تبون رجل الإجماع في ظل الأزمة

المراجعة العميقة للدستور واسترجاع الأموال المهربة

سهام بوعموشة

راهن الرئيس المنتخب الجديد عبد المجيد تبون، على صوت الشعب ونجح في ذلك، ولعل خطابه كان الأكثر واقعية، بحكم أنه يرتكز على الإسراع في مراجعة الدستور من أجل تقنين مطالب الحراك الشعبي وتفادي الحكم الفردي، وتفعيل مؤسسات الدولة ورفع الغبن والظلم عن المواطن البسيط وتمكين الشباب من تقلد مناصب سياسية، فقد فهم رسائل الحراك لأنه رجل ميداني يجيد معالجة الملفات الكبرى المرتبطة بالتنمية بحكم مساره الطويل في الجماعات المحلية.
تبون كرئيس فهم أن المفاتيح السياسية تكمن في الورشات المستعجلة التي أعلن عنها في ندوة صحفية، وهي المراجعة العميقة للدستور لضمان حماية حقوق وحريات المواطن وتجنيب البلاد أي انحراف وإلزامية تحديد فترة ولاية الرئيس لعهدة واحدة قابلة للتجديد مرة واحدة وتحديد مجال الحصانة البرلمانية واقتصارها على الأفعال الواردة في سياق النشاط البرلماني، مع مراجعة قانون الإنتخابات لتهيئة الأرضية السياسية التي تمكن من إرساء الديمقراطية الحقيقية، هذه الأخيرة تعطي الفرصة للشباب من خلال منحهم الآليات القانونية وإنهاء سطوة المال الفاسد على الممارسة السياسية.
ومن الملفات الثقيلة على طاولة الرئيس المنتخب مواصلة محاربة الفساد واسترجاع الأموال المهربة إلى الخارج، بآليات لم يفصح عنها لتطهير البلاد من بقايا العصابة والمال الفاسد، مجددا تأكيده بأن العفوالرئاسي لن يشمل هذا النوع من الجرائم الإقتصادية.
وأبرز قناعته وإيمانه القوي بدور الشباب في، تجسيد مسار التغيير العميق الذي يكون من خلال إفراز مؤسسات شعبية على مستوى البرلمان والجماعات المحلية نابعة من صلب المجتمع، وقد عبر عن ذلك خلال حملته الإنتخابية التي واكبنا مجرياتها خلال ثلاثة أسابيع تقريبا، وأهم خطوة هي تمويل الحملة الإنتخابية للشباب الراغب في الترشح للمناصب المنتخبة كي لا يتم استغلالهم من طرف أي جهة.
وأكثر من ذلك أن الرئيس الجديد إدراكا منه لأهمية الإرادة الشعبية أعلن مباشرة المرور عبر الإستفتاء الشعبي في كل عمليات الإصلاح الدستوري لتكون الشفافية في كل قرار، مثلما هو معمول به في كل الديمقراطيات الحديثة، كون الإستفتاء يعطي الفرصة لإعادة صياغة سياسة وطنية ويعزز الوحدة الوطنية، ويمكن القول إن تبون رجل إجماع له نظرة ثاقبة يحب الحوار مع كل الأطياف السياسية والمعارضين، ويده ممدودة لكل من يريد فتح باب الحوار لبناء جزائر قوية ومتطورة.
الرئيس الجديد لم يترك أي فئة لم يتحدث عنها ويعطيها حقها، فقد فهم العولمة التي تحكمها منظومة المجتمع المدني، واعدا بفتح ورشة لإعادة بعث مجتمع مدني حقيقي متحرر من الإدارة وفتات الريع وهي فرصة للشباب والجمعيات المهمشة على مستوى الجامعات، الأحياء وكل الفضاءات الإقتصادية والإجتماعية، لإعادة التموقع في خارطة الجزائر الجديدة، ليكون لهم صوت في صنع القرارعلى كافة المستويات وتتحول بذلك إلى شريك حقيقي يقدم الحلول وليس عبئا على الدولة.
هذه الرؤية التي أعطى بعض معالمها تبون مبنية على معطيات وتحاليل معمقة وليست ارتجالية، وقد عرضها خلال الحملة الإنتخابية بمختلف الولايات، حيث خاطب الجماهير المحبة والمهتمة والمساندة له بالحقيقة التي قدمها في شكل مجموعة التزامات دقيقة تتجه مباشرة نحو الإنشغالات المعبر عنها من مختلف الفئات لتكون قاطرة تجسيد التطلعات المشروعة في التنمية الشاملة التي يجد فيها كل مواطن مكانة بمن في ذلك المرأة الماكثة في البيت، ذوو الإحتياجات الخاصة، المتقاعدون، والفئات التي حاربت الإرهاب عبر فتح جسور الحوار المنتظمة والمستمرة لتفضي إلى صياغة الحلول الممكنة.
وقد أدرج تبون في التزاماته أولوية الداخل على الخارج، في حالة فوزه برئاسة الجمهورية متعهدا بزيارة المناطق الداخلية بالجنوب وأقصى الشرق والغرب قرية بقرية، وهذا ما سيقوم به وفاء لوعده لسكان تلك المناطق خلال الحملة الإنتخابية المنقضية.
وبالنسبة لحرية الصحافة المكتوبة والسمعية-البصرية والشبكات الإعلامية، فهي مضمونة على غرار حرية التظاهر سلميا، ما عدا الشتم وتشويه أعراض العائلات المحترمة، وهذا ما أكد عليه تبون. ونشير إلى تقديس الرئيس المنتخب للغة العربية وإعطائها أهمية والتي تندرج في إطار إحترام الدستور، وهذا ما لمسناه من خلال خطاباته وإجابته على أسئلة الصحافيين التي كان يلقيها باللغة العربية.
وفي مجال السياسة الخارجية كان الرئيس المنتخب واضحا منذ البداية، أن المعاملات تكون بالمثل وأنه لا يقبل بالمساس بسيادة الوطن، مؤكدا أن فتح الحدود مع المغرب الشقيق لا يأتي إلا بطلب الإعتذار من حكومتها التي أخطأت في حق الجزائريين.


 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024