الإعلام على موعد مع الجزائر الجديدة

توسيع مجال الحرية مقابل احترافية صادقة

سعيد بن عياد

موازاة مع ورشات إصلاح البنية السياسية لنظام الدولة تندرج ورشات إصلاح المنظومة الإعلامية بكافة مكوناتها ضمن معادلة بناء الجزائر الجديدة التي يتطلع إليها الشعب الجزائري، كما عبر عنها في أكثر من مشهد، منه الرئاسيات التي حملت عبد المجيد تبون إلى سدة الحكم والحراك السلمي الذي حقق أهدافه ليفتح المجال أمام مرحلة أخرى في حياة الأمة الجزائرية نحو المستقبل في ظل عولمة شرسة تفاجئ في كل لحظة الشعوب المتعثرة والبلدان المترددة في انتهاج مسار التجدّد.
في كل هذه التحولات والتغيرات بغض النظر عن اختلاف الظروف التي تتم فيها أو تحيط بديناميكيتها، يشكل الإعلام الحلقة الجوهرية التي ترافق مسار البلاد باتجاه إرساء دولة المؤسسات تحت مظلة القانون تصان فيها الحقوق وتعزز المكاسب ويقطع دابر الفساد الذي يوضع ضمن أولويات ما يستوجب معالجته وفقا لخيار التقويم الشامل انسجاما مع أهداف الالتزامات 54 التي تعهد الرئيس تبون بإنجازها في تحد يمكن رفعه إذا تلاحمت الإرادات الصادقة ومنها الإعلام مدعوما بالإمكانات والوسائل حول إنجاز هذا الهدف.

لا مساومة ولا ابتزاز

التحدي القائم في هذه المرحلة الفاصلة بين عهد ولى وآخر يؤسس بمعايير الديمقراطية والحوار أن يتم إعادة تشكيل منظومة إعلامية حديثة بما هو موجود من مؤسسات ووسائل قادرة على حمل العبء وتجسيد التوازن بين متطلبات الأداء المهني بكامل الحرية وفي مناخ هادئ وشفاف من جهة ومقتضيات الحرص على مصالح البلاد بعزيمة ومبادرة لا مجال فيها للمساومة أو الابتزاز، بحيث أن المشهد بكل تنوعه واختلاف توجهاته الفكرية والسياسية يتطلب مشاركة الجميع في صياغة ورقة طريق للمستقبل.
في هذا المجال كان الرئيس تبون دقيقا بتأكيده على أن المجال يكون مفتوحا بشكل غير مسبوق أمام الإعلام الوطني حتى يؤدي مهامه بأريحية وبدون الشعور لحظة بأي تضييق أو عرقلة شريطة التزام العاملين والقائمين على الوسائل الإعلامية المختلفة بأخلاقيات المهنة الصحفية والتمسك بالبقاء في مربع الاحترافية السليمة أسوة بما هو معمول به في بلدان متقدمة عرفت كيف تجعل من الإعلام سلطة في خدمة البلاد والمجتمع من خلال انتهاج الوضوح واحترام مبادئ المهنة التي تتميز بمتاعب الوصول إلى مصادر الخبر والبذل في سبيل تبليغ الرأي العام بالحقائق.
انشغالات عديدة يثيرها حقل الإعلام بين مهنية واجتماعية ووظيفية لها ارتباط مباشر بالتنظيم والتشريع والممارسة في إطار محيط يرفع سقف المطالب خاصة من المواطن الذي يطمح دوما إلى الحصول على الخبر الدقيق والنزيه والمرافقة بتحاليل موضوعية تحصينا لمناعة الرأي العام أمام ما يحيط به من «قصف» إعلامي يومي وفي كل لحظة من مختلف «منصات» الإعلام العالمية التي تشتغل على فجوات ومواقع خلل للتسلل إلى أذهان الشعوب والتشويش على تطلعاتها وتوجيه خياراتها بأساليب تشوه الحقائق وتدفع بها إلى متاهات الفوضى.

الصحافة شريك  

لتفادي هذا الانزلاق لا يمكن سوى الانخراط في انتهاج مسار إعلام وطني تضخ فيه أنفاس جديدة من حرية الممارسة التعددية مع وضع آليات تضبط المهنة حتى يصبح الإعلام الوطني شريكا في الحياة العامة وليس طرفا في معادلة تنافس سياسي أو صراع حزبي أو عامل دخيل على معادلة النظام السياسي بفعل عدم التحكم في مساحة الحرية المهنية أو الانسياق وراء مخططات غالبا ما يفضل أصحابها التموقع وراء وسائل إعلام لأهداف لا صلة للإعلام نفسه بها، وهناك أمثلة عديدة أظهرت مدى خطورة تموقع الإعلام وراء المال الفاسد بل حتى المال النظيف إذا ما أراد أصحابه بناء إمبراطوريات لاكتساح الساحة من بوابة الصحافة.
المشهد بما هو عليه اليوم يتجه بالضرورة إلى ترقب ورشات إصلاح الإعلام التي أعلن عنها وزير القطاع ضمن مسار رسم معالم رؤية مستقبلية لقطاع حيوي يراهن عليه في المساهمة الفعالة في إرساء دعائم الجزائر الجديدة المرتبطة بشكل وثيق بماضيها التاريخي والحضاري والمتطلعة بانفتاح محصن لمستقبل تتجسد فيه تطلعات الشعب الجزائري المشروعة التي يعبر عنها بسلمية وبطريقة متمدنة عبر مختلف المنابر التي تتسع مساحتها لقناعة الرئيس تبون بأهمية تعزيز حرية الصحافة ومرافقتها في بلوغ أعلى مستويات المهنية، حتى تكون مرافقا للورشات التي شرع في إطلاقها لإقامة التغيير الحقيقي بدءا بمراجعة الدستور وكل ما يلي ذلك من مشاريع الإصلاحات التي تقود إلى خدمة الجزائر دولة وشعبا في إطار الوحدة والانسجام والتضامن ومكافحة الفساد والغش وبالتالي القطيعة مع ممارسات الماضي السلبية التي أضرت بحلقة الثقة بين الدولة والشعب.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024