جاء الرحيل مفاجئا ومؤلما بعد أن سرقه الموت في ظرف حساس، ومرحلة مازالت الجزائر تحتاج فيها إلى جميع أبنائها المخلصين والنزهاء، رحيل فقدت فيه الجزائر رجل الحكمة والانضباط والوفاء، حيث لا يمكن أن ينكر فضل الفقيد في حقن الدماء وحمل البلاد بيدين رحيمتين إلى بر الأمان، كان مستعجلا على تنظيم الانتخابات حاسما وصارما، لأنه كان يرغب في رحيل يطمئن فيه على وطنه من أي انزلا قات تهدد أمنه ووحدته ومستقبل أجياله.
غادرنا المجاهد الكبير أحمد ڤايد صالح الذي علم العدو قبل الصديق، كيف يمكن أن نسير الأزمات من دون أن نخطئ الطريق أو الوجهة؟..رحل المجاهد صاحب الخبرة بعد أن أرسى تقليدا مميزا، تمثل في التواصل المنتظم والدقيق مع المجتمع في كل محطة ومنعرج أومعضلة تواجه البلد، لن ننسى أن الفقيد عودنا بخرجاته لتوضيح كافة جوانب القضايا التي تثير الانشغال والتساؤل والقلق، وأحيانا كل أسبوع يبلغ الرأي العام بمختلف التطورات المتسارعة والمستجدات الحديثة، علما أن هذا الأسلوب الراقي والاحترافي، لا نجده في قطاعات أخرى معنية أكثر بالتواصل.
عمل بشفافية ووضوح كبيرين وبث الراحة والطمأنينة في أنفس المواطنين الخائفين على وطنهم، وكان في كل مرة يرسخ ثقة كبيرة في خياراته الدقيقة.
الملفت أن المرحوم ڤايد صالح صاحب الحكمة والنظرة الواضحة لمختلف القضايا، كان رجلا مشبعا بالوطنية وحريصا بل ومستعدا كما بالأمس للذود عن البلد، ويشهد له أنه كان يؤمن أن العلاقة بين الجيش والمجتمع لا تقبل الوساطة أو السمسرة، لذا تحمل العبء الثقيل تأمينا لوضوح الرسالة وصدق مضمونها. فاحترق بتفان وأعطى كل ما عنده في سبيل رفع لبس الانسداد من الحياة السياسية، وحرص على احترام الشرعية الدستورية والإرادة الشعبية، وفي كل مرة كان يستجيب إلى مطالب الشعب التي تنبع من قناعته.
بقي عند كلمته، أمن الحراك من أي اختراق قد يلحق الضرر بالمواطنين، ولم يبد أي انزعاج حتى أمام تلك الانتقادات التي كانت توجه له، بل ظل ثابتا على مبادئه متشبثا بموقفه، راسخا في مساره مقتنعا أن الجيش من الشعب ولا يمكن أن يفصل بينهما أي حاجز أو وسيط. كان يؤمن بأن جيل الشباب يجب أن يرث عنهم مبادئ الغيرة على الوطن، ويحمل المشعل بأمانة ووفاء.
الرحمة لرجل ينتمي إلى جيل الكبار في مثواه الأخير، فعلا عاش المجاهد أحمد ڤايد صالح مخلصا لوطنه حيث بقي صامدا في وجه كل من حاول الإضرار بالجزائر ورحل وفيا لعهد الشهداء الأبطال، الذين قدموا لنا دماءهم وفدونا بأرواحهم لنستمر في الحياة بحرية ونعيش بكرامة.
الرحمة والخلود لهذا الرجل الصامد القوي صاحب الخبرة والحنكة والرصيد الوطني الزاخر، الذي لن ينساه التاريخ ولن يغيب عن الذاكرة الجماعية للجزائريين، بفضل عطاءاته خلال ثورة التحرير المجيدة، وفي أصعب مرحلة عاشتها الجزائر، عرف كيف يحميها من الفوضى ويجهض أطماع المتربصين بها داخليا وخارجيا.