الانتخابات الرئاسية تعيد الشرعية لمؤسسات الدولة

2019... سنة انتصار الإرادة الشعبية عن طريق الصندوق

زهراء.ب

عرفت الحياة السياسية في الجزائر سنة 2019، عدة تجاذبات وصراعات بين من أرادوا الاستحواذ على السلطة بطرق ملتوية، وبعض المأجورين من جهات خارجية لعرقلة مسار الانتخابات ورفض أي حل دستوري، يعيد الشرعية لمؤسسات الجمهورية وينهي حالة الانسداد بعد انسحاب الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة من الحكم بتاريخ 2 أفريل 2019، لينتهي الأمر بإجراء انتخابات رئاسية بتاريخ 12 ديسمبر بعد تأجيلها لمرتين، أفرزت رئيسا منتخبا، بفضل الموقف الحاسم للجيش الوطني الشعبي على رأسه «فقيد الأمة» الفريق أحمد ڤايد صالح الذي أقسم على مرافقة وتأمين الشعب إلى غاية تحقيق مطلبه في تكريس السيادة الشعبية واختيار قيادة البلاد بكل ديمقراطية وشفافية بعيدا عن أي تعيينات أووصاية.

المشهد السياسي في 2019 كاد أن يتحول إلى صورة قاتمة، لولا يقظة الرجال وحكمة وتبصر قيادة المؤسسة العسكرية التي بادرت في خطوة استباقية إلى قص جناح «العصابة» وأذنابها قبل أن تبسطها على مؤسسات الجمهورية بعد أن استولت على أختام الدولة.
فإلى غاية بداية شهر فيفري كانت الأمور تبدو أنها تسير بخير، والتوجه العام يسير نحو ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى عهدة خامسة، وقد أعلن رسميا عن دخول غمار الرئاسيات التي كانت مقررة يوم 18 أفريل 2019 في رسالة وجهها للأمة نشرت بوكالة الأنباء الجزائرية يوم 10 فيفري 2019، ضمنها جملة من الوعود قال سيعمل على تنفيذها في حال انتخابه من بينها تنظيم ندوة وطنية للخروج بإجماع حول الإصلاحات والتغيرات الواجب على البلاد القيام بها، كما أعلن في نفس اليوم عدة قرارات منها تعين الوزير الأول الأسبق عبد المالك سلال مديرا لحملة انتخابية لم تنطلق أصلا، خلفه في تغيير مفاجئ وزير الأشغال العمومية آنذاك عبد الغني زعلان، كما عين الطيب بلعيز رئيسا للمجلس الدستوري بعد شغور هذا المنصب إثر وفاة مراد مدلسي.
الضغط الشعبي الرافض لعهدة خامسة الذي انطلق عبر مسيرة سلمية يوم 22 فيفري 2019، واستمر لثلاثة أسابيع حال دون استكمال إجراءات الترشح وأعلن الرئيس في رسالة بتاريخ 11 مارس 2019 عن تأجيل تنظيم الانتخابات الرئاسية وعدم ترشحه لعهدة خامسة، وذهب إلى أبعد من ذلك حينما قال إنه لم ينو أصلا الترشح بسبب كبر سنه وحالته الصحية التي لا تسمح له بذلك، وسيسلم المشعل بعد ندوة وطنية تستكمل عملها قبل نهاية عام 2019، بعرض مشروع الدستور الذي تعده على الاستفتاء الشعبي، وهي من ستتولى بكل سيادة، تحديد موعد تاريخ إجراء الانتخاب الرئاسي الذي لن يترشح له بأي حال من الأحوال، وهو ما تم رفضه من قبل الشعب وعبر عن ذلك في مسيرات يوم الجمعة لأنه يعني بالنسبة لهم تمديدا للعهدة الرئاسية وهو غير مقبول، لأن أهم مطلب تم رفعه هو»التغيير».
وفي نفس التاريخ، قدم الوزير الأول أحمد أويحيى استقالته، وعين وزير الداخلية نور الدين بدوي خلفا له، وأصدر رئيس الجمهورية مرسوما يقضي باستحداث منصب نائب الوزير الأول، كلف رمطان لعمامرة بتوليه، وكلها قرارات لم ترض الشعب واستمر في التمسك بمطالبه برحيل الجميع.
وأمام ضغط الشارع أعلن رئيس الجمهورية السابق أخيرا انسحابه من منصب رئاسة الجمهورية بتاريخ 2 أفريل 2019، شغور أوجب تفعيل مواد الدستور القاضية بتعيين رئيس للدولة وأسند المنصب يوم 9 أفريل 2019 إلى الرجل الثاني في الدولة رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح، الذي تولى المهام في ظرف بدأت تشتد أوزاره بعد أن قرر الشعب الاستمرار في الضغط عن طريق الحراك الأسبوعي كل يوم جمعة ورفع سقف مطالبه للسلطات.
كريم يونس يقود ندوة الحوار الوطني الشامل
وفي مسعاه لإيجاد حل للأزمة السياسية التي تعاظمت مع مرور الوقت بسبب تمسك غالبية الشعب الجزائري بالتغيير، وإرساء جمهورية جديدة، تحترم فيها الحريات الفردية والجماعية والأهم الإرادة الشعبية، حسب ما يقتضيه الدستور، أعلن رئيس الدولة عبد القادر بن صالح في خطاب وجهه للأمة بمناسبة إحياء الذكرى المزدوجة لعيدي الاستقلال والشباب، عن إطلاق حوار وطني تقوده وتسيره بحرية وشفافية كاملة شخصيات وطنية مستقلة ذات مصداقية، وبلا انتماء حزبي أوطموح انتخابي شخصي مثلما قال، وتتمتع هذه الشخصيات بسلطة معنوية مؤكدة وتحظى بشرعية تاريخية أوسياسية أومهنية تؤهلها لتحمل هذه الـمسؤولية وتساعدها على حسن قيادة هذا الحوار.
وحدد هدف استراتيجي أوحد لهذا الحوار وهو تنظيم الانتخابات، بعد تأجيلها للمرة الثانية عن موعدها المحدد بتاريخ 4 جويلية 2019، حيث أعلن المجلس الدستوري استحالة إجرائها ورفض ملفي المترشحين المودعين لديه.
واستجابة لدعوة رئيس مجلس الدولة، شرع كريم يونس رئيس المجلس الشعبي الوطني الأسبق، في قيادة ندوة الحوار الوطني الشامل، رفقة إطارات وشخصيات وطنية، عملت على عقد لقاءات ماراطونية مع عدة فعاليات وشخصيات وقادة أحزب سياسية، استمعت فيه لكافة المطالب والانشغالات، وحرصت على نقلها بكل أمانة في تقرير رفع إلى رئيس الدولة، وشكل مقترح استحداث سلطة وطنية مستقلة لتنظيم لانتخابات ومراجعة قانون الانتخابات أهم نقطتين في توصيات الأطراف المشاركة في جولات الحوار.

سلطة وطنية مستقلة للانتخابات ونجاح في أول امتحان
وكتجسيد لمطالب الحراك الشعبي، تم لأول مرة في تاريخ الجزائر إنشاء سلطة وطنية مستقلة للانتخابات تضم 50 عضوا، ورأت النور بتاريخ 8 أكتوبر 2019 أسندت رئاستها لوزير العدل الأسبق محمد شرفي، وتتولى وفق الصلاحيات والمهام المخولة لها، تجسيد وتعميق الديمقراطية الدستورية وترقية النظام الانتخابي، والسهر على تحضير الانتخابات وتنظيمها وإدارتها ومراقبتها بعد أن كانت تتولى هذه المهمة الإدارة الجزائرية ممثلة في وزارة الداخلية والجماعات المحلية، وزارة العدل، الشؤون الخارجية، المجلس الدستوري، كما أوكلت للسلطة مهمة اتخاذ الإجراءات والتدابير التي تضمن نزاهة وشفافية العملية الانتخابية، وهو ما تجسد في انتخابات 12 ديسمبر 2019، حيث عادت الكلمة للصندوق الذي أفرز عبد المجيد تبون رئيسا للبلاد بأغلب الأصوات المعبر عنها في ثامن انتخابات رئاسية، أسالت الكثير من الحبر واتجهت إليها كل أنظار العالم نظرا للظروف الملغمة التي أحاطت بها، وسعي بعض الخونة والعملاء إلى إجهاضها بالاستعانة بالخارج.
انتخابات ما كانت لتنجح، لو لم تحرص قيادة الجيش الوطني الشعبي على تأمينها، حيث وضعت ضمن أولوياتها توفير كافة الظروف الملائمة لتنظيم هذا الاستحقاق الهام في كنف الأمن والسكينة، رغم أنف الأطراف المعادية التي راحت تراهن على جهات خارجية لتمرير مخططها الفاشل، وتزعم أنها قادرة على توقيف مسار أراده الشعب الجزائري موازيا لها، حتى لا يلتقيا أبدا، لأن الوطن فوق كل اعتبار.

قادة أحزاب أسقطهم الفساد وآخرون نتائج الانتخابات
عرفت التشكيلات السياسية هي الأخرى سنة 2019 عدة هزات، أطاحت بقادة بعض الأحزاب وأنهت مسيرة البعض الآخر، ولعل النقطة السوداء التي تبقى «وصمة عار» في تاريخ النضال السياسي، هي تلك التي مست أحزاب التحالف أوصاحبة الأغلبية، بسبب تورط قادتها في قضايا فساد، أنهت مسيرتهم في سجن الحراش مثلما هو الشأن بالنسبة للأمين العام لجبهة التحرير الوطني محمد جميعي، الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي أحمد أويحيى، رئيس الحركة الشعبية كريم بن يونس، ورئيس تجمع أمل الجزائر «تاج» عمار غول، أثبت التحقيقات ضلوعهم في قضايا فساد حينما تقلدوا مناصب مسؤولية في الجهاز التنفيذي.
وإذا كانت تهم الفساد لاحقت بعض قادة الأحزاب ووضعت حدا لنضالهم السياسي، فإن نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة عجلت برحيل البعض الآخر، مثلما هوالحال بالنسبة لرئيس حزب طلائع الحريات علي بن فليس، الذي قرر الاستقالة من رئاسة الحزب بعد حلوله في المرتبة الثالثة خلف كل من عبد المجيد تبون، وعبد القادر بن قرينة الذي تقدم هو الآخر بطلب إعفائه من قيادة حركة البناء الوطني بعد خسارته في السباق الرئاسي غير أن طلبه قوبل بالرفض وفضل أعضاء مجلس شورى حركته تجديد الثقة في شخصه.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19813

العدد 19813

الخميس 03 جويلية 2025
العدد 19812

العدد 19812

الأربعاء 02 جويلية 2025
العدد 19811

العدد 19811

الثلاثاء 01 جويلية 2025
العدد 19810

العدد 19810

الإثنين 30 جوان 2025