تعكس قيم التآزر والموّدة والرحمة

عادات رأس السنـة الأمازيغيـة في الأوراس

باتنة: حمزة لموشي

احتفلت، منطقة الأوراس، على غرار باقي مناطق الوطن، برأس السنة الأمازيغية الجديد 2970، وذلك باستحضار عادات و تقاليد خالدة لم يستطع الزمن محوها من ذاكرة الشاوية، فهي لا تزال راسخة في وجدان وتصرفات السكان، بحسب ما وقفت عليه «الشعب» بعدة مدن بولاية باتنة على غرار منعة، أريس، مروانة بريكة وغيرها.

يتفق الجميع بمنطقة الأوراس على أن الاحتفالات برأس السنة الأمازيغية الجديدة المعروفة محليا «أمنزو نينار» 2970، مكسب مهم يعزز الهوية الوطنية ويرسخ قيم الوطنية ويساهم في الحفاظ على التنوّع الكبير والثراء الذي يميز هذه الإحتفالات بمختلف ولايات الوطن.
رغم التنوّع الكبير في مظاهر الاحتفال، بولاية باتنة وتمايز ذلك من قرية لأخرى، إلا ان المناسبة ترتبط في مخيال الشاوية بالحنين إلى عبق الماضي واستحضار عادات وتقاليد عريقة تحييها العائلات كل سنة، إلا أنها تتفق جميعا في مضامينها المتفائلة بسنة فلاحية خضراء وخصبة تحيي البلاد والعباد.
رغم مرور قرون من الزمن على بداية هذا التقويم التاريخي المرتبط بعدة روايات أكثرها انتشارا هو تغلب الملك الأمازيغي شيشناق على  ملك مصر الفراعنة رمسيس الثالث سنة 950 ق.م، إلا ان المحافظة على العادات والتقاليد ظل راسخا مواجها بصمود كل محاولات الطمس من الذاكرة الجماعية للجزائريين.
حرصت، أول أمس، كل العائلات الأوراسية على تجسيد هذه العادات والتقاليد ميدانيا، من خلال القيام بعدة طقوس على غرار ذبح ديك على عتبة المنزل، لتسيل دماؤه التي تساعد في إبعاد الشؤم والنحس والسوء وتجلب التفاؤل والخير والسعادة، ووفرة المحاصيل الزراعية.

طقوس خالدة للتفاؤل بسنة فلاحية واعدة

بخصوص الأكلات الشعبية والتقليدية التي تميز المناسبة فأكدت الحاجة مباركة، أن يناير مقدس عند سكان الأوراس، حيث تحرص النسوة على تحضير ما لذ وطاب من الأطباق التي تليق بـ «قدسية» هذه المناسبة التاريخية حيث تسبق ليلة أمنزو نينار تحضيرات حثيثة قبل أسبوع من خلال تقسيم المناسبة إلى قسمين ،الأول تكلف به سيدة البيت أو الجدة التي تقوم بتحضير طبق يسمى بالشاوية «ثاروايث» والذي يتكون من الخضار على غرار الطماطم والبصل وغيرها من مستلزمات تحضير مرقه قبل أن تضاف إليه كمية من مادة الدقيق ويتحوّل إلى عصيدة، يقدم للعائلة بعد إضافة كمية من السمن أو الدهان وهو طبق لذيذ جدا تتنافس النسوة على تحضيره.
أما القسم الثاني فيكون بتحضير الطبق الرئيس للعائلة، وهو عادة الكسكسي أو الشخشوخة بحسب ميول ورغبة أفراد العائلة، وقبل ذلك تكون النسوة منهمكات بتنظيف المنزل ليقمن بعد الظهيرة بالخروج جماعيا رفقة الأبناء والأحفاد من مختلف الأعمار باتجاه البساتين والغابات والمناطق الجبلية المجاورة لإحضار أنواع الأعشاب الخضراء لوضعها في المنازل وعند مداخل لبيت تنبؤا بعام فلاحي ناجح، كما يتم بالمناسبة تغيير الأثاث المنزلي ويرمى رماد الموقد واثنين من أحجاره تيّمنا بعام جديد وطردا للنحس والشرّ وسوء الطالع.
تتواصل طقوس الاحتفال، خاصة بالأرياف والقرى الجبلية بمنطقة الأوراس من خلال حرص الجدات على إحضار مجموعة من الحجارة الصغيرة بعدد أبناء العائلة لتقوم بطلائها بمادة السمن وتوضع على النار حتى تسوّد تنبؤا بزواج أحد أفراد العائلة حاضرا أو مستقبلا غير بعيد وإنشاء عائلة جديدة تقوم على المحبة والمودة والرحمة، وذلك حسب درجة اسوداد الحجر.
 خلال تلك الجولة في البساتين والمزارع يقوم كل شخص بتقليب سبعة أحجار فقط والبحث عن النمل فإن وجد خلفها نملا فهو دليل على تكاثر عدد الماشية من ماعز وغنم وخير وفير قادم لذلك الشخص، وإذا وجد الحشرات فيعني الأحفاد والديدان وتعني العرائس، أما إذا وجد حفرا صغيرة فهذا يدل على مخازن المؤونة والمال وهكذا فرؤية سكان الأوراس لهذه المناسبة إيجابية دائما.

الاستيقاظ باكرا  لتحضير  «أمنسي نينار»

داخل المنازل تحرص النسوة والجارات على الالتقاء والتعاون على إتمام وإنهاء النسيج القائم سواء أكان حنبلا أو قشابية أو برنوسا أوغيره قبل دخول السنة الجديدة في عملية تضامنية تعكس قيم التكافل والتعاون والهدف من ذلك بحسب ما أكدته لنا الحاجة مباركة هو طرد الشؤم، حيث تخصص عقب ذلك أساور من الصوف تقدم هدية للأطفال لضمان نشأتهم في حيوية ونشاط وذكاء مع الرغبة في العمل، كما يتم غزل الصوف ويوضع مواضع الألم في المفاصل، حيث يسود الاعتقاد أنها مزيلة للضرر وإن وضع في اليد فإن الطفل سينال حظا وافرا من العلم، كما تتزين النسوة بالسواك والكحل ويرتدين أجمل ما لديهن من لباس وحلي.
تتجلى أيضا مظاهر الاحتفال بينار في الإستيقاظ   للنسوة  مبكرا لإعداد طبق الشرشم الذي يوّزع على الجيران والأهل والأقارب في دلالات واضحة على التآخي والمودة، كما يتم ادخار الفواكه الموسمية كالعنب و الإجاص، ومختلف الفواكه في خزنة وهي عبارة عن غرفة غير مستغلة عادة ما تكون في بستان العائلة، وذلك بتعليق الفواكه في حبل، إلى غاية قدوم هذه المناسبة، لتناولها ليلة الاحتفال، كما يتم التحضير للوزيعة، وذلك بنحر بقرة و توزيع لحومها على كل سكان المنطقة، وهي العادة التي اختفت تقريبا بكل مناطق الأوراس.
كما يتم تزيين مائدة عشاء يناير أو «أمنسي نينار» بسبع مواد غذائية هي تلك الفواكه التي تم ادخارها في «الخزنة» خاصة فواكه العنب و التفاح و الرمان و التين التي تشتهر بها المنطقة وتختلف من مكان لأخر، إضافة إلى التمر و الجوز و الفول السوداني والحلوى، في أجواء أخوية تسودها المحبة والتآزر.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19468

العدد 19468

الأحد 12 ماي 2024
العدد 19467

العدد 19467

الأحد 12 ماي 2024
العدد 19466

العدد 19466

الجمعة 10 ماي 2024
العدد 19465

العدد 19465

الأربعاء 08 ماي 2024