حظي مخطط عمل الحكومة، بموافقة أغلبية نواب المجلس الشعبي الوطني، حيث صوّت لصالحه جميع النواب باستثناء ممثلي جبهة القوى الاشتراكية الذين غابوا عن الجلسة العامة، أول أمس، ليتحصل بذلك على تأشيرة المرور الأولى من الهيئة التشريعية، في انتظار المصادقة عليه عن طريق اصدار لائحة، اليوم، في مجلس الأمة، للشروع في تنفيذ محاوره على أرض الواقع.
في جلسة علنية امتدت إلى الساعة التاسعة ليلا، حضرت «الشعب» جميع تفاصليها، تواصلت مناقشة مخطط عمل الحكومة من طرف نواب المجلس الشعبي ورؤساء الكتل البرلمانية، لتتوج في نهاية المطاف بمنح «ثقة» ممثلي الشعب بقبة البرلمان إلى حكومة جراد، للبدء في عملها ميدانيا، و تجسيد ما جاء في فصول مخططها، و إن نال البعض منها انتقادا بسبب غياب أرقام و مصادر تمويلها و آجال تنفيذها، غير أن ذلك لم يمنعهم من تثمين ما جاء في معظم نصوص المخطط، سيما في الشق المتعلق باسترجاع ثقة الشعب في مؤسسات الدولة، وتطهير البلاد من الفساد و المفسدين، و التكفل بمطالب الجبهة الاجتماعية، وتحسين مناخ الاستثمار لتخليص الاقتصاد الوطني من التبعية للمحروقات وتفادي بذلك الآثار السلبية لتقلبات أسعاره في السوق الدولية.
شكل «الحراك الشعبي» وهو على بعد مسافة أسبوع من إحياء ذكرى انطلاقته الأولى في 22 فيفري، مادة دسمة في تدخلات نواب المجلس، حيث طالب البعض بعدم استغلاله لتحقيق مآرب حزبية أو سلطوية ضيقة، مثلما جاء في تدخل رئيس كتلة مجتمع السلم مهدي زنطوط، الذي قال إن «الشعب الجزائري يتطلع من خلاله إلى تغيير طبيعة النظام السياسي و رفض كل أشكال التزوير لإرادته الحرة المعبر عنها في المادتين 7 و 8 من الدستور»، مبرزا أن» الحكومة اليوم أمام تحديات الخروج من المأزق السياسي و الاقتصادي الراهن إلى آمال تحقيق التنمية و الاستقرار، و أمام فرصة تاريخية للخروج نهائيا من المراحل الإنتقالية إلى استدامة المؤسسات، و يتأتى ذلك عن طريق سياسي، و ثاني اقتصادي اجتماعي، يتطلب تحريك دواليب المنظومة الاقتصادية ضمن معايير تحرير المبادرة الاستثمارية واقتراح اقتصاد بديل يقوم على المعرفة و الابتكار و التجديد وانتاج الثروة والتصدير والتحكم في التكلفة».
أما رئيس الكتلة البرلمانية لحزب العمال، منير ناصري، فدعا إلى استكمال تحقيق أهداف «الحراك» ومطالبه الإجتماعية، والإقتصادية والثقافية، والعمل على استرجاع ثقة الشعب عن طريق مصارحته ومكاشفته بالحقائق، والابتعاد عن تقديم الوعود، معتبرا أن الجزائر اليوم أمام نقطة تحول يصنعها الرجال، بتحمل الأمانة و توفر الإرادة السياسية، و الوحدة الوطنية، و القطيعة مع النظام السابق.
رغم أنه وصف مخطط عمل الحكومة بالثري، إلا أنه قال إنه يفتقد إلى غياب مصادر تمويله، في ظل الحديث عن نقص الأموال، متسائلا عن طرق تمويله إذا كانت بالعودة إلى التمويل غير التقليدي و طبع النقود، أو الاستدانة الخارجية، مشددا في إطار حديثه عن محاربة الفساد بوضع حد لنهب المال العام عن طريق إعادة النظر في قوانين الاستثمار و تفعيل آليات الرقابة و المحاسبة بإرساء مبدأ من أين لك هذا؟، وتقييم المشاريع التي باتت تستهلك 400 ألف دينار سنويا.
توقف الحاج الشيخ بربارة، رئيس الكتلة البرلمانية للحركة الشعبية الجزائرية، عند الذين غيّرت المناصب قناعاتهم، بعد أن رفضوا المسار الإنتخابي لإخراج الجزائر من أزمتها السياسية، و»تلطيخ» أصبعهم باللون الأزرق، بل فعلوا أكثر من هذا حيث طرقوا أبواب البرلمان الأوروبي و السفارات، مشيدا بموقف البرلمانيين، إذ و رغم الضغوط الرهيبة، إلا أنهم تمسكوا بالمخرج الدستوري الذي أفضى إلى انتخاب رئيس للبلاد، فالحصانة الوحيدة للشعوب هي الديمقراطية الحقة وليس الاملاءات الخارجية، مقترحا وضع دستور حقيقي يفصل بين السلطات، و يحدد نظام الحكم بصفة دقيقة ومفصلية، و صياغة قانون إنتخابات يعيد الصلاحيات للمنتخب المحلي، لأن قوة الإدارة تقاس بمنتخبيها.
كما طالب بتحديد النموذج الإقتصادي الجديد، لأن الأزمة الإقتصادية التي تمر بها البلاد بحاجة، بحسبه إلى حلول إقتصادية وليس قرارات سياسية، مع التركيز على تحسين مناخ الاستثمار، لاستعادة ثقة رجال الأعمال، وطمأنة الداخل قبل الخارج عن طريق الاستقرار التشريعي فلا يعقل تغيير القانون كل 6 أشهر.
تأسيس معالم لجمهورية الجديدة، يقتضي بحسب رئيس الكتلة البرلمانية لجبهة المستقبل الحاج بلغوثي، إعتماد الحوار الهادئ لإعادة بناء النسيج الإجتماعي و الإقتصادي بالاعتماد على المقومات الوطنية و اشراك النخبة، مع العمل على بعث اصلاحات في البرامج و التشريعات و ربطها بالاقطاب التنموية للبلاد، و اعطاء دور للمنتخب في تجسيد الديمقراطية، كما تتطلب تشكيل جبهة وطنية صادقة من مختلف الفاعلين ترص فيها الصفوف و تدعم الوحدة الوطنية حتى تتوطد علاقة الثقة بين الشعب و السلطة و يتحقق الانسجام بين الشعب الواحد و تتحقق الأهداف الوطنية.
أما محاربة الفساد فلا يتم، بحسبه بالخطابات السياسية، وإنما بالتطبيق الصارم للقانون، وتطبيق البرامج القطاعية يستدعي تنظيم جلسات وطنية مع كل الفاعلين لتحديد احتياجات كل قطاع، وفق رؤية واضحة مبنية على أهداف مسطرة سابقا.
وهو في نظر كريمة عدمان، رئيسة الكتلة البرلمانية لتجمع أمل الجزائر، مهمة أساسية للدولة ومحاربته يجب أن تكون دائمة وليست ظرفية، بمراجعة الاحكام القانونية المتعلقة بهذا الأمر، ورقمنة الإدارة لمنع انتشار الرشوة. أما الدستور الجديد فينبغي أن يعزز الإنتماء الوطني و ثوابت الأمة، ويكرس الحقوق و الحريات الفردية والجماعية.
ويحتاج، بحسب بولرياح خالد، رئيس الكتلة البرلمانية لحزب جبهة التحرير الوطني، إلى مشاركة جميع الفئات في تعديله، حتى يكون مصدر قوة للجمهورية الجديدة، و يعمل على أخلقة العمل السياسي والحياة العامة، و إرساء دولة الحق و القانون مثلما طالب بها «الحراك» الشعبي، ناهيك عن وضع الأسس الصحيحة لمحاربة الفساد، في حين يتطلب الخروج من الوضعية الإقتصادية الصعبة للبلاد، وضع مقاربة تتكيف مع المتغيرات و تحقيق الاكتفاء الذاتي بالاعتماد على تنويع الاقتصاد، والتكفل بانشغالات الشباب المنتج للثروة، ومرافقته في السير نحو المقاولاتية.
شكل تحسين القدرة الشرائية لذوي الدخل المحدود، وحل مشاكل المستفيدين من قروض وكالات دعم الشباب لإنقاذهم من المتابعات القضائية والحرقة، محور نقاش يوسف جبايلية رئيس الكتلة البرلمانية للأحرار، الذي دعا إلى سن قانون يحمي الشباب المستثمر، فلا يعقل التلاعب بهذه الفئة تحت ذريعة استرجاع ديون القروض، واعتبر هذا المقترح عاملا مهما لاسترجاع ثقة الشعب في مؤسسات دولته، لأن بناء المستقبل يتطلب تصحيح أخطاء الماضي، ومعالجة الاختلالات السابقة.
أما محمد قيجي، رئيس الكتلة البرلمانية لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، فثمن ما جاء في مخطط عمل الحكومة سيما في الشق الذي يعزز الديمقراطية التشاركية، لأنها تحول دون تعسف المسؤول ضد المواطن، وطالب بتحقيق العدالة الاجتماعية ومراعاة الطبقات الهشة، و العمل على ايجاد آليات لتوجيه الدعم إلى مستحقيه لتقليص الفجوة بين الأغنياء والفقراء. اضطر إلى إعلان تأييده حزبه للحكومة ومخطط عملها، وإنهاء كلمته بعد أن اختلطت عليه الأوراق، واكتشف ضياع جزء منها.