عبد العزيز بوتفليقة: رجـل وإنجـــازات

بقلم/ أمين مالك

 أود من خلال هذه المساهمة التي أوليتها تفكيرا عميقا أن أبرز الإنجاز المعتبر الذي قام به السيد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة والذي اضطلع بمهمة إعادة بناء الجزائر بعد العشرية السوداء بتفان وإخلاص، فطبع مسعاه الأمن والاستقرار والرفاهية. وهذا من باب حرصي على الابتعاد عن بعض الأصوات التي تتناسى على ما يبدو كلما اقتربت الاستحقاقات السياسية الهامة قيمة الرجال والبرامج وتتعالى لتوقع الفوضى في البلاد في السنوات الثلاث أو الأربع المقبلة.
إن هذه المعاينة تثبت مدى وجاهة التصريح الذي أدلت به شخصية وطنية لفرانس 24 في أفريل الماضي حيث كانت سباقة للمناداة «بالدفاع» عن إنجازات فخامة الرئيس والذي يتعين أن يواصلها. ولقد كان لهذا التصريح وقع مختلف لدى الفاعلين السياسيين الذين اختزل بعضهم للأسف هذا التصريح لمجرد مسالة انتخابات أفريل 2019، وهذا بدون صرف النظر على أهمية هذا الحدث الذي ينظم الحياة السياسية للأمة ضمانا للسير العادي والمنتظم لمؤسسات الدولة.
وأؤكد في هذا السياق أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة كان دائماً حريصاً، مهما كانت الصعوبات بالالتزام بشجاعة وتبصر لصالح المنفعة العامة. ويبرز هنا بوضوح الخط الفاصل بين عمل جبار يتوخى إعادة البناء والذي يتعين ان يستمر وبين وعود مستقبل واهمة قد تكون في نهاية المطاف مجرد وعود جوفاء.
من بوسعه أن ينكر أن جزائر اليوم لا علاقة لها بجزائر مستهل 2000.وما من منصف ينظر إلى ما تحقق في الجزائر خلال عقدين من الزمن إلا ويعترف بالتحسن الملموس للمشهد السياسي العام بالإضافة الى الوضع الأمني والاقتصادي، فضلا عن المكاسب المسجلة على الصعيد الاجتماعي. فحتى لو كانت حصيلة السيد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة تتحدث عن نفسها، ليس أدل على ذلك غير المقارنة بين وضعية الجزائر في عام 1999 ووضعها اليوم.
ولكي يتسنى لنا الإجابة على هذه الإشكالية الجوهرية، أعتزم شرح سبب استمرار «الإنجاز» الرئاسي الذي بدأ يتطور بطريقة محسوسة في منتصف الربيع الماضي، بارتكازه بشكل خاص على الإنجازات الهامة التي تم تنفيذها تحت القيادة المستنيرة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة خلال العهدة الحالية. ولقد تلقت هذه الإشكالية اهتماما كبيرا في الدول المجاورة ودول البحر الأبيض المتوسط التي أدركت فورا مزايا الاستمرارية بالنظر إلى آخر التطورات التي طرأت في المنطقة.
 
رمز للتضحيات
 
وبالنظر إلى أن الرهان الانتخابي ينطوي على مخاطر كبيرة في منطقة معرضة لتأثيرات قوية، فإنه يبدو جليا من وجهة نظرنا ان يفضل مفهوم الاستمرارية على غيره. ولقد تضمنت الخطابات السياسية الاستمرارية واصبحت متداولة عند عامة الشعب الذي يعي الغموض الذي يكتنف أية قطيعة فجائية في سياق الرهانات الحالية. وقد أدى هذا الوعي بالعديد من الفاعلين البارزين بالمناداة بالاستمرارية.
واليوم حق لنا أن نعتز بالرجل الذي كان ومازال مضرب المثل في البطولة والفداء والذي يمثل مساره رمزا للتضحية وإنكار الذات في خدمة البلاد، وفي هذه اللحظات الخاصة من تاريخ بلدنا، تتجلى حتمية ابراز حقيقة هذا الرجل أكثر من أي وقت مضى لان الحقيقة أساس كل عمل. ولا يمكن هذا الا من خلال استقاء الدروس من العهدة الحالية، اما انا فيما يخصني لم انتظر المبادرات السياسية الأخيرة لاقترح، بسبب الوضع الخاص الذي يمر به البلد، استمرارية العمل الرئاسي وتعزيز الثقة التي بدونها لا يمكن تحقيق التنمية.
أعرف من خلال مسيرتي المهنية، نزاهة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وإخلاصه وشجاعته وما ينبع من عزيمة رجل وجد في همته الموارد والذكاء لتنفيذ سياسات الوئام المدني والمصالحة الوطنية والعيش معاً في سلام كتتويج لاستراتيجيته التي لا تقتصر فقط على الجانب الأمني للقضاء على الإرهاب. الا انه لا يمكن أن يكون هناك تطور ولا إنعاش اقتصادي أو تقدم نحو الديمقراطية إذا غاب الأمن والاستقرار والسلام في المجتمع. إنه الرئيس بوتفليقة الذي يؤكد ذلك بنفسه من منطلق قناعته الشخصية ولقد عكف بعيدا عن المزايدات الأيديولوجية إلى رفع تحدي إعادة إرساء السلم في ربوع الجزائر وهو شرط أساسي لأي تطور سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي.
 
ترقية الأمازيغية
 
يندرج ترسيم يناير عيدا وطنيا مدفوع الأجر، سنة بعد دسترة الأمازيغية كلغة وطنية ورسمية ضمن وفاء رئيس الجمهورية لمبادئه ولمقاربته التي انتهجها منذ اعتلائه كرسي الرئاسة والتي تصب في مسار تعزيز الهوية الوطنية للجزائريين والجزائريات ومصالحتهم مع شخصيتهم التاريخية، بما يكفل توطيد الوحدة والاستقرار الوطنيين وبالتالي جعل الجزائريين اقوى، في الوقت الذي يتعين علينا رفع تحديات عدة على الصعيدين الداخلي والخارجي في سياق مليء بالغموض. ولقد تم تكريس الامازيغية في برامج قطاعية على مستوى عدة دوائر وزارية ولم تقتصر ترقية الأمازيغية لغة وثقافة في شعارات أو خطابات جوفاء.
 ومن جهة أخرى مثل تطويب 19 راهبا كاثوليكيًا مؤخرا، ظلوا مرتبطين بالجزائر وقتلوا غدرا خلال العشرية السوداء، خطوة ملموسة أخرى تثبت أن بلادنا لا تجعل من «العيش سويا في سلام» مجرد شعار، ولكن يتم تكريسه يوميا. وهنا يتضح جليا بالنسبة لأي مراقب نزيه أن المسار الذي تم اتباعه في هذا الاتجاه هو مثالي، وما زلنا في بداية عملية طويلة من إعادة تملك هويتنا وثقافتنا.
لقد مرت خمس سنوات. وتثبت الإحصائيات التي أجريت على عدة معايير اجتماعية واقتصادية بطريقة واضحة لا جدال فيها أن الجزائر عرفت مسارا تنمويا متكاملا شمل جل التراب الوطني. ولا يمكن لأحد أن ينكر أو يخفي هذا المسار التنموي.
ولقد عزز العمل الذي باشر به الرئيس بوتفليقة أسس التنمية المستدامة وفتح آفاقاً جديدة لإنعاش الاقتصاد وإعادة تنظيمه. ومع هذا لم تضحي هذه العملية بالتزامات ومسؤوليات الدولة للحفاظ على المكاسب الاجتماعية وتعزيز العدالة الاجتماعية كضامن للتماسك الاجتماعي بل أكثر من ذلك للجبهة الداخلية التي لا يمكن للجزائر من دونها رفع التحديات الأمنية المتعددة التي تواجهها في محيطها الإقليمي. ولقد ساهمت الاستثمارات الضخمة في البنية التحتية في تحسين ملموس للظروف المعيشية للسكان. كما كانت إنجازات هذه العهدة والمدرجة في برنامج التنمية 2020-2030 من أهم الإنجازات تعزز بفضلها استقرار البلاد وأمنها كما سجل الاقتصاد تقدما معتبرا.
وتسمح أهم المؤشرات الاقتصادية بقياس التقدم المحرز في طريق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وتجدر الإشارة إلى أن الدخل الفردي استمر في الارتفاع ليبلغ 4000 دولار، في حين انخفض معدل البطالة إلى 11.7 ٪.  ولقد صنف مؤشر التنمية البشرية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الانمائي الجزائر في صدارة الدول المغاربية والمرتبة الثالثة افريقيا. وعلى صعيد اخر تم تسليم أكثر من 40000  وحدة سكنية فقط خلال شهر ديسمبر 2018، وتم توزيع ما لا يقل عن  3.6 مليون منزل على المستوى الوطني. أخيراً، لا يمثل مستوى الدين الخارجي سوى 2.7٪ من الناتج المحلي الإجمالي بما يضع الجزائر ضمن الدول العشرة الأقل مديونية في العالم. ومن جهة أخرى تم تعزيز مكانة المرأة لممارسة حقوقها الدستورية والقانونية وتعزيز دورها السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
ولقد كان بإمكاننا الاستمرار في تعداد إنجازات الجزائر، إلا أن اهم شيء يكمن في الشعور العام الذي يغمرنا وهو شعور بالأمن، وهذا ما أكده معهد غالوب الأمريكي الذي صنف بلادنا في المركز السادس في ترتيب عام 2017 للبلدان الاكثر أمانًا في العالم والأول في إفريقيا وهو ثمرة عمل دؤوب ونتائج ملموسة لمسيرة مؤكدة نحو «مجتمع متزن وعادل يضمن حياة كريمة للمواطنين».

إزالة المخاطر
 
وتعد النجاحات المسجلة في العديد من المجالات نتيجة قناعة وبرنامج الرئيس الذي كرس حياته كلها لخدمة الجزائر وشعبها. ولقد عزز هذا التحدي أسس التنمية والنجاح لمجتمع عانى من ابتلاءات كبيرة وشروخ عميقة، والذي استطاع بفضل نسائه ورجاله أن يتغلب عليها.
سواء تعلق الأمر بالمجالات الاقتصادية أو الاجتماعية أو الأمنية، تحصل الجزائر على نقاط جيدة من الهيئات الدولية والدول الأجنبية والمنظمات المستقلة. ومع ذلك، لا يمكننا تجنب الأخطار تماما في الوقت الذي تنوعت فيه التهديدات، مما يقتضي منا الحفاظ على درجة عالية من اليقظة لاحتواء أي تهديد للأمن، ومواصلة مكافحة الإرهاب بدعم دؤوب للسلطات العمومية والجيش الوطني الشعبي الذي يعمل، تحت إشراف رئيس الجمهورية، على كسب التحدي المتمثل في استكمال بناء مؤسسة جمهورية، حديثة ومهنية. أما على الصعيد الخارجي، عززت الدبلوماسية الجزائرية من مصداقيتها، باستنادها لمبادئ الوقوف على مسافة متساوية من الأطراف وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وتملك مسارات التسوية من الشعوب والحكومات وعدم فرضها من الخارج، وبرزت كصوت محترم ومسموع، بفضل الجهود المعتبرة التي بذلها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي لم يدخر جهدا لاستعادة الصورة الحقيقية للجزائر وهيبتها وسمعتها لدى كل دول العالم من خلال اخراجها من عزلتها بعد المأساة الوطنية التي عاشتها في التسعينيات، ونجح بكل اقتدار في تسوية العديد من النزاعات مثل النزاع الذي قام بين دولتين مجاورتين وهما إثيوبيا وإريتريا بعد سنوات من الحرب المميتة.
 
تألق الدبلوماسية
 
إن الزيارات العديدة التي قامت بها العديد من الشخصيات الأجنبية رفيعة المستوى للجزائر عام 2018 يشهد على الاهتمام الذي يضعه هؤلاء الشركاء في وجهات نظر وتحليلات الرئيس واستعدادهم لتعزيز التعاون الاقتصادي والحوار السياسي والاستراتيجي مع الجزائر في جميع القضايا ذات الاهتمام المشترك. ويبقى تعزيز التعاون السياسي والأمني، نظرا للضرورة الملحة للسلام والأمن الإقليمي والدولي في صميم الحوار الاستراتيجي بين الجزائر وأهم شركائها.
كما تتجلى الدبلوماسية أيضا في دعمها لجهود الأمم المتحدة من أجل التوصل إلى حل عادل ونهائي لمسألة الصحراء الغربية لضمان حق تقرير المصير للشعب الصحراوي، فضلا عن دعمها لممثل الأمم المتحدة في ليبيا، بهدف الاحلال السريع للسلام والامن والمصالحة الوطنية في هذا البلد الجار. وتبقى رهانات أخرى مطروحة امامنا لاسيما على حدودنا. هذا هو الحال، على سبيل المثال في مالي، حيث تدعم الجزائر بقوة اتفاق السلام والمصالحة الذي انبثق من مسار الجزائر. كما تقتضي مكافحة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود الوطنية مجهودات جبارة، والتي لم تتوان الجزائر في القيام بها كلما اقتضى الواجب ذلك.
في الأخير وعلى حسب كل هذه المعطيات التي تم سردها لا يمكن انتقاد حصيلة الرجل. ولقد سمحت كل هذه الإنجازات برسم معالم العهدة الحالية للرئيس عبد العزيز بوتفليقة التي اتسمت بحفاظها على المكتسبات، واستقرار البلاد، وترويج رؤية مستقبلية للجزائر من خلال برنامج التنمية 2020-2030.
وكالمعتاد تحاول بعض الأحزاب في كل فترة تسبق الاستحقاقات الهامة التي تعرفها الجزائر، إعطاء صورة سوداوية عن حالة البلاد إلا أنه على الرغم من الادعاءات الكاذبة التي تظهر بشكل دوري في كل استحقاق فإن البلاد مستقرة، بفضل القيادة المستنيرة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة وقوة ومتانة مؤسساتها الجمهورية التي تضمن حمايتها وضمان سلامتها الترابية.
وموجز القول إن الخطابات المخادعة لن يتقبلها أي مراقب مطلع، الذي يدرك أن الجزائر تجاوزت الأزمة المتعددة الأشكال التي مرت بها في التسعينات واستعادت عافيتها وأحرزت مكاسب لا يمكن إنكارها على جميع الأصعدة وتسعى الى تنويع اقتصادها ومواكبة التحولات المعاصرة. فليس هناك مكان للمراوغة لخلق مناخ من القلق والتشاؤم في نفوس المواطنين حيث تسود الشفافية التامة. فهؤلاء يذكرون المرض « كعائق»، بينما يؤكد الواقع غير ذلك والأرقام تتحدث عن نفسها، مما يدل على أن العهدة الحالية كانت الأكثر نفعا للبلاد.
ولا ريب أن الرسالة واضحة للغاية، ومن هذا الباب فإنه يجدر أن تتسم المواقف بالوضوح. يجب أن يواصل الرئيس بوتفليقة عمله العظيم، ولهذا فإنه يتعين على كل الأصوات الوطنية أن تنضم إلى هذا الزخم الذي يدعو الرئيس بوتفليقة إلى الترشح لعهدة جديدة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024
العدد 19445

العدد 19445

الأحد 14 أفريل 2024
العدد 19444

العدد 19444

الأحد 14 أفريل 2024