عن عمر ناهز 92 سنة

أب الصناعـــة الجزائرية عبـــد السلام بلعيـد في ذمة الله

نور الدين لعراجي

 شمعة تاريخية أخرى تنطفئ وترفعها الأقدار إلى عليين، صوت من الرعيل الأول للجزائر يرحل والجزائر تستعد لاحتفالات الذكرى 58 لعيدي الاستقلال والشباب، إنه عبد السلام بلعيد أحد رموز الطلائع الأولى للحركة الوطنية والطلبة الجزائريين ومن المجاهدين الأوائل بثورة الفاتح من نوفمبر 1954، هو القادم من مدينة عين الكبيرة بالهضاب العليا بسطيف، وجه مشرق ذو صوت جهوري، مخرجاته مزيج من العربية، الأمازيغية والقليل من الفرنسية.
انخرط الفقيد وهو طالب في ريعان الشباب ضمن مؤسسي رابطة الطلاب المسلمين في شمال إفريقيا ما بين سنتي 1951-1953 ثم عضوا مؤسسا لاتحاد الطلبة الجزائريين بعد التحاقه مباشرة بالثورة في جويلية 1955، وبعدها بسنة تم الإعلان عن إضراب الطلبة التاريخي في 19 ماي 1956 الذي صار فيما بعد يوما وطنيا يحتفى به تخليدا لهذه الوثبة الثورية، ودورها في مسار الثورة التحريرية على المستويين المحلي والإقليمي وماعرفه الإضراب من تضامن دولي، تحدثت عنه الصحافة الدولية بما فيها الاستعمارية، خاصة اليسارية منها التي وقفت بعض أجنحتها مع المد الثوري التحرري للطلبة ومن خلالهم المجاهدين في الجبال.
وبالولاية الخامسة التاريخية، بغرب البلاد أسندت للفقيد بلعيد عدة مهام في إطار الهياكل المؤقتة التي بادرت بها الحكومة المؤقتة، إلى غاية وقف إطلاق النار، ليكلف فيما بعد بتسيير الشؤون الاقتصادية في الهيئة التنفيذية المؤقتة.
تقلد المرحوم بلعيد عدة مناصب سامية في الدولة، أبرزها تلك المتعلقة بعالم الصناعة والطاقة، حيث يلقب برجل الصناعة الحديثة في الجزائر، وارتبطت باسمه الصناعة الهيكلية على غرار مصنع الحجار، أرزيو والونزة بتبسة، وتولى رئاسة الوفد الجزائري المفاوض مع الطرف الفرنسي بخصوص ملف الطاقة، ليشغل بعدها أول منصب له كمدير عام لشركة سوناطراك سنتي 1964 / 1965 فوزيرا للصناعة والطاقة لمدة 12 سنة كاملة في الفترة الممتدة من 1965 / 1977.
كما تولى الراحل منصب وزير للصناعات الخفيفة لسنتين من 1977 / 1979، فرئيسا للحكومة في عهد رئيس المجلس الأعلى للدولة المرحوم علي كافي، تزامنت مع الانفتاح السياسي ودخول الجزائر العشرية السوداء «1992 / 1993».
بعد أن تقاعد من العمل الحكومي، وصار مواظبا على حضور الملتقيات الفكرية والتاريخية، إما محاضرا أو مقدما شهادات عن تجاربه في الحياة، سواء ضمن فعالية حركة الطلبة الجزائريين أو كرفيق للرئيس الراحل هواري بومدين الذي يعتبره ملهمه ورفيق دربه.
الفقيد عبد السلام بلعيد لم تحجبه السياسة عن الأنظار بل ظل وفيا للكتابة في المقالات أو من خلال الإصدارات «مقالات وأفكار»، التي أصدرها وحملت أغلفتها صورته وخطت على صفحاتها عصارة أفكاره، ونظرته للحياة كتمرس وقائد في أحلك المراحل التي عرفتها الجزائر، بحيث يعتبر من المجاهدين الذين طالبوا بكتابة التاريخ عن طريق الشهادات الحية لأصحابها، وهو الأمر الذي أدخله في حرب مع ضباط فرنسا في الجزائر كما كان يسميهم في كتاباته.
لعل آخر مرة تحدثنا فيها إليه كانت في جنازة العقيد محمد الصالح يحياوي عضو مجلس الثورة، حيث بدا عليه التعب وأرهقته ظروف الحياة، بعد أن تفرق عنه الأحبة وفارقوا الديار.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19813

العدد 19813

الخميس 03 جويلية 2025
العدد 19812

العدد 19812

الأربعاء 02 جويلية 2025
العدد 19811

العدد 19811

الثلاثاء 01 جويلية 2025
العدد 19810

العدد 19810

الإثنين 30 جوان 2025