أستـاذ القانـون محمـد الطاهر غزيز لـ «الشعـــــب»:

سياسة وقائية ناجعة لمواجهة «إرهاب» الطرق

ورقلة: إيمان كافي

 تأهيـل منظومـــة السلامـة المروريــة وفـق المعايـير الدوليــــــة


ذكر أستاذ القانون العام محمد الطاهر غزيز، أن التشريع المتعلق بالسلامة المرورية في الجزائر انتقل تدريجيا من السياسة العقابية الردعية إلى السياسية الوقائية خاصة من خلال الأجهزة التي استحدثت بموجب النصوص السابقة والمتعلقة بالسلامة المرورية على غرار اللجنة الدائمة لأمن الطرق التي تم استحداثها بموجب المرسوم 67/91 المؤرخ في17/06/1967 والمركز الوطني للوقاية والأمن عبر الطرق الذي نصت عليه المادة 24 من القانون 87/09 تحت وصاية وزارة النقل حيث تم تحديد مهام هذا المركز بموجب المرسوم التنفيذي 03/502 المؤرخ في27/12/2003 والتي من أهمها التكفل بالدراسات الأبحاث واقتراح مخططات وبرامج لترقية الوقاية والأمن عبر الطرق، كما تم اقتراح في مجلس الحكومة المنعقد بتاريخ 08/ 10/ 2019 إنشاء مجلس استشاري بين القطاعات والمندوبية الوطنية للأمن في الطرق، والذي ينتظر أن يكون الأداة التنفيذية للسياسة الوطنية للوقاية والأمن عبر الطرق ويعمل على تأهيل منظومة السلامة المرورية وفق المعايير الدولية.
 تدخل كافة الفاعلين
وأوضح في هذا السياق أن رهانات نجاح وفعالية السياسات المتعلقة بالسلامة المرورية في الجزائر يرتبط بكون التصدي لظاهرة حوادث المرور ومن خلال المؤشرات العالمية لا يعتمد فقط على تشديد الإطار التشريعي وتوجيهه نحو تكريس سياسة عقابية مشددة، بل هي عملية متكاملة تستلزم تدخل جميع الفاعلين والأخذ بعين الاعتبار كل المعطيات الممكنة التي تساعد على فهم وتحليل هذه الظاهرة ومن ثمة وضع الحلول المناسبة لها، مشيرا إلى أن ما يلاحظ في هذا المجال غياب الدراسات الإستشرافية المتخصصة التي يفترض أن تقوم بها الأجهزة المتخصصة في السلامة المرورية، لذلك يجب الانتباه حسبه لبعض الحقائق أولا قبل اقتراح الحلول الممكنة وتجاوز نقائص السياسات المتبعة حاليا من خلال رسم سياسات تهدف إلى توفير الظروف والشروط لمنع ارتكاب المخالفة وليس رصد المخالفة في حد ذاتها ويتجلى ذلك باعتبار زيادة عدد المخالفات المرورية مؤشرا على عدم فعالية السياسات المنتهجة للحد من حوادث المرور مع  الأخذ بعين الاعتبار تطور حظيرة السيارات المستمر مقارنة بحجم الطرق المستعملة، إذ تضاعف عدد السيارات خلال العشر سنوات الأخيرة وارتفع من 3.7 مليون سيارة سنة 2008 إلى 9.2 مليون سيارة مع بداية 2019 وتشكل السيارات السياحية النسبة الأكبر بحوالي 65%، بينما لا تمثل حافلات النقل الجماعي سوى نسبة 1.5% وهو مؤشر على ضرورة توجه الدولة نحو تعزيز مكانة النقل الجماعي سواء بالحافلات أو النقل بالسكك الحديدة، وفق المعايير العالمية وكما ينص عليه قانون المرور، ناهيك عن أن تطور طول شبكة الطرق لا يتناسب مع تطور عدد السيارات إذ بلغت سنة 2018 حوالي 129.000 كم وحوالي 7000 كم من الطرق السريعة، وحوالي 1700 كم من الطرق السيارة التي يتوقع إنجازها في آفاق 2020، حيث تحتل الجزائر مراتب متواضعة في ترتيب أفضل وأطول الطرق في شبكة الطرق العالمية ورغم التطور الملحوظ في العشر سنوات الأخيرة في شبكة الطرق يتراوح عدد ضحايا حوادث المرور في الخمس سنوات الأخيرة بين 3500 إلى 4000 ضحية كل سنة وفق نسب متفاوتة، حيث كانت سنة 2014 الأكثر دموية بتسجيل 4500 ضحية.
ومن خلال كل ما سبق يؤكد محدثنا أنه يجب أولا أن نشير إلى مسألة إيجابية قد يغفل عنها البعض وهي أن عدد الوفيات وحوادث المرور شهد تراجعا طفيفا مقارنة بتزايد عدد السيارات خاصة في الخمس سنوات الأخيرة، حيث انخفضت نسبة الوفيات إلى 9% بين سنة 2017 و2018 وبنسبة 8.84% بين 2016 و2017. وهي المؤشرات الإيجابية التي قد تساعد الفاعلين على مواصلة الجهود واستخلاص النتائج التي ساهمت في تحقيق هذا التراجع الذي لم يرق بعد إلى مستوى الطموحات المأمولة.
تعزيز أنظمة نقل ذكية  

وأضاف أنه رغم أن العامل البشري دائما ما يحتل الصدارة في الأسباب المؤدية لحوادث المرور، إلا أنه يجب الوقوف أيضا على بعض الأسباب التي ساهمت في النسبة وفق المؤشرات العالمية، فالعامل البشري باعتباره المتسبب الرئيسي في جلّ حوادث المرور يجب أن يعالج بمفهومه الواسع والمقصود به كل مستعملي الطريق من سائقين وراجلين والمكلفين بإعداد وتهيئة الطريق للمرور، سواء المكلفين بتعبيد الطرق أو وضع


الحواجز وإشارات المرور، حيث يتحمل كل طرف المسؤولية حسب طبيعة الحادث، ويمكن الإشارة في هذا الصدد إلى التوصيات التي خرج بها المشاركون في مؤتمر قطر 2018 حول السلامة المرورية والتي من بينها تعزيز أنظمة النقل الذكية التي تتطلب تكوين المختصين في مجال تهيئة الطرق ووضع إشارات المرور وفق متطلبات التكنولوجيا الحديثة، كما أنه ورغم النص صراحة على ضرورة تطوير وتأهيل النقل الجماعي ومختلف الوسائل الآمنة في مجال النقل إلا أن هذه النسبة تبقى بعيدة عن كل الطموحات هذا بالإضافة إلى غياب الثقافة المرورية وعدم إدراجها كمادة تعليمية في مختلف أطوار التعليم الأساسي رغم أن المشرع نص عليها صراحة في المادتين 60 و63 مكرر من القانون 01/14 المعدل.
وشدد في الأخير الأستاذ محمد الطاهر غزيز على أن أي سياسة لا تنظر إلى مقاربة السلامة المرورية ضمن المنظومة البيئية الاجتماعية والسلوكية للمجتمع مصيرها الفشل، إذ يجب معالجة الظاهرة وفق مقاربة كلية تراعى فيها طبيعة المجتمع الجزائري وأنماط السلوك باعتبار أن القاعدة القانونية قاعدة سلوك مع ضرورة وضع برامج إصلاحية تستهدف المنظومة الأخلاقية والقيمية للمجتمع التي شهدت تراجعا كبيرا في السنوات الأخيرة وأثرت بشكل أو بآخر على الثقافة المرورية وعلى فعالية القواعد المرورية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19450

العدد 19450

السبت 20 أفريل 2024
العدد 19449

العدد 19449

الجمعة 19 أفريل 2024