لها تأثير قوي على الخط الإفتتاحي

فتح ملف التمويلات الخارجية للصحف

جمال أوكيلي

الإنفتاح الإعلامي في الجزائر أفرزته تداعيات أحداث 5 أكتوبر 1988، ففي فترة وجيزة جدا لم تتجاوز السنتين على الأقل، حتى وقفنا على مشهد جديد من العناوين الخاصة إلى جانب نظيرتها العمومية، بعد أن أشار دستور 23 فيفري 1989 صراحة إلى هذا التحول الجذري، عندما استعمل مصطلح «التعددية» ليدخل أهل المهنة في سباق مع الزمن لتأسيس الصحف عبر الخيارات الممنوحة لهم، إما البقاء أو الانتقال إلى مواقع عمل أخرى عبر قوائم إدارية معدة لهذا الغرض.
كانت العملية سريعة ومقلقة محددة بآجال في إبداء الاختيار الذاتي وهكذا ظهر التردد سيد الموقف خوفا من المغامرة المجهولة العواقب، وعدم الاستناد الى مرجعية قانونية واضحة، ماعدا نقل أجور الصحافيين كرأسمال أولي إلى المشروع قصد الانطلاقة، مع ضمانها لفترة مضبوطة ريثما يدخل المولود الحديث السوق... وكان لابد من ملء الفراغ التشريعي في هذا المجال وهذا بسن قانون للإعلام في 3 أفريل 1990 الذي مهدّ الطريق لكل المهنيين لخوض هذه التجربة الأولية في مسيرة الإعلام الجزائري ك>طار شامل يقر بهذا المسعى في تفاصيل هذا النشاط، تعزز بصدور النصوص التطبيقية المنظمة.
تلك الرغبة الجامحة في إصدار صحف جديدة، إصطدمت بعالم حساس وهو ما يعرف بـ «عصب الحرب» ألا وهو المال. هذا الجانب أثر تأثيرا مباشرا على وضعية العناوين، خاصة بعد مطالبتها بدفع مستحقات الطبع وحقوق إدارية أخرى. وبالتوازي مع ذلك، فإن الرأسمال الذي التحق به الصحافيون، بدأ في الاندثار وهكذا تعالت العديد من الصوات تطالب السلطات العمومية بحصتها في الإشهار.. الموزع من طرف «لاناب».
نعتقد أن الأزمة الهيكلية في جانبها المالي بدأت من هنا ومع ارتفاع عدد العناوين وميلادها كالفطريات في زمن قياسي، إزدادت الضغوطات المتعلقة بالمطالب المالية من قبل مؤسسي الصحف ومنذ 30 سنة لم يتغير أي شيء، نفس المشاكل التي انطلقت بها لاتزال تتخبط فيها ونعني الإعانات المالية وعيون الجميع مشدودة إلى الوكالة الوطنية للنشر والإشهار في إنقاذها من الوضع الموجودة فيه أو الذي لا تحسد عليه.
ذلك الفارق الذي شعر به هؤلاء ناجم عن عدة مؤشرات ملموسة ومهنية، منها عدم القدرة على فرض العنوان على الساحة الإعلامية وهكذا سجلت مرتجعات هائلة للورقي أقلقت أصحاب الامتياز وأثر على المداخيل كثيرا، إلى درجة أن العديد منهم هدد بتوقيف مشروعه الجنيني، ناهيك ما وقع مع عملية التوزيع، من اختلالات لم تحل حتى الآن كون الملف معقدا جدا ولازال يراوح مكانه.
هذه الإكراهات المهنية وغيرها التي يعيشها أو بالأحرى يتخبط فيها الإعلام المكتوب، حتمت على بعض مسؤوليه البحث عن طرق أخرى لتمويل عناويهم، منهم من كان يستفيد من إشهار علامات السيارات المعروفة من صفحة إلى صفحتين وكذلك من المؤسسات المالية الأجنبية المعتمدة في الجزائر وغيرها، كما أن هناك تمويلا خفيا من الصعوبة بمكان معرفة مصدره، هذا الفعل له رجع الصدى المتمثل في التدخل المباشر في الخط الإفتتاحي للجرائد والسياسة التحريرية للعناوين.
وفي هذا الإطار، سارعت وزارة الاتصال الى فتح جميع ملفات التمويلات الخارجية للصحافة الوطنية ولكافة القطاعات الأخرى، انطلاقا من أنها ممنوعة قانونا، أي مراجعتها من قبل الجهات المختصة وستجري دراستها وعرضها المفصل من باب أنها تتضمن عناصر تمس بالسيادة الوطنية.
والترسانة القانونية الحالية، منها القانون العضوي رقم 12 - 05 المؤرخ في 12 جانفي 2012 والمتعلق بالإعلام، والقانون رقم 14 - 04 المؤرخ في 24 فبراير 2014 والمتعلق بنشاط السمعي- البصري يمنعان التمويلات الخاجية. وتبعا لذلك، فإن المادة 29 من قانون الإعلام تنص على منع الدعم المادي المباشر وغير المباشر الصادر عن أي جهة أجنبية، مع التصريح وتبرير مصدر تلك الأموال.
وعليه، فإن الوصاية ضبطت عقارب ساعتها على هذا الملف الشائك، عندما حددت الإطار القانوني لتحركاتها من الآن فصاعدا تجاه هذه الركائز. لم تتحدث بصيغة الفرد، بل الجمع، أي «جميع ملفات التمويلات الخارجية للصحافة الوطنية والقطاعات الأخرى، ستكون تحت المجهر دون أي تصفية حسابات أو خلفيات وإنما تطهير هذا القطاع من التراكمات السابقة التي ظلت لسنوات عالقة دون أن يلتفت إليها أحد، خاصة منذ بداية التأسيس وغياب سلطة ضبط الصحافة المكتوبة أو جهة قادرة على مراقبة الصحف في مسارها المالي خاصة.
وتبعا لكل هذا، فإن القراءة الأكثر صلة بالتمويلات الخارجية هي مسألة تأثير قوة المال على خط الجرائد وهذا بتوجيهها توجيها مقصودا، في تناولها للقضايا السياسية أو الاقتصادية لتتحول إلى معول هدم، باعتماد خيار المعارضة، ليس من صميم قناعتها المهنية، لكن بنقل تعليمات وتوصيات الآخرين وهذا، للأسف، ما وقع فيه البعض.
ليس هناك أخطر من وقوع الجرائد تحت طائلة الضغوطات المالية، ففي حالة قبولها لما يمنح لها ستصبح أداة طيّعة في أيدي اللوبيات السياسية ورجال الأعمال، أي قوى غير إعلامية تتحكم في هيئات التحرير.
للأسف، عشنا هذه التجربة المريرة عندنا، منذ أن سمح بعض الإعلاميين لأنفسهم بالتحالف مع قوى المال في الخارج والداخل، عندما يمنح الاعتماد للمهني لإنشاء صحيفة يستولي أصحاب المال على العنوان باسم «الأغلبية في الأسهم» ولا يجد ما يفعله الآخر أمام هذا الواقع المفروض عليه، سوى الإنصياع لإملاءات هؤلاء.
هذا الانشغال المهني الصادر عن السلطات العمومية، يعد مشروعا من عدم ترك قوة المال تتغول على الفعل الإعلامي لترتقي إلى أداة ضغط تجاه السياسات العمومية المتبناة، وهذا ما يؤدي حتما إلى إعادة تنظيم القطاع وفق رؤية مخالفة تماما لما كان سائدا من قبل. وهذه الإرادة في التغيير نلمسها اليوم في خطاب وزارة الاتصال، التي تريد تغيير أطراف المعادلة في المشهد الإعلامي الحالي.
وأولى بوادر هذا التحرك، الانطلاق في تطهير الوكالة الوطنية للنشر والإشهار التي تحوز على 70٪ من مادة الإعلانات بإضفاء عليها أساليب تسيير حديثة لا تسمح بإعطاء الإشهار لمن هب ودب، بل إن كل من دخل هذا الميدان يتحمل مسؤولية في جلبه من السوق الوطنية عن طريق إنشاء مصالح للماركتينغ والإعلانات، هذا هو الخيار المطروح لاحقا.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19472

العدد 19472

الجمعة 17 ماي 2024
العدد 19471

العدد 19471

الأربعاء 15 ماي 2024
العدد 19470

العدد 19470

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19469

العدد 19469

الثلاثاء 14 ماي 2024