آلية، وبرمجيات متخصصة لضمان دقة وكفاءة العمليات المالية والإدارية، وفق تعبيره.
رفع حجم التداول وكسر المضاربة
وافق مجلس الإدارة أيضا على مشروع إنشاء مخزن مخصص للتصدير بمعايير دولية، بهدف فتح آفاق جديدة أمام المستثمرين الراغبين في تسويق المنتجات الجزائرية عالية الجودة خارج البلاد.
أوضح المسؤول ذاته أن “المشروع، يشهد تقدما ملحوظا في مراحل الإنجاز”، مرجحا أن “يبدأ نشاطه الفعلي خلال شهري أكتوبر أو نوفمبر كحد أقصى، وأضاف أن “تصميم المخزن تم وفقا لأرقى المواصفات العالمية، لا سيما في ما يتعلق بعمليات التعبئة، التغليف، والحفظ، بما يضمن الحفاظ على جودة المنتجات الجزائرية التي أثبتت قدرتها على المنافسة في الأسواق الخارجية.
كما كشف أن مجلس الإدارة “صادق على مشروع إنشاء مساحات خاصة بالفلاحين؛ حيث تم اقتراح ثلاث مواقع، وسيتم الشروع في تجربة أولى من خلال مساحة واحدة”، وبيّن أن “هذه المبادرة، تهدف إلى تمكين الفلاح من عرض منتوجاته مباشرة من المزرعة، وبيعها للتجار المعتمدين داخل السوق أو من ولايات أخرى، ما يساهم في كسر الطابع المحلي الضيق للسوق وفتح آفاق أوسع للتسويق.
أفاد المصدر ذاته “بوجود مشروع آخر لا يقل أهمية، حظي بموافقة مجلس الإدارة، ويهدف إلى إنشاء محل تجاري ضخم بمساحة تقدر بـ 5000 متر مربع، مخصص حصريا لنشاط تجارة الجملة.
اعتبر أن “السوق الحالي، يعتمد حاليا على نمط تجارة نصف الجملة؛ حيث تقوم الشاحنات الكبيرة بتفريغ حمولتها ليشتري منها أصحاب الشاحنات الأخرى، الذين يوزعون البضائع لاحقا على تجار التجزئة.
اعتماد نمط عصري لتجارة الجملة
و«يهدف المشروع الجديد إلى اعتماد نمط عصري لتجارة الجملة، من خلال إنشاء مستودع ضخم يسمح باستقبال كميات كبيرة من السلع، وتنظيم عملية البيع عبر مكتب خاص تعرض فيه المنتجات للمزايدة، ثم تُنقل البضائع إلى شاحنات أخرى بطريقة منظمة وشفافة، على غرار ما هو معمول به في الأسواق الحديثة بالخارج.”، كما قال..
الجدير بالذكر هنا، أن سوق الكرمة، يستقبل حاليا ما بين 500 إلى 1000 طن من الخضر والفواكه يوميا، مع تطلعات لزيادة هذه الكمية مستقبلًا، بفضل المشاريع المذكورة، ما من شأنه أن يسهم في خفض الأسعار، والحد من المضاربة، وتنشيط الحركة التجارية داخل السوق، وفق تعبيره.
كما كشف مدير المؤسسة العمومية الولائية لتسيير سوق الجملة بوهران، ياسين زروال، عن “موافقة رسمية لإنشاء مراقد للعمال الذين يشتغلون ليلاً، خاصة العمال البسطاء، إضافة إلى مشروع فندق خاص بالزوار القادمين من خارج الولاية، ما يعزز من جاذبية السوق كمركز تجاري متكامل.
وبعد أن كان سوق الجملة للخضر والفواكه بالكرمة، جنوب وهران، يعاني من الإنغلاق، الفوضى، والضائقة المالية، ها هو اليوم يشهد تحولا ملحوظا نحو الانفتاح، ساعيا إلى تعزيز حضوره في الأسواق الوطنية، بل والتطلع إلى آفاق التصدير نحو الأسواق العالمية في إطار التحضير للدخول المدرسي المقبل.