«الشعب» تزور مكان تحطّم الطائرة العسكرية بجبل فرطاس

حواجز أمنية وسباق ضد الساعة للتعرف على ضحايا الكارثة الأليمة

جبل الفرطاس: مراسلة «الشعب»: مفيدة طريفي

بعد الحادثة الأليمة التي ألمّت بركاب الطائرة العسكرية من نوع «هرقل س-130»، التي تحطّمت الثلاثاء الماضي بأعالي جبل فرطاس بمنطقة واد العقلة ببلدية أولاد قاسم، والتي تبعد عن مقر ولاية أم البواقي بحوالي 55 كلم،  تنقّلت «الشعب» إلى عين المكان لرصد أجواء الكارثة الأليمة. المنطقة الجبلية التي قصدناها بشقّ الأنفس تعرف بصعوبة تضاريسها وبالانخفاض الحاد في درجات الحرارة. هنا الطائرة المحطّمة مغروسة، راح ضحيتها 77 شخصا وإجلاء شخص واحد أصيب بجروح خطيرة، أثارت هلع سكان المنطقة جراء الانفجار الرهيب الذي دوّى المنطقة وأدخل سكانها الأصليين في فاجعة دفعت بهم للخروج ومحاولة الالتحاق بموقع الانفجار ومدّ يد العون. إنّها شهادات استقيناها بهذه الربوع البعيدة وسط حزن شديد.
تنقّلت «الشعب» إلى منطقة سقوط الطائرة العسكرية، لتقصّي الحقائق من موقع الحدث، حيث انطلقنا في اليوم الثاني وتحديدا يومي الأربعاء والخميس حوالي الساعة العاشرة باتجاه بلدية أولاد قاسم بأم البواقي، التي تبعد حوالي 80 كلم عن ولاية قسنطينة. لم نجد أيّ صعوبات في إيجاد مكان تحطّم الطائرة، فبعدما وصلنا إلى منطقة عين مليلة توجّهنا غربا نحو بلدية أولاد قاسم التي تبعد عنها بـ 7 كلم، تعتبر المنطقة ريفية بالدرجة الأولى، تشتهر بصعوبة تضاريسها وببرودة طقسها. فبمجرد توغّلنا في المنطقة تفاجأنا بالأعداد الهائلة لعناصر الدرك الوطني وأفراد الجيش الشعبي الوطني، الذين أحاطوا المنطقة بحزام أمني مشدّد، خاصة وأنّ المكان عرف اجتياحا للمواطنين الفضوليين في معرفة حيثيات الحادث ورؤية الطائرة المحطّمة، إلاّ أنّ الحواجز العسكرية وقفت عائقا أمام تقدّم المواطنين بسبب حساسية الوضع وعدم الانتهاء من عمليات الإجلاء، ليتم بعدها توقيفنا من طرف حاجز عسكري، حيث قمنا بتقديم البطاقة المهنية إلاّ أنّها لم تكن كافية لإثبات هويتنا، حيث طلبوا منّا تكليف بمهمة خاص بحادث سقوط الطائرة، لنتوجّه باحثين عن وسيلة فاكس بمقر بلدية أولاد قاسم لعلّنا نتمكّن من عبور الحاجز العسكري، إلاّ أنّنا تفاجأنا بانعدام هذه الوسيلة. توجّهنا نحو مقر البلدية وتحديدا بمكتب رئيس البلدية الذي رحّب بجريدة «الشعب» وقدّم لنا كل التسهيلات لتحويل فاكس يفيد بالتكليف ونتمكّن بموجبه العبور نحو دوار «واد العقلة»، الذي يقع بها جبل فرطاس مكان تحطّم الطائرة. انطلقنا بعدها مباشرة نحو مكان الحادث الذي وجدناه يعجّ بأفراد الجيش وعناصر الدرك الوطني، الذين منعوا أيا كان من الصعود إلى أعالي جبل فرطاس لعدم انتهاء عمليات البحث والتحقيق، إلاّ أنّ عدم السماح لنا في اليوم الأول من الصعود والاطلاع على وضعية الطائرة المحطّمة لم يفقدنا حماستنا في العودة في اليوم التالي (الخميس) لموقع الحدث والصعود لأعالي الجبل الذي يستلزم قوة وشجاعة كبيرة للوصول إليه.
وفي اليوم التالي عاودنا التنقل لولاية أم البواقي بهدف معرفة مكان التحطم ورؤية بقايا الطائرة العسكرية، وكذا التعرف على بعض حيثيات الحادث المريع، لم نجد أي صعوبات في هذه المهمة. بعد قطع سلسلة الجبال الوعرة والمخيفة، وبوسائل بسيطة قمنا بتسلّق جبل فرطاس رغم الصعوبات ومحاولات بعض عناصر الدرك بإقناعنا بعدم المواصلة لبعد مكان الحادث، إلاّ أنّنا تمسكنا من أجل كتابة إعلام حي ميداني محترف، واصلنا المشي لمدة زمنية فاقت الأربع ساعات وسط درجة حرارة منخفضة جدا، تبيّنت بعد وصولنا أنّنا اجتزنا مسافة قدّرت بـ 10 كلم مشيا على الأقدام وسط جبال وعرة مليئة بالصخور. الرحلة دامت ساعات إلاّ أنّها بعد اجتياز نصف المسافة تبين معنا هيكل الطائرة المحطمة، لكننا لم نكن نعلم بالامتحان الذي كان ينتظرنا وهو بعد وصولنا للقمة، كان لزاما علينا النزول للأسفل ثم بعدها الصعود للأعلى، وهي المرحلة التي أجهدتنا وأخافتنا بسبب صعوبة المسالك الحجرية والأشواك.

4 ساعات سيرا على الأقدام

إنّ مرحلة الوصول لقمة الجبل ورؤية حطام الطائرة العسكرية لم يكن بالأمر السهل، فرغم العراقيل الطبيعية وصعوبة المسالك تمكنا من اجتيازها والاقتراب من الموقع الذي منع على كل وسائل الإعلام، وقابلنا أفراد الجيش وكذا عناصر الدرك الوطني الذي كانوا يقومون بعملية البحث والتحقيق في حادثة سقوط طائرة أركيل سي 130 العسكرية التي سقطت صبيحة يوم الثلاثاء الماضي، حيث عملت بشكل مكثف وبالتنسيق مع كل من وحدات التعرف على ضحايا الكوارث التابعة للمعهد الوطني لعلم الإجرام والأدلة الجنائية، ومختصين في البيولوجيا والطب الشرعي والحوادث بهدف تحديد هويات ضحايا الطائرة.
وقفنا على الوضعية التي تعمل فيها قوات الدفاع الوطني بكل تفاني رغم الظروف الطبيعية الباردة جدا، والذين قابلونا بكل احترام وتقدير لمهنة المتاعب واعتبرونا زملائهم في حماية هذا الوطن الغالي، الطائرة والتي كانت تبعد عنّا ببعض الخطوات لاحظنا حالة التطويق الأمني للمنطقة ككل في وقت واصل فيه المختصون عمليات البحث
والتحري التي كانت تفضي بين الفينة والأخرى إلى العثور على أشلاء من جثث الضحايا المتناثرة إلى جانب أغراض الضحايا، وهو ما يبرّر سبب منعنا من الاقتراب أكثر أو حتى التقاط الصور التي لم نحصل عليها إلا بعد جهد جهيد على بعد أمتار قليلة فقط.
علمنا من مصادرنا أنّه قد تمّ فعلا العثور على العلبة السوداء وتواصل عمليات البحث لجمع كل ما يتعلق بأشلاء الضحايا، والتي تهدف إلى تحديد هويات الضحايا سيما منهم أولئك الذين احترقوا وتشوّهت ملامحهم وتناثرت أجزاء منها بمكان الحادث.
عناصر الجيش والدرك الوطني الذين وجدناهم ساهرين على حماية المكان بطريقة احترافية ونظامية، تمكّنوا رغم محاولات بعض الشباب من الاقتراب لتصوير ومشاهدة حطام الطائرة، إلاّ أنّهم تمكّنوا من فرض السيطرة على المكان ليلا ونهارا. وبعد السماح لنا من طرفهم للاقتراب من الطائرة المحطمة كليا تمكنا من أخذ صور لها، لنعود بعدها أدراجنا بسبب تأخر الوقت والخوف من حلول الظلام ونحن في مكان مخيف للغاية، حيث قاموا بمساعدتنا في العودة دون أن نضيع في متاهات الصخور الضخمة والخطرة، وهي المحاولة التي مكّنتنا من رؤية الحادث عن قرب ونقل وقائع حقيقية ارتأت جريدة «الشعب» كما عهدت أن تستثمر في المعلومة الصحيحة من خلال الميدان ثم الميدان.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024