بدأت معالم المقاربة الاقتصادية والاجتماعية للجزائر الجديدة تتضح بالتركيز على «الإمكانيات الوطنية»، لتكون قوة فاعلة في تحقيق الديناميكية المرجوة والمساهمة في إرساء اقتصاد وطني خارج الريع البترولي.
ركز رئيس الجمهورية في مجلس الوزراء الأخير، على تطوير بعض الأنشطة التي تمثل الدعم اللوجيستي كمنظومة النقل، وفتح آفاق أخرى للاستثمار الداخلي وجلبه حتى من وراء البحار عبر تقديم بعض التحفيزات والتسهيلات، والحرص على الشفافية والوضوح من خلال الاستفادة من التكنولوجيات الحديثة، لاسيما ما تعلق بالرقمنة والاحصائيات.
في هذا الإطار، ركز رئيس الجمهورية على أهمية الرقمنة في مختلف الدوائر الحيوية كعامل من عوامل اختصار الوقت، لاختيار وتنفيذ مختلف القرارات الاقتصادية، بالاستفادة من المعلومات ومعرفة وحسن استعمال التكنولوجيا الحديثة المتطورة، ولذلك جاء الأمر بالإسراع في رقمنة القطاعات والدوائر الوزارية وتحقيق الربط بينها لتقاسم وتنسيق المعلومات وتدارك التأخر المسجل في رقمنة دوائر حيوية، وفي إحصاء الثروة الوطنية لمعرفة قدراتنا واحتياجاتنا للحصول على مؤشرات اقتصادية تساعد على تجسيد المقاربة الاقتصادية الجديدة، وبناء استراتيجية ذات فعالية بعيدا عن الفساد والضبابية.
في المقابل، تم التأكيد على أهمية الاحصائيات أو بالأحرى امتلاك مؤشرات إحصائية تعكس الصورة الواقعية للوضع الحالي بالجزائر، والتي تمكننا من وضع تصور للتوقعات والتقديرات للاحتياجات المستقبلية المتعلقة بمختلف الجوانب، فهي تبرز كعنصر أساسي لأي تخطيط تنموي، وبدونها فإن جهود الدولة للوصول الى التنمية لا يمكن ان تتحقق على أرض الواقع.
وتسمح المعلومة الإحصائية بتصنيف البيانات ذات العلاقة بالأنشطة والقطاعات الاقتصادية وتحليلها والحصول على النتائج الخاصة بها، لاسيما الإحصاءات المتعلقة بالقطاعات الحساسة كالفلاحة والصناعة، وكذلك إحصاءات النقل والمواصلات والتجارة الداخلية والخارجية، لكن بشرط أن يتصف مصدرها بدرجة من الثقة والمصداقية والدقة في توفير تلك البيانات.
ومن هنا تبرز أهمية إشراك الجماعات المحلية في بناء الشبكة الوطنية للإحصائيات لتدارك الثغرات والنقائص من خلال توظيف أعوان مختصين في كل هياكل الدولة، واستخدام إمكانات الدولة في الإحصاء الجوي والأرضي للحصول على مؤشرات دقيقة.
من جهة أخرى، تطرق مجلس الوزراء الى منظومة النقل بمنح الأولوية لتطوير شبكة السكك الحديدية حتى تشمل كل جهات الوطن، إضافة إلى بناء وتشغيل ميناء الوسط الحمدانية، بل وذهب الى طرح تأسيس شركة نقل جوية وطنية إضافية لتلبية الطلب باستغلال أفضل للمطارات الداخلية، وبفتح خطوط جوية دولية جديدة للزيادة في قدرات النقل الجوي الوطني، ناهيك عن مراجعة منظومة النقل البحري بتحسين تسيير الموانئ، وفتح محطات بحرية جديدة، وتعزيز الأسطول البحري الوطني لوقف نزيف العملة الصعبة، خاصة وأن الأسطول الحالي لا يغطي إلا حوالي 3% من البضائع المستوردة.
وتبرز أهمية إعادة النظر في مسألة النقل بالجزائر في الأهداف الرامية لفتح آفاق جديدة ورسم الملامح المستقبلية للاقتصاد الوطني وذلك بتوفير بنية تحتية وشبكات نقل قوية ليكون بالفعل دعامة أساسية للتنمية الاقتصادية.
في المقابل تعد المؤسسات المصغرة أو الناشئة إحدى الآليات المعول عليها في تحقيق الإقلاع الاقتصادي، سيما في بناء أرضية اقتصادية صلبة تلبي طموح الوصول سنة 2024 إلى مليون مؤسسة مصغرة قادرة على المساهمة في إنشاء الثروة الوطنية وتشغيل اليد العاملة الشبانية المؤهلة والمكونة.
وتبرز أهميتها في أنها الأقدر على إيجاد حلول للانشغالات اليومية وتعزيز الكفاءة الاقتصادية المرجوة لما تتميز به من ابتكار ولعل أحسن مثال على ذلك الابتكارات المسجلة خلال الجائحة، ولهذا فإن إنجاز مناطق صناعية على مستوى النسيج الصناعي هو من أجل وضع «نظام مناسب لإنعاش وتطوير هذه المناطق، على قول وزير المؤسسات الصغيرة والمؤسسات الناشئة وإقتصاد المعرفة ياسين جريدان.