الأموال العمومية المنهوبة من البنوك

دعوة إلى إعادة النّظر في التّشريعات الحالية

جمال أوكيلي

غلق المؤسّسات المعنية ليس حلاّ عمليا

استرجاع الأموال المتحايل عليها في شكل قروض خيالية أو من خلال تضخيم فواتير الاستيراد، أو منحها هكذا بدون وثائق رسمية باسم صفة منصب الشّخص وغيرها من الأساليب تتطلّب سنّ تشريع جديد، عبارة عن منظومة قانونية تحدّد الكيفية التي يتم بواسطتها إعادة كل تلك الكميات إلى الخزينة العمومية.

هذه الصّيغة معمول بها وليست غريبة عن الخبراء الماليّين عندنا، وستقترح لاحقا بحكم الخطّة المرسومة في هذا الشّأن، ولأوّل وهلة تبدو أنّها مبنية على منهجية محكمة، وتصوّر دقيق ينطلق بوضع قاعدة بيانات واضحة وقوائم مضبوطة للأشخاص المعنيّين، وقيمة ما تمّ أخذه من البنوك.
وعلى ضوء هذا العمل ووفق الملفّات المسلّمة يشرع في التّفكير مليّا في كيفية إيجاد الإطار الفعّال الحامل للجدوى بخصوص السّعي لصبّ كل ما تمّ الاستيلاء عليه بطرق غير شرعية في القنوات الحالية لحركية سيولة رؤوس الأموال.
ولا ندّعي أبدا بأنّ مسار كهذا يعد سهلا أو هيّنا نظرا لما يوجد في الواقع من أموال تمّ الحصول عليها بعمل مخالف للتّشريع المعمول به، وقد اطلع الرأي العام على ذلك من خلال البيانات الصّادرة في هذا الشّأن من العدالة الجزائرية تجاوزت حدود المعقول والمنطق، كادت أن تعصف بمقدرات البلد، وتلقي به في المجهول ـ لا قدّر الله ـ لولا الخيّرين في هذا الوطن الذين سارعوا إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه وتصحيح هذا الوضع.
لذلك، فإنّ المتتبّعين لما يجري في قطاع المالية من خبراء وقانونيّين يدركون بأنّ التّشريع الجزائري لم يتجاهل الآليات اللاّزمة لاستعادة الأموال المنهوبة، غير أنّنا لا نحوز على تجربة ملموسة في هذا المجال، كل من ثبت عليه مثل هذا الفعل ينقل إلى السّجن بعد الحكم الصّادر ضدّه، ولم نقف على عيّنة حيّة في مثل هذه الحالات.
ولا نقول بأنّ هناك فراغا قانونيا استغلّه البعض، لكن الأجدر أن يشرّع لهذه الظّاهرة بواسطة نصوص لكل مكان وزمان تبين المسار الواجب تكييفه تجاه مثل هذه الحالات الاستثنائية.
فمن الصّعوبة بمكان اليوم التّعجيل بالذّهاب إلى هذا الخيار المعزّز للمنظومة التّشريعية في جوانبها المالية، خاصة كون الظّرف الرّاهن لا يسمح من ناحية الأولويات حاليا فإنّ العمل منصبّ على ما يسمّى بـ «الفرز»، أي اكتشاف المتورّطين المباشرين وغير المباشرين وإحالتهم على العدالة، للإقتصاص منهم وفق حجم الجرم المرتكب، وحاليا نوجد في هذه المرحلة دون أن نشعر بها.
واستكمالا لهذا المسعى، سيدعّم ذلك بتنظيم جديد عنوانه «قانون استرجاع الأموال العمومية المحوّلة» أو بالأحرى يكون بصيغة أخرى «قانون حماية الأموال العمومية»، وكل الصّيغ مفتوحة هنا ـ أي ليست منغلقة ـ عن طريق الإثراء يمكن التّوصّل إلى الفكرة الأساسية المراد إنجازها.
والمرحلة القادمة ستكون حاسمة من ناحية التّشريع الخاص بالمؤسّسات المصرفية، ونقصد هنا «الحماية» فقط مع إدخال المرونة والشّفافية في قروض الاستثمار المنتج والموفّر لمناصب العمل وليس ذلك الوهي.

 تفادي التّسرّع

وفي هذا السياق، دعا الأستاذ حميدوش الخبير في الشّؤون الاقتصادية إلى مراجعة جذرية للقوانين السّارية المفعول المسيّرة لقضايا الفساد، وهذا من خلال تكييفها الكامل مع المستجدّات الحالية النّاجمة عن النّهب الممنهج لأموال البنوك العمومية، والتي وصلت إلى سقف لا يطاق، أثّر تأثيرا مباشرا على أداء المؤشّرات الاقتصادية كالنّمو، البطالة، خلق الثّروة والتّضخّم عقب وقوع الكتلة المالية في أيدي المحتكرين وغيرهم من الأشخاص.
ويكون هذا التّوجّه التّشريعي المتبع مستقبلا بمثابة الفضاء القانوني المفتوح، الذي يسمح للعدالة ومؤسّسات أمنية أخرى بإدراجها ضمن مرجعية واضحة المعالم لا يكون العمل قائما على الإتهام فقط، انطلاقا ممّا ورد من ملفات من الدوائر البنكية، وأن المضي قدما باتجاه معرفة كيفية استعادة تلك الأموال بأحكام قضائية واضحة لا غبار عليها تساعد كل مكلّف يشتغل عليها.
وفي هذا الصّدد، وبحكم تجربة حميدوش واطلاعه الواسع على النّماذج الخارجية، يرى في التّصوّر الأمريكي الأقرب إلى الواقعية من ناحية تخفيض الأحكام الصّادرة في حالة تسجيل تعاون ملموس من قبل الشّخص المعني من ناحية عرض المعلومات الضّرورية واللازمة بخصوص الملف محل المتابعة العدلية.
وأبدى حميدوش تخوّفه من عامل الزّمن أو ضيق الوقت قد يكون مسار تحضير تلك النّصوص عاملا مثبطا ومؤخّرا للمساعي الأخرى قبيل صدور، أي تنظيم تكون المؤسسات المعنية قد زالت نهائيا وأفلست بعدما أخذت ضدّها إجراءات صارمة منها غلق الأرصدة الجارية، وهذا ما يقلق حميدوش كثيرا في حالة الذّهاب إلى هذا الخيار.
وضمن هذا النّطاق كذلك، وبدلا من الغلق يستحسن أن يعين مسيرا وفق ما تقتضيه التّدابير المعمول بها عند الوصول إلى هذا المستوى من الوضعية الصّعبة والمعقّدة للمؤسّسات المعنية حاليا بممارسات أصحابها.
أما الأستاذ جراد فقد اعتبر بأنّ قضية استرجاع الأموال المنهوبة تخضع لشروط سياسية واضحة، منها أن يكون النّظام القائم شرعيا، أي جاء عن طريق الآليات الديمقراطية، في إطار ما يعرف بدولة القانون والدول المطلوب منها أن تعيد لك أو بالأحرى تساعدك على استعادتها، تطرح جميع هذه المكوّنات السياسية في المفاوضات التي تجرى معها، وهي عبارة عن بالونات اختبار وكذلك بارومتر لقياس مدى إلتزام الطرف المقابل بتلك المبادئ أو الثّوابت المتعامل بها، وغير هذا لا يتعب نفسه في إضاعة المزيد من الوقت مع الآخر، أو بمنحه مهلة إضافية قصد العودة إلى الإنفتاح السياسي على الآخر.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19813

العدد 19813

الخميس 03 جويلية 2025
العدد 19812

العدد 19812

الأربعاء 02 جويلية 2025
العدد 19811

العدد 19811

الثلاثاء 01 جويلية 2025
العدد 19810

العدد 19810

الإثنين 30 جوان 2025