في سابقة يشهدها القضاء العسكري وتعرفها العدالة الجزائرية منذ الاستقلال امتثال شخصيات نافذة بدواليب الدولة، وفي أعلى هرم المؤسسة العسكرية، برتبتي “فريق ولواء” أمام قاضي التحقيق بالمحكمة العسكرية، وبغض النظر عن التهمة الموجهة إليهما، التي تتعلق في موضوع الحال، بالتآمر ضد مؤسسة الجيش الوطني الشعبي والمساس بسلطته” بالإضافة إلى “المؤامرة ضد سلطة الدولة”. فإنها تعتبر ضربا بيد من حديد لكل من تسول له نفسه مجرد التفكير في ذلك.
وحسب القرار الذي أصدره الوكيل العسكري للجمهورية لدى المحكمة العسكرية بالبليدة، أمس الأحد، المتعلق بأوامر إيداع كل من اللواء عثمان طرطاق المدعو”بشير” منسق الاجهزة الامنية برئاسة الجمهورية سابقا والفريق محمد مدين المدعو “توفيق” المدير السابق لـ«الدياراس” والسعيد بوتفليقة المستشار السابق برئاسة الجمهورية، الحبس المؤقت بتهم “المساس بسلطة الجيش” و«المؤامرة ضد سلطة الدولة”، وفق ماجاء به بيان لمجلس الاستئناف العسكري بالبليدة، وهي تهم خطيرة جدا، خاصة مع الوظائف التي كانوا يشغلونها.
وقد كلف قاضي التحقيق العسكري بمباشرة إجراءات التحقيق، بعد توجيه الاتهام إليهما بما نسب من حيثيات مسجلة ومنقولة، أصدر هذا الأخير أوامر إيداعهم الحبس المؤقت، طبقا لأحكام المادة 11 الفقرة 3 من قانون الاجراءات الجزائية.
ويأتي توقيف هؤلاء بعد الاجتماعات السرية التي سبق وان تطرقت إليها الصحافة، وكشفها الرئيس السابق اليامين زروال، في رسالة وجهها لقائد الأركان نائب وزير الدفاع الوطني، ومن خلالها أشار الفريق ڤايد صالح في إحدى تدخلاته بالناحية العسكرية الثانية قائلا “لا يمكنني السكوت في هذه الفترة العصيبة التي تمر بها الجزائر، وما يحاك ضد هذا الشعب من مؤامرات ودسائس من طرف عصابة، امتهنت الغش والتدنيس والخداع، لذلك اخترت ان أكون في صف الشعب الذي كنت في صفه وإلى جانبه كما كنت بالأمس، ولن أدخر جهدا في ذلك مهما كلفني الأمر”، هذه الفقرة الأخيرة أعادها ثلاث مرات، ثم بعدها وجه آخر إنذار للفريق مدين ونعته بالصفة التي كان يحملها، وقال انه سيقوم بالإجراءات القانونية المعمول بها في مثل هذه الحالات، بل انه وصفها بالخيانة والتآمر مع جهات خارجية، وهي تهمة خطيرة جدا.
وتبقى التهم الأخرى قيد التحقيق، حفاظا على سرية المتابعة القانونية، لأن البيان أشار ان هناك أطراف أخرى لها ضلع في القضية الموجهة للمتهمين الثلاثة، هذا يعني ان امتداد التحقيق سيشمل أسماء أخرى سيكشف عنها لاحقا، بالإضافة إلى تهم أخرى قد تجر بعضها، خاصة بعد اعتقال شخصيات كانت محسوبة على هذه الزمرة، وعلى سبيل المثال ربراب، ملزي، حداد، كونيناف، والقائمة لا تزل مفتوحة وتمتد إلى وزراء ومدراء بنوك وغيرهم
بلوصيف أول لواء ضحية مؤامرة فرنسية برعاية جزائرية
ولعل التاريخ يعيد إلى الأذهان المحاكمة الأسطورية والمؤامرة التي دبرها الجنرال العربي بلخير، عراب ضباط فرنسا ضد أول لواء في الجيش الوطني الشعبي مصطفى بلوصيف الذي حكم عليه بتهمة جاهزة كانت وراءها باريس، لأنه لم يسمح للطائرات الفرنسية بضرب ليبيا، وكذا رفضه صفقات الأسلحة مع فرنسا، ويعتبر أول شخصية تقلدت منصب ضابط في جيش التحرير كمجاهد من الرعيل الأول بالقاعدة الشرقية سنة 1954 وأول لواء يسجن ويحكم عليه بـ20 سنة سجنا ظلما، إلى ان افرج عنه رئيس الجمهورية الأسبق اليامين زروال.
ولم تعرف المؤسسة حالات محاكمة شبيهة بمثل ذلك إلا تلك التي تعلقت بالجنرال بن حديد، ثم سجن كل من الألوية، عبد الرزاق شريف، اللواء لحبيب شنتوف، اللواء سعيد باي، وهم على التوالي قادة النواحي العسكرية 4، 1 ، 2، وكذلك اللواء بودواور، مدير المالية، واللواء مناد نوبة، قائد الدرك الوطني السابق، لكن التهم الموجه اليهم كانت تتعلق بالفساد المالي واستعمال السلطة والنفوذ، ولا تزال قضاياهم مفتوحة امام العدالة، بعد العفو الرئاسي الذي أصدره رئيس الجمهورية المستقيل بوتفليقة. ومحاربة الفساد مثل كرة الثلج تجر بعضها بعضا، تمتد إلى كل من كان له ضلع في استنفاذ أموال الشعب، إفلاس الخزينة العمومية والأيام القادمة، جديرة بالإجابة والكشف عن الكثير من الأشياء.